الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحريات والحقوق حجر الزاوية في احتجاجات طهران

نقولا الزهر

2009 / 7 / 19
المجتمع المدني


ليس هنالك من شك، في أن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران كانت السبب المباشر لتلك الاحتجاجات الشعبية العارمة التي رأيناها في شوارع وساحات طهران. لكن هذه التظاهرات، التي بلغ تعدادها في أيامها الأولى عشرات وربما مئات الألوف، كان يفوح منها عبق الحرية والديموقراطية بمضمونيها السياسي والاجتماعي. كان هذا العبق في الشعارات وأشكال التعبير وملامح المحتجات والمحتجين، وفي أعمارهم الشبابية الغضة، وملابسهم التي كانت تحاول التمرد على الأسود والرمادي القاتمين. كل المشهد يحوم حول الحرية وإن لم تخرج كثيرا من بين الشفاه. الاحتجاجات كانت تحاول اختراق أسوار الشمولية كنظام. وفي الواقع لا فرق بين الشموليات فيما إذا كانت إسلامية أو قومية أو شيوعية. فتظاهرات طهران وباقي المدن الإيرانية، تذكر كثيراً بالاحتجاجات التي كانت تجري في القرن الماضي، في بوزنان وبودابست في الخمسينات ، وفي الستينات في براغ، وفي السبعينات في دانتزغ ووارصو، وفي الثمانينات في ساحة تيانينمن في بكين وغيرها من مدن الدول (الاشتراكية) السابقة.
والشعارات في طهران كانت تحيل إلى الحرية؛ سواء الشعار الرئيسي (أين صوتي؟؟)، أو الشعار الرئيسي الآخر: الموت للديكتاتور...وحتى الشعار الرئيسي الثالث الله أكبر... ، فهو في عمقه مفعم بدلالات مطلب الحرية أكثر من دلالته الدينية، وهو كما يقول المفكر السوري (الراحل الياس مرقص): الله أكبر، مقولة ضد استطلاق النسبي وتحويله إلى مطلق؛ أي ضد كل من يحول نفسه إلى حاكم مطلق، ووكيلٍ لله على الأرض، ليصنع باسمه ما يشاء.. إن الاحتجاج الشعبي الإيراني الأخير بمجمله ينشد التغيير الاجتماعي، باتجاه الحرية والديموقراطية، وهو لا يتمرد على الدين بقدر ما يثور على نظام حكم رجال الدين الشمولي القائم.
*******
الخارطة السياسية للمعارضة الإيرانية التي نزلت إلى الشارع، هي مركبة بكل المعاني. فيها من أهل النظام، وفيها من كامل الطيف الإيراني المعارض. قادتها البارزون من جسم النظام، بل ومن قلبه، وهم رموز مرموقة من مؤسسي ثورة 1979على الشاه، وكذلك تتضمن اللوحة ليبراليين معارضين كانوا شركاء للنظام في أوائل الثمانينات، وكذلك عشرات الألوف من الأجيال الجديدة، من الشباب والنساء والطلاب والمثقفين والأساتذة الجامعيين وغيرهم.
في التيار المعارض رموز كبيرة تنتمي للنظام مثل (محمد خاتمي رئيس جمهورية سابق، مير حسين موسوي رئيس وزراء سابق، محمد مهدي كروبي رئيس برلمان سابق، وكذلك رجال دين كبار مثل آية الله يوسف الصانعي، وآية الله خراساني، وعلي محتشمي، ورجال دين آخرون...). فهؤلاء يعارضون من تحت خيمة النظام الإسلامي، يريدون تغيير شكله ومضمونه وملامحه وأساليبه، الذي أخذ ينحو منحى أكثر شمولية وتسلطاً في عهد محمود أحمدي نجاد. وكذلك عاد إلى المشهد السياسي بعد طول غياب (آية الله العظمى حسين منتظري)، الذي انشق عن النظام منذ أواخر الثمانينات. وهو له موقف مغاير من ولاية الفقيه، فلا يؤيد إعطاءه الولاية العامة، وقد اعتبر في الأحداث الأخيرة أن أي قمع للمظاهرات الشعبية يفتقد للشرعية. وكذلك رجل التوازنات وأحد أركان النظام والذي كان المساعد الأهم للخميني (علي أكبر رفسنجاني)، فهو أقرب في موقفه للتيار المعارض، وإن لم يتكلم كثيراً(وقد وصف الأحداث التي جرت بعد الانتخابات بأنها شديدة المرارة)، وهو ممتنع عن إلقاء خطبة الجمعة في مسجد جامعة طهران للأسبوع الثالث على التوالي، وهو بشكل عام غير راض عن سلوك نجاد لا في السياسة الخارجية ولا الداخلية. وقد اعتقلت لفترة قصيرة ابنته الأكاديمية السيدة فائزة التي كان دورها بارزاً في الاحتجاجات . ومن الذين اعتقلوا من الليبراليين، على هامش الاحتجاجات، الدكتور ابراهيم يزدي، وهو أول وزير للخارجية بعد انتصار الثورة في حكومة مهدي بازركان، ويترأس الآن حزب (حرية ايران ). وما هو لافت في اللوحة الأخيرة، هو ذلك الدور النشط والقوي للمرأة الإيرانية والحجم الطاغي الذي نزلت به إلى الشارع... وهذا إن دل على شيء فهو يدل على رغبة النساء الإيرانيات في التحرر من قيود النظام التي يرزحن تحتها.
*******
ما بات واضحاً في الصراع الراهن على السلطة في ايران، هو أنه أبعد من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهو يدور حول شكل ومضمون النظام الإسلامي القائم، وخاصة حول صلاحيات الولي الفقيه. هذا الخلاف ليس جديداً، وهو في الإطار النظري قديم في داخل المرجعيات الشيعية. وقد دخل منذ انتصار ثورة الخميني على الشاه في المراس العملي، وصار على تماس مباشر مع المجتمع والناس وحياتهم اليومية وحرياتهم وثقافتهم، وكذلك على تماس مع السياسة الخارجية والعلاقات مع الدول.
كان الخميني كولي فقيه يمتلك القدرة على إقامة التوازن بين التيارات داخل بنية النظام الإسلامي، وكذلك خامينئي فقد تمكن من إقامة مثل هذا التوازن بين التيارات المختلفة لحوالي عقدين من الزمن. ولكن في الأوضاع الجيوسياسية الجديدة في الشرق الأوسط، ومع السياسة الخارجية القائمة على مد النفوذ والتي سارت فيها القيادة الإيرانية شوطاً بعيداً إلى الأمام، لم يعد المرشد علي خامينئي قادراً على إقامة هذا التوازن والحياد النسبي في داخل النظام وهذا ما أدى إلى التفجر الحالي.
ففي الأوضاع التي نشأت جراء سياسة بوش الشرق أوسطية، وقعت إيران بعد احتلال أفغانستان والعراق، وضمن انحدار عربي غير مسبوق، تحت إغراء سياسة خارجية طموحة ومتطرفة: العودة إلى تصدير الثورة، توسيع نفوذها إلى البحر الأبيض المتوسط والخليج، وحتى باب المندب في اليمن والصومال والسودان، تطوير برنامج نووي، الكلام على إلغاء إسرائيل من الوجود عبر خطاب شعبوي وايديولوجي، رغبة جامحة بتسنم المركز الأول في قيادة الإقليم، وكذلك التحول إلى دولة كبرى. مثل هذه السياسة الخارجية الطموحة والمتطرفة لم تكن بلا ثمن. فأنتجت الكثير من التوتر في الساحة الإقليمية، ليس فقط مع الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب، وإنما مع الدول العربية ( السعودية وباقي دول الخليج واليمن ومصر والأردن والمغرب..). وحتى تركيا فرغم علاقتها الاقتصادية الجيدة مع ايران، فعلى المستوى السياسي والاستراتيجي لديها هواجس من التوسع الإيراني في المنطقة. ومثل هذه العلاقة التي تقف عند حدود معينة، تنطبق أيضاً على علاقة ايران مع كل من روسيا والصين والهند.
مثل هذه السياسة الخارجية والعسكرية مكلفة لإيران، وهي لم تجلب لها فقط العقوبات الاقتصادية، وإنما تستهلك القسم الأكبر من الموارد الإيرانية النفطية وغير النفطية ،وهذا كله انعكس على الداخل الإيراني، و الوضع المعاشي للشعب. ولم يستطع محمود أحمدي نجاد أن يفي بوعوده الاجتماعية. بل زادت الأحوال المعاشية سوءاً على كل المستويات.
ما حدث في ايران أخيراً لا نعتقد أنه سحابة صيف، ولا نعتقد أن القمع قادر على إطفاء جذوة هذه الحركة. فالمشهد يبدو أنه قد أفضى إلى تأسيس حركة معارضة مؤثرة في الساحة السياسية الإيرانية، ذات برنامج تغييري باتجاه تقليص صلاحية الولي الفقيه وتكريس الملامح والسمات المدنية للنظام، وتوسيع الحريات والحقوق المدنية والسياسية و الشخصية وتحرير النساء من قيودهن....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لفكر الشمولي فاشل بغض النظر عن هويته
علي الانباري ( 2009 / 7 / 19 - 16:09 )
يوم هب الشعب الايراني ضد نظام الشاه كان يحلم بالحرية والرفاهية وهذا ما كان ينادي به من استلموا زمام الامور وفي مقدمتهم رجال الدين الذين هم اساتذة في تنميق الكلام وتسويقه ولهم قدرة عجيبة على ايهام الاخرين ولا سيما اصحاب النوايا الحسنة ولكن بمرور الايام احس الشعب الايراني بان نظام الشاه ارحم لهم من النظام الجديد المتشنج المعادي لاهل الارض قاطبة الا لبعضذيوله والسائرين في ركابه وهكذا بدات المعارضة تنمو شيئل فشيئا ولا سيما بعد ان خلع الولي الفقيه عباءة المحايد في الانتخابات وانحاز الى السيد نجاد في الانتخابات بما كان السبب المهم في فوزه على موسوي المنافس الاكثر شعبية
ان الشعب الايراني سئم من الخزعبلات والاوهام التى هي عبارة عن افيون يخدر ولا يعالج فهب الشعب متحديا غابة العمائم التي تحجب بسوادها القاتم مستقبله واماله
اشكر السيد كاتب المقال على تحليله الدقيق المبتعد عن المجاملات كما يفعل بعض الكتاب الذين ياخذون دور المدافععن هذا النظام الذي يكرهه حتى اغلب ابناء شعبه فلا تكونوا يا بعض اعزائي الكتاب ملكيين اكثر من الملك وشكرا للجميع ولا سيما موقع الحوار المتمدن الذي يفتح لنا كوة للتنفس في هذا الجو الخانق

اخر الافلام

.. بانتظار تأشيرة للشرق الأوسط.. لاجئون سودانيون عالقون في إثيو


.. الأمم المتحدة تندد بـ -ترهيب ومضايقة- السلطات للمحامين في تو




.. -جبل- من النفايات وسط خيام النازحين في مدينة خان يونس


.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان




.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي