الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الله موجود؟ الجزء الثالث

بسام البغدادي

2009 / 8 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في هذا الجزء سنبحث عن حقيقة وجود الله فعلياً بأستخدام مبدأ علمي يعرف بأسم المنهج الاستنتاجي (Hypothetico-deductive model). يقوم هذا المنهج على تناول الفرضيات المطروحة لتفسير ظاهرة ما و أختبار مدى صلاحيتها من خلال تطبيق تجارب مدروسة تتنبأ بها هذه الفرضيات. في حال نجاح هذه الفرضيات الصمود في وجه تلك التجارب فأن الفرضية بلا شك صائبة و تتحول الى نظرية او قانون او بديهية مقبولة حتى يثبت عكس ذلك. في حال فشل تلك التجارب في أثبات سلامة الفرضية لسبب او لآخر و بعد التأكد من أن سبب الفشل لا يتعلق بضروف التجربة أو صياغة الأسئلة المعملية فأنه يتم اهمال تلك الفرضية و التوجه الى فرضية أخرى أكثر منطقية و ملائمة لشرح الظاهرة المرصودة و التي تحاول الفرضيات الأخرى كذلك التنبأ بها.

لنأخذ مثالاً لتوضيح الفكرة.

مثال رقم (1)
ظاهرة: أختفاء نصف القمر بالرغم من صفاء الجو و بأننا في منتصف الشهر القمري.
فرضيات لتفسير الظاهرة:
أ‌. الحوت أبتلع نصف القمر.
ب‌. القمر قام بتغيير مساره فرأينا نصفه فقط.
ت‌. ظل الارض غطى كل او جزء من القمر.
ث‌. أنسان على سطح الارض قام بشق القمر الى نصفين.
ج‌. أسباب أخرى.

بأستخدام مشرط أوكام بأمكاننا اولاً أختيار أكثر الاجابات منطقية و العمل عليها, او بأمكاننا تجربة كل الفرضيات (و أن كان هذا سيكون متعباً و مكلفاً على ارض الواقع). الاغلبية العظمى على أقل تقدير تعرف بأنه لا توجد حيتان تسبح في الفضاء و تبتلع الاقمار؟ هل سنترك الخيار الاول؟ حسناً, الخيار الثاني هو أن قام القمر بتغيير مساره فجأة و بشكل درامي لدرجة أنهُ أختفى نصفياً من وجه السماء. فيجب علينا الآن الاجابة على الاسئلة التالية: هل تم رصد أي تغيير غير متوقع في مدار القمر؟ هل هناك اي احداث تأريخية مشابهة تذكر بمثل هكذا تغيير مفاجئ؟ هل هناك سبب آني لحصول مثل هذا التغير المفاجئ في مدار القمر مثل مرور جسم ذو كتلة عالية بالقرب منه أو شئ آخر؟ في هذه الحالة هل تم رصد اي جسم غريب يقترب من الارض او القمر بمثل هذه الكتلة العالية؟ بالاجابة على مثل هذه الاسئلة او غيرها بأمكاننا معرفة فيما أذا كان القمر قد قام بتغيير مساره فجأة و دون سابق أنذار أم لا. و هكذا بنفس المنهج العلمي الدقيق و الصحي بأمكاننا التأكد من كل الفرضيات المطروحة الأخرى التي تفسر هذه الظاهرة. لنأخذ مثال آخر.

مثال رقم (2)
ظاهرة: أمرأة في مقتبل العمر تصبح حاملاً و تنجب صبياً رغم أنها غير متزوجة.

فرضيات لتفسير الظاهرة:
أ‌. طفرة وراثية جعلتها تحمل و تلد دون الحاجة لرجل.
ب‌. المرأة أصبحت حامل مع خطيبها او رجل آخر تعرف عليها او أغتصبها.
ت‌. المولود أبن الله أو أحد الآلهة ولا أب له.
ث‌. أسباب أخرى.

مرة أخرى نقوم بتمحيص الفرضيات التي تفسر هذه الظاهرة من خلال أختبارها و تجربة مدى صمودها. لنأخذ على سبيل المثال الفرضية الاولى. هل تحصل طفرات وراثية في الانسان؟ نعم, بالتأكيد. هل تم توثيق حالات حمل عذرية مشابهة تأريخياً؟ نعم. هل المصادر موثوقة؟ كلا, لأنها تفتقر للمنهج العلمي. في حالة الحمل العذري و أنجاب ذكر هذا يعني بأن الام تحمل كل من الجينات الذكرية و الانثوية لتتمكن من أنجاب مولود من جنس مُغاير لها, هل يمكن التأكد من ذلك؟ بأمكان فحص الام او الابن و التأكد من ذلك. و هكذا نتناول و نتحقق من مصداقية الفرضيات الاخرى على نفس المستوى العلمي الهادف للوصول الى الحقيقة دون الرضوخ للميول الذاتية في أحقاق فرضية على حساب أخرى بسبب أنتماء ديني او توجه عقائدي.

و الآن, هل الله موجود؟ النقطة التي يتفق عليها الجميع مؤمناً كان أو ملحداً أو لادينيّ أو إنسانيّ أو لاأدريّ بخصوص هذا السوآل هو أنهُ كوناً يخلقهُ الله بالتأكيد لن يكون مثل كون جاء من تلقاء نفسه بدون الله. أذن الظاهرة المرصودة هي الكون الذي كما يبدو موجوداً. الله هو أحدى التفاسير المطروحة في تفسير وجود الكون. لننتقل الآن الى أختبار مدى صلاحية الفرضية هذه لتفسير وجود الكون الذي يتم رصده.

الفرضية الدينية تقول بأن الكون موجود لأن الله أوجده. أذن هناك فائدة مباشرة للكون من وجود الله. حيث لولا الله لما كان هناك كون (حسب المبدأ الديني) فمثلا ان الله يقوم بتنظيمه و أدارته كذلك يقوم بتنظيم و أدراة شؤون البشر و حياتهم الآنية و المستقبلية منذ البدء و حتى نهاية الخليقة. أذن هناك تدخل الهي مباشر في تنظيم و أدارة كل صغيرة و كبيرة. كل ما علينا هو رصد هذا الدور و الأثر الالهي و بهذا يُمكننا أثبات وجود الله بكلمة حاسمة خاصمة نلقيها بوجه كل من ينكر وجوده.

كون يخلقه خالق يختلف كلياً عن كون ينشأ من تلقاء نفسه كنتيجة لتضخم المادة الكونية الأولى مثلاً. كيف؟ بما أن أحد أدوار الخالق هي أشاعة النظام و الدقة في الكون و أحاطة خلائقه برحمة لا منتهية, فأن غياب الوجود الالهي سيكون له ظواهر كارثية على كل الكون و كل ما فيه. لنأخذ مثال على ذلك.

الله خلق السموات و الارض و الاجرام في كل الكون و كل يسير في مدار لا يحيد عنه (كل في فلك يسبحون). السوآل الذي يطرح نفسه الان, لو كان الله غير موجود فهل ستتغير مسارات الكواكب و الاجرام السماوية؟ هل سترتطم الاجرام السماوية و الكواكب بعضها ببعض؟ لننتقل الى الارض, و الانسان بشكل خاص, فحياة الانسان في حال وجود الله لم و لن تكون نفسها في حالة عدم وجوده. حيث هو الله الرحمن و الرحيم و الرزاق و الخالق و الواجد و المحيي و المُميت و الحافظ و السلام و العدل.. الخ. كل ما علينا ألآن أدخال هذه الصفات او الاسماء في أنبوبة أختبار المنهج الاستنتاجي و تجربة صمودها في وجه التجارب المطلوب اثباتها للتأكد من صلاحيتها. خذ أي أسم (العدل على سبيل المثال) و ابحث في مدى ملائمته للواقع و قدرته على تفسير المعطيات و الظواهر المرصودة.

سأبحث الان في بعض أسماء الله و صفاته و مدى تطابقها للظواهر المرصودة كذلك سأبحث في مدى توازن و أنضباط الكون من حولنا خصوصاً مع توفر كل هذا الكم من المعلومات الفلكية عن مسار النجوم و الافلاك و الكواكب.

و لازال البحث مستمراً. أراكم في الجزء القادم...


بسام البغدادي










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سذاجة
مينا مجدى ( 2009 / 8 / 25 - 23:11 )
مقال ساذج ،لان هناك كثير من الظواهر لا يمكن تفسيرها من خلال انبوبة الاختبار مثل كثير من الظواهر الميتافيزيقية وكونك لا تؤمن الا بالعقل المحدود فاذا لن يمكنك فهم الاديان


2 - بين القديم والحديث
محمد البدري ( 2009 / 8 / 26 - 03:46 )
لم يشرح لنا المعلق -مينا وجدي- ما الذي لا يمكن شرحه في انابيب الاختبار. فمساحة التعليق تسمح بامثلة. لكن آفة التصديق باي شئ لاننا نجهله هو ما حاول الاستاذ بغدادي تنوير عقولنا ولفت انظارنا اليه. شكرا للاستاذ بسام وشكرا للمعلق علي محاولته التمسك بالقديم رغم ان الجديد ابقي وانفع واكثر عقلانية. لانه شرح ما كنا نجهله وصدقناه بدون فهم له.


3 - تحية خاصة
رعد الحافظ ( 2009 / 8 / 26 - 09:55 )
رائع يا بسام البغدادي..سأنتظر الجزء القادم


4 - استنتاجات منطقية
مايسترو ( 2009 / 8 / 26 - 11:29 )
نعم كل ما كتبه الأستاذ بسام هو استنتاجات منطقية، ويمكن لأ عقل مهما كان محدود الذكاء أن يفهم تلك الاستنتاجات، ومقالك بسيط وجيد وفيه كل الأمور واضحة، والشكر موصول للأستاذ بسام على هذه المقالة.


5 - السلام عليكم
طلعت خيري ( 2009 / 8 / 26 - 12:06 )
الزميل بسام

هذا قولك


مرة أخرى نقوم بتمحيص الفرضيات التي تفسر هذه الظاهرة من خلال أختبارها و تجربة مدى صمودها. لنأخذ على سبيل المثال الفرضية الاولى. هل تحصل طفرات وراثية في الانسان؟ نعم, بالتأكيد. هل تم توثيق حالات حمل عذرية مشابهة تأريخياً؟ نعم. هل المصادر موثوقة؟ كلا, لأنها تفتقر للمنهج العلمي. في حالة الحمل العذري و أنجاب ذكر هذا يعني بأن الام تحمل كل من الجينات الذكرية و الانثوية لتتمكن من أنجاب مولود من جنس مُغاير لها, هل يمكن التأكد من ذلك؟ بأمكان فحص الام او الابن و التأكد من ذلك. و هكذا نتناول و نتحقق من مصداقية الفرضيات الاخرى على نفس المستوى العلمي الهادف للوصول الى الحقيقة دون الرضوخ للميول الذاتية في أحقاق فرضية على حساب أخرى بسبب أنتماء ديني او توجه عقائدي.


ان استنتاج يصعب عقليا على الانسان ان يعقل ان امراة عذراء تحمل انسان من دون ذكر ... فمن هو الذي خلق ادام بدون اب ولا اما .... اعتقد ان الذي خلق ادام بدون ابا ولا اما قادران يخلق انسان من امراة عذراء


6 - السلام عليكم
طلعت خيري ( 2009 / 8 / 26 - 12:13 )
الزميل بسام
هذا قولك

الله خلق السموات و الارض و الاجرام في كل الكون و كل يسير في مدار لا يحيد عنه (كل في فلك يسبحون). السوآل الذي يطرح نفسه الان, لو كان الله غير موجود فهل ستتغير مسارات الكواكب و الاجرام السماوية؟ هل سترتطم الاجرام السماوية و الكواكب بعضها ببعض؟ لننتقل الى الارض, و الانسان بشكل خاص, فحياة الانسان في حال وجود الله لم و لن تكون نفسها في حالة عدم وجوده. حيث هو الله الرحمن و الرحيم و الرزاق و الخالق و الواجد و المحيي و المُميت و الحافظ و السلام و العدل.. الخ. كل ما علينا ألآن أدخال هذه الصفات او الاسماء في أنبوبة أختبار المنهج الاستنتاجي و تجربة صمودها في وجه التجارب المطلوب اثباتها للتأكد من صلاحيتها. خذ أي أسم (العدل على سبيل المثال) و ابحث في مدى ملائمته للواقع و قدرته على تفسير المعطيات و الظواهر المرصودة.


لماذا يبقى الله مراقبا لهذه الاجرام السماويه اذا اتقن كل شيئ خلقه ... اذا اتقنت دولة صناعية سلعة ما هل تجعل مع السلعة
شخص ما يراقبها بعد بيعها
قال الله
{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ }النمل88

اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال