الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضية للمناقشة - باسم الله

فريدة النقاش

2009 / 8 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يمثل بضع مئات من الإصلاحيين الإيرانيين وأنصارهم رجالا ونساء للمحاكمة، لأنهم عبروا إيجابيا عن غضبهم مما قالوا إنه تزوير انتخابات الرئاسة لصالح «محمود أحمدي نجاد»، الذي ساندته مؤسسة الولي الفقيه أي كبار رجال الدين المتحكمين في السياسة الإيرانية وأصحاب القول الفصل فيها، والذين سبق أن أدي حكمهم إلي تدمير المؤسسات المدنية في المجتمع من أحزاب ونقابات وفكر حر.

وفي السودان مثلت الصحفية «لبني أحمد حسين» أمام محكمة متهمة بالخروج عن الشرع لأنها تجرأت وارتدت البنطلون!.

وبينما يتوقع مراقبون أن تصل بعض الأحكام في قضايا الإصلاحيين الإيرانيين إلي الإعدام بعد أن قيل إنهم قدموا اعترافات تدينهم، ومن الواضح أنه جري انتزاعها تحت التعذيب فإن ما ينتظر لبني هو الجلد الذي سبق أن تعرضت له مئات النساء السودانيات منذ بدء تطبيق ما يسمي «قوانين الشريعة الإسلامية» التي أصدرها الديكتاتور «النميري» لحماية فساد حكمه وفشله الذريع.

وفي وادي سوات في باكستان حيث تحظي منظمة طالبان بنفوذ واسع هي التي ترفع بدورها شعارات تطبيق الشريعة الإسلامية، تعرضت فتيات صغيرات للجلد والرجم وسط جمهور غفير لم يتقدم أحد منه لإنقاذهن بدعوي أنهن أيضا خالفن شرع الله الذي انتدبت منظمة طالبان نفسها لتطبيقه، وماتت بعض الفتيات فعلا، «انتقاما من كل النساء اللاتي يثرن القلق والفتنة»!.

وفي أفغانستان وفي المناطق التي تسيطر عليها منظمة «طالبان» تماما اضطرت أسر كثيرة لتعليم بناتهن في المنازل ومنعهن من الخروج لأن فتيات كثيرات تعرضن لإلقاء ماء النار علي وجوههن وتشويههن حين تجرأن علي الذهاب إلي المدارس، إذ تعتبر منظمة «طالبان» أن تعليم النساء حرام وأن المجتمع الذي يسمح لهن بالخروج إلي الشارع أو المدرسة هو مجتمع كافر!!.

وفي الجزائر لقيت عشرات النساء والمفكرون الأحرار حتفهم بطرق وحشية علي أيدي الجماعات الإسلامية المسلحة انطلاقا من نفس النظرة والرؤية للعالم.

وتنطلق كل هذه الوقائع والممارسات من وعي مشوه حول علاقة الدين بالحياة، وعلاقة البشر ببعضهم البعض ردا علي سؤال قديم حول من تكون له الوصاية، وهو الوعي الذي تختفي وراءه مصالح كبري، ويعتم في آخر المطاف علي الاستبداد المطلق، إذ من المعروف في التجارب التاريخية الكثيرة أن الاستبداد تحت رايات الدين كان دائما أنكي أنواع الاستبداد وأكثرها دموية وديمومة لأنه يختفي وراء المقدس، وغالبا ما تكون أدواته شبابا يائسا فقير الثقافة أغلق التخلف والاستغلال الطرق أمامه.

وفي كل هذه الحالات انتدب بشر أنفسهم ليتحدثوا باسم الله - سبحانه وتعالي - ويمنحون لأنفسهم صلاحية قمع المختلفين وتكفيرهم وقتلهم.

وتعود هذه الممارسات بالمجتمع إلي الوراء عشرات القرون، لأنها تستعيد تقاليد العصور الوسطي الأوروبية التي جرت فيها ملاحقة المفكرين الأحرار والبشر المختلفين، ليبسط رجال الدين نفوذهم ويحموا مصالحهم الهائلة إذ كانت الكنيسة في ذلك الحين تقف علي رأس كبار الملاك.

وبعد أن أصبح هذا التاريخ المظلم يقع في ماضي البشرية المثير للاشمئزاز، أنتج التطور الاجتماعي الاقتصادي السياسي هذا الماضي مجددا وإن من واقع مختلف وفي ظل ديانة أخري هي الإسلام.

وتكاتفت عوامل كثيرة تفاعلت فيما بينها، كان علي رأسها العنف الاستعماري، ثم الثروة البترولية الهائلة، والمفاجئة التي تفجرت في معاقل الإسلام المحافظ والبدوي في بلدان الخليج، وهو الشكل من الإسلام الذي ترعرعت في ظله الوهابية برؤيتها المغلقة وتفسيراتها الضيقة للنصوص الدينية، واحتقارها للنساء اللاتي يشكلن أحد المحاور الرئيسية لنظرتها للعالم.

ويدور الصراع الفكري علي أشده الآن في كل الساحات العربية والإسلامية وفي أوساط المهاجرين المسلمين إلي أوروبا وأمريكا، بين هذه الرؤية الدينية المتزمتة القديمة وبين الرؤية العلمانية التي تتطلع لدخول العالمين العربي والإسلامي إلي قلب العالم الحديث، حيث التعددية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، وحيث يلعب الدين دورا دافعا للتقدم في حياة الجماهير فلا يكبل طاقاتها ويهدرها كما يفعل هؤلاء الذين انتدبوا أنفسهم مفوضين من الله لقمع البشر، والتعامل معهم كقطيع واستغلال بؤسهم وفقرهم المعرفي وقلة حيلتهم لإخضاعهم وإذلالهم.

ليست هناك وصفة لحل هذا الصراع الضاري والمركب حلا صحيا، يشق عبره التقدم الإنساني دروبه الشاقة، لكن الشيء المؤكد أن هناك حاجة لنشر الثقافة النقدية باعتبارها أداة رئيسية في هذا الصراع لأنها وحدها تكشف المخفي منه وتضيء أركان العقول المعتمة والمقيدة والتي جرت برمجتها - زورا - باسم الله سبحانه وتعالي.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اصبت..سيدتى
ابراهيم المصرى ( 2009 / 8 / 13 - 22:21 )
صور واقعيه كولاجيه تجمعت لتقدم رؤيه محترمه لكاتبه نقدرها جميعا شكرا يا أستاذه


2 - تعليق
سيمون خوري ( 2009 / 8 / 14 - 10:51 )
السيدة فريدة النقاش ، مع التقدير لدورك التاريخي في الدفاع عن المرأة ونشر ثقافة التمدن الحضاري ، ورغم الاتفاق معك فيما تفضلت به ، حول الثقافة النقدية ، هناك ملاحظة أرجو السماح لي بها ، العالم العربي وليس فقط الإسلامي لا علاقة له بثقافة النقد ، و النقد الذاتي . النقد هو الغائب الأكبر في الحياة العربية وحتى على صعيد الفرد. إذا لم تتخذ إجراءات دستورية في القوانين السائدة في العالم العربي لضمان الحريات الثقافية ، فإن أي حديث عن النقد هو إتهام أمام قضاة محنطين من عصر لوط .النقد هو مظهر من مظاهر الحرية . والحرية هي جزء من نظام مجتمعي بكافة محدداته . اذن لابد من ربط حرية النقد بقضية الحريات العامة .سواء السياسية أو الإجتماعية . هذه الحريات هي التي تهئ المجتمع لتقبل مناخ العدالة الإجتماعية وتحققق الفرص لخلق مفهوم ثقافي في الحق الطبيعي للإنسان في حرية التعبير والتفكير. هنا أعتقد وربما أكون مخطئاً أن على العناصر العقلانية في التيار الإسلامي وهناك العديد من الاسماء المعروفة يقع عليهم واجب مصالحة الدين مع الحضارة ، ووضع حد للقوى الظلامية التي وظفت الدين لاغراض محددة . أولا في إعادة النظر في الخطاب السياسي . وفي الاساس الوصول الى قناعة مشتركة أن الدين مكانه دور العبادة وليس التشريع . وإنهاء حالة


3 - أية ثقافة نقديه ؟
Abu Ali Algehmi ( 2009 / 8 / 14 - 14:54 )
طز في كل ثقافة نقدية تبدأ وتنتهي باسم - الله سبحانه وتعالى - !!؟


4 - الخوف من المصير أقوى من البدء بالتغيير
جهاد مدني ( 2009 / 8 / 14 - 19:15 )
السيدة فريدة النقاش
لن أطيل عليك كثيراً وسأوجز في بضعة أسطر رأيي المتواضع بأن الذين أتيت على ذكرهم لهم أشجع وأثبت على مبادئهم من السادة الرافضين, وهذه نقطة حاسمة لصالح الأصوليين والمتطرفين, بينما السادة الأصلاحيين لازالوا غارقين في تقيتهم دون أن يدروا بأن الطرف الأخر لديه قرون أستشعار ويعرف بأن حجتكم في قول أو كتابة عبارات مثل {صلى الله عليه وسلم} أو {الله سبحانه وتعالى} بأنكم ايضاً مؤمنون, لا تعدو عن ذر الرماد في العيون. المطلوب منكم زيادة جرعة الشجاعة إن أردتم الوصول إلى هدفكم المنشود, ولايوجد في الحياة أشياء بالمجان أي بالتقية, والثقافة النقدية لن يكتب لها الأستمرار بالمهادنة والصراحة راحة لمن أراد تنكب عناء التنوير
سلام

اخر الافلام

.. -السيد رئيسي قال أنه في حال استمرار الإبادة في غزة فإن على ا


.. 251-Al-Baqarah




.. 252-Al-Baqarah


.. 253-Al-Baqarah




.. 254-Al-Baqarah