الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيخ صفوان أبوالفتح

رفعت السعيد

2009 / 8 / 16
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


«كان أهم من تتلمذنا علي يديه الشيخ صفوان أبوالفتح. كان شيخا أزهريا عظيما وكنا نسميه «مولانا» وكان يكتب كل منشورات الحزب وهو الذي صاغ برنامجه وكان يشرح الاشتراكية وكأن النبي محمد قال بها. كان ناراً حمراء متوهجة دوماً».

من أقوال عبدالرحمن فضل في حواري معه.

ومنذ تأسس الحزب الاشتراكي كان الشيخ صفوان أبوالفتح هو أكبر الأعضاء سناً (ولد عام 1882 في قرية السنيطة مركز أجا) وعندما سجن قادة الحزب كان هو أيضاً الأكبر سناً (42 سنة) وقد حاولت كثيراً الإمساك بخيط معلومات عن «مولانا» حتي التقيت بأخته فاطمة.

وتحكي فاطمة «أبونا كان غنيا. فلاحا متسلطا ومن ثروته استمد المزيد من التسلط علي أبنائه. هو لم يتعلم ورفض أن يتعلم أي من أبنائه فالأرض كافية والرزق وفير فلا حاجة لأن يتعلم الأولاد. سنة أو سنتين في الكتاب ثم إلي الحقل. صفوان تعلق بالكتاب وبالعلم وتعلق أكثر بحفظ القرآن الكريم. لكن الأب يرفض لأي من أبنائه أي علم حتي حفظ القرآن. وعندما علم الأب ثار في وجه الجميع وقال: «إلي الغيط ياولد» لكن الابن يذهب إلي الغيط صباحاً ويحفظ القرآن سراً حتي اقترب من سن الخامسة عشرة فاستجمع كل شغفه وألقي نظرة وداع علي الأم والإخوة والقرية.. وهرب.. وفي رحاب المعهد الأحمدي بطنطا استقر به المقام مجاوراً يعيش علي الجراية ويقضي كل أيامه ولياليه في حفظ القرآن والحديث والفقه. والأب العنيد يتصادم مع إرادة الولد العنيد. وكانت قطيعة دائمة. وحرمه الأب من الميراث. ولم يأبه صفوان فيكفيه ميراث العلم. ومن المعهد الأحمدي إلي الأزهر ليتخرج مدرساً للغة الغربية في مدرسة سعيد باشا بالإسكندرية ثم مدرسة العروة الوثقي».

ولا نملك خيطا يكشف لنا كيف اقترب المدرس المهيب من الاشتراكية لكنه كان من مؤسسي الحزب الاشتراكي واستطاع أن يصوغ للحزب فكراً ماركسياً مطعماً بالرؤية الدينية المستنيرة، وكانت محاضراته للرفاق مزودة علي الدوام بآيات قرآنية وأحاديث نبوية. وكان «مولانا» عضوا في أول لجنة مركزية للحزب.

لكن الغريب في الأمر أن بعض اخوته الذين نالوا نصيبا وافرا من الأرض والثروة ومعها نصيب وافر من الجهل فقدوا ثروتهم ولجأوا إلي الأخ المنبوذ فمد لهم يداً حانية، وفي عام 1924 يقبض علي جميع القادة ويحل الحزب، وتتحدث حيثيات حكم محكمة الجنايات عن مولانا قائلة «وحيث ان المتهمين أنطون مارون وحسني العرابي وصفوان أبوالفتح هم قادة الحزب وأشدهم تحمسا وأكثرهم نشاطا في بث الدعوة إليه وهم بذلك أشدهم خطراً بما يستدعي معاملتهم بمنتهي الشدة. وحيث ان المتهم الثالث صفوان أبوالفتح كان يبث أفكاره في صفوف تلاميذه وكان يملي عليهم امالي عن الاشتراكية فإنه يتوجب معاملة المتهمين الثلاثة الأول بمقتضي المادة 17 من قانون العقوبات» (حيثيات الحكم في قضية الجناية 36 لسنة 1924 جنايات الإسكندرية) وحكم علي المتهمين الثلاثة الأول ومنهم مولانا بالسجن ثلاث سنوات قضاها صفوان كاملة.

ويخرج مولانا مفصولا من عمله ولا يكون أمامه سوي العمل في بعض المدارس الخاصة. ولكن الأمن لا يكف عن مطاردته ومطاردة زوجته وأسرتها. وكان الأمن يضغط طوال فترة السجن علي الزوجة أن تطلب منه الطلاق لكنها رفضت واستمر الضغط حتي بعد أن خرج من السجن. لكنه صمد. وهي أيضاً صمدت.

ويبقي أن نتأمل قطعة من الأدب السياسي الرفيع الذي مزج بين الماركسية والنكهة المصرية الخالصة في مقدمة برنامج الحزب الاشتراكي المصري التي صاغها «مولانا» ونشرت كاملة في «الأهرام» (28 أغسطس 1921).

وتقرأ «في تلك الآونة التي تعصف فيها النظم الرأسمالية الفردية بحياة بني الإنسان وأرواحهم وعقولهم وجهودهم، تبث المبادئ الاشتراكية في الأفئدة المعذبة لانجاد الإنسانية واغاثتها من بطش القوي الظالمة، وتحقيق غايات العدالة الطبيعية من تأييد عواطف التآخي والسلام في المجتمع الإنساني والقضاء علي ظلم المستعمرين المستغلين الذين سلبوا حرية الشعوب والأفراد. وسعوا إلي تحقيق رفاهيتهم بالاضطهاد المريع للأمم والمجتمعات المستضعفة. وقد امتدت يد الاستعمار والظلم إلي مصر فاستلبت حريتها عملا بسياسة تلك النظم الرأسمالية سعيا إلي استعمار أرزاقها واستغلال جهود بنيها. كذلك تسيطر تلك النظم علي المجتمع المصري سيطرة سحقت معها دولة العمل، وبطش بها رأس المال بطشا شائنا ومرهقا أدي إلي خلق الغني الفاحش والبأساء البالغة واتساع الهوة بين الرفاهية والفاقة. لذلك كان من الضروري أن يمتد إلي بلادنا صراع المبادئ الاشتراكية العادلة ضد النظم الرأسمالية، سعياً إلي تخفيف ويلها وظلمها الفادح، وتحقيقاً لتلك الغاية نهض إخوان العمال في مصر لتأليف الحزب الاشتراكي المصري.. وهذه هي مبادئه التي سيعمل علي تحقيقها».

الله يا «مولانا». ما أجمل هذه القطعة الأدبية.. وما أجملك.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ياعمال العالم صلوا على النبي
مليكة طيطان ( 2009 / 8 / 15 - 23:52 )
أتمنى أن يطلع الأستاذ رفع_ت السعيد على هذا التعليق
قرأت المادة استحضرت معها نموذج مماثل في المغرب ، الأمر يتعلق بالحركة الاتحادية حين انسلاخ النخبة الطواقة إلى رحاب حرية مساحتها واسعة ...كانت طبعا النخبة الاستثنائية الرافضة في العيش داخل جبة التقليدانية التي تود تكريس الفكري الرجعي باسم اللانتماء المديني وأيضا باستغلال الدين والجانب المتخلف من الموروث التقافي ...طبيعي أن ينخرط في تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية آنذاك شيوخ الاسلام مع العلم أن الحزب اقتنع في بنائه الفكري بالاشتراكية العلمية تجسدها الوثسقة الأولى التي صاغها الشهيد المهدي بنبركة ( الاختيار الثوري ) أقول ثمة علماء دين انخرطوا في صيرورة المكون السياسي البديل نستحضر شيخ الاسلام العربي العلوي رغم سلفيته يترأس المؤتمر الثاني للحزب وهي المحطة التي تبنى فيها الحزب الاشتراكية العلمية كمناولة أولى ضمن إديولوجية ركزت على الدور الأساسي للطبقة الطلائعية وفي مقدمتها الطبقة العاملة ...أيضا نستحضر المرحوم الفقيه محمد الحبيب الفرقاني عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي وللإشارة أنه استمرار للحركة الاتحادية حيث تم البناء بمؤتمر استثنائي مرة أخرى يتخد الاشتراكية العلمية شعارا إلى جانب التحرير والديموقراطية ، النضال استمر


2 - في العراق الظاهرة نفسها
د. رياض الأسدي ( 2009 / 8 / 16 - 03:24 )
تعقيبا على ماكتبته الرائعة مليكة طيطان: ظهر عندنا في العراق أيضا بعد انقلاب 1958 بزعامة الجنرال عبد الكريم قاسم جمعية تدعى (رجال الدين الاحرار) كانت تدعو إلى الاشتراكية وربما الشيوعية. ورغم ما قيل عنها وقتذاك من أنها صنيعة الحزب الشيوعي العراقي إلا انها كونت ملمحا يستحق التامل وعندما طرحتها على الدكتور انيس كفكرة للمزاح قال: هو ده معقول يبني
تلميذ قديم للدكتور محمد أنيس رحمه الله

اخر الافلام

.. انتخابات تشريعية بفرنسا: اكتمال لوائح المرشحين واليمين المتط


.. ندوة سياسية لمنظمة البديل الشيوعي في العراق في البصرة 31 أيا




.. مسيرات اليمين المتطرف في فرنسا لطرد المسلمين


.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع




.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف