الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسرحية السورية (الجمعية الأدبية): صورة المثقّف... أيّ مثقّف؟!

مايا جاموس

2009 / 8 / 20
الادب والفن


ابتدأت فرقة (باب) المسرحية أولى عروضها بمسرحية (الجمعية الأدبية)، التي قُدِّمت في صالة دار الأسد متعدّدة الاستعمالات.
من خلال حدثٍ هو اجتماع أعضاء الجمعية الأدبية الستّة وتغيّب السابع، يعلن الراوي أن العرض هو مناسبة لتقديم صورة عن مدى جدية المثقفين ورؤية ما يحدث في اجتماعاتهم.
وتقدم المسرحية تعريةً للمثقفين من خلال تقديم صورة كوميدية مبالغ فيها، تصل إلى التهريج لجعلهم مادةً للسخرية والإضحاك.
يبدأ أعضاء النادي أحاديثهم -وهم يدخلون إلى الخشبة- عن الملابس وانسجامها مع الكلام، وأحاديث أخرى تبدو تافهة لا قيمة لها، يرافقها ضحك كثيف دون أسباب تستحقه، ثم ينكّتون على دهس الخراف من قبل السيارات المرافقة للعرس ويقرّون بضرورة تواجد قانون بخصوص هذه الظاهرة. كما تبدأ الخلافات بين الشاب الوحيد بينهم وسندس (أبو شلهوب)، بسبب المزاح، من بداية العرض- الاجتماع.
خلال أحاديثهم تمر إشارات سريعة لموضوعات الشأن العام مثل عنفات السد التي لا تعمل وانقطاع الكهرباء المستمر، واعتيادهم على الوضع بحيث يبدو مسألة طبيعية أن تنقطع الكهرباء وكأن الأمر لا يعنيهم أن يطالبوا بحلٍّ للمشكلة، فتعاملوا مع الأمر باستكانة تامة.
تقدم المسرحية شكلين للمثقف، هنالك المسنّ البليد خاوي الذهن البيروقراطي، سطحيّ التفكير والاهتمام، وهنالك الشاب اللامبالي المستهتر منعدم الأخلاق واللباقات، كثير التذمر، (لا يعجبه العجب)، المتهكم طوال الوقت، يتقصد إزعاج المسنّ، يلاحق النساء، بل حتى قليل الأدب. أما رئيس الجمعية فهو تاجر (رئيس مؤسسة أعلاف) وشبه أمّيّ (فعلياً)، يبدو كأنه معيَّنٌ في هذا المكان تعييناً، وقد شغل منصب رئيس جمعيات في عدد من المدن وكأنما لا فرق بين الجمعية الأدبية ومؤسسة الأعلاف التي يرأسها، ومع هذه الصفات، يُظهره العرض أكثر رقياً من المثقفين، باحتوائه مشاكلهم ودفعهم إلى المصالحة، لكن بالمجمل هو صاحب سلطة عليهم، يأمرهم وهم بدورهم ينصاعون لأوامره.
يقترب العرض في لحظات منه من العبثية خاصةً في مشهد الدعاء والابتهال، إذ يسأل رئيس الجمعية عن سبب قيامهم بالابتهال، وهم يصمتون كأنهم لا يعرفون الإجابة، كذلك العلاقة بين قطع الكهرباء والابتهال إلى الرب.
هذه هي صورة المثقف التي قدمها العرض، فقد بدا مفرّغاً سطحي الاهتمامات، بليداً بيروقراطياً مترهّلاً، يفتقد إلى الأخلاقيات واللباقات العامة، شهوانياً زير نساء، مدّعياً، غير قادر على خوض حوار جدي منتج. أحاديثه ثرثرة، والأهم أنه منعدم العلاقة مع المجتمع حتى في أحاديثه، منغلق على ذاته، ومنعدم الصلة مع الشأن العام، وعندما تحدّث بشكل جدي كان حديثه عن الخراف وضرورة سنّ قوانين لحمايتها من الدهس، لم يتحدث عن الإنسان أو عن المواطن، إلى جانب كونه ذا عقلية ذكورية نظرته إلى المرأة هي النظرة النمطية.
هذه الصورة تبدو في المسرحية معممة على المثقفين، وإن كان العرض قد أوحى من خلال فكرة الجمعية، بأن المثقفين الذين يقصدهم هم مثقفو المؤسسة الرسمية، حيث بإمكانهم تشكيل جمعية، والاجتماع فيها، أيضاً ينطبق الوصف على مؤسسات شبه رسمية نعرفها، من حيث بلادة مثقفيها وبرامجهم المقيتة كمحاضرة عن الصين واليابان والرابط بينهما والمسائل الشكلية في الصين والعادات فيها أو العولمة والتحديات في الصين، والغوص في فذلكات لغوية، أي القصد هو برامج منفّرة للجمهور لا تهمه فعلياً، بعيدة عن همومه ومشكلاته، غير جذابة، أيضاً تشبه إلى حد مراكزنا الثقافية من حيث انفضاض الجمهور عنها. لكنّ العرض لم يشِر صراحةً أو مباشرةً إلى أي مثقف يقصد، ومن هنا بدا التعميم وهذا ليس دقيقاً ولا ينطبق على جميع المثقفين، فأساساً ليس بمقدور المثقفين عموماً تشكيل جمعية، أو الالتقاء ضمن صيغ قانونية مرخّصة، بالحد الأدنى.
على المستوى الإخراجي والبصري بدأ العرض بسينوغرافيا معبرة عن الفراغ والتجويف والفقر الفكري الذي يعانيه النادي بأعضائه، فما من شيء على الخشبة سوى طاولة و6 كراسي ومصباح يعمل على الغاز، تنتشر الكراسي بشكل فوضوي أيضاً في دلالة مباشرة على حالة الأعضاء.
وقُدمت المسرحية "الاجتماع" والممثلون جالسون على الكراسي، أيضاً في إشارة من العرض إلى البلادة، ولم يقف "المثقفون" إلا حين الشجار الذي وصل حدّ الضرب.
ومرةً أخرى يفاجئنا المخرج رأفت الزاقوت بعد مسرحيته "ديكور" بتقديم عرض مسرحي ممثلوه غير مكرّسين في المسرح أو التلفزيون، مع ذلك فقد استطاع ومعه الممثلون أن يقدمون عرضاً ممتعاً ومتميز الأداء رغم أن شخصيات العرض نمطية، وثمة مبالغة واضحة في الأداء، وأعتقد أن النمطية هنا أيضاً مقصودة.

العرض من إخراج: رأفت الزاقوت، تأليف: هنري أوفوري، إعداد ودرماتورجيا: عبدالله الكفري، تمثيل: أحمد ملص- حسام جليلاتي- حسام سكاف- رازميك ديراريان- محمد ملص- وئام إسماعيل

مايا جاموس
جريدة شرفات السورية
العدد 10 آب 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟