الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صهيل البطل المستبد!!! (1)

عزيز الدفاعي

2009 / 7 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



(1)
)طبائع الاستبداد في مصارع الاستعباد
كلمات حق وصيحة في واد
ان ذهبت اليوم مع الريح
قد تذهب غدا بالاوتاد ) عبد الرحمن الكواكبي

في لحظة ما قررت )المغامرة( بالكتابة عن الرئيس الراحل صدام حسين بعيدا عن اي مفردات توصيفيه او مشاعر شخصية او احكام ومواقف مسبقة خارج الاشمئزاز الذي قد يحمله اي انسان تجاه جمهورية الخوف وبشاعة الدكتاتورية وانحطاطها وماخلفته من كارثة وطنية لازالت تتفاعل داخل خلايا تراب الرافدين وعقلية مواطنيه وضميره مثلما هي حية في مفردات السياسة رغم رحيل بطلها .
هنالك فرق وحيد بين سلوك السياسي وسلوك الكاتب والمفكر المنصف فدور الثاني هو قول الحقيقة بوضوح ودون تزييف وبصورة مباشرة باقصى درجة من الامانه بغض النظر فيما اذا كان ما يعتقده سيرضي السلطة او يغضبها بينما عمل السياسي يستهدف في الغالب المصلحة الذاتية والمحافظة على المركز السياسي والدفاع عن تصورات السلطة القائمة .
ان الاشكالية الكبرى تكمن في هذا السيل الهائل من الكتب والمقالات والتصريحات والمذكرات واخرها مانشرته( الشرق الاوسط)والتي لم تتفق حول تحديد هوية صدام حسين ومشروعه الوطني ودوره السلبي او الايجابي في تاريخ العراق الحديث بما يتجاوز سقوط التماثيل والجداريات والمصالح او وجهات النظر التي يحملها الاصدقاء او الاعداء حتى في لحظة مصرعه الدراماتيكي بعد حضوره الطاغي على مدى 35 عاما في الوعي العام والمتغيرات الزلزاليه التي شهدتها المنطقة وصولا الى حالة الاحتلال التحرري في 9 نيسان ابريل 2003 .
ربما تنبع اهمية هذا الموضوع في هذه الاوقات الحالكة المظلمة التي يطلق عليها عراقيوا الوسط والجنوب (الهندس) والغارقة بضبابية الرؤيا السياسية بفعل العواصف الرملية التي تستحم بها مدن العراق من انه ليس من السهل علينا كشعب ان نقطع هذا المشوار الطويل من الدمار والانتكاسات والتضحيات المخيفه لنكتشف عجزنا الفطري والصارخ عن تصحيح اي شيء او بناء اي جدار في العراق الجمهوري.
رغم انني لازلت مقتنعا مثل الكثيرين بان هناك معركة مستمرة وقضية يجب ان نخوضها رغما عنا تتعلق بهويتنا الوطنية التي باتت على المحك والتي تستوجب منا ترك كل خلافاتنا من اجلها مثلما ختم الرئيس الراحل حافظ اسد كتاب باتريك سيل عن سيرته الذاتية بقوله له (اكتب ...ان الصراع سيستمر )
وكان محقا تماما.
وثانيا:اننا كشعب وامة راهنا وانتظرنا مجيء قائد عظيم يهبط من السماء بمظلة او تنجبه هذه الارض من طينها الحر يكون قادرا على تحقيق الانتصار ....وكان حالنا لايختلف عن انتظار (غودو) الذي لم ولن يجيء ابد!ا ...
وبالاستنتاج فقد هزمنا مرارا... وفشلنا مرارا في تحقيق اي نهوض تنموي او معرفي فراهنا على العامل الخارجي ... على (فرسان النازية) والصليب المعقوف في زمن الجنرال الكيلاني ثم (الخيول الحمراء) في ظل القطب السوفيتي واخيرا لانجد امامنا سوى الولايات المتحدة الامريكية كسند وحيد لمنع تمزيق الخارطة العراقية... وهنا تكمن الانتكاسه .
لكن احدا لم يهب لمساعدتنا ...ولا الاخذ بيدنا نحو الطريق القويم الواضح او حل مشاكلنا العصية, ونسينا الشيء الوحيد الموجود في اعماقنا وعقيدتنا وجيناتنا وهو الاعتماد على الله وعلى الذات وعلى انفسنا وتفعيل ذلك بالتزام كامل وباصرار وعناد على التحدي والنجاح مثلما فعل النمور والدينصورات الاسيويون . فليس هناك فرصة تلوح في الافق لكي نتمكن من التقدم نحو تقرير المصير والحرية ومنع الاعتداء علينا وقتلنا عطشا بل سلخ جلودنا التي اثخنتها السياط ونحن احياء .
والنقطة الثالثة: ان التأريخ العراقي منذ ربيع عام 1991 عدما هبت (عاصفة الصحراء) وتكررت الواقعة في 9 نيسان –ابريل 2003 شهد انتكاسة كبرى بفعل مصفوفة الانتحار والهزيمة العسكرية والتدخل الخارجي وفشل القوى الوطنية العراقية التي خذلت مرارا بالوعود الخارجية والتباغض والتمزق وخذلان العمق العربي بحيث عجزنا عن اسقاط النظام الدكتاتوري بايدينا بتضحيات جسام مثلما تفعل الشعوب الحية بل تبجحنا فقط بان الجزائريين قدموا مليون شهيد من اجل حريتهم وكنا( ابطال) اشاوس في ملاحم الصراع الطائفي بعد مؤامرة تفجير سامراء عام 2006 .
ربما يكون ذلك بسبب تبعية النخب السياسية وفرار المثقف عن المواجهة وتناسي الحكمة التي حفضناها كبشر واعين مثلما قال:- ريموند وليامز انه لايوجد نظام اجتماعي مهما كان قمعيا يستطيع ان يقضي على كل بديل اجتماعي له يمكن ان يناقضه او يقاومه .
ولان الجماهير العراقية,مثلما استنتج الشهيد عبد الزهره عثمان ,كانت تسبق قياداتها دائما فان ذلك شكل سابقة خطيرة لم تعرفها حركة الجماهير في العالم الثالث .من هنا كان علينا ان نبحث عن تفسيرات في سيرة البطل ودوره في بناء الدولة القومية ليس على طريقة الروائي غابريل غاريسيا ماركيز وانما من خلال التوقف عند دورالبطل القومي في السياسة العراقية المعاصرة .
وحين نقرأ كتاب المؤرخ الروسي المعاصر سرغي بليخانوف (دماء فوق الرمال) نقع في ارتباك فكري بشأن القواسم المشتركة بين شخصية جمال عبد الناصر واحمد بن بلا وحافظ الاسد ومعمر القذافي وصدام حسين تلك القيادات القومية العربية التي كانت تمثل في نظر البعض نوعا من الميكافليه السياسية او مايطلق عليه بـ(الايديولوجيا اليعقوبية) التي تمهد لظهور القائد القومي العسكري في مجتمع سابق لظهور الراسمالية لبناء الدولة البرجوازية الحديثة في ظل النظام الوطني الديمقراطي والتي كانت محصلة لمسلسلات الانقلابات العسكرية منذ انقلاب بكر صدقي في العراق وحتى انقلاب النايف – الداوود والبعثيين في بغداد في 17 تموز-يوليه 1968 دون ان يكون القائد العراقي ضابطا مغمورا او جنرالا مثلما هو الحال مع قادة القومية العربية بل مجرد ريفي محبط قادته الاقدار ليكون سيد العراق الاول بلا منازع.
واذا كان بليخانوف قد ابتعد عن اسلوب الكتابة في الاعلام العربي عن صدام حسين التي كانت غارقة بالبروباغاندا التي اثخنتها الدعاية العربية المحتقنة بفعل ملايين الدولارات في سوق الاعلام المهجري لوليد ابو ظهر وفواد مطر وترويج المهووسين والاقلام المأجورة في سوق الاعلام المصري لدى بعض رؤساء تحرير مايعرف بالصحف القومية التي اجهزت حتى على محتويات السيرة الذاتية لصدام حسين. فأن بليخانوف يستخدم ايضا طريقة مبتكرة وذرائعية باستخدام مصطلح (الكارزما الشخصية) لوصف الزعيم العراقي على غرار ابطال الملاحم الاغريقية في بطولتها وصعودها ونهايتها الدراماتيكية اشارة الى الدور الذي يمكن ان يلعبه الفرد في صناعة التأريخ الانساني وسحبه كالقاطره في ظرف مضطرب يصبح من المستحيل خلاله لوي عنق التأريخ او رسمه وفق المعطيات الموضوعية والذاتية للامة لنكون حينها في استفزاز فكري صارخ لماصاغه هذا المؤرخ والمفكر الروسي الذي بحث عن جذور مرحلة ماقبل الثورات في مخادع وغرف نوم الملوك والامراء في القرون الغابرة .
لكن بليخانوف وصلاح سلمان وامير اسكندر وغيرهم من الذين كتبوا سيرة صدام حسين يلتقون في فهم مضطرب لدور الانسان في صناعة الحدث الجمعي بما يظهر جميع الاحداث وكانها معطيات مطلقة لدور الفرد في صناعة المشروع السياسي... وكانهم يقومون باستغفالنا بكتابة سيناريو عمل روائي لايختلف كثيرا عن ( الايام الطويلة ) لعبد الامير معله رغم ان صدام حسين اعدم بطل الفلم الذي اخرجه المصري توفيق صالح عندما خرج البطل (صدام كامل) عن النص ربما بوعي سايكولوجي لدى البطل الحقيقي في الانتقام من ذاته الممزقة الخائفة .
وبنفس البراعة يتم تزوير وقائع ثورة العشرين وابطالها الحقيقيين للمخرج محمد شكري جميل بايعاز من الرئيس العراقي الذي حث العديد من النخب المثقفة على اعادة كتابة التأريخ العراقي على المسطرة. ولانجد انفسنا مضطرين للدفاع عن المؤرخين العلوجي والحسني اللذان كان مخيرين بين الموت او ختم شجرة نسب القائد البطل بربطها زورا بالدوحة الهاشمية دون ان يصدق احد في العراق جذور تلك الشوكة الصحراوية ونسبها الحقيقي .
ان كتاب سيرة البطل يسعون الى تكريس صورة اسطورية عن الشرق مستوحاة من وهج حضارة مابين النهرين غير مدركين ان ماشغل ملوكها كان تنظيم الدولة (مسلة حامورابي 1700 قبل الميلاد) والبحث عن الخلود الدنيوي اكثر من فرعونية مابعد الموت واهراماتها بدليل ان قبورهم لم تختلف كثيرا عن قبور عامة الشعب
من هنا فان ميزان حساب كتلة مثل هؤلاء القادة في التأريخ العربي المعاصر مع اختلاف دورهم واهميتهم وما واجهوه من تحديات تكون بمثابة الصدمة لدى كثير من المفكرين والنخب السياسية غير المؤمنة بجدوى الدولة القومية المستبدة ولاتتعدى كونها في المحصلة النهائية مجموعة غضاريف في فقرات انتقالية تربط بين مراحل متعددة بعضها فاقد للماهية الفاعلة.... واخرى عملت دور المحفز... واخرين صنعتهم الاحداث.
فيما بقي البعض الاخر مجرد كومبارس مثل اسامة بن لادن والضواهري والزرقاوي وعمر عبد الرحمن وحارث الضاري .او انهم فاقدين للهوية حتى مع تصديق طروحات المستشرقين السياسيين والمروجين لافيون البطل المنقذ وسايكولوجية القائد القومي مثل شخصية معمر القذافي مادام تاثيرهم محصورا خارج المشروع السياسي الواضح التضاريس للبطل القومي الحقيقي مع افتراض تصديق معارضة صدام حسين لمشروع السلام العربي الاسرائيلي عام 1977 وخطابه للقادة العرب في بغداد عام 1989 بتحرير فلسطين والقاء اسرائيل في البحر او انتهاجه لسياسة الضم تجاه الكويت لاننا سنجد انفسنا تائهين مع مفكرين واعلاميين خلطوا بين الطائفة والقومية وخدعة الخطاب والنزوع الوحدوي لصدام حسين ليقارنوه تارة بجمال عبد الناصر.... ووصفه بعضهم بانه نسخة عربية من بسمارك فيما اطلق عليه بعد رحيله بانه( سادس الخلفاء الراشدين).!!!
ودون التعليق على هذه الصفة التي تمثل تجني على التأريخ الاسلامي في بعدها الزمني وفي سلوك صدام حسين فان احد منظري الاسلام السياسي وهو علي عبد الرازق يؤكد في كتابه الشهير(الاسلام واصول الحكم )ان الخلافة ليست من اصول الدين الاسلامي . الا ان احدا لم يجرء على تشبيهه بعدوه اللدود الرئيس الراحل حافظ الاسد .
ولعل اعادة قراءة كتاب سمير امين (سوريا والعراق من المشروع الوطني الى الانخراط الدولي ) الذي نكتشف من خلاله انه حتى مع التسليم بنظرية الفرد فان صدام حسين يختلف تماما عن الرئيس السوري الراحل حافظ اسد كقائد وزعيم وصاحب مشروع قومي .

*يتبع الجزء الثاني غدا
بخارست








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موقف طريف بين عمار وحماته ????


.. بريطانيا تحقق في مراهنة مسؤولين في حزب المحافظين على موعد ال




.. هل بإمكان الديمقراطيين استبدال بايدن في الانتخابات الرئاسية؟


.. في هايتي -المنسية-.. نصف السكان يعانون من جوع حاد




.. فيديو صادم يظهر 180 ألف نحلة تعيش في سقف غرفة نوم رجل