الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصدمة النفسية .. أشكالها العيادية وأبعادها الوجودية

مازن لطيف علي

2009 / 7 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إنجاز جريء ، لأنه يقتضي التخلي عن دروب معبدة جدا ، في العلاج التحليلي الكلاسيكي مما يوجب على الممارس أن ينسى معارفه لكي يستعيدها هكذا مايذكره إيف ديكريست في مقدمته لكتاب “الصدمة النفسية _ أشكالها العيادية وأبعادها الوجودية “ للدكتور عدنان حب الله الطبيب والمحلل النفسي الصادر عن دار الفارابي _بيروت وهو بعودته الى النصوص الأساسية .
يذكر بأن فرويد قد أشار إلى صعوبة اللاوعي عند أفراد يجابهون صدمة . لأن الصدمة عندما تربط الذات بالحدث تكمل وظيفة تجاهل الأنا ، وتحوله عن ماهو جارٍ له في الاستيهام اللاواعي ، وعندما تغيب الذات يقتصر الكلام على المصير عن القدر .. في مدخل كتابه يشير حب الله ان الصدمة اصبحت الان مؤثرة في مجتمعنا ، وهي لاتنفك تتكرر وتلامس بإزدياد دائم العياديين في مقاربتهم اليومية ، ويكفي أن ينظر المرء حوله لكي يتحقق أن مشاكل متعددة تتجه نحو السببية الصدمية ، والتي هي مصدر العديد من الاضطرابات السلوكية _ المرضية ، ان الصدمة تأتي دائما على أثر قطع ، قطع الانسان عن وسطه الطبيعي ، قطعه عن صورة مطمئنة، وعن مشرع مثالي في نظره، وعن عائلته وعن بيئة اجتماعية . وقد ارتبط اكتشاف التحليل النفسي منذ بدايته بمفهوم الصدمة فلا يمكن الاشارة الى عصاب ما دونه رجوع إلى السببية الطارئة التي اعترضت التطور والنمو الطبعي للذات . وقد كانت الصدمة النفسية أول مفهوم فرويدي ، حيث أعطى فرويد للعامل الصدمي دوراً اساسياً في الهستريا.. ويذكر حب الله ان فرويد لم يتخل ابداً عن الصدمة كمفهوم يفسر العصاب الأمر يتعلق بتحول أو انتقال أو تبدل في النظرية ، وبانقطاع يتلاحق ويستمر في استمرارية مساره ، فعبر كتاباته الطويلة لم ينفك في الرجوع إلى النظرية الصدمية يتبدى ويظهر ، كان فرويد يحاول في كل مرة ان يدمج الظاهرة الصدمية في محمل نظري ، لكي يجعلها أيسر فهماً وأكثر تماسكاً . فقد اكتشف فرويد باكراً جداً صدمة فشل الكبت للفالوس ، كنقطة انطلاق في كل صياغة نظرية متعلقة بنمو وتطور الأنوثة النسائية ، وهذا الفرق الصغير تشريحياً بين الصبي والبنت سوف يأخذ فيما بعد عندما يسجل أولهما إلى الحرمان _كما استخرج لاكان_ ويحيل التالي الى الخصاء.
تناول حب الله ثلاثة أوضاع مختلفة ، عمل ارهابي ، حرب اهلية ، حرب تقليدية .. حيث يرى ان الاغتيالات الارهابية اصبحت اليوم ظاهرة سائدة في العالم ، سواء بطريقة السيارات المفخخة او بالقنابل ، او بالرصاص ، ففي بعض الاحيان شوهد الجمهور بعد تعرضهم للإنفجار سيارة مفخخة ، ينطلق هائجاً ويرتكب مذابح جماعية إذا صادف وإلتقى مشبوهين مفترضين او افراداً قريبين من مرتكبي الجريمة ، مع الاستعداد التام للأعتراف بالبراءة ، إنه الندم والتكبيت والشعور بالذنب هو الذي يسود .. ام عن الحرب التقليدية فيرى حب الله انه عندما تعلن دولة الحرب على دولة اخرى يكون الشعب والسكان كلهم متورطين ، ويؤخذ الشعب بالتعبئة العامة بأسم الوطن ، ويلاحظ ان منطق الحرب مسجل في الطبيعة البشرية ، إن عدواً محتملاً هو عدو دائم الحضور، كما الظل المهدد ، وهكذا تعاش الحرب على انها مسرح بسيوكودراجي جماعي يساهم فيها كل مواطن انطلاقاً من هوامه الخاص ، وهي توهمه بأنه سيجد الحل النهائي لصراعه الاوديبي الكامن في الأعماق .. اما الحرب الاهلية فيلاحظ حب الله انه لاتكمن المشابهة والمماثلة بين حرب اهلية وحرب تقليدية ذلك ان السياق مختلفة تماماً ، فالتورط في الحرب الاهلية والخضوع لقانونها يمثلان بذاتهما صدمة بالنسبة الى غالبية السكان ، فالسمة المميزة للحرب الاهلية هي اندثار اسم الاب الذي يترجم إما بقتل الأب الرمزي رئيس الدولة ، وإما بالقتل الحقيقي لكل مايكثل كونه واحد يزرع الفوضى وينشر الشقاق في جماع الامة لأنه يطال كل فرد في بنيته النفسية ، فالحرب بين الاعراق اصبحت اليوم امراً واقعاً في كل مكان في العالم ، إن القومانية المسيطرة والتي كانت منشأ العديد من الحروب ، احتلت المكان منذ الحرب العالمية الثانية ، أمام تعلق إثني عرقي وديني بشكل خاص ، ويطرح المؤلف سؤاله ماهو شأن الفرد (الذات) المصدوم في سياق الحرب هذه ؟ ويتطرق المؤلف الى ان مسألة الصدمة لم تستعد أهميتها العيايدة إلا منذ فترة حرب فيتنام ، فلقد خضع رجوع 500.000 جندي أمريكي إلى وطنهم ، كجواب على الصدمة التي اصابتهم على الارض ، وضعاً جديداً . إن وطأة هذه الحرب كانت شديدة الى درجة ان الشعب الامريكي جعل منها عقدة قومية أو عصاب وطني.. سؤال بالغ الاهمية يطرحه حب الله هو : هل يمكن القول إن العامل الصدمي كافِ من أجل تفسخ وزعزعة الفرد ، وبالتالي جعله من جراء ذلك عصابياً. هذه المسألة الأساسية التي أصطدم بها فرويد وتلامذته ، أظهرت عدم كفاية مفهوم الصدمة في تعميمها ، ولكي يحيط فرويد بهذا التناقض أدخل العامل العصابي التكوين المسبق الذي يفسر بأن فرداً ما يكون أكثر عرضة من فرداً آخر تجاه حدث واحد ودون ان ينكر أهمية الحدث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ..هل يستجيب نتنياهو لدعوة غانتس تحديد رؤية واضحة للحرب و


.. وزارة الدفاع الروسية: الجيش يواصل تقدمه ويسيطر على بلدة ستار




.. -الناس جعانة-.. وسط الدمار وتحت وابل القصف.. فلسطيني يصنع ال


.. لقاء أميركي إيراني غير مباشر لتجنب التصعيد.. فهل يمكن إقناع




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - نحو 40 شهيدا في قصف إسرائيلي على غ