الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسبيحة من وحي عقيدة التنزيه

تنزيه العقيلي

2009 / 8 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


باسم الله مبدع الكون والعقل والجمال
والحمد لله رب العدل والحب والسلام


إن الله وحده المتحمِّد بالذات والاستقلال بكل المحامد جميعها من غير استثناء، وبكلٍّ منها بتمام وبمطلق الحمد، فلا حدَّ يَحدُّ مَحمَدة من محامده، فلو حُدَّت لانتُقِصَ منه جل وتنزه عن ذلك، فهو محال عليه النقص، لأنه لو أراد النقص، فذاك خلاف الحكمة، ومحال ذلك، لتمام حكمته، ولو امتنع عليه تمام الكمال، فذاك خلاف القدرة، ومحال ذلك، لتمام قدرته، ولو نقص شيء من كمال من كمالاته، دون أن يعلم بالنقص، فذاك خلاف العلم، ومحال ذلك، لتمام علمه. وبعد تفرده بالكمال المطلق، خلق كل ما سواه ناقصا، لأن تعدد المطلق محال، ومع هذا منح كل ناقص ثمة كمال من لدن كماله، وأول كمال وهبه كل كائن من الكائنات والكائنين هو وجوده، فليس من نقص بعد العدم، وأول الكمال الخروج من العدم إلى الوجود، ووهب كل ناقص ثمة كمال، ومعه ثمة قابلية على التكامل. وجعل الإنسان فيما يتعلق بالكمال على أربعة أنحاء من الوعي؛ وعيه بنقصه، ووعيه بحسن الكمال، ووعيه بقابليته على التكامل، ووعيه باستحالة بلوغه مطلق الكمال، ثم منح المكتشف حقيقة وجود الله وعيا خامسا، ألا هو ألاّ كامل كمالا مطلقا إلا الكائن المطلق كؤونا ذاتيا مستقلا واجبا أزليا غير معلول، وكل ما سواه نسبي، وكل كامل كمالا نسبيا هو ناقص بنسبة، وكل ناقص نقصا نسبيا هو كامل بنسبة. ومن أجل أن يتكامل الإنسان كان عليه أن يتجه في كدحه التكاملي صوب المطلق، سواء عرف أن الله تنزه وعلا هو المطلق، أو لم يعرف، بل كان أقصى ما عرفه هو حسن ومحمودية الكمال، وقبح ومذمومية النقص، وعرف إلى جانب ذلك نسبية كل من الكمال والنقص. وحيث أن الإنسان المكتشف لحقيقة وجود المطلق، أدرك أن المطلق واحد غير متعدد، وأنه وحده يمثل مطلق الكمال، وأنه هو أي الإنسان أعجز من أن يبلغ مطلق الكمال، أو أن يسع المطلق، أو يحيط به، بل المطلق يسعه، ويسع كل شيء ويحيط به، لكن الإنسان أدرك أنه مع نقصه النسبي، غير عاجز عن السير صوب المطلق، ليكون كل شوط من أشواط سيره وكدحه أكمل من سابقه، ومن هنا أدرك أن عالمه، أي عالم الإنسان، هو عالم النسبيات، ويبقى عالم المطلق هو عالم الله وحده، الذي هو رب العوالم والكائنات، التي ما كان ليكون كائن منها إلا بإكانته إياه، إذ قال له كُنْ فكانَ دفعة واحدة، أو بتكوينه، إذ قال له تكوَّنْ، فتكوَّنَ على وفق سنة التطور والتكامل. وما كان للإنسان إلا أن يكون عابدا لله، وما العبادة إلا تعقل الكمال، وتذوق الجمال، وتحسين الجوهر بتعليم العقل وتزكية النفس. فالإنسان عقل وروح وسلوك، وما السلوك إلا الانعكاس الخارجي لداخلَيه، والسلوك إنما يحسن باستقامة الفكر ونظافة الروح. وأدرك الإنسان أنه خليفة الله في الكون، فما كان عليه من أجل أن يجسد دور الخلافة لربه وخالقه ومستخلِفه، وأبيه ومربيه وهاديه، إلا أن يقتبس قبسا من علمه وحكمته، وقوته وقدرته، ورعايته وهدايته، وعدله ورحمته، وعطفه وحبه، وحلمه وعفوه، وأمنه وسلامه، وفاعليته وحيويته، وإبداعه وإتقانه، وكماله وجماله. فكلما استزاد من كلٍّ من ذلك، كان أصدق تجسيدا لدور خلافته لمستخلِفه، وعبوديته لربه، وبُنُوّته لأبيه، وكلما فاق غيره في شيء من ذلك، كلما كان شاهدا عليه فيه، مع إمكان أن يكون الشاهد في أمر من الأمور مشهودا عليه ممن كان شاهدا عليه في أمر آخر. فالأكملية إن تحققت له في أمور، فهي متحققة في غيره في أمور أخرى، حتى فيمن هو أكمل منه فيما تحققت له فيه الأكملية. ثم إن الأكملية متغيرة ومتطورة ومتكاملة أو متناقصة، مما يجعل الشاهد في شوط، مشهودا عليه من نفس من كان شاهدا عليه في شوط آخر، والمشهود عليه في شوط، شاهدا على نفس من كان ذاك شاهدا عليه في شوط آخر. وما الشاهد إلا قدوة المشهود عليه، ومعيار الكمال النسبي، الذي يوزن به النقص النسبي للمشهود عليه، وهو أي الشاهد المُقوِّم برفق وحكمة وتواضع وحب لاعوجاج المشهود عليه، والمُكْمِل أو المُكَمِّل لنقصه، غيرَ مانٍّ بل ممنوناً عليه، لأن العطاء رحمة من الله للمعطي أكثر من المعطى له، بتوفيقه جل وسما له للعطاء، ليتشبه بخالقه ومثله الأعلى رب العطاء ومعطي الوجود.



21/12/2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال جميل لكن
سارة ( 2009 / 8 / 28 - 20:52 )
حاشا ان يكون لله تعالى خليفة
الانسان مخلوق كباقي مخلوقات الله تعالى
والانسان قدر الله تعالى ان يكون في الارض وليس الكون كله
فالكون غير محدود ولا نعملم عن بقية مخلوقات الله تعالى في الكون
الالا متناهي


2 - الكاتب المحترم
الجوكر ( 2009 / 8 / 29 - 08:28 )
مقال جميل ولك مني التحية


3 - المشوار شاق و بعيد
أحمد التاوتي ( 2009 / 8 / 29 - 16:08 )
يبدو أنك سيدي بعيدا عن خط اللاعودة إلى ظلمات الأديان و مناكد تقديم القربات و الدعوات إلى الباب العالي . و إلا فان الأولى بالتنزيه هو فكر الإنسان لا ذات بارئ الأكوان. فالمطلق لم يطلب من أحد مخلوقاته تنزيهه و لا يحتاج إلى ذلك كما عرفنا مع الإله الاسلامو-يهودي..
المطلق، على افتراض ورود غائية بالمسألة، أبدع نظاما بقوانين ندركها بالتدريج و علينا احترامها عن طريق المحاولة و الخطأ و التجريب. و كلما تقدمنا في عملية الإدراك النسبي المتواصل و احترمنا هذه القوانين كلما كنا أكثر انسجاما مع هذا المطلق. لا أتصور علاقة أكثر سلامة و معقولية بين البشر و بين خالق العالم من هذه. و بالتالي يكون الملحدين و العلمانيين هم - الفرقة الناجية- على تعبير السلف.
أما الاشتغال بحمده و تسبيحه و تنزيهه فلا يعدو أن يضعه بمستوى جبابرة اليهود و العرب و طغاة الحكام من النرجسيين الذين وقفوا أمام تطور خيال ضحاياهم حتى في تصور آلهتهم.

اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah