الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحياة السياسية ومأزق الممارسة السياسية/الدينية (الجزء الخامس)

سامر أبوالقاسم

2009 / 8 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ونحن إذ نؤكد على أن هذا الأداء يهدد فعلا الحياة السياسية برمتها، خاصة إذا ما استحضرنا تجارب بعض البلدان التي استطاعت مجموعات التيار السياسي/الديني أن تستولي على السلطة فيها، وأن ترسم حدود ممارساتها اللاديمقراطية تجاه الدولة والمجتمع معا، وإذا ما تذكرنا العواقب الوخيمة للخلط بين الدين والسياسة، التي فجرت تلك الأحداث الدموية والإجرامية الحاقدة، في السنوات الأولى من هذا القرن، ليس في المغرب وحده، بل حتى على المستوى الدولي، وكذلك إذا ما وقفنا على حجم المشاكل الحقيقية والعويصة التي يعرفها مؤخرا هذا "الحزب الدعوي"، والتي تفجرت في كثرة الاستقالات من بنيته التنظيمية، وفي سوء تدبيره لعدد من الجماعات المحلية، ولا ندري ما الواجهة الأخرى التي يمكنها أن تتفجر بعد هذا، وهي كلها مشاكل لن تقف عند حدود تداعياتها على هذا "الحزب الدعوي" وحده، بالرغم من مسئوليته الكاملة فيما يعتمل داخله، بل سترخي بثقلها على المشهد السياسي والاجتماعي ككل، إذا لم تكن الأحزاب الديمقراطية فعلا في مستوى التصدي لهذا الاحتقان الداخلي لـ "الحزب الدعوي" المنذر بأشد العواقب وأخطرها، ليس على الفاعلين السياسيين وحدهم، بل على المجتمع والدولة بصفة عامة.

فإننا بالمقابل، نسجل في حزب الأصالة والمعاصرة، بأن الحد من الآثار السلبية لهذه الظاهرة السياسية/الدينية، التي لم تأخذ حيزا هاما من النقاش السياسي بين كل الفاعلين السياسيين ذوي المنحى الحداثي الديمقراطي، يتطلب من الأحزاب الديمقراطية كلها نوعا من الواقعية، التي ينبغي استحضارها للتغلب على مشاكلها السياسية والتنظيمية، سواء تلك المرتبطة بالوضعية الداخلية لكل حزب على حدة، أو بوضعية التنسيقات والتحالفات والتقاطبات السياسية التي بإمكانها أن تكون داعمة لمسار البناء الديمقراطي للبلاد من جهة، ويفرض عليها التحلي بنوع من الجرأة السياسية في الإعلان الصريح والواضح عن الانخراط في المواجهة السياسية للظاهرة، دون لف ولا دوران، ودون مزايدات ظرفية وآنية ومصلحية ضيقة، ودون اللجوء إلى أنصاف الحلول التي لا تسهم إلا في المزيد من تأزيم الوضع بخصوص الإشكال القائم من جهة ثانية، كما أن الحد من هذه الظاهرة يتطلب نوعا من الانفتاح الواسع على كافة القوى المدنية العاملة في اتجاه دعم مسار الدمقرطة والتحديث في البلاد من جهة ثالثة.

لذلك، كان تأكيد حزب الأصالة والمعاصرة في وثيقة "مبادئ وتوجهات" على أنه «ينفتح على جميع القوى السياسية والمدنية التي تدافع عن دمقرطة وتحديث المجتمع والدولة المغربيين، بما يعنيه ذلك من التزام بقضايا حقوق الإنسان وتحقيق التنمية المستدامة وإقرار العدالة الاجتماعية. وضمن هذا السياق فإن الحزب يعارض كل القوى التي تشكل عائقا أمام الأهداف السابقة الذكر، وهي القوى التي تعمل على تأبيد اقتصاد الريع والرشوة والتهرب الضريبي ونهب المال العام وإفساد الحياة السياسية بمختلف طرق الترغيب والترهيب وشراء الذمم، ونشر روح التيئيس، واستغلال الدين أو أي مكون آخر من مكونات الهوية الوطنية».

وأخيرا وليس آخرا، يمكننا التأكيد على شيء في غاية الأهمية، وهو عبارة عن رسالة واضحة لا لبس فيها لـ "الحزب الدعوي" للعدالة والتنمية، مفادها أن الخلط بين الدين الإسلامي والسياسة، وتغليف الأهداف السياسية بالدعوة إلى الدين، والاستقواء بالدين في السياسة من أجل إقصاء وتهميش الخصوم السياسيين داخل المجتمع، كل هذه الأمور تعتبر من الأسباب الحقيقية للمآزق السياسية لجماعات التيار السياسي/الديني في العالم بأسره، ونظرا لما لهذه المآزق من خطورة على المجتمعات التي تنتمي إليها هذه الجماعات، فقد عمل العديد الكبير منها على القيام بمراجعات فعلية ـ لا دعائية ـ في اتجاه التراجع عن ممارسة الخطاب الديني لفائدة الجرأة في التعبير السياسي المباشر عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية لهذه الجماعات.

وسيكون من الأفيد لهذا "الحزب الدعوي" أن يعمل على المراجعة الفعلية لإستراتيجية أدائه السياسي/الديني على ضوء ما أسلفنا ذكره، وذلك من أجل مصلحته الكامنة في تطبيع علاقاته مع مختلف الفرقاء السياسيين بالساحة من ناحية، ومن أجل الوطن برمته لتجنيبه السقوط في مطبات الفعل السياسي/الديني المتعصب والمنغلق، الذي يدفع العديد من الشباب إلى ميول الحقد والكراهية تجاه المجتمع والدولة معا من جهة أخرى. وما لم يتم ذلك، فإن "الحزب الدعوي" سيبقى مستهدفا بالفضح والكشف عن مستوره من طرف القوى الديمقراطية والحداثية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليست كل مطية من حرير
مغربي ( 2009 / 8 / 17 - 23:35 )
عمق الموضوع صائب جدا، بحيث وراء الأحزاب الدعوية رغبة جامحة في إقصاء المخالفين، بل أحيانا تكفيرهم وتأليب الرأي العام ضدهم، لكن بالمقابل لن يكون حزب -الأصالة والمعاصرة- الذي فضلت الانتماء إليه وتغيير وجهتك اليسارية السابقة نحوه بديلا مفيدا، فقد عبر هذا الحزب عن يمينيته وانتهازيته الواضحة، سواء عبر تهافته على ترشيح الأعيان الذين يركبون كل مطية تقود نحو مصالحهم، واستغلاله لعلاقات ملتبسة مع الإدارة لصالحه، وخير دليل ما وقع بمراكش، خاصة إقالة الوالي بها (نحن لا ندافع عنه، بل كثير من أزلام الإدارة يستحقون المحاكمة لفسادهم) بينما حالة إحدى الجماعات بالرباط التي استفاد منها مرشح حزبكم، ويعطي المشتكون من خصومكم السياسيين الأدلة القاطعة عن فساد العملية الانتخابية لصالحه، لم يستمع لهم أحد، ولم تتحركوا أنتم ككاتب يريد إضفاء مصداقية على حزب يميني به يكرر التاريخ نفسه بصورة أكثر بشاعة، مشكلة التطرف تهم المجتمع بأسره، ولا يحق منكم استغلالها لتخوفوا المجتمع وتأكلوا أنت كحزب كعكعة المشاركة في الحكم التي تستعدون لها وأنتم على عجلة من أمركم، وختاما أريد أن أؤكد بأن اليسار مهد لفوزكم بتشرذمه، ومشاركة أحد أطرافه في الحكومات السابقة دون نتائج مهمة... لكم أن تركبوا أي مطية، لكنها بكل تأكيد ليست من حرير، ويم


2 - القيمة المضافة
بو ماجدة ( 2009 / 8 / 18 - 00:37 )
ان اكبرقيمة مضافة للعمل السياسي لحزب الاصالة والمعاصرة هو جراته في نقطاتان اولها .التصدي لتيار الاسلموي في استغلاله الدين الاسلامي وتانيا في خلخلت الوضع السياسي العام وتحريك جموده.في اتجاه القطبية الواضحة والمرتكزة علي المشروع المجتمعي الحداثي .الاانه مازال بحاجة الي وقت لكي يتبت للمتسايلين مدى قدرته علي ترجمة اهدافه في الواقع.كما لايخفي علي احد مدي هرولة عدد كبير من المنتفعين الي احضانه بغية الحماية والاستفادة من جادبيته الجديدة ونتمني ان يكون للحزب جهاز مراقبة لكي لا يعاد ما مر به الاخرون من قبله

اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ