الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كُتاب -التربية الوطنية-

هوشنك بروكا

2009 / 7 / 23
المجتمع المدني


في الوقت الذي ينفتح فيه كل العالم على كلّه، ويتواصل كل البشر مع كله، وتدخل أخبار قيام وقعود العالم بكل جهاته، لحظةً بلحظة، إلى كل بيت، نرى في بعضٍ لا بأس به من العالم(البعض المغلق من العالم بالطبع، أو الذي يريد أن يكون هو العالم كله)، نرى كتاباً يتكاثرون من حولنا ك"البكتيريا الثقافية"، يلقون علينا نحن العالم القارئ المتلقي، "دروساً ومحاضرات" في التربية الوطنية، ويعلموننا أسهل الطرق وأقصرها، للوصول إلى قلب الوطن وحبه، على طريقة كراسات وكتيبات التعليم(كتعليم اللغات وفن الطبخ)، التي غزت المكتبات العربية في العقود الأخيرة من القرن الماضي:
"تعلّم الوطنية خلال خمسة أيام"!

وفي الوقت الذي أصبحت ظاهرة "تعليم الوطينة" عربياً(خصوصاً بعد ظهور نخبة لابأس بها من الحداثويين والليبراليين العرب، الذين يريدون لأوطانهم وشعوبهم ومللهم ونحلهم الخروج من عباءاتهم القديمة، وتاريخهم الصدئ الذي عفى عليه الزمن)، ظاهرةً قديمةً طالها النقد والتفكيك والتشريح، فأنها تبقى كردياً، خصوصاً في كردستان الآن، حيث تعيش في العراق ك"شبه دولة"، ظاهرةً قديمةً جديدة.

من يقرأ في "صحافة كردستان"، وبعض ركابها المتسللين إلى الصحافات الأخرى، سيلحظ حجم كارثية هذه الظاهرة، التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من "الصحافة المجيدة" أيام "الديكتاتور المجيد"، و"البعث المجيد"، و"قادسيتهما المجيدة"!

والأنكى، هو أنّ هؤلاء "الركاب الصحفيين"، أو "الركاب الكتاب"، لا يتركون مناسبةً إلا ويكتبون فيها ما تتفتق بها قريحتهم، من "مديحٍ للكراهية"(عنوان رواية شيقة وممنوعة من التداول في معظم الدول العربية، للروائي والسيناريست المبدع، السوري خالد خليفة. تعيد الرواية طرح الأسئلة الممنوعة عن الصراع بين ثقافتين/ ثقافة السلطة؛ ثقافة الكراهية، وثقافة الإخوان المسلمين/ ثقافة الكراهية المضادة، خلال حقبة الثمانينيات من القرن المنصرم) وكل أخواتها الكثيرات اللامحبوبات، واللاشرعيات، في كردستان التي ما عادت "جبلاً صديقاً لأكرادها"، بقدر ما أنها آلت إلى "مزرعةٍ خاصة" يصول ويجول فيها المتنفذون الكبار في الحزب والدين والعشيرة.

فهذا يكتب عن "ديمقراطية كردستان" و"تجربتها الفريدة"؛ الضائعة بين ثلاث "ديمقراطيات غائبة" أصلاً، ولا تمشي على الأرض؛ ديمقراطية المثلث الحاكم(الحزب+الدين+العشيرة)!

وذاك يمدح في "عبقرية" الرئيس، وقيادته ل"سفينة كردستان"، بإعتباره "نوحاً جديداً"!

وثانٍ يصفف كل ما يمكن أن تجتمع في قاموسه من "كلمات عظيمة تليق بمقام العظام"، لكتابة "كتابٍ في المديح" من العيار الثقيل، تدخله إلى قلب الرئيس ونعمته!

وثالث يكتب في "فلسفة الرئيس المستقيمة"(كشارع نيفسكي؛ أحد أكثر شوارع العالم شهرةً واستقامةً؛ الشارع الذي كان عنواناً لإحدى قصص واحدٍ من أكبر أباء الأدب الروسي نيقولاي غوغول، والذي استشهد به قائد الثورة البلشفية، "الشيوعي المستقيم"، الرافع لشعار "الأرض والخبز والسلام"، فلاديمير إيليتش أوليانوف المعروف ب "لينين" ذات يوم بقوله: "أن الحياة ليست مستقيمةً كشارع نيفسكي)، و"صراط الرئيس المستقيم"، و"ديبلوماسيته المستقيمة"، و"نظرياته الجديدة المستقيمة" لتوليد الشرق الأوسط الكبير الجديد "المستقيم" تحت قيادة "كردستانه المستقيمة"!

ورابع ينفخ في "منجزات الحكومة الكردية الوطنية"، و"منجزات الحاضر الكردي الوطني"، ويفتح "الفال الكردي" متنبئاً، ب"مستقبل كردي وطني واعد أكبر"!

وخامس، يمنح "الإستاذية" من أول تقريره "الصحفي" إلى آخره، ل"مسؤول في الحزب"، أو "مسؤول في العشيرة"، أو "مسؤولٍ في الأمن"، لمجرد كونه من جماعة الرئيس وآله وصحبه أو "ذريته المقدسة"، علماً أن ذاك المسؤول، الكبير بالطبع، لم يعرف من العلوم ، سوى "علوم الجبل"!

وسادسٌ، يختص بدراسة شئون أحوال "الكبار"، و"البحث الأبيض" في تبييض صورتهم، وتجميل خصالهم، وتقديس مدنساتهم، منذ أيام "كردستان الجبل" إلى "كردستان العسل"!

وسابعٌ، ينظّر في بيته(الكبير طبعاً، والممنوح له مقدّماً، مع كامل طاقم الحراسة والخدم والحشم) ل"علم جديد"، ينسبه إلى "الرئيس"(كلٌّ يضيف إلى إسم رئيسه اللاحقة "ئيزم"، ليصبح العلم هو كل الرئيس، والرئيس هو كل العلم)، ويدّعي بأنه "علم كردي كامل مكمّل، كلي القدرة، وصحيح"(على طريقة الماركسية التي قال فيها لنينين: "إن مذهب ماركس كليّ القدرة لأنه صحيح)!

والقائمة تطول..

هكذا أصبحت ظاهرة "ركوب الوطنيات"، للعبور إلى قلب الرئيس، ظاهرةً متفشيةً، تنخر كأي مرض ثقافي فتاك، في جسد الثقافة الكردية الراهنة، في الراهن المريض من كردستان المحررة منها والمفترضة.

والمتتبع لحالة الركود والقعود والجمود، التي تشهدها أجهزة الإعلام الكردية، المرئية والمسموعة والمقروءة، سيلحظ ظهور الكثير الكثير من "الرئيس والزعيم والقائد والحزب" فيها على حساب الشعب والثورة والوطن والدولة.

هكذا يمشي هؤلاء الكتاب الركاب، كتاب الوطنيات وركابها، كردياً، في كردستان المتحققة والمفترضة، وخارجهما، في موكب "الرئيس والقائد"، على "جنازة الشعب والثورة والوطن".

هكذا يقتل كتاب التربية الوطنية الوطنَ، ويمشون في جنازته، كي تعيش صورة الرئيس:
عاش الرئيس..يسقط الوطن..
يسقط!
يسقط!
يسقط!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عرس جماعي بين خيام النازحين في خان يونس


.. العربية ويكند | الشباب وتحدي -وظيفة مابعد التخرج-.. وسبل حما




.. الإعلام العبري يتناول مفاوضات تبادل الأسرى وقرار تركيا بقطع


.. تونس: إجلاء مئات المهاجرين و-ترحيلهم إلى الحدود الجزائرية- و




.. ما آخر التطورات بملف التفاوض على صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلا