الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقد لا اجتماعي

كفاح هادي

2009 / 7 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لم يكن من القبح ابدا ان يزاحم قطيع من الاغنام كرنفال اقامته احدى قبائلنا الثقافية،فالاغنام تمارس هوايتها المعتادة وترعى مطمئنة في شوارع العاصمة بعيداً عن تآمر الحقول والبوادي، والثقافيون يحتفون بذواتهم في كرنفال الرطانة اللغوية ولا نرجسية في الامر،ففي المدن الصحراوية تتعدد الاوطان،ولكل قبيلة وطن ولكل مثقف قبيلة، والمثقف معني بفك رموز الطلاسم الدستورية للقبيلة،بعيداً عن (هذيانات) ابن خلدون وزندقة جان جاك روسو.
في بلاد الميزوبوتاميا سبقت اورنمو العالم بسن اول القوانين المدنية والجنائية،فقبل الميلاد بالفي عام قدم العراقيون القدماء انموذجاً عالي الرقي من العقد الاجتماعي،ليكون مصدر الهام مدني لـ (لبت عشتار) و(مملكة اشنونا) واعجوبة القوانين (مسلة حمورابي) وفي الالفية الثالثة بعد الميلاد تحول سكان البلد اليباب الى جزر تطفو على بحر من اليقينيات وكل مكتفٍ بذاته،قوم اشاحوا بوجودهم عن ذاكرة العالم الحضارية التي مزقتها حوافر الخيل القادمة من شبق الصحراء.
في مدينتنا الرابضة على هامش التاريخ يخرج رجال الشرطة في غزوة قانونية لينهالوا(انتقاماً) بالضرب والشتم على طفل سرق علبة بسكويت من احد المحال التجارية يملكه قط سمين(مشاهدات عينية)، طفلنا الصغير ولسوء حظه ولد بعد قرن ونيف من موت (فكتور هيجو) ولم يفلح روائيونا المريخيون في تحويله الى (جان فالجان) جديد ورغم ذلك لم ينج صغيرنا من مطاردة (جافير) العراقي،(جافير) هنا لن ينتحر، فهو ابن ارض مباركة لم تنجسها تقاليد البوح والمكاشفات.
اخر الدساتير اقرته مدنية لاتقرأ ولا تكتب،مدنية تنام عند قبر (السنهوري)،ولا تفرق بين ضفاف الراين او كهوف تورا بورا،اخر الدساتير زين بأساور المحاصصات التي حولها سدنة النصوص الى اصفاد قيدت روح الوطن وألقت به في زنزانة التاريخ، ليتم استجوابه وتعذيبه باحدث الادوات الشمولية وتنتزع اعترافاته الباطنية ورغباته الوطنية ومن ثم الباسه حلة دستورية ذكورية،عشتار آثرت الصمت في مطبخ تموز خشية الغضب المقدس،غادرت خصوبتها واختارت الانجاب من دون رغبة،(المرأة العراقية تجرعت من المآسي قدراً لم يتجرع ثلثه الرجل)،بعلها المتصابي عند تخوم الشيخوخة يلوّح لها دوماً بخطيئة حواء،ذلك السلاح العابر للعصور المصوب نحو شريك لايعدو الا ان يكون اناءً للرغبة، الابناء يأنون بصمت لأوجاع الامهات في الوقت الذي يتأهبون لتولي عرش أبوة غاشمة،هكذا هي الصورة دواليك في مضاربنا المدينية، وهناك حيث الاسرة انموذجاً رائعاً لعقد اجتماعي جاء تلبية لعصر التنوير،هناك حيث المجتمعات التي صنعتها حرية التساؤلات والصيرورات، فالحرية فيوضات تنبع من قلب الانسان ولا تتوقف عند علامات الجزم ولاتغرق في وهم النهايات.
أي عقد لاتجري في عروقه دماء الحرية لابد أن يؤسس لعبودية مشحونة بالاذلال والغاء الاخر،وان أي تنصل من المسؤولية والقاء اللوم على الاخر يزيد في بؤسنا ومآسينا وهماً وخداعاً.
المجتمعات المنغلقة محصنة بهزيمتها ولا تعلن ذنوبها خشية ان تتعرى امام موتها البطيء،فلا وجود لمعنى الانسان الفرد في منهجية الفزعات وانفصامات العقل الجمعي طالما يراق دم الضحية(الحرية) على مذبح الحصانات القبلية.
لاندري كيف سيحطم عرافو العهد الجديد(مثقفونا) دائرة الوهم والخذلان بادوات واغراض اليقينيات الايديولوجية والمساحيق الخادعة التي تجمل نصوصهم (الحداثوية)،ثقافتنا مطمئنة لمنجزاتها التعبوية،فلا احد يخشى بعد اليوم من موت شاعر القبيلة جوعاً وسوق الاصطفافات والمكرمات رائج الى يوم لاحرية ولاوجدان معذب.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : شهادة طبيب • فرانس 24 / FRANCE 24


.. -يوروفيجن- في قلب التجاذبات حول غزة • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الذكاء الاصطناعي يفتح جولة جديدة في الحرب التجارية بين بكين


.. إسرائيل نفذت عمليات عسكرية في كل قطاع غزة من الشمال وصولا إل




.. عرض عسكري في موسكو بمناسبة الذكرى الـ79 للانتصار على ألمانيا