الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أول ما خلق الله ونظريات نشأة الكون

أثير العراقي

2009 / 8 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مقدمة
يزعم دعاة الإعجاز العلمي أن القرآن قد أشار إلى نظرية الإنفجار الكبير في الوقت الذي يعترف فيه د. زغلول النجار أنه لا يؤمن بهذه النظرية العلمية لأن العلوم المكتسبة وصلت إلى حقيقة بل لمجرد وجود إشارة لها فى كتاب الله أو في سنة رسوله كما يزعم!.
وقد ناقشت جوابه في مدونتي في موضوع بيان "تدليس الدكتور زغلول النجار في لقائه مع منتدى التوحيد" وأشرت فيه إلى أن المتدينين على اختلاف أديانهم يؤوّلون هذه النظرية لتتناسب مع نصوص دينهم وكذلك الأسطورة السومرية التي تنص على إبعاد السماء عن الأرض وفصلهما عن بعضهما وهو نفس ما يقوله القرآن وكلاهما لا علاقة له بالإنفجار الكبير لا من قريب ولا من بعيد.

والإنفجار الكبير يشير إلى النظرية السائدة بأن الكون قد بدأ كنقطة لامتناهية في الكثافة والحرارة وتمدد خلال جزء ضئيل جدا من الثانية فنشأ بذلك المكان والزمان والمادة، وخلال مليارات السنين بَرَد الكون مما أدى إلى ظهور المجرات والنجوم والكواكب ولا يزال تمدد الكون مستمرا. هذه النظرية لا تفسر لماذا حدث الإنفجار الكبير ولا تخبرنا هل كان هنالك شيء قبل ذلك الإنفجار أم لا.

وبالرغم من الحكمة المقبولة في علم الكونيات الحديث بأنه لا معنى للسؤال عن ما قبل الإنفجار الكبير وذلك لأن الإنفجار الكبير هو ما يدعوه الفيزيائيون "التفرد" (singularity) وهو اللحظة التي تتوقف عندها قوانين الفيزياء، إلا أن بعض الباحثين في هذا العلم يعتقدون إمكان تمثيل الكون بما يدعى النموذج الدوري Cyclic Model كأن يمر الكون بسلسلة لانهائية من الانفجارات الكبيرة Big Bangs والتقلصات الكبيرة Big Crunches. ووفقا للنموذج الجديد الذي وضعه Steinhardt و Neil Turok فإن كوننا يوجد في غشاء ثلاثي الأبعاد (على اليمين في الصورة أدناه) إلى جانب غشاء لكون آخر غير مرئي لنا ويرتطم هذان الغشاءان ببعضهما البعض كل عدة تريليونات من السنين أو نحو ذلك فتتولد عاصفة نارية من الطاقة مشابهة للإنفجار الكبير. وكما في نموذج الإنفجار الكبير فإن الكون يَبرَد وتتكون المجرات ويتمدد الكون حتى يصل إلى ما يقرب من الفراغ إلا أن النموذج الدوري يفترض عودة الكرّة دوما في تصادمات لاحقة، وبذلك يكون الزمان والمكان لانهائيين.

وسأذكر في هذا الموضوع ما يقترحه الإسلام بخصوص أول شيء خلقه الإله ومدى التعارض بين النصوص الواردة في هذا الباب وبما يبين بعض محاولات التوفيق والتلفيق التي يقوم بها شيوخ الدين بهذا الخصوص.

خلق السماوات والأرض في ستة أيام
ما هو أول شيء خلقه الله حسب أقوال محمد الذي يقدم نفسه كرسول للإله خالق الكون، وما هي يا ترى المعلومات التي قدّمها عن بداية الكون وقد نتوقع هنا اقتراح نظرية أو فرضية ذات علاقة بالموضوع أو على الأقل فكرة مبسطة عن شيء مما قد حصل عند خلق الكون وبما ينسجم مع المعلومات العلمية الحديثة لكي لا يكون للناس على الله حجة بعد تلك الأدلة. فلنبدأ في استعراض نصوص القرآن والسنة.

وهو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء ليبلوكم ايكم احسن عملا (هود: 7)
نلحظ في النص القرآني الموضعَ غير المناسب الذي حـُشِرت فيه جملة "وكان عرشه على الماء" والذي يوحي للمرء بأن الله قد استطاع أن "يبلونا" لأن عرشه -ولحسن الحظ- كان على الماء دون أدنى مناسبة بين الأمرين!.

ومن المعلوم أن القرآن قد اقتبس خلق السموات والأرض في ستة أيام من الكتاب المقدس اليهودي، هذا النص الذي يؤوّله كثير من أتباع الديانات الإبراهيمية بمن فيهم المسلمين المتمسكين بحرفية النصوص وذلك تهربا من معناه الذي لا يصح فالأرض علميا لم تتشكل إلا بعد مليارات السنين من نشأة الكون فعمر كوكب الأرض يقدر بـ 4.6 مليار سنة بينما يقدر عمر الكون بـ 14 مليار سنة.

القرآن و توسع الكون

يرى الإعجازيون أن النص القرآني والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون (الذاريات: 47) يمثل معجزة، غير أن هذه الدعوى تصطدم بأربع إشكالات وهي:

الإشكال الأول: السماء ليست الكون
السماء لا تعني الكون والقرآن قد عرّف السماء بأنها سقف محفوظ ومرفوع بلا عمد.
من تفسير الطبري للنص القرآني: "والسماء رفعناها سقفا بقوة"
ويقول القرآن: "إذا السماء انفطرت"(الإنفطار: 1) وكذلك: "إذا السماء انشقت" (الإنشقاق: 1) ولو فرضنا جدلا أن لفظ "السماء" يمكن أن يأتي بمعنى "الكون" في القرآن كما يريد الإعجازيون له أن يكون في نص "وإنا لموسعون" فإن الكون حسب القرآن سينفطر ويتشقق في نهاية العالم لا أن يستمر في التوسع !
ودعاة الإعجاز يستخدمون كلمة "السماء" اليوم بمعان عديدة حسب ما ينفع غرضهم المسبق.

الإشكال الثاني: تعارض توسع الكون مع بناء السماء بقوة
من معجم تاج العروس:
أَيد : آدَ يَئِيدُ أَيْداً، إِذا اشتَدَّ وقَوِيَ، عن أَبي زيد. وقال امرؤ القيس يَصفُ نَخِيلاً:
فأَثَّتْ أَعالِيه وآدَتْ أُصـولُـه ومال بِقُنْيَانٍ من البُسْر أَحمَرَا
آدَت أُصولُه: قَوِيَتْ ....... وفي خُطبة عليّ كرَّمَ اللّه وَجهَه وأَمَسكهَا منْ أَنْ تَمورَ بأَيْدِهِ أَي بقُوَّته. وقوله عزّ وجلّ"واذْكُرْ عَبْدَنَا دَاود ذَا الأَيْدِ" أَي ذا القُوّة.. انتهى

وتؤكد التفاسير كذلك أن "أيد" تعني "قوة" وقد نقلت تفسير الطبري للنص في النقطة السابقة، وفي تفسير ابن كثير "بأيد أي بقوة" وفي تفسير القرطبي: "ومعنى بأيد أي بقوة وقدرة".

إن توسّع الكون يتعارض مع البناء بقوة فكيف يعطف القرآن تأكيده توسع السماء بقوله "وإنـّا لموسعون" على جملة تقول بـ "بناء السماء بقوة" بينما سيؤدي توسع الكون في حالة استمراره إلى تبعثر الكون واضمحلاله!

من المجلة العلمية ديسكفر:
يستمر الكون بالتوسّع وفي الحقيقة هو يتسارع بتأثير قوة طاقة غامضة، إذا استمر الأمر على هذا المنوال فإن مستقبل الكون يبدو كئيبا : النجوم سوف تنطفئ، المجرات سوف تتفسخ، والكون سينتهي مظلما وعديم الحياة ..انتهى

لا يبدو وصف الوضع الذي سيؤول إليه الكون إن استمر توسّعه مناسبا لعطفه على "بناء السماء بقوة" فهنالك تعارض بين بناء السماء بقوة وبين توسع الكون وليس اتفاقا.

ألا ترون معي ضرورة استبدال "وإنا لموسعون" بـ "لكننا موسعون"؟

الإشكال الثالث: غياب الدليل على استمرار التوسع
يبين موقع ناسا أن علماء الكونيات يتصورون أحد مصيرين للكون، وقد ذكرنا الإحتمال الأول في النقطة السابقة وهو استمرار التوسع، إلا أن هنالك إحتمالا آخر لا يزال قائما وإن كان أقل احتمالا وهو أن تكون هنالك كتلة كافية في الكون لجعل الجاذبية تتمكن في النهاية من مقاومة الزخم الذي يدفع الكون إلى التوسّع ويتحول التوسّع إلى انكماش يستمر إلى أكثر من عشرة مليارات سنة حتى وصول الحجم النسبي للكون إلى الصفر. ويقول الموقع :

"إن توسع أو إنكماش الكون يعتمد على محتواه وعلى تأريخه السابق. بوجود مادة كافية، سيتباطأ التمدد أو يتحول إلى إنكماش. من جهة اُخرى، تقود الطاقةُ المظلمة الكونَ إلى زيادة معدل التوسع"

وقد أشار العالم البريطاني ستيفن هوكنج إلى عدم وجود فهم نظري جيد حتى الآن للظواهر التي تبين تسارع توسع الكون بعد فترة طويلة من تباطؤ ذلك التوسع، وأنه بدون ذلك الفهم لا يمكن التأكد من مستقبل الكون أو الإجابة على الأسئلة التالية:

هل سيستمر الكون بالتمدد إلى الأبد؟ هل التضخم من قوانين الطبيعة؟ أم إن الكون سيتقلص في النهاية؟

يفهم مما سبق أنه بالرغم من زيادة معدل التوسع بسبب الطاقة المظلمة إلا أن احتمال تبدل توسع الكون إلى إنكماش لا يزال ممكن الحدوث


الإشكال الرابع: لكلمة "موسعون" معانٍ وتفاسير اُخرى

من القاموس المحيط: موسعون (أغنياء قادرون)

وقد جمع القرطبي تفاسير كثيرة لهذا النص:

وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ
قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَقَادِرُونَ . وَقِيلَ : أَيْ وَإِنَّا لَذُو سَعَة , وَبِخَلْقِهَا وَخَلْق غَيْرهَا لَا يَضِيق عَلَيْنَا شَيْء نُرِيدهُ . وَقِيلَ : أَيْ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ الرِّزْق عَلَى خَلْقنَا . عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا . الْحَسَن : وَإِنَّا لَمُطِيقُونَ . وَعَنْهُ أَيْضًا : وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ الرِّزْق بِالْمَطَرِ . وَقَالَ الضَّحَّاك : أَغْنَيْنَاكُمْ ; دَلِيله : " عَلَى الْمُوسِع قَدَره " [ الْبَقَرَة : 236 ] . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : ذُو سَعَة عَلَى خَلْقنَا . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَقِيلَ : جَعَلْنَا بَيْنهمَا وَبَيْن الْأَرْض سَعَة . الْجَوْهَرِيّ : وَأَوْسَعَ الرَّجُل أَيْ صَارَ ذَا سَعَة وَغِنًى , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ " أَيْ أَغْنِيَاء قَادِرُونَ . فَشَمَلَ جَمِيع الْأَقْوَال

وهكذا نلاحظ أن هنالك إشكالات كثيرة حول ادعاء الاعجاز في هذا النص القرآني.


الفتق ومزاعم ذكر الإنفجار الكبير

يزعم الإعجازيون أن القرآن قد عنى الإنفجار الكبير الذي بدأ به الكون في معرض الحديث عن فتق السماوات والأرض بقوله:

أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون. الأنبياء: 30
إن هؤلاء الإعجازيين لا يستطيعون إخبارنا كيف تخيـّلوا وجود علاقة بين نظرية تحاول وصف نشأة الكون وبين فتق السماء والأرض بينما يخبرنا العلم الحديث أن كوكب الأرض لم يتشكل إلا بعد أكثر من تسعة مليارات سنة من نشأة الكون!

ثم ما معنى سؤال القرآن لكفار قريش عن رؤيتهم لذلك الفتق الذي يفترض الاعجازيون أنه يشير الى الانفجار الكبير؟.

كذلك تناسى الإعجازيون أن هنالك حديثا يذكر الزمن المفترض إسلاميا بين كتابة الإله للمقادير وخلق السماوات والأرض :

كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة .
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2653 خلاصة الدرجة: صحيح
وكما هو واضح من الحديث فإن الكتابة -والتي يجب أن يسبقها خلق القلم- قد حصلت قبل وجود السماوات والأرض أصلا.

ويؤيد هذا حديث أن القلم هو أول ما خلق الله.

إن أول ما خلق الله القلم
رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني
فاستفتوهم أي قلم إلهي كريم هذا الذي كان قبل الإنفجار الكبير؟

وهل من الممكن أن يكون هذا حديث رسول خالق الكون عن نشأة الكون؟ أم إنه خيال بشري بحت؟!.


تناقض أحاديث أول ما خلق الله - القلم أو العرش أو الماء

ذكرنا قول القرآن:

وهو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء

ونضيف الآن حديثا ورد في "كتاب بدء الخلق" من صحيح البخاري يخبرنا أنه لم يكن هنالك غير الله:

كان الله ولم يكن شىء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شىء، وخلق السموات والأرض

يذكر الحديث والنص القرآني العرشَ دون أن يذكرا متى تم خلقه ومن أين أتت مادته وكيف؟!
كذلك يخبران أن عرش الله كان على الماء بينما قرأنا في المقال الحديث الذي يؤكد أن أول ما خلق الله القلم فماذا خلق الله أولا؟ القلم أم العرش أم الماء؟!.

طبعا لا بد أن نتناسى مؤقتا الإنفجار الكبير والنظريات العلمية الاُخرى فنحن نتحدث هنا عن حقيقة ما يجب على المسلم الإيمان به والتسليم، أما التمسّح بالنظريات العلمية فغرضه تسويق الدين لا غير!

ويؤكد تناقض أولية خلق الماء مع أولية خلق القلم حديث آخر يذكر أن الماء هو أول ما خلق الله:

إن الله تعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا قبل الماء ، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع ، ثم[ أيبس ] الماء فجعله أرضا ، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين ، إلى أن قال : فلما فرغ الله عز وجل من خلق ما أحب ، استوى على العرش.
الراوي: بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم المحدث: الألباني - المصدر: مختصر العلو - الصفحة أو الرقم: 54 خلاصة الدرجة: إسناده جيد

يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني محاولا التوفيق بين الحديثين السابقين في فتح الباري شرح صحيح البخاري - كتاب بدء الخلق:
وقد روى احمد والترمذي وصححه من حديث ابي رزين العقيلي مرفوعا ‏"‏ان الماء خلق قبل العرش‏"‏ وروى السدي في تفسيره باسانيد متعددة ‏"‏ان الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء"‏ واما ما رواه احمد والترمذي وصححه من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا ‏"‏اول ما خلق الله القلم، ثم قال اكتب، فجرى بما هو كائن الى يوم القيامة"‏ فيجمع بينه وبين ما قبله بان اولية القلم بالنسبة الى ما عدا الماء والعرش او بالنسبة الى ما منه صدر من الكتابة، اي انه قيل له اكتب اول ما خلق
لاحظوا عدم التزام الحافظ ابن حجر العسقلاني بنص الحديث عند وقوع التعارض ليتهرب مما يلزمه هذا التعارض من إعادة النظر في المعيار المتبع في اعتبار صحة الأحاديث في ما يدعونه "علم الحديث" فقد أضاف العسقلاني من عند نفسه "بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش" أو "بالنسبة إلى ما صدر منه الكتابة" وأضيف أنا "بالنسبة إلى أي شيء يحل هذا المأزق الذي أوقعنا فيه تعارض الأحاديث الصحيحة"!

ومما احتج به الفلاسفة على المتكلمين المؤمنين بحدوث العالم هو صفة الخلق لله قبل أن يخلق الحوادث وإشكالية الترجيح بلا مرجح.
يقول ابن تيمية في الصفدية متحدثا عن الفلاسفة :
فإذا كان أصل قولهم أن الصانع هو موجب بالذات وهو علة تامة أزلية مستلزمة لمعلولها لم يتأخر عنها شيء من معلولها فإن العلة التامة هي التي تستلزم معلولها والموجب بالذات هو الذي تكون ذاته مستلزمة لموجبه ومقتضاه فلا يجوز أن يتأخر عنه شيء من موجبه ومعلوله ولهذا قالوا بقدم العالم وهذا أعظم حججهم على قدم العالم قالوا لأن الحادث بعد أن لم يكن لا بد له من سبب حادث وإلا لزم ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح ثم القول في ذلك السبب الحادث كالقول فيما قبله فيلزم التسلسل الممتنع باتفاق العقلاء...انتهى

بإسلوب مبسط، إن اعتراض الفلاسفة هذا على حدوث العالم يتمثل بأنه إذا كان الله قادرا على الخلق في الأزل فلماذا لم يفعل؟ كيف يمكن أن يستجد مرجح في العدم ليكون سببا لبداية الخلق في لحظة ما؟ بمعنى إن العدم لا يوجد فيه شيء ليكون مرجحا لأي لحظة دون غيرها لتكون لحظة بدء الخلق..

لقد شغل هذا السؤال ابن تيمية فاستغل تناقض الأحاديث الواردة بشأن "أول ما خلق الله" ليؤوّلها فيتمكن من الرد على هذا الإعتراض، فماذا كان موقف ابن تيمية من تلك المسألة وكيف استغل هذا التعارض بين الأحاديث للرد على الفلاسفة؟

الجواب على ذلك أن ابن تيمية قد ابتدع رأيا جديدا فذهب إلى أن الحوادث متسلسلة في الأزل تسلسلاً لا أول له.
الظاهر أن ابن تيمية قد وجد نفسه مضطرا لموافقة الفلاسفة في قدم نوع الفعل، وأن الفاعل لم يزل فاعلاً، وأن الحوادث لا أول لها، ويقتضي ذلك أن الله كان دوما مع غيره، أي مع بعض المخلوقات حيث إن سلسلة الحوادث أزلية مع سبق العدم للحوادث عند ابن تيمية بخلاف الفلاسفة الذين اعتقدوا قدم العالم.

ولمحاولة تبرير موقفه من الأحاديث التي أوّلها لأجل ذلك يستدرك ابن تيمية على نبيه في حديث خلق القلم ويدّعي أن القلم ليس أول شيء خلقه الله بل أول شيء خلقه الله مضيفا "مِن هذا العالم".
يقول ابن تيمية:
فهذا القلم خلقه لما أمره بالتقدير المكتوب قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان مخلوقا قبل خلق السموات والأرض، وهو أول ما خلق من هذا العالم، وخلقه بعد العرش كما دلت عليه النصوص ..انتهى

لم يخالف ابن تيمية بزعمه أن الحوادث متسلسلة في الأزل تسلسلاً لا أول له سلف المسلمين فحسب، بل خالف حديث "إن أول ما خلق الله القلم" وكذلك الحديث الوارد في البخاري الذي ذكرناه في بداية الموضوع "كان الله ولم يكن شيء غيره".
كما لم يعطنا ابن تيمية أي نص من كتاب ربه وسنة رسوله يدل على وجود أي مخلوق من تلك المخلوقات التي يزعم تعاقبها منذ الأزل!.

هنالك أحاديث اُخرى لكن أكثر المحدّثين يقولون أنها ضعيفة أو موضوعة مثل حديث "أول ما خلق الله العقل" وحديث "أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر" وهذا الأخير يستخدمه بعض الصوفية كوسيلة اُخرى للتوفيق بين الأحاديث المتعارضة في هذا الباب.
ينقل الكتاني تبريرات لتعارض بعض تلك الأحاديث في كتابه (نظم المتناثر من الحديث المتواتر) فيقول:

وأجيب عن التعارض الواقع فيها بأن أولية النور المحمدي حقيقية وغيره إضافية نسبية وأن كل واحد خلق قبل ما هو من جنسه فالعرش قبل الأجسام الكثيفة والعقل قبل الأجسام اللطيفة واليراع أول ما خلق من الأشياء النباتية وهكذا والله سبحانه وتعالى أعلم..انتهى

وهكذا نرى أن كل واحد من مشايخ الإسلام مع ادعائهم الإلتزام بالنصوص الدينية وتشنيعهم على من لا يتبعها يخترع للنصوص الدينية تأويلا فيهمل بعض ما تدل عليه تلك النصوص أو يضيف إليها ما ليس منها أو يوفق النص مع مذهبه بما يضمن الرد على المخالفين حتى لو لزم الأمر أن يستدرك على نبيه فيقوّله كلاما لم يقله.

كل ذلك لأنه لم يكن فيهم من يملكون الجرأة والأمانة التي تجعلهم يعترفون بالتعارض الواضح لكثير من الأحاديث التي يدعونها "صحيحة" مع بعضها البعض ومع القرآن ناهيك من تعارض القرآن والسنة في كثير من نصوصهما مع العقل والعلم!

الخلاصة
يمكن إيجاز ما أعطانا إياه القرآن والحديث من "علم" بخصوص "نشأة الكون" بالنص الآتي:

قلم أو عرش أو ماء، وفصل الأرض عن السماء !
هذا ما يطلب المسلمون له "بديلا" ويدّعون له "إعجازا" ولا عزاء لهذه الأمة التي ستبقى الأمم تضحك من جهلها حتى يظهر من أبنائها من يقفون بوجه اولئك الذين خدعوهم فجعلوا منها مدعاة للضحك.

ملاحظات للقراء الأعزاء:
أولا: أعتذر عن التواصل مع التعليقات في هذا الموضوع لانشغالي حاليا بالدراسة. ثانيا: لقراءة الموضوع مع الصور والمصادر وبعض الإضافات التي تضم روابط داخلية في مدونتي لم أر من المناسب نقلها، يمكنكم زيارة الرابط أدناه. مع تحياتي
http://atheerkt.blogspot.com/2009/08/blog-post.html









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت والى السماء ..
مسلم ناصح ( 2011 / 12 / 13 - 15:34 )
هداك الله ياهذا فان كنت تشكك فى الله سبحانه اسالك ان تخلق زبابه او جناح بعوضه فان اقررت بعجزك فمن خلقك فسواك فعدلك فى اى صورة ما شاء ركبك
او ليس الذى خلقك بقادر على اى يخلق سماء زات ابراج وارض زات اوتاد
فمن يقوم على امر هذا الكون وتلك المجرات فى تلك المسارات الدقيقه ا ن لم تؤمن بوجود صاحب لهذا الكون
فمن خلقك بهذا التكوين الدقيق على غير مثيل وان كنت لا تومن بالخالق فقد قدر لك الخالق الموت فلا تمت ان كنت صادق وان مت فاين روحك واين روحك الان قبل الموت وبعد الموت
يا هذا لقد ضرب من هم على شاكلتك مثلا ونسوا خلق الله وقالوا من يحيي العظام وهى رميم فقال لهم الله قل يحيها الذى انشاها اول مره وهو بكل خلق عليم ونقول لك هداك الله قبل ان تقف بين يديهويدخلك النارويومها لاينفعك مال بنون ولا علم ولا من فى الارض جميع


2 - هذا انا
هذا انا ( 2011 / 12 / 16 - 16:17 )
لا اله الا الله



3 - شأن السماء ودليلها الى خالقا لها وللكون ومافي
noor ( 2012 / 4 / 24 - 19:35 )
الجزء الاول
في نظرية الانفجار العظيم وجد العلماء ان تكون النجوم ومنه المجراة كان بسبب قوات نشأت في السحابة الهدروجينية التي كانت حينئذ تملؤ الكون وجعلت هاته القوات تقتطع قطعا متفاوتات في الاحجام وتشد كل قطعة اجزاء سحابتها نحو مركزها بفعل جاذبي وسببت تلك القوى المركزية ارتفاع درجات الحرارة لكل قطعة وتحولها بعد امد من الزمان الى نجوم والكبرى منها والمتكتلة بتقارب سحبها لبعظها بعظا الى مجرات .فهاته القوى اذن التي سببت نشوء النجوم والمجرات ومنه نشوء العناصر الثقيلة كالاكسجين والكربون وغيرها ومنها نشوء الملك بما فيه من مسببات الحياة لم يجدوا له تفسيرا علميا , وبمعنى آخر لكل فهم هو /ان تلك القوى التي هي مسؤولة عن وجود المادة التي هي اسس الحياة هي قوى خارجة عن امكانية تفسيرها علميا بالمنطق المادي الفزيائي المتمكن منه . فبتحول قطع السحب الى نجوم ومجرات كانت الابعاد المسافية بينها هي الفراغ او الفظاء,اي من تلك القوى كان نشوء الملك بشهادة العلم التجريبي الفزيائي الحديث المتيقن منه وكفى ا نبه انشأ الانسان الحاسوب والطائرة والغواصة وغيرها من التكنلوجية التي تفظل بها الانسان عن كل الخلائق.


4 - يتبع الجزء الاول
noor ( 2012 / 4 / 24 - 19:37 )
الجزء الثاني
ولما كان المكان الفراغي الذي هو باسلوب مصطلح السماء هو المحدد للمسافات بين المجرات ومنه بين كل الاجرام السماوية فان القوى التي سببت نشوء النجوم والمجرات كما حتى لا تتداخل ولا تنزاح عن اماكنها هي عينها القوى الماسكة بالسماء مكانها او فراغها او نحو ذلك , ومنه يكون معنى السماء له اهمية عظمى في وجود الاجرام السماوية وديمومة وجودها كما هي منذ فجر ظهور الكون وهي كذلك يشهد عليها الانسان من على وجه الارض يراها ليلا بما اسماه نجوما وكواكبا وقمرا وشمسا تظهر وتغيب في ومن قبة السماء التي تحيط بالارض وهي لها سقفا , ولذلك فان قول الله من قرآنه - ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا - اي ثبوتية السماء هي عينها الممسكة بالارض وهي كناية عن كل الاجرام لألا تزول.


5 - يتبع الجزء الثاني
noor ( 2012 / 4 / 24 - 19:57 )
الجزء الثالث
ولذلك ذكراه تعالى للسماء والسماوات في قرآنه وجب ان يكون لأهميته ومن ذلك
- ان السماء والارض من منشئ واحد وهوقوله تعالى - ان السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما-
- ان الله يمسك السماء والارض لألا يزولا ( والتي منها تلك القوى الغريبة التي وجدها الباحثون ولم يعرفوا مصدرها).
-ان السماء حفظا لأعلى السماوات من قوى باطنية وهي الشياطين لألا تسرق السمع وذلك بنور النجوم اذ يحرقها وحفظا للأرض من قوى ظاهرية وباطنية من اشعاعات واشعة ما فوق البنفسجية اذ تتصدى لها طبقة الاكسجين الثلاثي او الاوزون لتحمي الارض منها وكذا باقي الطبقات اذ يذوب ويتلاشى فيها كل جسد يخترقها من الفظاء الخارجي.
- ثم ان السماء يتنزل منها الملائكة في عملها لأهل الارض , ويتنزل من السحب المتواجدة في طبقة الغلاف الجوي الموالي للارض المطر ونحوه مما يحيي الارض في عمومه.


6 - يتبع الجزء الثالث
noor ( 2012 / 4 / 24 - 19:58 )
الجزء الرابع
ان اهمية السماء عند كل الناس حتى الملاحدة ومنه السماوات عند المؤمنين لها من الاهمية البالغة التي تجعل العاقل يلزم نفسه بذكرها ومعرفتها والالمام بها والتحفظ من شرها وعدم الغفلة عنها , انها فعلا كالسقف للبيت اهميته ابقاء البيت آمنا وصدق الله.
بقلم - نور -
[email protected]


7 - شكوى الى القائم على النشر في المنتدى
noor ( 2012 / 4 / 24 - 20:10 )
لما لم تكملوا نشر تعليقي بحيث نشرتم الجزأين الاول والثاني ولم تنشروا الجزأين الثالث والرابع؟
ان هذا يجعل تعليقي محرفا من طرفكم ولذلك ارجوا الاعتبار الامثل وليكن في مستوى منتداكم ان كان فعلا نشرا للحقيقة باحترام آراء الآخرين وان لم ترقكم.
-نور -
[email protected]

اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت