الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب القراء عبر الإنترنت

صالح سليمان عبدالعظيم

2009 / 7 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



تتسم ردود أفعال القراء عبر الإنترنت بالانقسام الحاد بين مؤيد ومعارض نحو القضايا التي يتعاملون معها. صحيح أن هناك رأيا ثالثا يتسم بالوسطية ومحاولة التعرض للإيجابيات والسلبيات المختلفة للقضايا إلا أن نسبة الجمهور الوَسطي تتسم بالانخفاض الكبير. ومشكلة الجمهور العربي المتابع للإنترنت أنه جمهور مؤدلج بامتياز، تحكمه نوازع السياسة وتوجهاتها وتقوده حمى الانقسامات العرقية والدينية على السواء، كما أنه جمهور محكوم بالتوجهات المسبقة والممارسات الحياتية المباشرة.
يظهر ذلك بشكل واضح عبر المواقع المثيرة للجدل في عالمنا العربي سواء أكانت صحفا الكترونية أو مواقع تابعة لقنوات فضائية إخبارية أو مواقع تنتمي لصحف مطبوعة. عبر هذه المواقع يمكن ملاحظ حجم الانقسام الهائل بين الجماهير العربية ودرجة العداء الشديد فيما بينها. ورغم الصعوبات المنهجية التي تواجه أي باحث في تقييم هذه الآراء والوقوف على طبيعة القضايا التي تتناولها إلا أنه يمكن تحديد مجموعة من السمات الخاصة بها.
أولى هذه السمات تتعلق بالموقف الحاد الذي يقفه القراء تجاه الموضوعات التي تتعلق بالتسامح والموقف من الآخر والتي تمس في أحيان كثيرة العقائد والأديان؛ غالبا الإسلام. يمكن القول هنا أن كثيرا من المواقع تفتح أبوابها على مصراعيها لكتابات أبناء الأقليات في عالمنا العربي مستفيدة من الدعم الغربي الأميركي في هذا السياق. اللافت للنظر أن بعض هذه الكتابات تتسم بإهانة العرب والمسلمين بدرجة كبيرة وهو ما يدغدغ مشاعر بعض أبناء الأقليات الذين يجدونها فرصة للتنفيس المغرض عن مشاعرهم ومكبوتاتهم.
ومن الغريب في الأمر أن بعض تعليقات المنتمين للأقليات الدينية يصل بهم العنت والصلف إلى رفض بعض الكتابات من أبناء جلدتهم التي تتناول بعض الموضوعات بشكل أقرب للموضوعية وبمسئولية أكبر. فحينما تحدث أحد الكتاب عن ممارسات الكنيسة في إحدى الدول العربية من زاوية الهيمنة الأبوية والاستئثار بالرأي، إذا بالقراء من أبناء جلدته يهاجمونه ويسفهون آراءه، حيث ذهبت الحرية والتسامح أدراج الرياح. فحرب القراء إذا جازت التسمية لا تختلف عن تلك الحرب القذرة التي يشنها البعض ضد المنطقة تحت ذريعة التسامح والتغيير وحقوق الإنسان.
ثاني هذه السمات تتعلق بالتوجه الواحدي تجاه قضايا المنطقة الذي يظهر من خلال العديد من المظاهر مثل الإشادة بالآخر الغربي صاحب الفضل في الترويج لخطاب التسامح في المنطقة ورعاية الأقليات. كما يظهر ذلك أيضا من خلال نقل كل مظاهر الضعف في عالمنا العربي والإسلامي، خصوصا تلك التي تتعلق بأوضاع الأقليات وأحوال المرأة في عالمنا العربي، وخصوصا تلك الأمثلة الصادمة للقراء. لا يعدم الأمر بالطبع نقل التقارير الغربية التي لها وقع مقدس في ضمير هذه النوعية من القراء الذين لا يجدون أية شائبة تلوث الغرب أو تنال منه، فكل ما هو غربي مقدس ومقبول ومحترم لديهم.
تقوم هذه الآراء والتعليقات بدور خبيث يتعلق بالاستهزاء بعقائد المسلمين وثقافاتهم تحت ذريعة حرية الرأي وحقوق الإنسان. والمسألة الخطيرة في هذا الشأن أنها تتجاهل وجود نوع من الإرهاب المعنوي يتم ممارسته ضد العرب والمسلمين بذرائع سخيفة لا تمت لحرية الرأي أو الإنسان بصلة. وفي الوقت الذي يتم فيه التركيز على الإرهاب المادي الذي تمارسه بعض الجماعات الإسلامية يتم تجاهل الإرهاب المعنوي الذي يمارسه بعض المفكرين وقرائهم والذي يؤدي إلى مستويات أكثر خطورة من العداء والكراهية.
السمة الثالثة تتعلق برفض الحوار والنقاش عبر الإنترنت، حيث تتحول المواقع إلى ساحة للعراك والشجار يحكمها قانون واحد صارم وعنيف في الوقت نفسه "من ليس معنا فهو ضدنا" أو " من لا ينتمي لديننا أو عرقنا أو يلبس ملبسنا أو يتسم بعاداتنا أو ثفافاتنا فهو ضدنا". وما يحدث عبر الإنترنت يمارسه البعض الآن في العلن حيث حروب الاستعلاء القذرة المدعومة بالاستقواء بالآخر الغربي والرغبة في التشبه بعاداته وثقافاته.
السمة الرابعة أن بعض المواقع أصبحت تستقطب أنواعا معينة من القراء يجدون راحتهم في سيل الهجوم والتعدي على الآخرين، وهي مسألة مخيفة من ناحية تربية الأجيال القادمة في المنطقة على العنف الفكري وادعاء التسامح والمزايدة على الآخرين. فبديلا عن الدخول في حوارات جادة وحقيقية حول أسباب تخلفنا يستحيل الأمر إلى نوع من فرض الرأي والمذهب والعقيدة، ومحاولة سخيفة من أجل الاستعلاء وفرض الآراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - .النظرة الأحادية هي السبب.
الطيب آيت حمودة ( 2009 / 7 / 17 - 09:56 )
أرى أن أي نزوع نحو التطرف ، سيقابل بتطرف مضاد أشد ، ولا يجد الفكر الوسطي سبيلا للترقيع .هذه ظاهرة في مجتمعاتنا الاٍسلامية التي أحدثت هوة بين الاٍسلام التنظيري
، لا يدري اٍلى هادم لذاته ومقوماته،وأصبح العالم ينظر اليه شزرا وخيفة....؟ .؟

اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية