الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين يتنفس الشباب السوري تحت مظلة زياد الرحباني...

مايا جاموس

2009 / 7 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لعلّ من حضر حفلات زياد الرحباني ومارسيل خليفة خلال سنة دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008، قد صُدم بحجم تفاعل الجمهور السوري خاصةً الشاب منه مع هذين الفنانين، وربما ينتابه شعور بأن هذا الجمهور يبالغ في التعبير عن مشاعره وحبه، أو أن عدوى التفاعل قد سرت بين الناس، أو أن الأمر يشبه الموضة...
حتى أولئك الفنانون عبّروا عن دهشتهم بذلك الجمهور. أدهشوا زياد الرحباني بمعرفتهم الأغنية منذ العلامة الموسيقية الأولى، أدهشوا مارسيل خليفة بحجم تفاعلهم ومعرفتهم بما يقدمه بل أسمعوه الأغاني قبل أن يسمعهم إياها، أدهشوا شربل روحانا في مهرجان العاديات بجبلة 2008 حين رددوا أغنيات ألبومه "خطيرة"، كما عبّرت أميمة الخليل عن مفاجأتها بهذا الجمهور خلال مهرجان جبلة 2009.
هؤلاء الفنانون بما يمثلونه من قيمة رمزية وأخلاقية، حضورهم إلى سورية يشكّل للشباب السوري فسحةً لطقوس من التفاعل والمشاركة والتعبير، مع تأمين نوع من الحماية لممارسة تلك الطقوس (الجديدة)، خاصةً أن الشباب لا خبرة لديهم بأشكال العمل الجماعي ويفتقدون إلى طقوس الاجتماع، ويعيش في الهامش، فيأتي زياد بما يقدمه من فن وبشخصيته المميزة ليتمرد نيابةً عن هذا الشباب، ليحتج ساخراً أيضاً نيابةً عنه، في إطار الكثير من الموضوعات التي كانت مادةً لأغانيه ومسرحياته، بشكل أساسي الفقر والجوع والقهر والظلم والطائفية والتفاوت الطبقي والهزائم السياسية وغير ذلك.
زياد الرحباني الذي حمل مشروعُه ما بين الموسيقي والغنائي والمسرحي، موقفاً سياسياً واضحاً يعبّر عن الإنسان الموجوع المهمّش المتألم والساخر، دون أن يقدم إيديولوجيا مباشرة، ودون أن يكون نخبوياً بالمطلق، بل اعتمد حلولاً أكثر بساطةً وقدرةً على الوصول إلى شرائح أوسع، مثل المسرح، إذ إن أجيالاً من الشباب السوري اعتاد أن يسمع مسرحيات زياد الرحباني عبر الإذاعة، وحفظ تلك المسرحيات: حواراتها وأغانيها وموسيقاها، وهنا يمكن القول إن زياد تمكن أن يكون رمزاً لهذا الجيل المهمش، امتلك السخرية أداةً للتمرد. وفي حفلاته التي أقيمت في سورية بدا شكل التفاعل واضحاً حين اجتمع ذلك الجيل وغنّى دفعةً واحدةً، في صف واحد، وكأنما اجتمعت هذه الأصوات في شيء واحد هو أغنية. ولا يمكن الجزم أن كل تلك الجماهير (جماهير هذه السنة والسنة الماضية) قد حضرت بدافع تذوُّق فنّ زياد الذي تتلقاه بوعي فني أو فكري أو إيديولوجي فحسب، بل يمكن القول إن حضور حفلات الرحباني قد تحول إلى نوع من الموضة والعدوى ولا يخلو الأمر من شيء من الاستعراض بين شريحة من الشباب على الأخص، وكأن الحضور يتحول إلى صكّ وعي تقدمي يمكن التفاخر به.
وتتحول قلعة دمشق إلى فضاءٍ للحرية، أو إلى فضاءٍ للتعبير عن محبة زياد وفنه وحتى للتعبير عن الاحتجاج أمام الأبواب حين تتأخر في الفتح. كما تصبح الحفلات فرصةً لممارسة سلوكيات "مدنية" بالانتظار أمام الأبواب ثم حجز الكراسي بهدوء دون مشاكل رغم الازدحام، كما لممارسة تفاعلات "عفوية" –كما هو مفترض- مع الفن.
في حفلات زياد الرحباني هذا العام والتي نظمتها مجموعة مينا، ربما لم يختلف كثيراً حماس الجمهور عن السنة الماضية فالتزاحم أمام الأبواب ذاته، وترديد أغنيات زياد والهتاف باسمه من أمام أبواب القلعة هو ذاته، والجاهزية للغناء قبل زياد والفرقة ذاتها، لكنّ تفاعل الجمهور، كما كان السنة الماضية هو تفاعل حماسي عفوي ويمكن القول إنه لم ينضج بعد، بل هو تعبير عن التمرد والصراخ من خلال الغناء والتصفيق والصفير، كوسيلةٍ للاحتجاج وإثبات الذات، دون أن يمتلك (عموماً) ذائقةً جمالية متمايزة أو أدوات تلقٍّ، وهذا أدى إلى ألا يصغي إلى الموسيقى وجديدِها على الأقل، مما ضيّع من جمالية مشروع زياد في السنة الماضية حيث كان معه فرقةٌ عدد العازفين فيها كبير، كما أنهم متميزون وأتيحت لهم الفرصة موسيقياً لإبراز إمكاناتهم مع تقديم توزيع جديد للمقطوعات التي نعرفها. لكن ربما ذلك التلقي الحماسي قد أضاع فرصة إبراز مشروع زياد الموسيقي لهذا الجمهور، ليُختَصر الأمر هذا العام بفرقة أقل عدداً ودون تقديم فواصل موسيقية تبرز قدرات العازفين، مع سيطرة من الاستعراض في الحفلة من خلال الفواصل الكلامية والتعليقات والرقص، وتقديم مشاهد مسرحية مجتزأة، الأمر الذي سبّب حالةً من الفتور أصابت قسماً واسعاً من الحفلة، كما أصيب الجمهور بحالة من السكون فجأة، بل خرج البعض من الحفلة.
في حفلات هذه السنة والتي تضمنت الغناء والموسيقى والكلام، ضمن مشهدية مسرحية أظهرت توق زياد إلى المسرح، من خلال تقديم فواصل كلامية أو تعليقات مأخوذة من اسكتشاته الإذاعية (العقل زينة) بشكل خاص، وقد أخذت حيزاً زمنياً كبيراً نسبياً، لكن هذا جاء على حساب الموسيقى والغناء، فلم نجد في هذه الحفلات جهداً متميزاً على مستوى التوزيع الموسيقي خاصةً أن هذا ما اشتهر فيه زياد بحفلاته، بمعنى أن حفلاته كانت تأتي بالجديد على مستوى توزيع مقطوعاته أو مقطوعات الرحابنة، وهذا ما شهدناه في حفلات السنة الماضية، وأدهش به جمهوره، خاصةً بمقطوعاته الموسيقية (ميس الريم، وقمح، بالنسبة لبكرا شو، يا ليلي، ...). هذا العام كان نصيب الموسيقى قليلاً، قدم أعمالاً من ألبومه للطيفة التونسية (بنص الجو، معلومات أكيدة، موسيقى عطل وضرر)، كما قدم أغنيات: ولّعت كتير، هيك عم تعمل، الله يساعد ويعين، بصراحة، روح خبّر، حبيتك تا نسيت النوم، عالقراصيّا، عتابا، يا بنت المعاون.
بيعت البطاقات بأسعار 1000 و1500 ليرة سورية، وهو سعر ليس متواضعاً إذا كنا نتحدث عن جمهور معظمه من الشباب. لكنّ المحزن في الأمر أن الشركات الراعية للحفل هي بيبسي وفورد وشركات أخرى رأسمالية بامتياز، تبيّض أموالها من خلال أسماء كزياد الرحباني، وذلك بسبب غياب مؤسسات وطنية تهتم بالثقافة والفن يمكن أن تكون البديلة، ومن حقنا أن نسأل أين تذهب كل عائدات حفل زياد إذا كنا نعلم أنه وكعادته يتقاضى أجراً قليلاً في حفلاته؟
في كل الأحوال إن حضور فنانين مثل زياد الرحباني ومارسيل خليفة وشربل روحانا وأميمة الخليل وريم بنّا وريم الكيلاني وآخرين، يشكّل مظلةَ حريةٍ وفرصةً حقيقيةً للجمهور الشاب من أجل المتعة والتواصل المباشر مع الفن ومن أجل تشكيل طقوس فرجة وتلقٍّ أكثر رقياً ورسوخاً .

مايا جاموس: جريدة النور 22/7/2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عبر الكاسيت
أبو هزاع ( 2009 / 7 / 25 - 03:02 )
مسرحيات المبدع زياد لم تكن في الإذاعة وإنما عرفها البشر بواسطة الكاسيتات حيث كانت تجربة مثيرة، غريبة ورائعة حيث يسمع المرء الحوار من دون معرفة بالمكان سوى من خلال الدلائل هنا وهناك.


2 - شكر
نزار حمود ( 2009 / 7 / 25 - 13:55 )
شكرا ً لك يا سيدتي على هذه المقالة اللطيفة للغاية


3 - الى الأسم الجميل
لميس ( 2009 / 7 / 25 - 14:25 )
اسمك من الأسماء المحببة عندي،وكتابة مقالك هذا دليل على وعي الشباب السوري مهما سيطرت عليه الأفكار والصرعات الغربية الدخيلة عبر قنوات التلفزة وشبكات الأنترنت.ولك كل الحب والتقدير ،والى المزيد من التألق يا مايا .


4 - مقالة جميلة
أحمد ( 2009 / 7 / 25 - 18:48 )
مقالة جميلة
فعلاً هل يعقل أن ترعى فورد وبيبسي حفلات زياد الرحباني
وهو المعروف بمواقفه من الرأسمالية
وحفلات السنة الماضية كانت أجمل من هذه السنة


5 - كاسيت وإذاعة
samira ( 2009 / 7 / 25 - 18:52 )
الشباب السوري كان يستمع إلى مسرحيات زياد الرحباني عبر الإذاعة والكاسيت

اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم