الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها

حمدي حميد الدين

2009 / 8 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في هذه السطور نجد أنفسنا مضطرّين إلى الخوض في موضوع ما كنّا نودّ الخوض فيه لأنّنا لا نريد فتح بوابات النار ولا جلب رياح الفتن، ولكن ما ذا نفعل إذا كان بعض المستكتبين الرسميين لبعض الأنظمة المعروفة بعدائها للشعوب على غرار مريدي الهرطقتين البعثية والقدافية، قد أطلقوا العنان للباطل وغرّهم خلو الساحة من ردّ مفحم على التمادي في نشر سمومهم، وهم إنّما يخدعون الجهات الرسمية التي استكتبتهم قبل أن يغرّروا بجمهور القراء.
لا نظنّ أن الجهات الرسمية في الجزائر مثلا تدرك المرامي البعيدة التي يمكن أن تعود بالوبال على الأوطان وأن تهدّد أمن الشعوب على الأمد المتوسط والبعيد وإلاّ ما تركت أمثال هؤلاء يزرعون في كلّ ركن من تاريخنا قنابل ستنفجر ذات يوم في ذات تاريخ وتأكل الأخضر واليابس.
يتعلّق الأمر بما يكتبه السيّد عثمان سعدي الذي قيل أنّه دكتور في موضوع الثورة الجزائرية في الشعر العراقي وهو الموضوع الذي استرزق منه طويلا خلال إقامته السعيدة في بلاط صدّام حسين ومن أموال الشعب العراقي المقهور، ويبدو أنّه متأثّر بالقادسيات الصدّاميات التي ذهب ضحيتها آلاف المسلمين في العراق وإيران ويريد أن يفتح لنا قادسيات(1) في شمال أفريقيا بعد أن أوشكت الفتنة الإنقاذية على نهايتها وخبت ريحها المسمومة.
ما ذا يستفيد الناس في يومنا هذا في تونس وليبيا والجزائر والمغرب من وراء العودة إلى نبش تاريخ ووقائع الفتوحات العربية لأفريقيا من خلال إحياء وقائعها في الجانبين الأفريقي والعربي، واستعداء العامّة على تاريخ مضت عليه قرون وقرون ؟
لماذا لم تنظّم ملتقيات "دولية" في مصر مثلا عن عبقرية عمرو بن العاص الحربية فينصَب له تمثال ضخم في أحد ميادين القاهرة، لتذكير الأجيال الجديدة بكفر أسلافها مثلما يحدث في الجزائر حيث نصب تمثال في إحدى ساحات مدينة بسكرة لعقبة بن نافع الذي سمّيت باسمه مئات المدارس والشوارع وحتى الفنادق بل وسمّيت باسمه مدينة وأقيم له ضريح، وبجانبه أنجز مركز ديني فخم بأموال الشعب في مكان لا أثر فيه لرفات عقبة لأنّ الضريح ذاته أقيم على أنقاض مبنى كان برج مراقبة في خطّ الليمس الروماني بعد أكثر من أربعة قرون من مصرعه (2) من قبل أحد الدجالين بغرض الاستفادة منه من خلال الترويج له في أوساط العامّة التي ستنظّم الزيارة تلو الزيارة (3) إليه وتنفق بسخاء على القيّمين على الضريح المزعوم .
ما ذا يريد هؤلاء الذين يمجّدون جنرالات بني أمية، وما هي المآثر التي استحقّ بها عقبة هذا التكريم والتمجيد الذي يفوق شخصيات عظيمة مثل الشهيدين عميروش والحواس أو حتّى أبو المهاجر دينار (3) الذي انتزع منه عقبة الإمارة، هذا الجنرال الأموي الذي لم نقرأ له كتابا ولم يحدّثنا التاريخ عن درس ألقاه في فضل الإسلام وإنسانيته سوى أنّه أسال أنهارا من الدماء في خدمة بني أمية الذين اغتصبوا الخلافة وجعلوها ملكا عضوضا، يكفي أنّ يكون يزيد بن معاوية هو الذي أعادة إلى الإمارة هذا "الخليفة الذي بأمر منه تمّ التنكيل في الشرق بالعائلة النبوية الشريفة بعد قتْل الإمام الحسين حفيد الرسول الأكرم (ص) وفي الغرب بأمر منه أبادوا مئات الآلاف من الأمازيغ وساقوا الآلاف أسرى وسبايا إلى عاصمة الخلافة وروّعوا شعبا جاءوه بالحراب والسيوف وشنّوا عليه أبشع حرب إبادة، وهم يقولون أنّهم جاءوه بدين الرحمة لإخراجهم من الظلمات إلى النور فأيّ نور هذا الذي يأتي من جيوش مدجّجة بالأسلحة روّعت الآمنين ونكّلت بالثكالى وذبحت الشيوخ والأطفال وسبت الحرائر وأسرت الرجال وللقارئ الكريم أن يعود إلى كتب التاريخ : ابن عبد الحكم، والطبري وابن الأثير وغيرهم ليتأكد ممّا نقول.
عقبة هذا يا سادة يا كرام، كان عزل من القيادة وعندما اغتصب الأمويون الخلافة وجد ضالته فيهم وظلّ يتوسّل حتّى أعادوه ليرتكب أفظع الجرائم بحيث أنه اخترق أفريقيا من تونس إلى السوس الأقصى وحيثما حلّ حلّ معه الخراب والقتل والترويع، وتقول المصادر التاريخية المسكوت عنها أنّه وهو بالقرب من بسكرة محمّل بالغنائم من كلّ صنف ولون وخاصّة السبايا من بنات البربر وكذا الراقصات البيزنطيات اللاتي كنّ في حصن تهودا Tabeudius، فعزم على تنظيم وليمة –ولذلك سرح اغلب جيشه ليسبقوه إلى مقر الإمارة- للاستمتاع بما "أفاء الله عليه من نعمه من السبايا البربريات والراقصات البيزنطيات" وحاشا لله أن ينعم على سفّاكي الدماء، وفي غمرة الاستمتاع بالسبايا وجد الملك الأسير كسيلة ملك البربر الذي كان عقبة قد كبله بالأغلال وأهانه بأن أمره أن يذبح وأن يسلخ لإعداد الوليمة المذكورة .. إلى آخر الرواية التي يعرفها كلّ مطّلع على وقائع ما يسمّى بالفتح العربي وهو في واقع الحال غزو أموي لا دين له سوى دين القتل والسبي، قلنا وجد فرصة للتسلل من جيش عقبة وجمع جيشا ثأر به لكرامته فقتل عقبة الذي مات زانيا في حجر السبايا البربريات والراقصات البيزنطيات، واليوم يقال عنه صحابي جليل وتكرر كتب التاريخ عبارة رضي الله عنه وتقام له الندوات والملتقيات.
كنا في غنى عن هذا الكلام، لكن ما يتعرّض له تاريخ الأمة من تزوير هو الذي جعلنا نكتب هذه السطور فهل يعلم الدكتور عثمان سعدي أنّ ما يكتبه هو تحريك لخنجر الغدر في جرح الضحية، وهل يعلم أنّ مواضيعه التي ينشرها في الصحافة - ويتقاضى عليها مكافآت من بترودولار صدّام سابقا وقدافي لاحقا - عندما وصلت العامّة وأصبحت محلّ ملاسنات بين هذا وذاك انقسم الناس في إحدى مقاهي قرية من قرى شمال أفريقيا إلى أبناء صحابة وأبناء كفّار وردّد أحدهم من المعجبين بما يكتب الدكتور عثمان سعدي : قتلاكم في النار وقتلانا في الجنّة، وكادت الملاسنات أن تتحوّل إلى معركة.
وللدكتور سعدي نقول كفاك تغريرا بالعامّة، ولولا التمجيد المبالغ فيه لعقبة وأمثاله ما تذكّر أحد كسيلة ولولا ترديدك لبروباغاندا الأمويين عن الكاهنة ما اهتمّ أحد فهذا تاريخ مرت عليه قرون طويلة، والملكان كسيلة وتيهيا (الكاهنة) حاربا جنرالات بني أمية ولم يحاربا الإسلام لكن الإسقاطات والأغاليط التي تروّج لها هي التي تثير الفتنة والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.

هوامش
(1) نقصد بالقادسيات كلّ فتنة تتغنى بانتصار الفتح الاسلامي على أنّه انتصار لعرق على عرق كما فعل صدّام الذي اعتبر القادسية انتصارا للعرب على الفرس وليس فتحا إسلاميا وكان دائما يعتبر الإيرانيين مجوسا، وكأن الإسلام دين قومي على غرار الدين اليهودي.

(2) أشار النقيب سيمون في دراسته القيّمة أنّ القبر يكون قد أقيم على الأقل بعد عدّة قرون من مصرع عقبة فلم يبق أحد في المنطقة التي قتل فيها ممّن يمكن أن يشيّد له مثل ذلك الضريح الفخم وأول إشارة إلى وجوده وردت في ابن خلدون أي بعد أكثر من خمسة قرون على الأقل ، للمزيد من التفصيل يمكن الرجوع إلى :
- Capitaine Simon, Note sur le Mausolée de Sidi Ocba, in Revue africaine, n° LIII, année 1909, pp. 26-45 -

(3) والدليل أنّ أقدم سكان بلدة سيدي عقبة التي نشأت حول ضريحه يحملون اسم الزواير ، ويقول النقيب سيمون أن الاسم مشتقّ من كلمة زوّار أي الذين يحجون إلى الضريح ومع الزمن استقروا هناك وجاء بعدهم أفراد من مختلف الجهات وشكّل الجميع سكّان البلدة.

(4) لماذا لا يكون الاهتمام بأبي المهاجر دينار، ألأنّه فارسي؟ فقد كان يدعو إلى الإسلام بالتي هي أحسن كما تقول المصادر، وأكثر من ذلك كان صديقا للملك الأمازيغي كسيلة وقد نصح عقبة ألاّ يهينه فهو ملك بين قومه ولكن عقبة أبى أن يقبل النصيحة، وكان الأمازيغ قد أسلم أغلبهم وهذا منذ أن وفد الأمير الزناتي صولات بن وزمار على الخليفة بالمدينة وأسلم على يديه فعيّنه أميرا على قومه وكان الأمر لا يدعو إلى الحرب والقتل والسبي ... الذي شنّه جنرالات بني أمية من عقبة إلى موسى بن نصير مرورا بحسان بن نعمان وزهير بن قيس ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يهوذا الاسخريوطي
Martyr KUSSEILA ( 2009 / 8 / 27 - 08:44 )
ان اللوبي البعثي وفلول الشرذمة الانقاذية هم وراء ما يكتب الخائن عثمان سعدي لانهم بكل خبث لا يريدون الظهور في الصورة ولا يريدون مثلا ان ياتوا بعربي ليسب ويشتم ويحقّر ّ البربر فيطهرون على حقيقتهم امام العامّة ولذلك وجدوا في الخائن عثمان سعدي خير اداة يستعملونها للتزوير والتلفيق
ولكن ما هو مستغرب حقا هو كيف يقبل صاحب نكتة ثامطوث من الطمث واركاز من الركيزة هذا الدور الذي لا يقبل به من له ذرة من الشرف والنبل
نقول لهؤلاء الخونة ان الشعب يقرا تاريخه ولم يبق التاريخ محتكرا من قبلكم تفصلونه على هواكم وسوف يظل التاريخ يلعنكم تماما مثل يهوذا الاسخريوطي
شكرا للكاتب الاستاذ حميد الدين حقيقي استمتعنا بمقالك لانه صوت الحق والحقيقة المطموسة

اخر الافلام

.. السفينة -بيليم- حاملة الشعلة الأولمبية تقترب من شواطئ مرسيلي


.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية ردا على احتمال إرسال -جنود م




.. السيارات الكهربائية : حرب تجارية بين الصين و أوروبا.. لكن هل


.. ماذا رشح عن اجتماع رئيسة المفوضية الأوروبية مع الرئيسين الصي




.. جاءه الرد سريعًا.. شاهد رجلا يصوب مسدسه تجاه قس داخل كنيسة و