الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تحكي شهر زاد

أمينة النقاش

2009 / 8 / 5
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


لن أصمت بعد اليوم.
لعل تلك الصيحة تكون هي الأيقونة التي ستمسك بها المرأة التي يتعرض مسار حياتها للغبن والظلم والانتهاك، وهي تقرأ علي شاشة العرض كلمة النهاية لفيلم «أحكي ياشهر زاد» للمخرج يسري نصر الله والكاتب وحيد حامد ونخبة مميزة وواعدة من الفنانين والفنيين.
يروي الفيلم أربع قصص موغلة في القسوة، لنماذج نسائية من مختلف الشرائح الاجتماعية، ترزح حياتهن تحت وطأة الخيبة من تجارب عاطفية فاشلة، في مجتمع يعيش حالة من الازدواجية والانقسام الطبقي والتدين الشكلي، الذي يختزل الدين والفضيلة في حجاب المرأة، ويضع حجابا علي عقله لا رأسه، ويتخذ من النساء هدفا دائما لعدوانه وعنفه واستغلاله.
المذيعة التليفزيونية المشهورة في المحطة الفضائية الخاصة هبة يونس «مني زكي» هي الرابط بين تلك القصص الاربع حين تنجح في اقناع بطلاتها، بالظهور في برنامجها الحواري الناجح «نهاية المساء.. بداية الصباح» لتحكي كل واحدة منهن حكايتها، قبل أن تصبح هي نفسها الحكاية الخامسة، لكي يصير البوح وسيلة لتعرية الجروح، وعدم الخوف من التحدث العلني عنها، وخطوة أولي نحو الشفاء منها.
فالمذيعة اللامعة تعيش صراعا بين عشقها لمهنتها، واحساسها بالمسئولية تجاه المجتمع الذي تعيش فيه، وبين زوجها الثاني الانتهازي المتسلق، الذي يطمح في الصعود الي موقع رئيس تحرير صحيفة قومية، بأي ثمن، حتي ولو كان التضحية بمستقبل زوجته المهني، فالانتقادات اللاذعة التي يوجهها برنامجها التليفزيوني لفساد المسئولين، يقف حائلا بينه وبين طموحه. ولم يشعر الزوج «حسن الرداد» بالخجل أو الغضب والمسئول الذي يعده بأن منصب رئيس التحرير يقترب منه، يسوق إليه ضاحكاً إشارة جنسية وقحة، حين يطلب منه الضغط علي زوجته، ليخفف برنامجها من نقد الحكومة قائلاً: ما تهديها يا أخي بدلا ما هي «هايجة» علينا كده!
وحين تخضع المذيعة لضغط زوجها، وتغير طبيعة البرنامج ليناقش بدلا من السياسة قضايا اجتماعية بحتة، تكتشف عبر رحلتها الارتباط الوثيق بين الفساد الإداري والسياسي، وبين العنف الموجه في المجتمع نحو النساء. من التناقض الصارخ الذي تعيش فيه بائعة في محل فاخر للعطور، وبين رحلتها المهينة في العودة إلي بيتها في حي شعبي يخلو من كافة الخدمات الأساسية، إلي المرأة الجميلة (سوسن بدر) المتفوقة مهنيا وعلميا التي تقودها شروط الإذلال لمن يطلبها للزواج إلي العنوسة والمصحة النفسية، إلي الثلاث شقيقات اللاتي يتعرضن للاستغلال المالي والجنسي من عم مدمن وعامل بمحل والدهن المتوفي، يستغل أشواقهن إلي الحب والجنس وخوفهن من العنوسة، وحرمانهن من حياة عاطفية مستقيمة ليعاشرهن كل واحدة من وراء الأخري، حتي ينكشف أمره، فتضع الأخت الكبري نهاية لقبضته علي مصائرهن بقتله، حتي طبيبة الأسنان الثرية الناجحة التي يحتال عليها خبير اقتصادي شهير لسرقة أموالها، ثم تكتشف انه أصبح وزيرا، لنأتي إلي قصة المذيعة التي تظهر في المشهد الأخير من الفيلم متورمة الوجه لتحكي بدلا من ضيوفها، قصة اعتداء زوجها عليها بعد أن فشل في الحصول علي موقع رئيس التحرير.
مع التغاضي عن التعميم الذي يخدش الإنصاف، برهن الفيلم علي أن ظاهرة العنف ضد النساء، تنبثق من بنية اجتماعية تحفل بالتفاوت الاجتماعي والظواهر الدينية المتزمتة والتناقضات الهائلة التي تقسم البلد بلدين والإنسان إنسانين، فالحلف غير المقدس بين الديني والسياسي والجنسي، هو الذي يتحكم في موازين القوي في المجتمع.
وبرغم رسالته الهامة فقد يشعر بعض المتفرجين بأن إيقاع الفيلم كان أبطأ من اللازم، وأن حكاية الشقيقات الثلاث التهمت الجزء الأكبر من تفاصيل الفيلم، وقد يعترض آخرون أن السيناريو لم يجد نموذجا ذكوريا واحدا لايستغل النساء ويؤمن بحقهن في المساواة والإنصاف، وقد يعقد البعض الآخر مقارنات بين المسرحية الايطالية «جريمة في جزيرة الماعز» أو قصة يوسف ادريس «بيت من لحم» وبعض اجزاء من الفيلم، وقد يعترض آخرون علي عشوائية النماذج التي أختارها السيناريو. لكن كل هذه الملاحظات تبقي هامشية، في فيلم جيد يحمل رسالة تأتي في وقتها تماما مع تزايد العنف الذي يعيد المجتمع انتاجه ضد المرأة، وهي رسالة تصل الي الجمهور ببساطة ووضوح، وتساهم بشجاعتها في تغيير مفاهيمه التقليدية السائدة، خاصة وأن من يحملون الرسالة نخبة من الفنانين الموهوبين الذين سيحتلون المشهد السينمائي في السنوات القادمة، بعد أن أضاءوا الأذهان بأن الصمت، هو بداية لفقدان الحقوق فلا تصمتي بعد الآن و «احكي ياشهر زاد».










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لوحة كوزيت


.. شاعرة كردية الحرية تولد الإبداع




.. اطفال غزة يحلمون بالعودة إلى ديارهم


.. ردينة مكارم المرشحة لعضوية بلدية حمانا




.. المهندسة سهى منيمنة