الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوراة ... كيف وصلت إلينا؟

صلاح الجوهري

2009 / 7 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


هذا المقال كان تعليقا على مقال الأستاذ الفاضل جهاد علاونة على هذا الرابط.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=164480

وكان رد الأستاذ جهاد علاونة عليه لطيفا جدا وأوصاني أن أكتبه في مقال منفصل، وها أنذا أعيد نشرة مرة أخرى بعد أن قرر أن أكتب بإنتظام في الحوار المتمدن، لما وجدته في هذا الموقع من ذهن متفتح وإستنارة عقلية غير عادية من أغلب كتابه.
وإليكم نص التعليق كما جاء بالضبط مع بعض التنقيح اللغوي. وتحية شكر وتقدير إلى الأستاذ جهاد علاونة.

الكاتب العزيز الأستاذ جهاد.
أود أن أصحح بعض ما جاء في المقال من الناحية التاريخية، كما أود أن أعلق على تعليقك بأن التوراة كتبت بيد عزرا بعد 700 سنة.

أولا سأعلق على هذا التعليق:

لم يكن عزرا أيام السبي إلا جامعا للأسفار، مشابها بذلك لأبي بكر وعثمان بن عفان عند جمعهم للقرآن. وهو أمر مؤكد من خلال النصوص الكتابية ومن خلال التفكير المنطقي السليم. وسأورد الأدلة على أن اليهود كانت معهم التوراة عند السبي وكانت معهم بعد السبي.
فكيف وصلت التوراة إلينا؟

أول نص كتب في التوراة هي الوصايا العشر وقد كتب في لوحي سميا بلوحي الشريعة وكان موسى هو النبي المختار أن يستلم هذه الوصايا التي كتبت بإصبع الله، إن كنا نتفق على هذه المقولة أو نختلف فالمهم أن الوصايا العشر هي القوانين الأولى للأخلاق في تاريخ البشرية.

تلك القوانين كانت محل افتخار اليهود، فالشريعة أعطت لليهود وجودا حقيقيا بين الأمم، خاصة وهم يرون المصريين وحضارتهم وقوانينهم وطرق معيشتهم، فأخرجتهم تلك القوانين من دائرة الشعوب المهملة إلى كيان إنساني يستمد قوته وتشريعاته من الله.

قولك عزيزي الكاتب أن الأسفار كتبت بعد موت موسى ب 700 سنة فهذا لا دليل عليه بل الدليل الذي بين يدينا يبرهن أن الأسفار كان يعاد نسخها في كلمة مرة كان يتولى ملكك أمر إسرائيل وكانت تقرأ على الشعب وكان اللاويين هم من يعلموها للشعب. فنذكر وصية الله في سفر التثنية - و لتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك* 7 و قصها على أولادك و تكلم بها حين تجلس في بيتك و حين تمشي في الطريق و حين تنام و حين تقوم* 8 و اربطها علامة على يدك و لتكن عصائب بين عينيك* 9 و اكتبها على قوائم ابواب بيتك و على أبوابك- (تثنية6: 6-9) فهذا دليل على أن الشريعة متداولة وأحكام الرب معروفة لدى الجميع حتى أن من اليهود المتشددين إلى الآن يضعون نسخة مصغرة من الشريعة أعلى جباههم ويربكونها بين أيديهم، وهذه أقوى دليل وأقدم دليل على أن الشريعة تداولت بين الشعب.
فكيف تقول أنها كتبت بعد موسى وأهملت ما كتبه داوود وسليمان وعزرا ونحميا وأشعيا، كلهم كتبوا وصايا الرب ووضعوها جنبا إلى جنب مع توراة موسى، وكل نبي يأتي أو ملك يصنع لنفسه نسخة من التوراة وموسى أوصي اليهود أن متى دخلوا أرض كنعان سيكون من بينهم ملوكا لهذه الأرض. ففي سفر التثنية يذك الأتي (وعندما يجلس على كرسي مملكته يكتب لنفسه نسخة من هذه الشريعة في كتاب من عند الكهنة اللاويين. فتكون معه و يقرا فيها كل أيام حياته لكي يتعلم أن يتقي الرب إلهه و يحفظ جميع كلمات هذه الشريعة و هذه الفرائض ليعمل بها) (تثنية17: 18-19)

ويذكر لنا الكتاب المقدس حادثة هامة جدا حدث أيا الملك يوشيا قبل المسيح ب 400 عام تقريبا، حدث أن الملك يوشيا أخذ في ترميم الهيكل فعثروا على نسخة من توراة موسي كانت بين أنقاض الهيكل المتهدم، ويرجح أنها كانت توراة موسى، وهذا الحدث هو دليل على حفظ التوراة إلى زمن يوشا الملك قبل ميلاد المسيح وقبل السبي. وهذه الحادثة تعد تدبيرا إلهيا عجيبا فظهرت تلك النسخة قبل السبي مباشرة في إشارة لكل باحث أن قبل السبي كان لدى اليهود نسخ من التوراة ومنها النسخة الأصلية التي وجدت في الهيكل. وهو تمهيد لأخذها معهم في السبي.

إذا الاتجاه المنطقي في التفكير الذي يظهر منه التسليم بين الملوك وبعضهم وبن الأنبياء وبعضهم فكل نبي سلم للأخر الوديعة.

نأتي للسبي وهي نقطة الخلاف الكبري بيننا

ليس لدينا مراجع تؤكد عدم وجود التوراة بين اليهود في السبي. بل لدينا أدلة كثيرة تؤكد وجودها بين اليهود وبين اللاويين في السبي من الحفظ والتابوت والعصائب الملفوفة على أيدي كل اليهود التي كانت تحتوي على نسخ مصغرة من التوراة. هذا التفكير المنطقي يقودنا إلى استحالة فقدانها طيلة هذه الفترة ولو كان لدي متسع لذكر سلسلة طويلة من الملوك والأنبياء كل واحد كيف كان يسلم الشريعة للذي بعدة وكيف تسلمها من الذي قبله وكيف حفظها للشعب وكيف كان اللاويين يعلمونها للشعب. فكانت الشريعة هي العنصر المحفز للحضارة اليهودية ولها مكانة خاصة جدا.

أذن في السبي كان لديهم الشريعة والتوراة والدليل المنطقي الأخر الذي أسوقه هنا هو دانيال ومن المعروف أن دانيال ولد وتنبأ وهو في السبي ففي (سفر دانيال9: 2) - أنا دانيال فهمت من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب إلى ارميا النبي لكماله سبعين سنة على خراب أورشليم- هذا دليل أخر أن كان لليهود كتب علموا منها تواريخ معينة في السبي.

وفي السبي جمع عزرا 120 شيخا (تذكر العدد مقارنة بزيد الذي جمع القرآن وحده) هذا العدد كان النواة لمجمع السنهدريم ومن ضمنه هؤلاء الأنبياء الصغار أو الأنبياء الأخيرين في العهد القديم، وهم حجي وزكريا وملاخي، وسمي بالأنبياء الصغار لأن أسفارهم كانت صغيرة في حجمها مقارنة بأشعياء والمزامير على سبيل المثال. وليسوا صغارا في السن أو في الشأن، لأن زكريا على سبيل المثال قد تنبأ بدخول المسيح أورشليم على حجش آتان.

وبالطبع هؤلاء كانوا أنبياء ويوحي إليهم ولابد أن يكونوا تحققوا من جمع الأسفار وحيا وعملا مع عزرا.

ولما عادوا من السبي معهم الأسفار المجمعة بالإضافة إلى مجمع السنهدريم، لم يعدوا جميعهم بل تشتتوا في الأرض وكل جماعة يهودية تشتت نظمت لنفسها مجمع وكان يقرأ فيه التوراة والأنبياء. وقد ذكر سفر أعمال الرسل بالعهد الجديد مجامع كثيرة منها مجمع دمشق وأنطاكية وأسيا الصغرى ومجمع سيلاميس أي قبرص تسالونيكي وأفسس باليونان ومجمع مدينة كورونثوس.

وعندنا شهادة قوية أن الملك يهوذا المكابي أهتم بعد الحرب الدائرة بين اليهود والسلوقيون أن يجمع التوراة مرة أخرى بسبب الاضطهاد الدائر أيام المكابيين لليهود. فأرسل رسالة ليهود مصر يخبرهم أنهم إذا كانوا في احتياج لنسخة من الشريعة فسوف ينسخها ويرسلها لهم. (راجع سفر المكابيين الثاني الإصحاح الثاني) هذه الرسالة قبل ميلاد السيد المسيح ب180 سنة.

إذن الأسفار لم تفقد لم يكن هناك زمن لم توجد بها التوراة. بل أن هذا العصر انتشرت التوراة انتشارا واسعا أولا بسبب الشتات وثانيا بسب الترجمة السبعينة التي أمر بها بطليموس أن تترجم وتضم ضمن نفائس مكتبة الإسكندرية القديمة فأرسل إلى أثنين سبعين شيخا بواقع ستة سيوخ من كل سبط يهودي أن يأتوا وكل أثنين يترجموا الأسفار إلى اللغة اليونانية التي يألفها يهود الإسكندرية بعد أن نسيوا لغتهم الأصلية.

وفي تدبير إلهي عجيب ترجمت التوراة والأسفار إلى اليونانية لغة العلم في ذلك الزمان تمهيدا لترجمتها إلى كافة اللغات وانتشارها بالعالم.

ولما أتي السيد المسيح لم ينكر الناموس بل قال أن السماء والأرض تزولان ولكن حرف واحد من الناموس، بل كان معتادا على المجمع ودفع إليه سفر أشعياء ليقرأه، فبذلك صدق المسيح على صحة السفر (راجع لوقا 2) بل وأستشهد تلاميذه ورسله بل وهو شخصيا بآيات من الناموس وهم كانوا في واقع الأمر مجرد صياديين وجباه وليسوا علماء دين، فنقلوا ما كان يقال آنذاك من النبوءات. بل أن فيلبس قال لآخاه نثنائيل في أنجيل يوحنا وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء.

أي شهادة أصدق من شهادة المسيح وتلاميذه بصحة وصول التوراة والناموس إليهم؟؟

كنت أود أن أسهب في الحديث، بل يكفي هذا الآن ولنكمل في مواضيع أخرى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السلام عليكم
طلعت خيري ( 2009 / 7 / 30 - 11:25 )
الزميل صلاح
مداخله تاريخيه على الاقل نثبت فتره تاريخيه اكيده ثم نقول بوضع الاحتمالات على باقي الفترات الزمنيه

التوراة الى بعثة النبي .. هي عباره عن كتب مقرطسه تكتب في كتب وتقسم قسمين قسم يوضع في المعابد للقراءة والقسم الاخر يخزن على شكل كتب مخزونه في مكتبات .. ممكن استخدامها في اوقات اخرى في حالة الحاجة لها
قال الله {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }الأنعام91



2 - محض أساطير
مايسترو ( 2009 / 7 / 30 - 13:53 )
سيدي الكريم ، ألا تملون من الكتابة عن الأساطير التي بات عمرها آلاف السنين، ألا يوجد توقف لتدفق هذا المقدس الذي هو سبب كل ما نعاني منه الآن من تراجع وذل وخنوع بسبب كذبة كبيرة اسمها الأديان


3 - مجرد رد بسيط على الأستاذ طلعت
خالد ( 2009 / 7 / 30 - 14:25 )
لو فرضنا جدلا أن الأحتمالات يمكن أن تنال من الفترات الزمنية الأخرى إذن فالمقال يغطي إنتشار التوراة حتى عهد المسيح ورسلة الحواريين ... ولكن عندما ندخل فترة إنتشار الإسلام وكيف أن القرآن كان مصدقا لما بين يدي النبي محمد إذن الإحتمالات التي تتبناها تكون خارج العقل والمنطق لأنك بهذا تغفل عاملا هاما ولا يمكن أن يناقش إلا وهو الإنتشار الجغرافي الكبير لليهود وللمسيحيين في كل بقاع الأرض فالأحتمال الأوقع والأقرب إلى العقل والمنطق يكطون أنها لم تتغير وإلا أشرح لي كيف لكل هذه الأعداد من النسخ في العالم تم جمعها وتحريفها وإعادة نشرها من جديد وكيف تفسر إختلاف الكربون 14 من جميع تلك النسخ؟؟؟

اشكر الأستاذ صلاح الجوهري على هذا المقال الرائع.


4 - السلام عليكم
طلعت خيري ( 2009 / 7 / 30 - 17:07 )
الزميل خالد
كلامك صحيح وهذا ما اكدته الى فترة بعثة النبي ان التوراة كانت موجوده .. وكان اهل الكتاب يظهرون بعضها ويخزنون بعضها للحفظ على وصف الله سبحانه .. وهي نفس الحاله عند المسلمين عندما تقوم دور النشر بطبع العديد من المصاحف قسم منها يوضع في المساجد وقسم اخر يخزن


5 - الى السيد طلعت خيري
ابو الغيث ( 2009 / 7 / 30 - 18:02 )
اذا كانت التوراة والانجيل موجودين وغير محرفين الى زمن محمد , فكيف تم التحريف اذا ؟ واين هي النسخ الغير محرفة التي كانت مع محمد ؟ العل الشاة اكلتهما ؟

اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي