الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النفاق ظاهرة انتهازية تدميرية

محمد نبيل الشيمي

2009 / 7 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


النفاق اصطلاحا إظهار الخير وإسرار الشر وقد اختلف في أصله والثابت انه من جنس الخداع والمكر وإظهار الخير وابطان الشر ويقول السلف عن المنافق هو من يخالف قوله فعله وسره علانيته ومدخله مخرجه ومشهده مغيبة ويقول الحسن البصري من النفاق اختلاف اللسان والقلب واختلاف السر والعلانية واختلاف الدخول والخروج والمنافق في رأيه هو من فسد باطنه وصح ظاهره واسَ النفاق الكذب .
ومن خصال المنافق المذمومة انه يفعل فعلا ويظهر انه قصد به الخير ولكن في الحقيقة يهدف من ورائه خديعة من ينافقه للوصول إلى أهداف معينة وهو في ذلك يمارس التضليل والتملق والتزلف والإطراء والثناء لمن ينافق ومن خصال المنافق أيضا التذبذب والتقلب فهو اليوم مع من له عنده حاجة ... وغدا مع غيره اى انه دائما انتهازي يخفى من ذميم الصفات ما يبديه من الكلام الجميل والمدح المبالغ فيه
والنفاق من الأمراض الخطيرة التي تصيب الأمم وله أثار سلبيه تدميرية على أفراد المجتمع فالبعض يرى انه طبخة شيطانية مركبة من كل العيوب والمثالب الشخصية كالجبن والطمع والمنافقون انانيون بالطبع ولا يهمهم سوى ضمان مصالحهم ويبررون سلوكهم الفاسد ويعتبرون ما يقومون به كياسة وفطنة أو فن تعامل أو دبلوماسية .
ولكن الحقيقة أن النفاق احد حالات الانحراف وعقده نقص لدى البعض ومن أخطاره أن من الناس من يقع في شرك المنافقين ويصاب بداء العجب والتيه – وقد جاء في الأثر أن احد أسباب طيش الحجاج بن يوسف الثقفي بعد توليه حكم العراق مدح الناس له مدحا لا نظير له - صدقه حتى صار أحمقا طائشا سفيها .
ويرى علماء النفس والاجتماع أن النفاق ظاهرة نفسية راجعة إلى فساد الطبائع وعادة يكون المنافق مرائيا ومداهنا ويعمل على التعدي على حقوق الآخرين حتى ولو كان هناك تجاوزا للفضيلة والشرف من خلال التفريق والدس والوقيعة بين الناس واستغلال الخلافات وتوسيع شقتها والإفساد في الأرض وفى هذا الصدد يقول الإمام ابن القيم الجوزيه في مؤلفة زاد المعاد في هدى رب العباد ( زرع النفاق ينبت على ساقيتين ساقية للكذب وساقية الرياء ومخرجهما بين عينين عين ضعف البصيرة وعين ضعف العزيمة )
ويقول د . نبيل عبد الفتاح في مقال نشر بجريدة الأهرام في 2/7/2009 تحت عنوان ( فائض النفاق السياسي والاجتماعي في مصر – بان النفاق السياسي
والاجتماعي يتزايد في المرحلة الراهنة في ظل اتساع الفجوات الاجتماعية بين الاثريا عند القمة والفقراء عند سفح الهرم الاجتماعي ويبين الشرائح بعضها بعضا ويرصد الأسباب التي أدت إلى ذلك رصد بعضاً منها وأنقلها بتصرف وهى :-
• ارتفاع معدلات الفساد والمحسوبية والوساطات في الحصول على فرصة عمل أو الحصول على ترقية مستحقة أو على فرصة علاج .
• السلطة المطلقة التي لا رادع لها من الدستور أو القانون فضلا عن شخصنة السلطة .
• اعتماد ثقافة النفاق على ثقافة الخنوع والاستسلام الشائعة تاريخيا لدى غالبية المصريين في مواجهة الأقوياء .
• الخلل في أنظمة التنشئة الاجتماعية والسياسية ونظم التعليم .
ويضيف د . نبيل عبد الفتاح أن النفاق هو آليه مداهنة للسلطة السياسية والدينية والاجتماعية ومحاولة لتكييفها مع مصالح بعض المنافقين عند كل مستوى لها في ظل غياب للشفافية والمساءلة ودوله القانون .... ويرى أن النفاق ألوان وأشكال فمنه النفاق السياسي والديني والصحفي الذي في نظره اخطر أنواع النفاق نظرا للتأثير الكبير للإعلام على الرأى العام .
وفى رأيي أن من اخطر نتائج النفاق تمويه الحقائق على صانعي القرار وتخديرهم وتعطيل اهتمامهم بأحوال المواطنين وعلى الجانب الاخلاقى فان النفاق يؤدى إلى شيوع الشقاق والحقد وبسببه تندثر القيم وتتسرب الضمائر ذلك أن المنافق يحتال على الواقع ويسرق حقوق الغير ويضرب المبادئ في مقتل ... من حيث استعداده الدائم على تنفيذ كل ما يوكل إليه من أعمال حتى ولو كانت في غير صالح العمل .
والأخطر أن يقفز المنافق إلى المناصب الهامة والمؤثرة ويملك القدرة على اتخاذ القرار وهنا يكون الضرر بالعمل والعاملين حيث لا يكون همه سوى مزيد من النفع له في الوقت الذي يطيح فيه بالأكفاء ويهدر مصالحهم ويأكل حقوقهم وقد يتفق معي البعض أن النفاق احد أسباب التخلف الاقتصادي لدول العالم الثالث التي يعشش فيها النفاق السياسي حيث تعانى هذه الدول من تدنى معدلات التنمية وانخفاض متوسط نصيب المواطن من الدخل القومي .
المنافقون يداهنون الحكام الفاسدين بل والبعض منهم وصل به الجرأة إلى تأليه الحاكم واعتبار الخروج عليه حتى ولو كان ظالما خروجا عن الدين... والعالم العربي والاسلامى يعج بالمنافقين بل أن الظاهرة تزيد حتى أصبح من الصعب القضاء عليها في الأمد القصير .
إن هناك ترابطا عضويا بين ظاهرة النفاق والاستبداد السياسي والطغيان فهو محصله للحالة الاجتماعية للمواطنين فالهلع والخوف من استبداد السلطة وطغيان الحكام يزيد من هذه الظاهرة –ويقول د. إمام عبد الفتاح في كتابه الهام ( الطاغية – دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي – سلسلة عالم المعرفة العدد 183 ) أن الطاغية يختار الفاسدين من البشر في نظام حكمه ليكونوا له أصدقاء فهم عبيد النفاق والتملق والطاغية تسره المداهنة وينتشى من النفاق ويريد من يتملقه . ولن تجد إنسانا حرا شريفا يقدم على مثل هذا العمل فالرجل الخير يمكن أن يكون صديقا ولكنه لا يمكن تحت أي ظرف أن يكون مداهنا أو متملقا – أما الرجل السىء فليس لديه الاستعداد للقيام بهذا الدور فحسب وإنما نراه يسعى اليه .
ومن عادة الطاغية ألا يحب رجلا ذا كرامة أو رجلا شريفا أو صاحب شخصية وباختصار أن الطغاة على كافة المستويات هم المسئولون عن صناعة النفاق – ذلك أن المنافق صاحب الروح الفقيرة هو الذليل الخانع الذي لن يتآمر عليه على الاطلاق ولن يصبح في ظل مجتمع يسوده المنافقون فعل أي شيء في مواجهة السلطة الحاكمة المتجبرة الظالمة والمشاهد لأحوال الدول الديمقراطية يتبين له عدم وجود اى شواهد تدل على وجود ظاهره النفاق لان أسبابه تكاد تكون معدومة فهناك الأحزاب التي تتداول السلطة بناء على ماتفرزه صناديق الاقتراع وهناك الصحافة الحرة وأجهزة الإعلام غير الخاضعة لاملاءات السلطة أو رشاوى رجال الأعمال وتعمل دائما على بث المبادئ الديمقراطية والدفاع عنها وهناك منظمات المجتمع المدني الفاعلة وهناك إعلاء القيم المواطنة واحترام لحقوق الإنسان بغض النظر عن الدين واللون والجنس أيضا هناك المجالس النيابية الفاعلة التي تمارس دورها الرقابي على أداء الحكومة بدون هوى أو غرض حتى أننا رأينا أن بعض النواب يخرجون عن الالتزام الحزبي عندما يتعلق الأمر بقضية قومية ثم هناك القضاء المستقل فضلا عن وجود نظام تعليمي يعمل على تعويد الأجيال منذ نعومة أظافرهم على احترام الرأي الأخر وتقديس رأى الأغلبية طالما استهدف مصلحة الوطن .
ولكن أين نحن في العالم العربي من هذا كله ؟
الحقيقة أن الطبقة الحاكمة بكل مكوناتها تمارس ضغوطا هائلة على مواطنيها من خلال القمع المادي والمعنوي وتقوم أجهزة بعينيها بهذا الدور و لايفلت عادة من هذا سوى المقربين من السلطة الذين يعملون أبواق دعاية لها داعمين لفكر رجالها وسلوكهم حتى ولو كانت ممارساتهم لا تصب في صالح جموع الشعب وتستخدم السلطة قواها القمعية لإسكات معارضيها بل أن هناك من الحكام من يستخدم كل الأساليب التي يمكن أن تسكت المعارضين سواء بقطع الأرزاق ووصد كل الأبواب أمام حقوقهم المشروعة .
لقد أنتجت النظم الديكتاتورية واقعا غير اخلاقى من أهم مظاهره وصول المنافقين إلى اعلي قمة الهرم السياسي والادارى والثقافي والاعلامى فضلا عن تفريغ النقابات العمالية من القيادات الصالحة الوطنية التي تدافع عن مصالح أعضائها .
.... وبهذا أصبح المنافقون يشكلون عمقا اجتماعيا للطبقة الحاكمة ومن خلالهم أمكن السيطرة على كل مكونات المجتمع
أن الأمر بجد خطير ولا أمل في القضاء على ظاهرة النفاق السياسي وغيره سوى الديمقراطية ذلك أن الديمقراطية ليست فقط مجرد تداول سلمى للسلطة بل هي إحدى مدخلات التغيير الاجتماعي على كافة الصعد خاصة تلك المرتبطة بطبيعة السلطة المستبدة بحيث يتبدل الخوف والهلع إلى طاقة ايجابية تقود المجتمع إلى التقدم وتقضى على كافة ما يعيق التطوير وتقلل في الوقت نفسه من مظاهر السلبية المتمثلة في النفاق وغيره من الإمراض الاجتماعية .... ويبقى الطريق مفتوحا أمام المجتمع لصناعة أجيال قادرة على التجديد والإبداع من خلال حرية الرأى والمشاركة والانعتاق من الظلم والارتهان والتشيؤ كبديل لمجتمع القطيع الذي يغذيه النفاق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ”أنت رهن الاعتقال“.. توقيف صحفية أثناء توثيقها لعنف الشرطة م


.. أضرار جسيمة إثر إعصار قوي ضرب ولاية ميشيغان الأمريكية




.. نافذة إنسانية.. تداعيات توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي في رفح


.. مراسل الجزيرة: قوات كبيرة من جيش وشرطة الاحتلال تقتحم مخيم ش




.. شاحنة تسير عكس الاتجاه في سلطنة عُمان فتصدم 11 مركبة وتقتل 3