الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية والاصدار الثاني من الاسلام الصحراوي .. المضحك المبكي

عمرو اسماعيل

2009 / 8 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المضحك المبكي أن مصر هي التعريف العملي للعلمانية ورغم ذلك نجد بعض المصريين من أتباع الاصدار الثاني للإسلام يعتبرون أن العلمانية هي نوع من السبة يتم وصم أي كاتب ليبرالي مصري بها..رغم أن الدين في مصر هو في الحقيقة اختيار فردي والقوانين فيها هي قوانين مدنية مشتقة اساسا من القانون المدني الفرنسي .. الا فيما يخص الأحوال الشخصية ..
بها قضاء مدني .. ونظام حكم رغم كل عيوبه نظام مدني .. يفصل بين الدين والدولة .. وهو نظام سيتحول تلقائيا مهما قاوم الي نظام مدني كامل مثل أي دولة أوروبية ..لأن هذا هو التقدم الحقيقي ..
والدستور المصري في بنوده حول الدولة .. هو دستور مدني علماني بامتياز ..لولا اقحام المادة الثانية بين بنود كلها علمانية مدنية لو تم تطبيقها لما كان هناك أي حاجة لهذا الصراع بين انصار الدولة المدنية العلمانية وبين جماعة الاخوان المسلمين .. ولأمكن للدولة غلق مكتب ارشاد الجماعة وفصل نوابها الذين يعلنون انتمائهم لها علنا رغم ترشحهم ونجاحهم كمستقلين دون الحاجة لاعتقالات وحملات أمنية لا تفيد إلا في زيادة شعبيتهم .. لقد أبقت مصر المادة الثانية نتيجة خوف وهمي من أنصار التيار الاسلامي ..رغم أنه لو كان قد تم الغاء هذه المادة في التعديلات الدستورية الأخيرة لكان قد تم اختصار سنوات من الطريق نحو الدولة المدنية الحقيقية وماكان حدث سوي احتجاجات يمكن تجاهلها من قبل انصار جماعة طز في مصر ستخمد مع الوقت .. العلمانية لا تحتاج أن يكون لها خانة في البطاقة لأنها ليست دينا أو عقيدة .. ولا تعادي اي دين أو عقيدة .. والأهم أنها واقع ..
مصر .. كمجتمع ونظام هي دولة علمانية حتي النخاع .. الدين فيها هو دين .. والدولة فيها هي دولة .. والإنسان فيها حر في اختياراته .. يستطيع أن يذهب الي المسجد بحرية ... لا أحد يستطيع أن يجبره ولا أحد يمنعه .. ويستطيع أن يتبرك بمساجد أولياء الله ويتمسح في جدرانها .. لا يستطيع أحد أن يمنعه .. ويستطيع أيضا أن يشرب الشيشة ويلعب القهوة بجوار مسجد الحسين والميكروفون يعلن إقامة الصلاة حاضرة .. لا يستطيع أحد أن يجبره عن التوقف ..
المجتمع المصري ومنذ عشرات السنين بل ومئات السنين هو مجتمع علماني بالسليقة والفطرة دون أن يتعب نفسه في تعريفها.. في الريف والحضر ... يمارس بتلقائية الاختلاط بين الجنسين والمرأة فيه سافرة في القرية قبل المدينة .. ويمارس بتلقائية شديدة الحرية الدينية قبل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقبل الدستور .. موسي نبي ... عيسي نبي .. محمد نبي .. وكل من له نبي يصلي عليه ..
تجد في كل قرية أو مدينة مسجدا وكنيسة وقهوة .. من يريد أن يذهب الي أي منهم .. لا يستطيع أحد منعه .. في اي وقت .. الحرية متروكة للإنسان المصري بتلقائية شديدة .. اين يحب أن يتواجد ..
في مصر .. كانت دائما هناك الموالد الشعبية لمن يعتبرهم الشعب المصري أولياء الله الصالحين .. مسلمين كانوا هؤلاء الأولياء أو مسيحيين .. وفي هذه الموالد .. كان وسيظل المصريون يمارسون الحرية الكاملة .. يصلون ويرقصون ويلعبون الثلاث ورقات .. تمتزج في هذه الموالد أصوات الأدعية الدينية والصلوات .. واصوات الموسيقي والغناء والرقص .. هل هناك حرية دينية وفصل بين الدين والدنيا أكثر من ذلك ... في نفس المكان ونفس المناسبة .. التي قد تكون مناسبة دينية او سياسية ..
الشعب المصري كله تقريبا .. يحتفل بالمولد النبوي ويحتفل بالكريسماس .. ورأس السنة الميلادية الجديدة .. يحتفل بشم النسيم وهو احتفال فرعوني .. ويحتفل بعيد الغطاس وخاصة في الريف .. مسلمين ومسيحيين ..
المضحك المبكي .. أن الشعب المصري في الواقع هو شعب علماني حتي النخاع .. ثم نجد من يعتبر العلمانية سبة ..
والمضحك المبكي أنه كلما كتب أي منا في السياسة والثقافة مطالبا بالحرية وإعمال العقل وتأكيد حقوق الانسان تكالبت عليه جوقة من نصبوا انفسهم متحدثين رسميين باسم الله دون وجه حق متهمين إياه اتهامات ما أنزل الله بها من سلطان ومشككين في دينه ووطنيته.
.. ..
المشكلة أن كل هذا يحدث نتيجة لحالة غريبة تفشت في مجتمعاتنا منذ عقدين أو ثلاثة .. ولم تكن أبدا موجودة في مصر .. لعل الاسم الحقيقي لها هو الاصدار الثاني من الاسلام .. بعد أن تحول الاصدار الأول الصحراوي مع مرور الوقت الي اسلام شعبي يفهم الدين علي حقيقته علي أساس أن علاقة روحية بين الفرد وربه ويتجاهل بعفوية وتلقائية كل ما يتعارض مع الفطرة والمصلحة من نصوص صحراوية جامدة يتلوها كثراث وليس كواقع ..في هذا الاصدار أصبحنا نضع يافطة الاسلام عل كل شيء ..علي المستوصفات الطبية ومحلات الجزارة بل وبعض المنتجات بعينها ,وشركات توظيف الاموال والبنوك وقنوات التليفزيون وبرامجه والأهم الكتب والمجلات والمقالات وشرائط الكاسيت .. لنكسب قلوب العامة الذين يحبون الله والاسلام والرسول .. وهذه الظاهرة هي في الحقيقة لا تسعي لنصرة الاسلام كما يحاول البعض الإيحاء ولكنها في الأساس طمعا في الدنيا ومكاسبها .. وهي ظاهرة مستوردة حديثا ..فهذه اليافطة تمنع الانسان العادي من التساؤل عن جودة المنتج والخدمة وهل التعامل المصرفي سليم اقتصاديا أم لا وهل الكتاب او المجله او المقال يحتوي فكرا حقيقيا أم مجرد رص لآيات قرآنية وبعض الاحاديث يستطيع اي طفل في العاشرة من عمره ان يأتي بها من علي الشبكات الاسلامية المنتشرة علي الانترنت أو أي مسلم مهما كانت درجة ثقافته أن يأتي بها من الذاكرة..
والمفاجأة لهم جميعا ..لكل من نصبوا أنفسهم متحدثين رسميين باسم الله واسم الإسلام ... أنهم هم من يريدون أن يضعوا قيدا من حديد علي عقول البشر باسم الدين والثوابت .. وهم فعلا من يؤخرون نهضة هذه الأمة .. وهم من يصبون في النهايه في مصلحة الاستعمار والصهيونية ..الحجة الثانية لتكميم افواهنا ومنعنا من التفكير للخروج من نفق التخلف المزمن وهم لا يفقهون أن المشروع الذي ننادي به هو الامل الوحيد للخروج من الهيمنة الاجنبية الي الابد ..لأن المشروع الذي ننادي به هو السبيل للأستقلال الحقيقي ..الاستقلال الاقتصادي والحضاري ..
وهذا المشروع يبدأ بإلغاء المادة الثانية من الدستور التي تتناقض تناقضا مضحكا ومبكيا مع باقي مواد بند الدولة التي هي مواد ليبرالية وعلمانية بامتياز تتعارض مع الاصدار الثاني للإسلام الصحراوي الذي يتناقض مع التدين الشعبي البسيط والروحاني في مصر .. لقد انتهي الاصدار الأول في مصر تلقائيا منذ قرون ثم عاد في السبعينات بعد الطفرة البترولية وعودة من هربوا من مصر من أعضاء جماعة طز في مصر متخمين بالبترودولار ..
ولهذا أحب أن أطمئن علمانيي العرب .. من يقف عقبة أمام التطور الطبيعي للدولة المدنية ليس الدين وليس الاسلام كما فهمه الشعب المصري لقرون طويلة .. هذا الدين الروحي لايمكن القضاء عليه في أي مجتمع .. فالانسان في حاجة فطرية اليه .. ما يقف عقبه أمام الدولة المدنية الحقيقية هو الاصدار الثاني الصحراوي للدين وهو مايجب تعريته وهو أمر سهل .. سيقوم به البسطاء قبل المثقفين لأنه يتناقض مع فطرتهم البسيطة ومصالحهم الدنيوية .. وهو علي وشك الانهيار حتي في بلده الأصلي .. فالانسان بطبيعته محب لله ومحب للحياة في نفس الوقت .. والتجارب في البلاد التي تبنت هذا الاصدار ومع الجماعات التي تدعو اليه أثبتت للإنسان البسيط أن هذا الاصدار يتعارض مع الحياة وجمالها ومع فطرته ..
عمرو اسماعيل









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية خاصة
أسعد أسعد ( 2009 / 8 / 23 - 19:13 )
عزيزي الدكتور عمرو
أهنئك علي هذا التحليل الرائع...أتابع كل مقالاتك بشغف و أتعلم منك الكثير .... إسمح لي أن أمنحك أرفع و سام شرف
أنت مصري أصيل
و لا أستطيع أن أفكر في وسام أرفع من هذا
شكرا يا دكتور عمرو ...أنحني إحتراما لك
أسعد أسعد


2 - أكثر من رائع
رشا ممتاز ( 2009 / 8 / 23 - 23:11 )
تحليل (شعبى حى) واضح وصريح بدون لف ولا دوران
تحياتى لك


3 - بدون تعليق
عبد القادر أنيس ( 2009 / 8 / 24 - 01:10 )
جاء في مقالك (المضحك المبكي أن مصر هي التعريف العملي للعلمانية ورغم ذلك نجد بعض المصريين من أتباع الاصدار الثاني للإسلام يعتبرون أن العلمانية هي نوع من السبة يتم وصم أي كاتب ليبرالي مصري بها..رغم أن الدين في مصر هو في الحقيقة اختيار فردي والقوانين فيها هي قوانين مدنية مشتقة اساسا من القانون المدني الفرنسي .. الا فيما يخص الأحوال الشخصية ..)،
بينما جاء في الدستور المصري ما يلي:
مادة2: الاسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع.
المادة11: تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها فى المجتمع، ومساواتها بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، دون اخلال باحكام الشريعة الاسلامية.
مادة11 : تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها فى المجتمع، ومساواتها بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، دون إخلال بأحكام الشريعة الاسلامية
. مادة12 : يلتزم المجتمع برعاية الأخلاق وحمايتها‏,‏ والتمكين للتقاليد المصرية الأصيلة‏,‏ وعليه مراعاة المستوي الرفيع للتربية الدينية والقيم الخلقية والوطنية‏,‏ والتراث التاريخي للشعب‏,‏ والحقائق العلمية‏,‏ والآد


4 - اجراءات مكمله بعضها البعض
مصلح المعمار ( 2009 / 8 / 24 - 01:34 )
صحيح ما تفضل به الأستاذ عمرو حين يقول ( وهذا المشروع يبدأ بإلغاء المادة الثانية من الدستور التي تتناقض تناقضا مضحكا ومبكيا مع باقي مواد بند الدولة التي هي مواد ليبرالية وعلمانية بامتياز ) ، وبأعتقادي هذا الأجراء هو الخطوة الأولى لجلوس قطار العلمانية على سكته ، اما الخطوة الثانية التي لا تقل اهميه عن الخطوه الأولى هي اسكات الأبواق التي تنادي من اعلى مناراة الجوامع بقتل الكافر وآلمشرك وآلمرتد وآخذ الجزيه من اهل الكتاب ..... الخ ، لأن هذه الأبواق ستعمل على خلق الفتنه في المجتمع وبث الكراهيه بين افراد الشعب وزعزعة النظام العلماني ، كما يجب ان يصاحب الخطوه الثانية الغاء خانة الديانه من البطاقة الشخصيه كما تفعل الدول المتقدمه واحترام الفرد ليس لأنتمائه الديني بل ما يقدمه للوطن ، تحياتي للأستاذ عمرو


5 - مهزلة الدساتير (العلمانية) في دولنا الديكتاتورية
سوري ( 2009 / 8 / 24 - 06:20 )
هذا الدين الروحي لايمكن القضاء عليه في أي مجتمع .. فالانسان في حاجة فطرية اليه ..

هذا كلام حضرتك، ورأيي أنه صالح فقط للإنسان البدائي أما اليوم فهذا آخذ في التراجع، والإنسان المثقف فعلاً، ليس بحاجة عموماً لترهات الأديان

من جهة أخرى، أضم صوتي للمعلق عبد القادر أنيس، فهذه الأنظمة كلها ليست علمانية، ودساتيرنا كلها ليست علمانية طالما أنها تميز ضد ولو شخص واحد في الوطن الواحد، وتحابي الأكثرية، حيث كل الدساتير تشير إلى الشريعة الإسلامية وتضيف (الغراء) مدحاً كمصدر رئيسي للتشريع، وتشترط ألا يتعارض شيء معها، طبعاً يعني ذلك المرأة نصف الرجل في كل شيء، وقوانين الميراث البدوية تسري على الكل، ودين رئيس الدولة الإسلام، مما يعني حكماً أن المسيحي وغيره ليس عنده الوطنية الكافية مثل (أخيه) في الوطن، المسلم... هذه مهازل حقيقية وبحاجة لمواجهة جدية بدلاً من الإعتذارية

إن الدساتير في الدول العربية هي توفيقية وتلفيقية، مثلها مثل القرآن الذي لاتفهم منه شيء، لأنه مصمم كذلك، ليقوم العلماء والفقهاء لاحقاً بالتفسير والتدليس حسب هوى ومصالح الحاكم


6 - غالبية المسلمين علمانيين
واحد عايف دينه ( 2009 / 8 / 24 - 17:04 )
اعجبني جدا مصطلح -انصار جماعة طز-.. فهذه الجماعة والمقصود بها كما اظن جماعة الاخوان المسلمين لا تستحق من وصفها باقل من هذا الوصف .. فهي المصدر الرئيسي للتطرف والارهاب ومنها تفرخ كل التنظيمات الارهابية على اختلاف مسمياتها.. ومن المؤكد لا يمكن لمصر ان تواصل مسيرتها نحو العلمانية.. كما انه في نفس الوقت طالما ان هناك متطرف من الجهة الاخرى يرى بالمسلمين البسطاء هدفا يجب ابادته وافناء كل المسلمين فلن تقوم قائمة للعلمانية ..
بكل جدارة واقتدار تمكنت استاذنا العزيز من عرص وصف دقيق للحياة الاجتماعية المصرية .. فلامصري المسلم في المدن والقرى والنجوع ليس هو المرشد الاعلى للاخوان المسلمين وليس عضوا في جماعة طز وربما لم يسمع بها في حياته واذا سمع بها فهو لا يكترث .. وهو كما تفضلت يحب الحياة وهو مسالم بطبعه بل هو علماني في سلوكه اليومي فكيف اذن يطالب المتطرفون من جماعة طز رقم 2 بابادتهم والقضاء عليهم ولماذا لان بعض اعضاء جماعة طز رقم 2 لا يستيعوا التمييز بين المسلم العادي البسيط وبين اعضاء جماعة طز وتفرعاتها
كم اتمنى الا تخرج عليك سلطانة جماعة طز 2 لتلقي القبض عليك متلبسا بتهمة الاسلام
شكرا عزيزي وننتظر منكم المزيد من الخطاب العلماني المتزن الراقي الذي تحتاجه شعوبنا في مسيرتها نحو التطو

اخر الافلام

.. -هجمات منسقة- على كنيس لليهود وكنيسة في داغستان


.. هجمات دامية على كنائس ودور عبادة يهودية في داغستان




.. روسيا: مقتل 15 شرطيا وكاهن إثر هجمات على كنائس أرثوذكسية وكن


.. القوات الروسية تستعد لاقتحام الكنيسة حيث جرى الهجوم الإرهابي




.. قتلى وجرحى بهجمات على كنيستين وكنيس يهودي ونقطة شرطة في داغس