الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة كانط ... ما بين السقوط والتساقط

هيبت بافي حلبجة

2009 / 8 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في مؤلفاته الثلاثة ، الأكثر أهمية ، نقد العقل المحض ، نقد العقل العملي ، نقد ملكة الحكم ، يفاصل كانط ما بين الحسية ، الفهم ، العقل ، مانحاً للثاني دوراً ودلالة إستثنائية في تاريخ الفلسفة ، معتبراً إياه ليس فقط القدرة على الإستنباط والإستنتاج ، المعاني والأفكار ، إنما أيضاً المجال الإفتراضي لأنطولوجية موضوعة ( الشيء في ذاته ) أو ( الأشياء في ذاتها ) . هذا التصور الكانطي الصرف الذي هو الأس البنيوي في التمايز المحتمل ما بين مقولتي الجوهر والمظهر ، والذي أخطأ كبار الفلاسفة ، هيجل ، ماركس ، أنجلس ، في إدراك منطوقه الحيثي ، هو الذي يصادق على المفاهيم الترانسندنتي الغيبي ، الترانسندنتالي المعرفي ، الديالكتيك الترانسندنتالي . فالشيء ، وهذا هو تعسف وجزافية هؤلاء السادة ، لاينقسم ما بين المظهر الذي يمكن إدراكه ومعرفته ، والجوهر الذي لايمكن لاإدراكه ولامعرفته ، إنما هو الأثنين معاً ، أحدهما في الفهم ، والثاني في المحسوس . وهذا لن يدرك ( بضم الياء ) بصورة إبستمولوجية وإنطولوجية ، إلا إذا أكدنا ، حسب كانط ، على أمرين . الأمر الأول : أن التجربة لاتهجر آفاق الحسية ، الحساسية ، وليس بمقدورها أن تفسر العلاقة ما بين السبب والنتيجة ، إلا من منظور تعاقب الأحداث كنسخة رديئة عن مفهوم ، هيوم ، الحسي التجريبي . الأمر الثاني : إن العقل في مسلماته الأولية لايمكن أن يعالج ضمن المسألة الأساسية في المعرفة الكانطية إلا المعرفة التركيبية القبلية التي يوسمها كانط بالمعرفة اليقينية . خارج هذا المجال يفقد العقل ، حسب كانط ، أركانه ، لذلك من المستحيل إقامة البرهان النظري على وجود الرب المسيحي ، وهذا هو قوة العجز في العقل ، نقد العقل ، علاوة على ذلك إننا نستخلص ، عكس ما نتوهم ، منطوق البرهان النظري من مفهوم الرب ، في هذه الجزئية هو محق تماماً ، مع مفارقة أكيدة وهي إننا نستنبط ، في الحقيقة ، هذا المنطوق ليس من مفهوم الرب ، إنما من مفهوم الإنسان عن الرب . وهذه الرؤية الكانطية هي التي قادته إلى القوانين الموازية ، تلك القوانين التي تنتمي بصورة قبلية إلى مجال الفهم دون الطبيعة ، وهذه القوانين هي ، قانون بقاء وحفظ الجوهر ، قانون السببية ، قانون التأثير المتبادل للجواهر ، وكما هو واضح من محتوى القانونين الأول والثالث ومن مضمون القبلية لدى كانط ، إنها ، وإن إنتمت إلى مجال الفهم ، تتمتع بكينونتها فيما قبل الفهم ، وتحتفظ بمعناها فيما بعد الفهم ، وبصورة مستقلة ، لذلك إننا ، حسب كانط ، لاندرك مفهوم الشيء في ذاته ولن ندركه أبداً ، فهو لا يستعصى ( بضم الياء ) على عملية المعرفة ، كما توهم هيجل ، ماركس ، أنجلس ، والسادة الآخرين ، إنما هو أصلاً خارج عملية المعرفة . هذا من جانب واحد ، ومن جانب ثان ، إن هذه القوانين تعري ليس فقط طريقة تفكير كانط ، إنما أيضاً نوعية فكره وتمركزه ، فالمظهر لايرتقي إلى مستوى المقولة بالمعنى الكانطي لها ، وبعكس ما يعتقد ، لإنه ، أي المظهر هو خارج الكائنية ( البونيادية ) ، كما هو خارج تلك القوانين ، وكأنه لايمثل إلا المجموعة الفارغة في الهندسة الفراغية ، أما المقولات لديه ، هي في الحقيقة لاتجسد إلا ذوات مركزية ، بل هي ذاتها . لذا آنما أعتقد كانط إن وحدة الجوهر والمظهر ليس إلا وحدة في الشكل والصورة بعيدة عن وحدة في المضمون والمعنى ، تصادق مع نفسه ، وهذا هو السر الدفين القابع ماوراء العلاقة ما بين هذه القوانين ومقولة كانط الشهيرة ، الشيء في ذاته . تلك المقولة التي أدركها كانط بطريقة أنطولوجية وفسرها بطريقة إبستمولوجية ، مما أربك هؤلاء السادة العظام . وهذا التفارق الكانطي يدلل بصورة باتة على المعرفة الأكيدة للأبعاد الفعلية للديالكتيك الترنسدنتالي الذي يشرئب بجيده من الترانسدانتي الغيبي كما لو إن هذا الأخير هو بعد أنطولوجي ، ويغرف بدلوه من التناقض أو التوافق ما بين النظري والتجريبي على أساس إن وعينا هو من يمنح الموضوع في ذاته الإقتراضي ، ذاته هو ، لإن هذا الأخير يفتقر في ( ...... ينبغي أن يكون فراغاً وإلا أرتكبنا نفس مغالطة كانط ) إلى هذا الإضفاء ، فهو لايستقل في ذاته بنفسه ، كما لايستقل المظهر عن الجوهر ، كما لايستقل الشيء عن الشيء في ذاته . وهكذا أنجلى لنا بصورة أكشف أهم بعد خفي فعلي في الفكر الكانطي ، يخص المعادلة المركزية المستحكمة في العلاقة ما بين وعينا ، وفكرة الجوهر ، وتلك القوانين ( بقاء وحفظ الجوهر ، التأثير المتبادل للجواهر ) ، مع مفاربة وهي إن هذا البعد ليس وحيد الأتجاه ، وتعدده آت من المفهوم الكانطي ، الما قبلي ، فالمكان والزمان مفهومان قبليان للصور الحسية ، بل للكل ، بل ل( ...... كي يكون التعبير دقيقاً ) ، وكأنهما خارج البونيادية ، خارج ذاتهما ، في المطلق ، فيما وراء المطلق ، في التجريد المحض . ومن هنا تحديداً تتشكل متطابقة ما بين تلك العلاقة السابقة ومفهوم المقولات الكانطية ، إلا إن هذه المتطابقة هي عرجاء ظلعاء ، ولكي ندرك ذلك لابد من الإعتراضات الآتية ... الإعتراض الأول : هذا الإعتراض لايتعلق بجوهر فلسفته ، إنما يكشف مدى ميزانه الفكري ، فكانط يؤكد في مؤلفه ( التاريخ الطبيعي العام ونظرية السماء ) إن المجموعة الشمسية قد تألفت من كتلة سديمية إحتوت على عدد هائل من الجسيمات المادية المنتشرة في الفراغ . و هذه الفرضية التي عرفت ( بضم العين ) فيما بعد بنظرية كانط – لابلاس ، والتي أنبهر السادة المادييون ، أنجلس ، بها ، تحتوي على مغالطات تتعارض ومنطق العلم والفكر ، منها . أولاً : ينبغي أن نعي أن قوانين نيوتن هي لما بعد تشكل المجموعة الشمسية وليس لما قبلها . ثانياً : إذا كانت الجسيمات المادية قد إنتشرت في الفراغ ، فما هو هذا الفراغ !! وهل يوجد فراغ أصلاً !! ثم كيف إنتشرت تلك الجسيمات ، وهل كانت مخزونة في كيس فضائي !! ، ثم أنتشرعلى غرار الرؤيا الساذجة للإنفجار الكبير المزعوم . ثالثاً : إن هذه الفرضية لاتستقيم مع تكون الشمس ، إذ يستحيل النقلة من التجمع الضعيف جداً إلى التجمع الأقوى خيالياً ، لاسيما على صعيد التفاعلات الإستثنائية والضغط اللامتناهي . رابعاً : إن الدور الرهيب الذي تلعبه الكائنات الدقيقة في عملية تضادية ، الحفاظ على الحياة وتفسخها معاً ، تنفي مسألة الكتلة السديمية والجسيمات المادية . لذا ينبغي أن يكون للكون أصل آخر ، فما هو هذا الأصل ؟ نحن نطرح بتواضع هذه الفرضية ، وبداءة من المفروض أن نعي تمام الوعي إن الكون هو كائن تولد ونشأ وتطور ومازال يتطور ، فمر بمراحل جنينية ، فتية ، ومابرح يمر ، ولكي لانصطدم نحن بنفس المغالطات القديمة ، نعتقد إن أصل الكون وينبغي أن يكون بالضرورة طاقة ، نسميها إحترازياً بالطاقة المتحولة ، لكن ماهي شكل ونوعية هذه الطاقة ، وكيف ملكت القدرة على التحول ، ثم على التطور ، وما هي القوانين التي حكمتها قبل أن تتحول إلى البذرة الأساسية لكوننا هذا ، وما هي القوانين التي حكمتها أثناء المرحلة الجنينية ، والتي تحكمها الآن ، كل هذه المعضلات وغيرها نتركها للزمن ، أي لتطور العلوم . الإعتراض الثاني : يؤكد كانط إننا لايمكن ، ولن يمكن ، أن ندرك مفهوم الشيء في ذاته . لكن كيف تسنى له ذلك ! نحن هنا إزاء إحتمالين ، إما إنه عرفه أو إنه لم يعرفه قط ، في الحال الأولى ستكون فرضيته معكوسة ومعرفتنا صحيحة والدليل إنه عرف الشيء في ذاته . أما في الحال الثانية ، فكيف تيقن بوجود شيء لايعرفه ولايدركه ، وكيف يؤصل ويؤسس فلسفة كاملة على قضية غير معروفة ولا مدركة لديه . وأما إذا كان ذلك من قبيل الحدس ، فنحن إزاء إحتمالين أثنين ، فلو كان الحدس معرفياً لبطلت فرضيته ، وإذا كان إفتراضاً محضاً ، فلايمكن أن نأخذ به إلا على سبيل الإستئناس . الإعتراض الثالث : في نقده للعقل ، ينتقد كانط ، في الحقيقة ، ودون أن يدري ، عقلنا الإبستمولوجي الخاص ، ودون أن يدرك طبيعة الدمج ما بين سؤالين ، ما هو المطلوب من العقل ، وما هي قوة المعرفة فيه . فالعقل وإن إعتمد على المسلمات والمبادىء الأولية ، يستحيل عليه التقدم في التراكم النظري دون الإعتماد على المعرفة ، فهو جهاز إدراكي معرفي يتطور ، ولايتطور في مادته إلا بتطور العلوم ، لذلك لايحق له أصلاً الإجابة على أي سؤال يخطر على بال البشر ، ولإنه قد فعل ، إستجابة لرغبة إنسانية حمقاء ، فإننا بحاجة إلى زمن طويل كي ننظف وننقي المعرفة الحالية البليدة للحصول على أساس وأس معرفة جنينية حقة موضوعية في المستقبل . الإعتراض الرابع : لدى الإمعان في محتوى القوانين السابقة ( بقاء وحفظ الجوهر ، قانون السببية ، التأثير المتبادل للجواهر ) ، نعي بكل وضوح إن القانون الأخير يتعارض مع الفكر الكانطي ، فبغض النظر عن كيفية حدوث التأثير ، لامندوحة من السؤال التالي ، أين يحدث التأثير ؟ . نحن هنا إزاء ثلاثة إحتمالات ، قد يحدث في المفهوم ، أو الجوهر ، أو المظهر ، إذا حدث التأثير في المفهوم ، فهذا يعني إن الما قبلي الكانطي لم يعد ما فبلياً وهذا ما لا يستسيغه كانط لإنه يطيح بأهم أعمدة نسقه الفكري . وإذا حدث ذلك في الجوهر في صميمه ، فهذا يبرهن إن فكرة الشيء في ذاته لم تعد كما هي على الصعيد الإنطولوجي ، بل باتت ، علاوة على ذلك ، مدركة ومعروفة وإلا لما حدث التأثير ، ومن جانب آخر لما أدركناه نحن ، أي التأثير ، أصلاً . وإذا حدث هذا في المظهر ، فهذا يعني إن المظهر لايمثل الشكل والصورة في عملية الوحدة ما بين الجوهر والمظهر ، إنما هو جزء أنطولوجي في المعنى والموضوع ، وهذا ما يرفضه كانط لإنه يفند ويدحض مزاعمه الفكرية حول الجوهر . الإعتراض الخامس : يعتقد كانط إن المعرفة التركيبية القبلية التي هي جزء من المعرفة ( الشاملة ) مع شقيقتها التحليلية ، والتي يوسمها باليقينية ، هي خارج نطاق التجربة ، بل هي ما قبل نطاق الحس والعقل ، وإن كانا ، كلاهما ، مصدرها حسب كانط . ولو وجدت هذه المعرفة لحق لنا التساؤل عن مصدر اليقين فيها ، فإما أن تكون يقينية في ذاتها ، أو يقينية بالإعتماد على ذات أخرى . ونحن من زاويتنا نرى إن كانط لايدرك طبيعة الإشكالية في هذه القضية ، لإنه يلغي ، ضمنياً ومضمراً ، الإحتمال الثاني لحساب الأول مع إعترافه إن الرب المسيحي هو الذي فطر الكون وهذا تناقض في الجذور، دون أن يدرك إن المعرفة اليقينية ليست بحاجة إلى برهان نظري ، وبالتالي يمكننا أن نحصل على معرفة نظرية لامتناهية ، وهذا ، وإن بدا متطابقاً مع رؤيته حول المعقول ، يتناقض مع فكرة الأشياء في ذاتها ، ومع دالة المعرفة ، على الأقل ، لدى الإنسان . الإعتراض السادس : إن المقولات لدى كانط لاتعكس صور الوجود ولاتطوره ، فهي قبلية في الفهم الإنساني ، بل هي مفاهيم هذا الفهم خارج نطاق التطور والتحول والنقلة ، وهذا يتعارض مع مدلول تلك القوانين ( السببية ، التأثير المتبادل للجواهر ) ، لاسيما قانون السببية لإنه سيمسي لاقانوناً ، ينفي دالته في ذاته . الإعتراض الأخير : إن مفهوم الشيء في ذاته يخالف محتوى التطور ، وبالتالي يضفي على الوجود والطبيعة الجمود والهمد ، سالباً منهما مفهوم الغاية ، إن وجدت هذه الأخيرة ...










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - 13.59676.
احمد عز الدين ( 2011 / 1 / 11 - 10:46 )
رائع جدا نتمنى المزيد

اخر الافلام

.. أحداث قيصري-.. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟ | المسائية-


.. السودانيون بحاجة ماسة للمساعدات بأنواعها المختلفة




.. كأس أمم أوروبا: تركيا وهولندا إلى ربع النهائي بعد فوزهما على


.. نيويورك تايمز: جنرالات في إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار في




.. البحرين - إيران: تقارب أم كسر مؤقت للقطيعة؟ • فرانس 24 / FRA