الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


12 آذار والانتماء السوري للكرد

دارا كيلو

2004 / 5 / 14
القضية الكردية


لاشك أن أحداث آذار كانت مفصلا هاما في تاريخ كرد سوريا, وكذلك في تاريخ سوريا كإطار سياسيي جغرافي يرنو إلى استكمال مقومات الوطن بالمعنى الحقيقي, وقد تكون الخطوة الأولى على طريق وضع نهاية لحالة الاغتراب الجماعي التي عانى ويعاني منها الكرد, وبدرجات متفاوتة, القوميات الأخرى, في علاقتهم مع الإطار الجغرافي السياسي, الذي وجدوا أنفسهم فيه مع إخوتهم من العرب والقوميات الأخرى في سوريا, بغض النظر عن إرادتهم أو ارتباطاتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية السابقة على ذلك. وقد كانت هناك حاجة لأن يمر وقت طويل, حتى يعتاد الكرد على الوضع الجديد بمستحقاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وكان يمكن لحالة الاغتراب هذه أن لا تدوم طويلا لو أن العرب اعترفوا بالإطار السوري كوطن نهائي لكل أبنائه, لكنهم أيضا كانوا يعانون من حالات من الاغتراب ذات أبعاد مختلفة, عبرت عن ذاتها بمشاريع سياسية إقصائية تجاه الكرد وغيرهم, مما غذى أكثر الاغتراب الكردي, أضف إلى ذلك أن هناك مشاريع سياسية كردية ساهمت أيضا في تكريس الاغتراب الكردي, وفي كل الأحوال فإن كل الممارسات التي ساهمت في تغذية الاغتراب الكردي أو غير الكردي كانت تضعف الانتماء السوري للجميع.
لقد بين حدث آذار أن هناك مشكلة كردية سورية, وأن الأكراد السوريون لهم مظالم ومطالب تستحق على الحكومة السورية, وبالتالي فهم يتجهون باتجاهها, ولو كان هذا التوجه عنيفا وحمل طابع رد الفعل, مطالبين ببعض الحقوق, أي أن لهم مشكلة تحل في دمشق وليس في آمد أو هولير. وهنا حقق الكرد السوريين ثلاث اختراقات على جبهات عملهم من أجل حقوقهم المشروعة:
الأول هو تجاوزهم للمصادرة التي تعرضوا لها على يد الإيديولوجيات الثلاث : القومية العربية التي أقصت الكرد ماديا ومعنويا, والاشتراكية استبعدت المسألة الكردية انتظارا لجنة الاشتراكية , والقومية الكردستانية التي صادرت الكرد السوريين لمصلحة مشكلات أجزاء كردستان الأخرى, وهذه الأخيرة استغلتها السلطة إلى أبعد حد من أجل توجيه أنظار الكرد السوريين خارج سوريا, حيث استضافت قيادات سياسية من أكراد العراق, ومن ثم تركيا وحاولت استخدامها ضد الحركة السياسية الكردية في سوريا, وصولا إلى انتزاع شهادة سوداء من السيد عبد الله أوجلان بأن أكراد سوريا مهاجرون من تركيا.
الثاني هو أنهم نالوا اعترافا من سلطة حاولت طوال تاريخها منع تداول كلمة الأكراد السوريين ووجودهم, فقد بدأ الإعلام الحكومي بتجاوز الخطوط الحمراء والحديث عن أكراد سوريين, وتوج ذلك بحديث رئيس الجمهورية عن القومية الكردية في سوريا, رغم أن بعض المسؤولين رددوا نكتة (أكراد عرب سوريين).
الثالث هو اعتراف القيادات الكردية خارج سوريا وحديثهم عن كردستان سوريا في وسائل إعلامهم المختلفة.
يمكن القول هنا, مع بعض التجاوز, أن المقولة الماركسية حول ( طبقة بذاتها وتحولها إلى طبقة لذاتها) تنطبق على الأكراد السوريين, الذين كانوا شعبا يمتلك مقومات خاصة, لكنهم لم يكونوا يعون ذلك بشكل كاف لأسباب كثيرة, وجاء حدث آذار لكي يبين ويساهم في إدراك الكرد السوريين لحقيقتهم: وجودا وحقوقا وطرق معالجة وآفاق مستقبل, واعتقد أن ذلك مطروح في إطار الوطن السوري.
في موضوع العلاقات بين الكرد والعرب في الإطار السوري, يرى البعض أن حدث 12 آذار خلق شرخا بين الكرد والعرب, قد يهدد الوحدة الوطنية والتعايش المشترك. أعتقد أن الأمر على عكس ذلك تماما, أي أن هذا الحدث يشكل بداية حقيقية لتعايش حقيقي وليس إقصائي بين الكرد والعرب وغيرهم, ولا بأس من ظهور آراء متطرفة هنا وهناك. لقد كانت النظرة السائدة من جانب العرب هي أن سكان سوريا عرب وليس هناك مشكلة كردية, أما من جانب الكرد الذين تعرضوا للإقصاء المادي والفكري, فإنهم قبلوا الأمر الواقع, أو أنهم أبدوا مقاومة ضعيفة تجاه ذلك أملا في ظروف أفضل, وهذا لا يعني أنه ليست هناك مشكلة. فليس من الطبيعي أن يمنع رجل لا يجيد سوى لغته الأم من الكلام بلغته, أو أن يضطر كردي أن يكتب في أوراقه الرسمية عربي سوري ونتحدث عن عدم وجود مشكلة. إن إدراك العرب وغيرهم لحقيقة وجود مشكلة كردية وعنصر كردي متميز, هو بداية التعارف الحقيقي بين مكونات الوطن, رغم أن إدراك الوضع قد يكون من زوايا خاطئة في كثير من الأحيان, إلا أن الاعتراف بوجود مشكلة والخلاف حول أبعادها وأسبابها وحلولها, أفضل من عدم الاعتراف بوجودها أو الجهل بذلك, لأن الحل الحقيقي لأي مشكلة يبدأ بالاعتراف بحقيقة وجودها, ومن ثم التفاعل بين زوايا التشخيص والحلول المختلفة. إن التعايش الحقيقي وإمكانية بناء وحدة وطنية حقيقية يبنى على وجود عناصر مختلفة تدرك حقيقة هذا الاختلاف وتقبل به من أجل التعايش, أما التظاهر بالتماثل وبناء أوهام التعايش على ذلك, فإنه كأي كذبة سينكشف عاجلا أو آجلا وستكون النتائج غير مرغوبة. لنتصور حالتين, ونقيم أيهما أكثر قدرة على تحقيق التعايش والوحدة, كردي وعربي لكل منهما خصوصية قومية, ولكل منهما أحلام قومية كبرى وهما يدركان ذلك, وقررا لسبب أو لآخر التنازل عن تلك الأحلام من أجل التعايش مع بعضهما. وحالة أخرى عربي لا يرى إلا العروبة والمشاريع العربية الكبرى ويعتبر الكردي عربيا, وكردي لا يهمه سوى إثبات شخصيته القومية ومجاراة العربي في مشاريعه الكبرى. والسؤال أي الحالتين أقدر على التعايش ؟ لا شك أن المنطق السليم يشير إلى الحالة الأولى.
أخيرا جاء حديث السيد رئيس الجمهورية لكي يدفع أيضا باتجاه تعزيز سورية الكرد بالدرجة الأولى, ومن ثم تقوية الانتماء السوري عموما, فأكراد سوريا قومية أساسية في النسيج والتاريخ السوري حسب كلام الرئيس, والمدلول الوجودي والسياسي لكلمة قومية يختلف عن الجالية أو الأقلية القومية. يفهم من ذلك أن الأكراد ليسوا ضيوفا أو مهاجرين, إنهم أناس يعيشون على أرضهم, وهذا إقرار بواقع تم تجاهله مطولا و يشكل بداية حقيقية نظريا, حيث أنها تتطلب خطوات عملية لتتجسد, لشراكة حقيقية بين كافة مكونات الوطن السوري قائمة على المساواة في الحقوق والواجبات.
هناك مجموعة من السياقات والأحداث تطرح وتدفع وتقوي الميل باتجاه سوريا كوطن حقيقي للجميع, وكون الحدود الجغرافية السياسية لسوريا قد رسمت بأيادي الغير, يجب أن لا يمنع أبناء سوريا من كافة الأطياف من تحمل واجباتهم تجاه تحدي بناء سوريا وطنا يتبادل الحقوق والواجبات تجاه كافة أبنائه. هل سيسمح الآخرون بذلك؟ قد يسمحون أو لا يسمحون , ولكن السؤال الأهم هل أبناء سوريا على مستوى التحدي؟ ......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر