الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مكابدات سيد القمني مع مجتمعه..

جمال الهنداوي

2009 / 8 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من الامور التي تنفرد بها مجتمعاتنا العربية..والتي قد نجد من الصعوبة بمكان ان نجد لها نظيرا في الثقافات الاخرى..هي قابلية الانتاج الجمعي لمحددات مسبقة مقولبة مفروضة قسريا على الفرد كاشتراط قبلي للتقبل الاجتماعي لافكاره وطروحاته الثقافية..فالمدرس سيء الهندام مثلا..ورجل الدين الذي ينحدر نسبه من عائلة تمارس نشاطا بعيدا نوعا ما عن التقوى والورع..قد لا يجدا ما يجعلهما قادرين على اضفاء المصداقية على المادة التي يتعاطونها رغم عدم تداخل مسببات الرفض مع الموضوع..وهذا قد يكون عاديا في بعض الممارسات والمهن التي لا تتعلق بالفرد ككيان وتسمية..ولكن هذا الاشكال قد يخلق ازمة نفسية حادة ومازقا ذاتيا لدى المثقف الذي سيكون تحت الضغط بين التزام ادبي تجاه المجتمع الزم نفسه به وبين سياسة التخجيل والتبخيس التي يمارسها المجتمع ضده تحت حجة عدم الاختصاص العلمي ..
فالمجتمع العربي يسرف عادة بافتراض نوع من الاعتراف الاكاديمي الموثق بورقة مختومة من جهة رسمية لكي تكتسب كلماته وافكاره وطروحاته نوعا من الوجاهة يتناسب مع ما سطر في هذه الورقة..بل يمكن ان ترسم هذه الورقة الحدود المسموح بها التي يحق للمثقف التنقل في فضاءها..ومن منا لم يواجه بسؤال اعتراضي تقليدي عن تحصيله الدراسي اذا تكلم بما يراه صائبا لخير المجتمع او ابدى رايا ابعد الراهن المعاش او اعمق مما تتناوله عادة نشرات الاخبار اليومية..
ولطالما اعتبرت الدال التي تسبق اسم الكاتب والمفكر تزكية ومتطلباً أساسياً للقبول الفكري والاجتماعي اكثر من كونها صفة علمية أو أكاديميةً لتحديد الانتماء إلى تحصيل دراسي معين أو بلوغ درجة علمية، ولا يعتد دونها بكل القدرات والإمكانات العلمية المتميزة والانجازات التراكمية التي تشهد للكاتب بالتفرد وطول الباع..
وقد لا تكون هذه الاعتبارات هي التي حدت بالمفكر الكبير لان يرى ان حرف الدال اللعين –وقد لا يكون معنيا اصلا بذلك - قبل اسمه اللامع المدخل المبرر الذي سوف يتيح له تلمس ما سكت عنه الاعلام الديني لقرون ويمنع عنه دعاوي التجهيل والتسقيط العلمي والثقافي.. ولكن يأتي التوضيح الاخير من قبل الاستاذ الكبير ليؤشر التناقض القائم بين المثقف الممتلك لادواته وبين الاصرار المجتمعي على اولية الرموز والعناوين التي قد لا تكون بالضرورة ذات ارتباط منطقي مع المادة العلمية للبحث ..
لقد اكتشفنا العالم الاخر المضاد للتلقينية الذي يمثله فكر المفكر العربي الكبير سيد القمني قبل اكثر من عقدين من الزمان وتداولناه كمنشور سري وتعاملنا معه باحتفالية وترحيب متماهي مع ما في طروحاته من عمق وتجدد واضاءة على ما عتم عليه من تراث وتاريخ وتعرية لما البس زيفا وعدوانا حصانة منتحلة لصفحات صفراء طليت بالوان القداسة قسرا وسورت بفتاوى واجتهادات الراسخون في التلاعب بالنصوص الفقهية وعتاة الحيل الشرعية والتخابيء بين دفات الكتب العتيقة ..وللاستاذ الكبير اسلوب متفرد وفذ في نقد التدوين الفقهي التاريخي مستهدفا تصحيح مساره مستندا على معرفة واسعة وتمكن عال من مادته العلمية واساليب الخوض الشائك فيها والتبحر في عدد هائل من المراجع العلمية المعتبرة .. ويتفوق بمراحل في مجالاته البحثية على العديد ممن تؤطر اسماؤهم بحرف الدال المتمنع الدلال.. والمهم اننا نملك بين ايدينا رسالة الدكتوراه التي هي اكثر جدوى ومنفعة واهمية لنا من الورقة المعلقة على جدار الافتخار المنسي..
ان الاصطفاف مع السيد القمني هوالتموقع مع حرية الفكر والمعتقد والرأي خصوصا ان احد من المعارضين لم يفسر لنا ورود هذه الآراء –التي دمغت بالتجديف - في امهات الكتب المنزلة منزلة المقدس لدى المسلمين ..و الوقوف مع السيد القمني هو الوقوف ضد ان يكون البحث العلمي رديف لاكل لحوم الحمير والقطط او القمح المسرطن او الموت حرقا في قطار او غرقا في عبارة كما وصفه النائب المصري حمدي حسن..
ان محنة الاستاذ الكبير سيد القمني تتجلى بوضوح من خلال اسلوب"التقية" التي تغلف كلماته المبتزة ابتزازاً من قبل قوى الاسلام السياسي والتي عابها عليه البعض الذين يتعاملون بخفة مؤسفة مع الوضع الخطر والدقيق الذي يتموضع فيه الكاتب الكبير ..هذا الوضع الذي يفضح الانحدار المؤلم الذي وصلته الحريات الاساسية في مجتمعاتنا العربية وعلى تلاشي مفهوم الدولة والقانون ومصطلحات المواطنة وحقوق الانسان لدى المنظمات التكفيرية المباركة بسطوة فقهاء السلطان وتواطؤ الحاكم الصامت ..وهذا ما يدل على الضرورة الحتمية لجميع المحملين بالهم الانساني للتوحد خلف راية الحرية وتقبل الراي الاخر رغم الاختلاف الوارد والممكن في الرؤى والتوجهات والتي قد تكون من اشتراطات الفكر التعددي الحر..










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تساؤلات
مصلح المعمار ( 2009 / 8 / 8 - 21:33 )
استاذنا الفاضل جمال ، كل ما تفضلت به هو عين الحقيقه ، لكن يبقى تشخيصك للمشكله هو تشخيص نظري اكاديمي ينفع للتدريس في المدارس وخاصة ما تفضلت به في الأسطر الأخيره التي تقول فيها :
( وهذا ما يدل على الضرورة الحتمية لجميع المحملين بالهم الانساني للتوحد خلف راية الحرية وتقبل الراي الاخر رغم الاختلاف الوارد والممكن في الرؤى والتوجهات والتي قد تكون من اشتراطات الفكر التعددي الحر..) ،
لم توضح لنا يا استاذنا الكريم ، ما هي الوسائل وطرق محاربة الفكر المتخلف ؟ وهل يمكن التقرب من حدود نقد الدين الذي هو الأساس والأرضيه التي يستند عليها الطرف الآخر ؟ فألى اي مدى من الأفعال مطلوب من مهمة الحشر الأنساني للتوحد بوجه التخلف ؟ مع التحيه


2 - كيف تقبل الآخر ان كان يرفض الآخرين؟؟!!؟؟
توت عنخ آمنون ( 2009 / 8 / 8 - 22:55 )
يقول الكاتب الفاضل في نهاية مقاله : وتقبل الراي الاخر رغم الاختلاف الوارد والممكن في الرؤى والتوجهات والتي قد تكون من اشتراطات الفكر التعددي الحر.. / انتهي .
وليسمح لنا بسؤال: كيف تقبل الآخر ان كان لا يقبل هو الآخرين ؟!؟؟
مثل ذاك الآخر غير جدير بقبوله ..
اما أي آخرين يقبلون غيرهم . فلهم كل الاحترام .. عدا ذاك الآخرين
تحياتي


3 - الاستاذ مصلح المعمار
جمال الهنداوي ( 2009 / 8 / 9 - 13:57 )
سيدي الفاضل..اشكر تفضلك بالتعليق على الموضوع.. الدعوة للتوحد هي السبيل الاوحد نحو تفعيل اليات مكافحة التخلف ولترصين الجبهة المناهضة للقوى الظلامية المستندة الى تحالف سيف السلطان مع مسبحة الفقيه..هذا التحالف الذي يقدم لنا وللمجتمع على انه الدين الواجب الاتباع تحت طائلة التكفير والاقصاء..لذا فليس لنا ان ننقد فحسب بل ان يجب العمل على تغيير كل ما يفقد الانسان كرامته وحريته وحقه في الحياة..مع بالغ التقدير سيدي


4 - الاستاذ توت عنخ امون
جمال الهنداوي ( 2009 / 8 / 9 - 13:58 )

سيدي العزيز..تأثرت جدا بمرورك الكريم على المقال وتفضلك بترك توقيعك عليه..الاختلاف الحميد في الراي يكون بين الاطراف التي تؤمن اصلا بحرية الرأي ..وتؤمن بالتعددية والحوار والتلاقح الفكري كسبيل اوحد لتحقيق تقدم الانسان ..واعتقد ان الطرف الاخر الذي تقصده بسؤالك الكريم لا يؤمن اصلا بهذه المفاهيم فلا جدوى من الحوار معه ابتداءً ..مع فائق الاحترام سيدي


5 - اجابه وافيه
مصلح المعمار ( 2009 / 8 / 9 - 14:57 )
اخي الفاضل الأستاذ جمال
شكرا على توضيحك الوافي والآن دعني ان اؤشر على لوحة التصويت برقم ١٠ مع خالص تحياتي

اخر الافلام

.. 82-Al-Aanaam


.. هل هبط آدم من الفضاء ؟




.. -اليهود مش هينسوهم-..تفاصيل لأول مرة عن قادة حرب أكتوبر


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية.. الكلمة الفصل للميدان | 202




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية: تماسك في الميدان في مواجهة