الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غياب الفكر النقدي من التعليم العلمي يعطي الإرهاب

العفيف الأخضر

2004 / 5 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مقال جمال هاشم "طالبان في المدرسة الحسنية لتكوين المهندسين من علوم البناء الحضاري إلى أفكار الحقد والهدم" بالغ الأهمية (الأحداث المغربية 29/4/2003)، تعجب جمال هاشم من واقع أن بعض كليات الطب ومدارس الهندسة وكليات العلوم ومنها "المدرسة الحسنية" تخرج "طالبان مغاربة" لم تعصمهم معرفتهم بالعلوم الدقيقة من السقوط في كراهية المخالفين لهم في الدين والفكر والجنس والحضارة الغربية والحرية والديمقراطية وثقافة التسامح وحقوق الإنسان وحرية المرأة والطفل ومفاهيم الاختلاف والتعددية فهي كما يقول جمال هاشم مرفوضة من مهندسي "طالبان" المغاربة مضيفاً "إن مهندسي المدرسة الحسنية يدرسون مادة الكيمياء والفزياء ولهم دراية بصنع المتفجرات وسيتحملون غداً مسؤولية الإشراف على مخزون المتفجرات الضرورية لشق الطرق وبناء السدود".



حقاً إنه لخليط متفجر من المعرفة التقنية والتعصب الديني يهدد المغرب والإنسانية بخطر داهم وعن صواب يلفت جمال هاشم نظر الأمن إلى هذه المخاطر المتوقعة. قد يكون الحل الأمني مجدياً في العاجل لكن ماذا عن الآجل؟



أولاً، لا عجب أن يكون طلبة العلوم متأسلمين فحوالي ثلث قيادات وكادر الحركات الإسلامية المتطرفة هم من خريجي المدارس والكليات العلمية: رابح كبير، ممثل الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ألمانيا، فيزيائي وأيمن الظواهري طبيب وبن لادن مهندس. لماذا؟ لأن العلم لا يعطي معني للحياة . فقط الدين والفلسفة هما اللذان يعطيان معنى للحياة . كيف؟ يعطي الإنسان لنفسه بالدين معنى لحياته بعد الموت، يلبي رغبته النرجسية في الخلود في حياة ثانية. لذا علل فرويد عدم تحول الديانة اليهودية إلى ديانة كونية بكونها ليست ديانة خلاصية _ على غرار المسيحية والإسلام _ تلبي رغبة الكائن البشري النرجسية في الخلود. ففي اليهودية لا خلاص بعد الموت.



يستطيع المرء بالفلسفة أن يعطي معني لحياته في الحياة لا بعد الممات بجعل حياته تمريناً دائماً على حياة فاضلة تتقيد بالقيم العقلية والإنسانية فلا تنتهكها ولا تسكت عن انتهاكها. وهكذا تتقبل الموت دون جزع باعتباره نهاية محتومة لرحلة الحياة. أو كما قال أحد الفلاسفة : " أن تموت هو أن تترك مكانك للذين يولدون".



في الواقع، العلماء المعاصرون في العالم قلة منهم من المتعصبين دينياً وغالبيتهم فلاسفة. من الغزالي إلى سيد قطب مروراً بابن تيميه كفّر الفقهاء الفلسفة لكنهم لم يكفروا العلوم الدقيقة. فالغزالي وان تيميه مثلاً يقولان بأن فلاسفة اليونان محقون في نظرياتهم العلمية لأنها يقينية ومخطئون في [الإلهيات] (= الفلسفة) لأن معرفتهم فيها ظنية، وسيد قطب كتب في "معالم في الطريق" : "الفلسفة وتاريخ الأديان المقارن وعلم الاجتماع .. كلها علوم "معادية للدين عامة وللإسلام خاصة". ولكنه كسلفيه الغزالي وابن تيميه لم ير حرجاً في دراسة الكيمياء والفزياء والطب .. إلخ.



حتى لا تخرج مدارسنا وكلياتنا العلمية (طالبان) علينا أن ندرس طلبتها _ وقبل ذلك تلامذتها _ الفكر النقدي لتعليمهم التساؤل والشك اللذان يجعلان جميع الأطروحات تقف أمام محكمة العقل لمساءلتها عن شرعيتها العقلانية.



هذا ما وعته النخبة التونسية منذ بداية التسعينات فجعلت الفلسفة (= البرنامج الفرنسي) تدرس في السنتين الأخيرتين من التعليم الثانوي، وأدخلت تدريس الفلسفة الحديثة إلى جميع الاختصاصات بما فيها المهنية. في الطب، يدرس الطلبة الفلسفة طوال ست سنوات. وهكذا جففت بالمدرسة العقلانية ينابيع التعصب والإرهاب التي تغذيها المدرسة السلفية التي مازالت سائدة في العالم العربي.



في التعليم الديني العالي يدرس الطالب في جامعة الزيتونة فضلاً عن الفلسفة وحقوق الإنسان تاريخ الأديان المقارن وسسيولوجيا الأديان وعلم النفس والألسنية التي تساعده جميعاً على فهم الظاهرة الدينية فهماً تاريخياً وعقلانياً . وهو ما يشكل سلاحاً فكرياً ضارياً ضد التعصب والإرهاب، الإبنين الشرعيين لمقاربة النص بالنص أي تفسير الدين بالدين، لا بعلوم الحداثة وفي مقدمتها تاريخ الأديان المقارن.



عسى أن تستلهم النخبة المغربية، التي انخرطت في تحديث الإسلام منذ المدونة الجديدة، التجربة التونسية لصالح شعبها وصالح الإنسانية وما ذلك عليها بعزيز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمطار ورعد وبرق عقب صلاة العصر بالمسجد الحرام بمكة المكرمة و


.. 61-An-Nisa




.. 62-An-Nisa


.. 63-An-Nisa




.. 64-An-Nisa