الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطياف دريدا بالبحرين

عصام عبدالله

2009 / 8 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في عام 1993 أصدر الفيلسوف الفرنسي ” جاك دريدا ” كتابا بعنوان : ” أطياف ماركس ” ، أصبح المحرك الجوفي للعديد من الأطروحات الفكرية المتناقضة حتي اليوم ، وأتهم دريدا بسببه من اليمين واليسار معًا بالتراجع عن مشروعه والتنصل من أفكاره ، ووصفه البعض بأنه ( ثورة ) على التفكيك ، ورد اعتبار للعقل أو اللوغوس الذي طالما عمل دريدا علي تقويض مركزيته ، ناهيك عن الأفكار والمفاهيم الأساسية ذات النزعة الإنسانية والعالمية التي كانت مصدر سخرية دائمة منه ، فقد تحدث دريدا لأول مرة في هذا الكتاب عن “الثورة” و “النضال” و “الايديولوجيا” منذ أن أعلن لأول مرة تفكيك الميتافيزيقا الغربية عام 1967.
الأهم من ذلك أنه جادل في هذا الكتاب المفكر الأمريكي ( من أصل ياباني ) ” فوكوياما ” حول كتابه ” نهاية التاريخ ” جدلاً عقلانيًا ، وقال : بأن الديمقراطية الليبرالية لم تتحقق في كل بلدان العالم كي نقول بأن التاريخ قد انتهى ، كما أنها لم تجد حلاً حتى الآن لمشكلة الفقر والبؤس الاجتماعي ، حتى داخل المجتمعات الغربية نفسها . وأثبتت الأيام صدق كلام ” دريدا ” وبعد نظره ، وخطأ نظرية فوكو ياما التي تراجع عن الكثير من أطروحاتها فيما بعد ، والدليل هو : الأزمة الاقتصادية العالمية التي لم نخرج منها حتي اليوم .
فقد دعا دريدا في هذا الكتاب إلى عدم التنكر الكلي لـ “ماركس”، ذلك أن ماركس لم يمت ولم يقل كلمته الأخيرة بعد. بل يجب استلهام روح النقد الاجتماعي ” النقد الراديكالي ” من كتاباته . واللافت للنظر في طرح دريدا إزاء الرأسمالية الراهنة ، هو لجوءه إلى التراث الغربي كوسيلة للخلاص ، على اعتبار أن ماركس جزء مهم من هذا التراث .
ويبدو أن فكرة ” الطيف ” أو ” الشبح ” بمثابة الخيط اللامرئي الذي يربط مفاهيم دريدا عن ” المحاكاة ” و ” التناسخ ” و” الأثر ” ، كما أنها تتعلق بجميع أفكاره المرتبطة بـ ” اللاحسم ” باعتباره الشرط الشارط لاتخاذ أي قرار مسئول .
هذا من جهة، من جهة أخرى فهو يرينا : ” كيف يتحقق قانون المفارقة التاريخية أو عدم التطابق الزمني ، باعتباره قانون النهاية والفناء ، وذلك لأن الشيء يعيش بعد صاحبه ويوجد على شكل فكره “. ( جاك دريدا : أطياف ماركس، ترجمة: منذر عياشي، مركز الإنماء الحضاري، المركز الثقافي، بيروت - الدار البيضاء، ط1، 1995، ص - 31. )
وهي الفكرة الأساسية التي تقف وراء المشروع الطموح لوزارة الثقافة والإعلام بالبحرين اليوم ، في تقديم أقطاب الفكر العالمي المعاصر للقارئ العربي ، من خلال سلاسل متخصصة وجذابة ، وباكورة إصداراتها سلسلة ” أطياف ” عن ” جاك دريدا ، في الذكري الخامسة لوفاته ( 1930 – 2004 ) .

يصدر الكتاب بعنوان : “دريدا بأثر رجئي”، ويتضمن مساهمات فكرية حول دريدا لأسماء تماست مع استراتيجياته واستثمرت طرائقه في الترجمة والفكر والأدب ، بتحرير من محمد البنكي وبتوقيع على التصميم الفني والإخراج من وحيدة مال الله وناصر مهدي، وتتوزع المقاربات المنشورة في الكتاب على كتاب من المغرب وتونس والسعودية وجمهورية مصر العربية، وهم : أحمد عبدالحليم عطية، صفاء فتحي، عبدالله الغذامي، منى طلبة، محمد شوقي الزين، حسام نايل، فريد الزاهي وعصام عبدالله، وتتمازج هوامش الكتاب مع أعمال فنية خاصة للفنانة البحرينية الشابة وحيدة مال الله على نحو يتيح للعبة المتن/ الهامش (وفاء لدريدا ) أن تندلع في طيات الكتاب.

ويجيء اختيار اسم الكتاب ، الذي يتم تدشينة في الفترة من 11 - 13 أغسطس الجاري وسط احتفالية ثقافية كبيرة ، من منطلق الزج بالتعبير الاصطلاحي بأثر رجعي” في لعبة تفكيكية، من خلال كشط ال (ع) في: (رجعي) وتحويلها إلى همزة (ء) تتشاكل مع ال (ع) بصرياً وتغايرها صوتا ودلالة.. فإذا كانت العبارة الاصطلاحية المتداولة: (بأثر رجعي)، تنصرف نحو الحركة الاستعادية بالذهاب إلى الماضي فان العبارة الجديدة: (بأثر رجئي) ، تنصرف إلى المستقبل بنشدان أثر مرجأ ومؤجل، يتراءى لنا الوعد به لكنه لما يأت بعد. ثمة إذن: (أثر رجعي) ، يأتي بـ (الماضي) إلى (الآن)، و أثر رجئي ينطلق بـ (الآن) إلى (المستقبل)، الموعود والمرجأ. وفي العنوان التماعة دريدية أخرى! ذلك أن استراتيجيات التفكيك الدريدي تراهن على مقاومة السك المغلق القار في التعبير الاصطلاحي… تقيم التكتيكات الدريدية في فجوات بنية الاصطلاح، تخاتل وتشتغل ضمن الانتظام الموهوم، تنصت له، وتتلبث فيه حتى يحين لها أن تباغته بالهدم والتقويض على حين غرة. هنا تنطلق عنونة الكتاب من استعادة تعبير اصطلاحي (+ استعادة دريدا ( بأثر رجعي، لكنها سرعان ما تجابه المصطلح بصياغة مضادة للاصطلاحية: بأثر رجئي، وهذا هو بالضبط شأن المفاهيم التفكيكية: مفاهيم مضادة للمفاهيمية، أو مصطلحات مقوضة للاصطلاحية لأنها تستريب في انغلاقية المصطلح anti-concept واكتماله، وثمة في العنوان استدعاء آخر لدريدا، استدعاء بالغ الحفاوة، عبر فكرة ( الأثر): “بأثر….” ، فالكلمة المفتاحية :(أثر) واحدة من أهم مفاتيح فكر دريدا.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تفض بالقوة اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق بين حماس وإسرائيل




.. جيروزاليم بوست: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ا


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. فلسطيني يعيد بناء منزله المدمر في خان يونس