الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنا الأعلى

نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)

2009 / 8 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اخترت ُ، في الشتاء الماضي، أن أدرُس َ مادة جامعية توفرها جامعة مونتريال - كندا للراغبين في معرفة المزيد عـن الظواهر الفيزيولوجية المتعلقة بالشيخوخة. يـُـعطى هذا المقرر عبر الإنترنت لمن لايستطيع حضور المحاضرات شخصيا ً لسبب أو لآخر. وقد انتقيته دون غيره ِ كونه يشبع فضولي في مجال علم الشيخوخة وكيفية التفريق بين أعراض التـقدم بالسن الطبيعية والمرضية. لقد استمتعت للغاية بالمعلومات الجميلة الوافرة التي غنمتها من خلال دراستي لهذا المقرر الجامعي. أما عن طريقة تقديم المادة العلمية فقد اختار المؤلف أن يفتتح كل فصل ٍ من فصولها بفقرة صغيرة ارتآها مثيرة ً للتأمل والتفكير فيما يتعلق بموضوع هذا الفصل أو ذاك. ولقد توقفت طويلا ً أمام إحدى الفقرات التي وضعها المؤلف في مقدمة حديثه عن التغيرات الطبيعية التي تطرأ على الجهاز العصبي البشري عند التقدم بالســـن. تقول هذه الفقرة ما يلي :
"يستطيع الإنسان من الآن فصاعدا ً أن يفتخر َ بأنه يعرف كل شيء. من أعماق الأرض إلى أقصى أبعاد الفضاء الخارجي. لم تبق إلا بعض التفاصيل الصغيرة... لم تعد هناك أسرار ٌ تـتعـلق بالمادة الحية والمادة الجامدة الميتة. إنني أرثي لحال أسلافنا لأنهم عاشوا في الجهل المطبق . . . " يتابع مؤلف المقرر فيقول... من الطبيعي للغاية أن يظن القارئ أن هذا النوع من التفكير عائد ٌ إلى إنسان القرن العشرين المنبهر بالمكتشفات التي حققها العلم على يد الكائن البشري العاقل المفكر الجبار الذي طوع الجغرافيا ودخل إلى أسرار مكنونات الخلايا الحية ومخزوناتها الوراثية وسافر عبر ظلام الفضاء الخارجي الواســـع. إلا أن الحقيقة تأتي مخيبة لآمال كل من ظن ذلك... لأن هذه الفقرة تعود للقرن الثالث قبل الميلاد! انتهت مقدمة الفصل.
في الحقيقة لـــقد نجحت هذه الفقرة الصغيرة في أن تجبرني على القيام بالكثير من الإسقاطات والمقارنات. إذ يبدو أن الإنسان َ قادر ٌ وبذكاء شديد وفعالية عالية ومدهشة على أن يكون في منتهى الغباء وقصر النظر. وما المثال الذي أورده مؤلف مقرر فيزيولوجية الشيخوخة هذا إلا واحد من آلاف بل ملايين ملايين الأمثلة الدالة على ذلك.
فلنأخذ مثلا ً... ذلك الإنسان الفخور والمغــتر بعلمه ودرايته وإحاطته بأعلى صنوف المعرفة تعقيدا ً وأكثرها استنادا ً إلى الحَــدْسْ وأقصد بذلك علم اللاهوت وعلاقة الإنسان بالإله الخالق الجبار. والحدس ُ تعريفا ً هو الكشف المباشر عن الحقيقة دون الاضطرار إلى التحليل المنطقي العقلاني، من خلال اللجوء للمنطق الإجمالي الكلي. أو هو المقدرة على التنبؤ والتكهن بما هو غير ملموس. بكلام آخر... هو الانطلاق من الكل الشامل العام لفهم وتفسير الجزئيات وليس من الجزئيات والتفاصيل والتبويبات والتصنيفات لفهم الكل الشامل.
ترى كيف يستطيع هذا الإنسان الصغير التافه المغرور أن يتصور أنه هو من يمتلك الحقيقة الإلهية وأن طريقته في الوصول إلى مرضاة الذات العليا هي الأصح والأدق؟
ترى كيف يستطيع هذا الكائن الضعيف للغاية أمام حقائق الكون التي لاأمل في المستقبل المنظور وغير المنظور في الوصول إلى أغوارها بأدواته المعرفية صغيرة المقدرة والمردود، أن يصل بأفكاره ويقينه إلى أن يقول إنني أنا المحق وكل من لم يوافقني على ما أقول مخطأ ٌ تماما ً. ثم من أين له الوضوح والقدرة الخارقة والثقة بالنفس اللامتناهية على أن يصدر قراراته بتكفير الآخر والمناداة بتطبيق أحكام عقله الأسمى والأعلى على كل مخالف ٍ له؟ فإذا كان الله محبة ورحمة وعدل، كما تقول كل الأديان السماوية وغير السماوية ... ترى كيف يستطيع هذا الإنسان أن يمنع محبة الرب ورحمته عن هذا ويعطيها لذاك وكأن بيده الميزان والثواب والعقاب.
ترى كيف يستطيع هذا الإنسان أن يجمع نور الحقيقة الغامر الشامل ويختزله في شمعة هزيلة يضعها في بيته
ترى كيف يستطيع هذا الإنسان أن يجمع عطر المعرفة الفواح الجامع ويضعه في زهرة ٍ واحدة ٍ يتنعم بها هو ومن وافقه واجتمع معه بالرأي
ترى من أين له هذه المقدرة على احتواء الحب الإلهي العظيم والادعاء بأنه هو من غمر الرب ُّ قلبه بالمحبة والإيمان وباقي الناس غرباء عن المحبة متعطشين لها؟
باختصار شديد .... كيف يستطيع الإنسان أن يكون متعصبا ً لدينه أولطائفته؟
كيف يستطيع أن يحمل السلاح ليقتل أو ينفي أو يُــــذ ِل َ الآخرَ بناء ً على مجرد الانتماء الديني؟
لابد لهذا الإنسان أن يكون متسلحا ً بكـــم ٍ وافر ٍ للغاية من الغباء ومحدودية الرؤية كي يستطيع القيام بكل ذلك!
والغباء صفة بشرية للغاية. أليس كذلك؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السلام عليكم
طلعت خيري ( 2009 / 8 / 8 - 21:18 )
الزميل نزار
فان كان علمك جعلك الاعلى فان الله خلق الانسان الذي تدرسه.. وجعل ما درسته موجودا قبل ان تصل اليه .. فهو الاجدر ان يكون صاحب الاختراع وهو الاجدر ان يكون صاحب العلم ... فهل انت اعلى من الاعلى .. فهل تستطيع ان تخلق مثل ما خلق الاعلى
انت ليس الاعلى
قال الله ~§§ الأعلى(مكية)19 §§~
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى{1} الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى{2} وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى{3} وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى{4} فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى{5} سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى{6} إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى{7} وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى{8} فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى{9} سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى{10} وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى{11} الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى{12} ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى{13} قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى{14} وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{15} بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{16} وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى{17} إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى{18} صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى{19}


2 - غير واضح
متفرج ( 2009 / 8 / 9 - 10:50 )
غير واضح

اخر الافلام

.. 111- Al-Baqarah


.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال




.. لايوجد دين بلا أساطير


.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف




.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس