الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسلام و ظواهر المجتمع ( 3 )

مصطفى العوزي

2009 / 8 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد شكلت ظاهرة السحر إحدى أبراز الظواهر الاجتماعية التي ارتكزت عليها العديد من الدراسات و الأبحاث الأنتروبولوجيا ، و ذلك من خلال الوقوف على تعريف الظاهرة و أسبابها و كذا تمفصلاتها مع مجموعة من الظواهر الأخرى ، و إذا كانت جل الأبحاث اتفقت على أن السحر هو من أقدم الظواهر التي عرفتها البشرية ، فإنها اتفقت أيضا على انه من اشد الظواهر المرضية التي تنخر جسم الكثير من الشعوب و المجتمعات ، فقد أكد علماء الآثار و الحفريات أن الطقوس السحرية كانت تمارسها الحضارات القديمة و بالأخص الحضارة الفرعونية بمصر و الحضارة الصينية و الهندية و الاغرقية ، و البابلية و غيرها ، إذ كانت تصاحب مجموعة من الطقوس الاجتماعية و السياسية كالزواج و الولادة و تنصيب الملوك و الحكام ، و الحروب و غيرها . و من تم فعادات السحر تعود إلى ما قبل التاريخ و يدل على ذلك قوله تعالى " كذالك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون " ( سورة الذاريات 52 ) ، فاتهام القوم للرسل بالسحر يدل على أن الظاهرة كانت موجودة قبل وجود الأنبياء .
و السحر في اللغة من سحر يسحر أي صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره ، و هو أيضا الوهم بتحول الشيء من وضعية إلى أخرى ، و من أمثلة السحر الأخذة التي تأخذ العين حتى يعتقد المرء أن الأمر كما يراه و هو على العكس من ذلك ، و في الاصطلاح ، السحر مجموعة من العمليات التي تتخذ شكل المكتوب أو المنطوق أو المعد كيميائيا و التي تؤثر على بدن أو عقل أو قلب الشخص الموجهة إليه ، و هو إذ ذاك يكون مسحورا .
و السحر نوعان سحر أسود و سحر أبيض ، الأول يهدف إلى إيذاء الناس و إلحاق الضرر بهم ، و الثاني على العكس من ذلك لا يبتغي من ورائه الساحر سوى تحقيق منفعة خاصة أو درء مفسدة قد تلحق به ، و قد كان احد المؤلفين للكتب في عالم السحر يرى أن السحر هو بمثابة علم ، غير أن علماء الأنتروبولوجيا أقروا ببطلان هذا القول ، و ذلك لأن العلم يقتضي عند القيام بتجربة علمية في المختبر أن نحصل على نفس النتائج عند تكرار التجربة ، بينما في السحر تكون النتائج مختلفة عند تكرار ذات العملية السحرية .
و قد ركزت الشريعة الإسلامية في وقوفها على ظاهرة السحر و محاولة اجتثاثها و الحد منها داخل الأوساط الاجتماعية ، على مستويين ، الأول تشريعي أخلاقي و هو النهي عن ممارسة كل أنواع السحر و الشعوذة و جعلها من اشد و أعظم المحرمات التي قد يقترفها الإنسان ، يقول تعالى " و اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ، و ما كفر سليمان ، و لكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر و ما أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت ، و ما يعلمان من احد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء و زوجه و ما هم بضارين به من احد إلا بإذن الله ، و يتعلمون ما يضرهم و لا ينفعهم و لقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلق و لبيس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون" .
( سورة البقرة 102 ) .
في الآية الكريمة يظهر أن السحر من عمل الشيطان ، و من تم فان الابتعاد عنه واجب و أمر شرعي ، و قد جعل الإسلام السحر من الموبقات السبع و هي المهلكات و أيضا هي أعظم الذنوب ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال " اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يارسول الله و ما هن ؟ قال : الشرك بالله ، و السحر ، و قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، و أكل الربا ، و أكل مال اليتيم ، و التولي يوم الزحف ، و قذف المحصنات المومنات الغافلات " و عليه فالسحر هو من اشد الأعمال شرا و أكثرها قبحا عند الله و لهذا كان النهي عنها في الإسلام صريحا وواجبا على الفرد المسلم ضمانا لسلامة المجتمع و صحته .
و في المستوى الثاني رغب الإسلام الفرد داخل المجتمع ، في التعلم و السير على نهج العلم و البحث بما يخدم صالح الأمة ، إذ أن العلم هو الطريق الأوحد للقطيعة مع كل أنواع الخرافات و البدع و الممارسات المرضية المتخلفة و الشاذة و التي يعتبر السحر واحدا منها ، فالسحر ليس إلا ممارسة تنم عن عمق مجتمع جاهل متخلف لا يواكب ركب الحضارة و التقدم ، و هو في شأنه ذلك بعيد كل البعد عن كل أنواع الوعي العلمي و الفكري ، و العلم هو العامل المضاد و الدواء الذي يمكن به معالجة مثل هذه الظواهر المرضية أو على الأقل الحد منها ، و مثالنا في ذلك الفلسفة في بدايتها عند اليونانيين في مدينة ملطة أيام طاليس و انكسمندار و انكسامينس لم تنهض إلا لمواجهة الفكر الخرافي الأسطوري و ما يتبعه من ممارسات قائمة على هذه البنية الخرافية و التي لا تجد مرتعا و ملجأ لها أفضل من عقول الشعوب المتخلفة ، فكان إمعان العقل و الإنصات للاستدلالات العلمية و المنطقية طريقا ممهدا للقطيعة مع تلك الحقبة و ذلك الفكر الخرافي .
و قد حثنا الرسول صلى الله عليه و سلم على طلب العلم و السعي نحو بلوغه و رفع من قدر طالب العلم و أعلى من دراجاته ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال " وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى? الْجَنَّةِ " . فطريق العلم هو أفضل الطرق للنهوض بالأمة و القضاء على كل الأمراض الاجتماعية التي تنخر الجسم المجتمعي ، و ذلك من اجل التطلع لغد أفضل و للاشراقات حضارية أروع و أمتن .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تبدأ النظر في تجنيد -اليهود المتش


.. الشرطة الإسرائيلية تعتدي على اليهود الحريديم بعد خروجهم في ت




.. 86-Ali-Imran


.. 87-Ali-Imran




.. 93-Ali-Imran