الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من تراث الراحل علي محمد الشبيبي/ رنين على الأجداث 1

محمد علي الشبيبي

2009 / 8 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


(رنين على الأجداث) هذا هو عنوان القسم الثاني من ديوان الوالد (أنا والعذاب). وهي مجموعة قصائد في رثاء الأهل والأحبة، ما عدا القصيدة الأولى والتي كانت في رثاء الملك غازي وقد وضح والدي ظروف وأسباب ودوافع الرثاء.
بعد رثاء الملك غازي أنقطع والدي عن كتابة الشعر عقداً كاملا! وهذا الأنقطاع أثر سلبا (وهذا مايؤكده والدي في أحد هوامشه) على اسلوبه وامكاناته الشعريه بعد مزاولة النظم مجدداً، وخاصة في قصائده الأولى في رثاء أخيه الشهيد. وبعد هذا الأنقطاع عاود النظم مجدداً (عام 1949) في ظرف مؤلم وقاسي وذلك بعد إعدام شقيقه حسين الشبيبي (صارم). فنظم مجموعة قصائد في رثاء شقيقه الشهيد تناولت وصفا دقيقا، لمشاعره وأحاسيسه وماتركته هذه المأساة من ألم ولوعة في نفوس عائلته (ألأم والأب والشقيق)، كما يصف معاناة العائلة بسبب مضايقات الأجهزة الأمنية.
كما نجده يؤكد في جميع قصائده في هذه المجموعة أو في غيرها من الديوان على إيمانه الشديد والمطلق بأنتصار إرادة الشعب على كل المستبدين في مختلف العهود. ويؤكد تعهده، المرة تلوى الأخرى بالتزامه بالمبادئ التي أستشهد من أجلها شقيقه. ومنذ أن وعيت كواحد من أبنائه عرفت الوالد أنساناً مخلصاً ومدافعا صلباً عما يحمله من فكر وطني تقدمي، وهو أول من زرع في قلوبنا حب الشعب والوطن والأخلاص لمبادئنا. ولم تكسر شوكته أساليب الأنظمة المستبدة لذلك عانى من الفصل، والأعتقال والتعذيب والسجن في مختلف العهود (منذ العهد الملكي وحتى وفاته عام 1997).
أرتأيت أن أنشر قصيدة (ننعاك غازي) في (رنين على الأجداث 1) منفصلة لأنها تمثل مرحلة زمنية من تفكير الوالد أولا، وثانياً أنها آخر قصيدة له تلتها فترة أنقطاع دامت عقدا كاملاً. حيث يبدأ حياته الشعرية بمرحلة جديدة فكراً وموضموناً وأسلوباً. أما القصائد التي في الحلقات (رنين على الأجداث 2 و 3 و4) جميعها في رثاء أخيه الشهيد حسين محمد الشبيبي (صارم). وفي الحلقات (رنين على الأجداث 5 و 6) رثاء للعلامة الجليل الشيخ محمد رضا الشبيبي، وشقيقه الأصغر محمد علي، وأبنه همام، وصهره علي عبد الحسين جعفر الكاظمي (ابو زينب). / ألناشر


ننعــــاك غازي

كنت واحداً من الشباب، نملك فقط شعوراً وطنياً عارماً دون أن نفهم بعمق ما هو الأستعمار وعلاقته بالرأسمالية. ودون أن نعرف عن الملوك والنظام الملكي. ولكن أيضاً لا ننكر أن هؤلاء لا يخلون عن شعور وطني –لسبب واحد- هو أنهم يريدون أن لا يكونوا مقيدين بإرادة أجنبي، هكذا نظن بفيصل الأول، وهكذا اعتقدنا بغازي.
وأعتقادنا بأن موتهم لم يكن دون تدبير. فيصل كان حكيما يريد رضا الأمة وبالسياسة يحصل من الإنكليز، وغازي بدون دهاء سياسي، يريد الخلاص منهم، لهذا أحببناهم، وتأثرنا بعمق بوفاتهم وعن سذاجة. أحببنا أباه فيصل، قبله، وآمنا انه يسعى حقاً لتحريرنا من الاستعمار البريطاني. وحين مات، أتهمنا الأستعمار!؟
وزار فيصل النجف آخر مرة، وزرته كواحد من أعضاء "جمعية الرابطة الأدبية في النجف". نزل عن كرسيه المخصص ذي الدرجات الثلاث، وجلس على أريكة من الأرائك المعدة للزائرين. لم يبق إلا كرسي واحد، وقفت أنا و محمد علي البلاغي. هو يقول لي: أجلس. وأنا أقول له: أنت! وفطن الملك، فنهض وجاء ألينا، وكان البلاغي أقرب أليه فجره إلى العرش، وقال: أجلس! فرفض البلاغي ثم أمتثل وجلس على الدرجة الدنيا. وتحدث معنا الملك طويلاً عن أمنية له. أن تؤسس في مدينة جده الأمام علي (ع) جامعة. وتحدث عن الأدب والأدباء، وعلاقة الأدب بالسياسة، وأصول السياسة والأدب. وقد أستغرقت جلستنا معه أحدى وخمسين دقيقة.
وقام شباب النجف بحفلة تمثيلية يكون ريعها لجمعية الرابطة، حضرها صالح جبر. كنت أحد الموكلين أليهم رقابة الحفل وما يحتاج وأستقبال الوجوه. وفجأة استدعاني صالح جبر وأمر أن أبلغ الممثلين بطي التمثيلية "في سبيل التاج". أجبته: هذا غير ممكن. كذلك رفض الممثلون، أحدهم أخي حسين. وأخيراً رضخوا لأصراره، لا أتذكر أكان صالح إذ ذاك وزيراً أو متصرفاً لكربلاء. وفي الصباح أعلن وفاة الملك فيصل في سويسرا. وأقامت جمعية الرابطة حفلاً تأبينياً، كنت أحد خطبائه. هاجمت بكلمتي بريطانيا واتهمتها بتدبير موت الملك، فارتبك صالح جبر، وأمر أن أنسحب فرفض اليعقوبي، فأمر صالح الشرطة أن يسحبوني فشدد اليعقوبي معارضته، وفي هذا أنتهت كلمتي. وكان أحد جماعتي يقف خلفي، أخذ الكلمة وطلب مني أن أغادر المكان كيلا يلقى علي القبض.
تلك أيام ذهبت ، لكن أمرَ الحرية في كل ظروفنا التي مررنا بها جعلتنا نتمنى لو بقيت تلك الأيام. ولكن الحق انه أمر لابد منه، فالمسألة صراع بين الحاكم والمحكوم، بين الماضي المحتضر والحاضر الملتهب والأستعمار القابض على ناصية الأمور. ولابد لليل أن ينجلي.
علي محمد الشبيبي
يا نكبة ذهبت في كــل بارقـة . . . . . . من الـرجاء وأخلتنـا من الأمـل
هـز العـراق صداهـا فجأة فغدا . . . . . . ينـوح مرتبكا من رزئه الــجلل
ترى النفوس حيارى من رزيتهـا . . . . . . قد تاه منها الحجا تهذي كذي خبل
* * *
يـا أمة لــم تـزل في كل آونة . . . . . . يروعها الدهر بالأخطار والوجـل
كم يهـدم الدهـر منها ماتشيـده . . . . . . وكم يـرد أمانيهـا الى الفشــل
اكلما قاربت تحقيـق غايتهـــا . . . . . . عدت عليها العوادي دونما وجـل
وكلما هب مغـوار لنـا بـطـل . . . . . . أصاب سـهم المنايا مقتل البطـل
هبنـا نصـد أعاديـنا ونقمعهـم . . . . . . فهل نرد عوادي الـدهـر بالحيل
ويل الـزمان بما ياتيه من عجب . . . . . . وما يجيء به بالعمــد والـزلل
سطا القضاء على غازي فافجعنا . . . . . . ويل القضـاء رماه الله بالشــلل
بالأمـس كنا نحيه ونهتـف في . . . . . . حـياته ونفـديه من الأجــــل
والـيوم يسمعنا ناعيه عن أسف . . . . . . أن المليـك قضى نحبا بلا مهـل
* * *
ننعاك غازي وذي الأكباد نذرفهـا . . . . . . على الخدود كدمع الواكف الهطل
وما يفيد ألبكا إن نبك من جـزع . . . . . . أبا البلاد وحاميهـا من الـدخـل
فهل يرد علينا الدمع ما سـلبت . . . . . . يد المنون وهل يشـفي من الـعلل
كلا. فيا ضيعة الامـال بعـدك يا . . . . . . نســر البلاد برزء غير محتمـل
يا صقر هاشم يا عنوان مفخرها . . . . . . يا شـبل منقذنا يا مضرب الـمثل
إنا لنأسف أن تمسي رهين ثـرى . . . . . . من عثرة الدهر أن الدهر كالثمـل
* * *
قـل للمقادير تـمضي في أعنتها . . . . . . فالعرب تعرف موت العز كالعسـل
إن مات غازي فما ماتت عزائمنا . . . . . . فهو الذي قد هدانا أوضح السـبل
إن مات غـازي فقد أحيت فتوته . . . . . . هذا الشـباب وشعبا ليس بالـوكل
إن مات غازي فما ماتت مفاخره . . . . . . فإنها في العلا تسـمو على زحـل
إن مات غازي فان الشبل يخلفه . . . . . . ونحن جند له هل يعـد من خـلل
مـدّ الاله عليه ظـلـه ورعـى . . . . . . آمال شـعب إلى الـرحمن مبتهل
* * *
صـبرا بني يعرب لا تركنوا لبكا . . . . . . وطالـبوا بـتــراث كان للأول
قد كنتم سـادة الـدنيا وقـادتها . . . . . . فلم نراكم رضيتم مصة الـوشـل
لن يرعب الغرب قـول من فاهكم . . . . . . فخاطبوا الغرب بالأسياف الاسـل
أسـاد يعرب صونوا باتحادكمو . . . . . . حمى العروبة وأحموه من الـدخل


*- نشرت في مجلة الاعتدال النجفية لصاحبها محمد علي البلاغي.
الواكف: المسال
ألوشل: الماء القليل الذي ينزل بالقطرات


ألناشر
محمد علي الشبيبي
2009-08-19
السويد









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دون إجماع على البيان الختامي.. اختتام قمّة السلام في سويسرا


.. بقارب مفخخ.. هجوم حوثي جديد على سفينة يونانية وحراس أمنها يق




.. شاب مُصاب يتلو القرآن خلال نقله للمستشفى


.. قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان: واثقون من عودة الوطن




.. حميدتي: ما حدث في الفاشر تتحمل نتيجته حركات الارتزاق التي تخ