الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلاميون العراقيون: (جبل التوبة) وماذا بعد؟

رياض الأسدي

2009 / 8 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما صدرت في العراق رواية (جبل التوبة) لداود سلمان العبيدي– رحمه الله- في بداية عقد السبعينات من القرن الماضي كانت تعد فتحا جديدا - لم يستمرطبعا- لولوج الإسلاميين العراقيين عالم الادب الحديث بعد ان كانوا يقتصرون في دعايتهم السياسية على الشعر العمودي خاصة. كانت (جبل التوبة) تحاكي من عنوانها المبسط الإنسان الباحث عن الله تعالى، حيث عمدت إلى محاولة رسم القلق الإنساني الوجودي في التوصل إلى فكرة الله الخالق عن طريق المعاناة الذاتية المحضة: وهي قضية تؤرق معظم المتدينين في العالم إن لم تكن قد أشبعت توظيفا في مجالها.
بالطبع لم تأخذ الرواية حظها من النقد -كما هي العادة!- ولم تلبث بعد مدة قصيرة أن أصبحت منسية لا يبحث عنها إلا في مكتبات قديمة وعلى النت بعد ثلاثين عاما على صدورها وبعد وفاة كاتبها. ولا يوجد لدى العبيدي – على حدّ علمي- رواية اخرى.
من الصعب تفسير كتابة هذا النوع من الاعمال التي اتخذت كما في رواية(جبل التوبة) طابع الأدب الحديث, لأنها جاءت تتويجا لمواقف فكرية مسبقة وتوجهات إيديولوجية محددة؛ إن لم تكن كتبت بإيعاز سياسي محض.. لكن العمل الادبي، على أية حال، هو في حدّ ذاته بالنسبة لهؤلاء الكتاب والشعراء خاصة لا يكون إلا واجبا دينيا وسياسيا للدفاع عن العقيدة. لذلك كان - ولا يزال- الشعر العمودي هو اللون المفضل لدى هذه الجماعات السياسية الدينية إلى جانب الشعر الشعبوي المتأتي غالبا عن (القولات الحسينية) لتحفيز العامة من اجل استعادة ذكريات ألفية مقدسة.
من هنا ليس ثمة ادباء (محترفين) لدى هذا القطع السياسي الواسع والمهم من تلك الحركات السياسية الناشئة وسط مناخ يساري كبير. فقد تأخر ظهور الحركات الإسلامية السياسية في العراق ردحا طويلا من الزمن إذا ما قورن بمصر التي ظهر فيها الإخوان المسلمون منذ عام 1928. وهكذا كان من الصعوبة بمكان ظهور ادب يمتلك طابعا إسلاميا محضا إلا تلك المحاولات الفردية القليلة جدا التي تنطلق بين حين وآخر لتكون بريقا لافتا. ويعود تفسير تلك الظاهرة إلى أن المنضوين تحت لواء تلك الحركات لم يجدوا في الادب والفن الحديثين عموما وسيلة مهمة للدعاية السياسية بعد أن اطمأنوا كثيرا إلى وسائلهم التقليدية المعروفة في العمل السياسي.
وفي الضد من ذلك نجد إن الحركات السياسية اليسارية في العراق قد عمدت على التغلغل بين صفوف الادباء والصحفيين والفنانين وعموم المثقفين وعلى رأس ذلك كان الحزب الشيوعي العراقي الذي كان يعد حزب النخب المثقفة لعقود طويلة من الزمن. واستطاعت قوى اليسار عموما أن تكون لها من خلال هذا الوجود المثمر حظوة كبيرة بين صفوف المثقفين بعد ان غُيّبت الثقافة الليبرالية وحوربت بقوة تحت وطأة ما عرف بتوجهات البورجوازية الصغيرة المتذبذبة في ولائها الطبقي.
اما الإسلاميون فقد كانوا لا يولون هذا الجانب أهتماما بسبب أن لهم وسائل كثيرة في الترويج لأفكارهم ورؤاهم وتوجهاتهم السياسية البسيطة. ومن الصعب ان نجد ثمة برامج سياسية واضحة المعالم في تلك المرحلة من تاريخ العراق السياسي والثقافي كما ان ضمورا مروعا للأعمال المهمة رافق عقد الستينات بسبب القمع الفاشي للادباء والمثقفين اليساريين. ولذلك فقد كانت تحركات اليمين الديني السياسية والتكتيكية تعتمد المبادرات الفردية المحضة وغير المتقنة غالبا متمثلة بالخطب الدينية والمواعظ في الجوامع والمساجد والحسينيات فضلا عما كونه (المنبر الحسيني) وتسيير المواكب من سيلة كبرى في إرساء معالم النهضة السياسية الإسلامية الحديثة في العراق.
فما أن تضيق الحكومات الشمولية المناوئة للحركات الدينية (اصطدام الشمولية بالشمولية المغايرة) من إمكانية استخدام تلك الأماكن العبادية للعمل السياسي حتى تجد تلك الحركات صعوبات جمة في العمل بين الجماهير المتدينة - وسطها المستهدف- ويكادون يموتون اختناقا فتنحسر أهميتهم سراعا. ومن هنا فإن الحركات الإسلامية الناشئة في العراق باتت معزولة بقوة عما يجري من تطور ثقافي يساعد على عملية التواصل الحر بين أعضاء تلك الحركات وعموم الاوساط المستهدفة فضلا عن طبيعة العمل السري المضني المرافق لها.
لكن استخدام الادب والفن والثقافة عموما وسائل للعمل السياسي يعد سيفا ذا حدين وخاصة حينما يتحول المثقف او الفنان او الاديب إلى طرف إيديولوجي اخر، او يبدأ بالمعاناة من التحول الإيديولوجي أيضا: يمكننا أن نكتشف ذلك بسهولة في التحول الإديولوجي الفريد لدى الشاعر الكبير بدر شاكر السياب من الشيوعية إلى الاتجاه القومي العربي في عقد الستينات من القرن الماضي. لم يكن ذلك التحول – كما يحاول تفسير ذلك بعض المؤدلجين- بفعل الأزمة النفسية والمرض العضال الذي عانى منه الشاعر؛ بل ثمة شروط موضوعية لدراسة تلك الظاهرة الجديرة بالاهتمام والمراجعة.
وإذا كان الإسلاميون عموما يعانون من عدم وضوح الرؤية في موقفهم من حركات التجديد والتطور في الادب والفن والثقافة، فضلا عن المواقف (الشرعية) من قضايا أساسية في النحت والرسم الكلاسيكي والموسيقى بانواعها، فإنهم وجدوا صعوبات متراكمة كبيرة أخر في التواصل مع الحركة الثقافية الجديدة في البلاد. وهكذا كانت الحركات الإسلامية السياسية لا تحتمل وجود قصة قصيرة او رواية او ديوان شعر حديث ما لم يكن مكرسا لخدمة الدين بالدرجة الأساس مما أبعد الادب عن وظيفتة الأساسية باعتباره كشفا للعالم او خلقا لعالم اخر أيضا. كما وقف جلّهم ضد ما قام به الشاعر الكبير بدر شاكر السياب من ثورة في مجال إرساء أسس جديدة للشعر الحديث وكسر البناء العمودي التقليدي الذي استمر أزيد من ألف عام.. ويعد هذا الموقف امتدادا لطبيعة تكوينهم الإديولوجي في المحافظة على كل ما هو تقليدي والحذر من كل ما هو جديد في الوقت نفسه.
وكان الادباء الماركسيون المستقلون والشيوعيون واصدقاؤهم يتسيدون الساحة الثقافية العراقية منذ وقت طويل -ولا زالوا- فمعظم الأسماء اللامعة منهم. بيدأن تلك الطريقة في العمل السياسي من خلال الادب تصبح مغامرة غير محسوبة النتائج في الوقت نفسه. فما أن ينقلب الشاعر الحديث على حزبه – كما هي في تجربة الشاعر بدر شاكر السياب أنفة الذكر- حتى يتحول إلى عبء مضاف على الحركة السياسية والفكرية للحزب. لذلك كان (سلام عادل= حسين الرضي) القائد السياسي المحترف للعمل السري الذي خلف فهد (يوسف سلمان يوسف) في العمل السري يقف موقفا حذرا من انتماء الادباء والمثقفين عموما ومن ان يتبوأوا موقعا قياديا في التنظيم بعد التجربة السيابية المريرة، ويرى في بقائهم أصدقاء أو في مواقع تنظيمية دنيا هو أفضل حل لتلافي تقلباتهم السياسية المستقبلية.
من هنا فإن الأدب السياسي الحديث في العراق لم يوثق الحياة السياسية والاجتماعية كاملة التي مر بها الشعب العراقي، وكان معظم الادباء في مرحلة الخمسينات هم (كتاب عرائض) للناس – كما يشاع عنهم، وهم يتصيدون افكارهم من معاناتهم الشخصية او ما يرونه بامّ أعينهم.. أما في مرحلة الستينات وبعد سلسلة الأعمال الفاشية التي حدثت في البلاد فقد تحول الأدب والفن في العراق إلى هم ذاتي ووجودي محض لتلافي الاصطدام بالسلطات الفاشية التي زجت مئات من المثقفين في غياهب الصحراء. في وقت أرسلت تلك السلطات (المكارثية) من طرز أعلى والمعادية للثقافة والفكر العديد منهم إلى ما وراء الشمس في عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. ويبدو أن الفرصة قد ضاعت كاملة على جيل شهد احداثا جسام عصفت بالبلاد ولم يوثقها فنيا ولم يحاول العودة اليها أيضا؛ وهذه لعمري من أشد المثالب التي تؤشر على الحياة الثقافية في العراق. ومن المؤسف في الوقت نفسه إن معظم الادباء الذين غادروا العراق في العقود الاخيرة من القرن العشرين لم تظهر لهم أعمال مهمة تتناول احداث كبرى في حياة العراقيين كأحداث القتل المروعة عام 1959 وكذلك ظلال انقلاب عام 1963 وقدوم الفاشية بأفضل صورها، ثم ما تعرضت له الحركات الدينية الشيعية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي؛ عذابات طالت قطاعات كبيرة من ابناء الشعب العراقي. أما ما حدث من أهوال طالت الجميع في عقد التسعينات حيث مرت البلاد في مرحلة من الموت السريالي البطيء فإن ذلك الخزين الغريب لم يظهر على الورق وصفحات النت حتى هذه اللحظة. إنه لشيء محير حقا.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 72-Al-Aanaam


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تدك قاعدة ومطار -را




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في العراق تنفّذ 4 عمليات ضد


.. ضحايا الاعتداءات الجنسية في الكنائس يأملون بلقاء البابا فرنس




.. قوات الاحتلال تمنع الشبان من الدخول إلى المسجد الأقصى لأداء