الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقائق لمن يريدها دولة إسلامية

شريف حافظ

2009 / 9 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يحاول الإسلاميون، من وقت إلى آخر، إيهامنا أنهم هم أصحاب الحق الأوحد في تمثيل الإسلام، وهم أبعد ما يكون عن هذا التمثيل. ينادون بالدولة الدينية، ببرنامج هش حول نظام الدولة، وهو لا يُغني ولا يُسمن من جوع. يلعبون على أوتار الجهل والبسطاء، رغم أن الناظر إلى الحاضر والماضي وفي دول إسلامية كثيرة، سيصاب بالدهشة، إلى أن الحلم لا يُمكن أن يصبح حقيقة، بتلك السهولة التي يصورون. فالناظر إلى التاريخ الإسلامي، منذ وفاة الرسول، سيجد إختلاف نُظم الدولة الإسلامية من دولة إلى أُخرى. كما أن هناك حقائق مهمة يجب وأن لا ننساها أو نتخطاها، وإلا وقعنا في المحظور.

أول تلك الحقائق: ثلاثة من الخلفاء الراشدين الأربعة، ماتوا مقتولين. عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي قال له المرزبان، رسول كسرى: "حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر"، قُتل من قبل أبو لؤلؤة المجوسي، أثناء إمامته لصلاة الفجر؛ عثمان بن عفان رضي الله عنه، قُتل من قبل أهل الفتنة وكان مقتله مقدمة لأكبر فتنة عرفتها الدولة الإسلامية في ذاك الوقت؛ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قُتل بيد رجل مُسلم يُدعى عبد الرحمن بن ملجم حيث ضربه بسيف مسموم على رأسه. وقد بدأت الفتنة في عصر عثمان بن عفان رضي الله عنه وإستمرت في كل عصر علي بن أبي طالب. وهؤلاء الخلفاء الثلاثة، هم من المبشرين بالجنة وليسوا من عامة الناس أو ممن يُمكن مقارنتهم بأي شخص يعيش بيننا اليوم، من حيث إسلامهم أو علمهم أو إتصالهم الوثيق برسول الله صلى الله عليه وسلم. فهل من يتواجدون اليوم، يُمكنهم أن يقونا فتنة أشد مما حدث في عصر هؤلاء؟

ثاني تلك الحقائق: لقد أسس معاوية بن أبي سفيان الدولة الأموية على أساس نظام الملك أو ما يُسمى بالتوريث. وقد مضت الأمة الإسلامية من بعده على هذا النهج، في أغلب شئونها، ولم تتكرر مسألة إختيار الخليفة باستخدام الشورى كثيراً كما حدث في عهد الخلفاء الراشدين. ورغم أن هذا حدث في عهد الخلفاء الراشدين، إلا أن إختلافاً كبيراً قد حدث في هذا الأمر في عهد علي رضي الله عنه، مما أحدث الفتنة فيما بعد. فمن أين نضمن حدوث الشورى لإختيار من سيحكُم؟ وكيف نضمن أنه لن يحول الأمر بسطوته إلى نظام توريث؟

ثالث تلك الحقائق: قامت حروب بين المسلمين أنفسهم في بدء الخلافة الإسلامية وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين ظهرانيهم، حتى أنه لم يكن هناك إحترام لوجود هؤلاء الصحابة، وقتل منهم أشخاص ومُثل بهم من قبل مسلمين. فعبد الملك بن مروان هو من قُتل في عهده، عبد الله بن الزبير الذي كان خليفة على مكة والحجاز والعراق، في نفس الوقت الذي كان فيه يزيد بن معاوية ثم معاوية بن يزيد ثم مروان بن الحكم ثم عبد الملك بن مروان خلفاء (تتابعاً) في الدولة الأموية التي كانت عاصمتها دمشق. ويجب أن نعرف أن قائد جيش عبد الملك بن مروان، الذي قتل إبن الزبير، كان الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي ضرب الكعبة بالمنجنيق وأصابها وهدم بعض أجزائها ليقتحم المسجد الحرام في النهاية ويُمسك بعبد الله بن الزبير. وكان كل هذا في إطار تصارع على السلطة، بين مسلمين، هم أشد قُرباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الناحية التاريخية.

فكيف لنا أن نضمن عدم صراع، من يريدها دولة دينية إسلامية على السلطة، ثم التحارب وخلق فتنة أشد من فتنٍ سبقت في تاريخ الإسلام في المنطقة؟ وأُذكر، أن من نتكلم عنهم أعلاه، أشخاص كانوا قريبون في المدى الزمني من دولة الرسول عليه الصلاة والسلام. ولا ننسى ونحن نتساءل هنا بتلك الأسئلة، أن مصر ليست حماس وفتح، وأن على مقربة منا إسرائيل، وهنا أحب لمن يقرأ أن يزن ما أقول بميزان شديد الدقة! كما يجب أن لا ننسى أن حماس وهي جماعة مسلمة تابعة للإخوان المسلمين في مصر، قد حولت غزة إلى معقل للبطش ضد كل المخالفين، وهو ما تشهد عليه الأفلام المبثوثة من غزة، وليس إدعاء رخيص!

رابع تلك الحقائق: عند قيام الدولة العباسية، قام أبو العباس السفاح، بقتل كل من طالته يده من أُمراء بني أمية، ولو غدراً. حتى أنه أقام ما يُشابه مذبحة المماليك في قصره، لبعض أمراء بني أمية الذين دعاهم إلى العشاء، فخرج عليهم السيافين وقتلوهم، ثم فُرش السجاد "عليهم"، وجلس أُمراء بني العباس "عليهم"، يأكلون ويتسامرون، بينما المقتولين غدراً يتأوهون في أنفاسهم الأخيرة!! وكانت تلك الوحشية، هي إيذاناً بقيام دولة الخلافة العباسية الإسلامية! وهنا نؤكد على أن الوحشية، لم تخلو من الدولة الإسلامية في بعض عصورها المهمة. فكيف لنا أن نضمن أن مُقيموا الدولة الإسلامية في مصر، لن تحكمهم ثقافة الكره، التي تحكمهم بالفعل اليوم، لدرجة إتهام الناس بما لم يقولوه وتكفيرهم رغم إسلامهم، والوقوف ضد كل مختلف معهم، وليس فقط مع الدولة المصرية؟ ما هي الضمانة، أنهم لن يقتلوا الأقباط والبهائيين، بل والمسلمين من المختلفين معهم؟ بالطبع لا يوجد أي ضمانة لذلك على الإطلاق، وقد ضربت الجمهورية الإسلامية في إيران مثال واضح على هذا، وهي صديقتهم اليوم، فهنيئاً لهم تلك الصداقة وياويلنا منها، إن وصلوا للحكم والعياذ بالله!!

ولقد إنتفى هذا الظلم والبغضاء والقتل غدراً، في أوج الدولة الإسلامية في عصور إزدهارها، ولكنها كانت في تلك الأوقات تمتد بفنوحات على مستوى الأرض، وبالتالي يبقى السؤال: ما الذي ستفتحه الدولة الإسلامية القادمة كي تبقي على إزدهارها وعدم ظلمها وتعديها على الإنسان فيها، وإن إختلف معها أو كانت عقيدته مُغايرة لعقيدتها؟ أم أنها تريدها حرباً شعواء مع كل المحيطين وغيرهم، لتنتهي نهايات الدول الإسلامية، كما سيلي في الحقيقة الخامسة؟

خامس تلك الحقائق: مرت الدولة العباسية بالكثير من الأحداث المماثلة لما مرت به الدولة الأموية، ولكن كانت نهايتها مؤلمة للغاية حيث كانت الدولة قد بدأت تتآكل وينفصل الكثير من الإمارات والممالك عنها، ولم يكن لها من الهيبة لكي تقف في وجه هذا الإنفصال، حتى جاء هولاكو خان، غازياً بغداد وفعل فيها ما فعل وقتل الخليفة المستعصم بالله نفسه (كما قتل صدام حسين من الأمريكان). فما الذي يضمن لنا عدم تفتت الدولة في عصرهم، المرتجى منهم وحدهم، أو أن نصل على أيديهم إلى حال مثل تلك التي وصلت إليها العراق في عصر المستعصم بالله؟ لا شئ يضمن هذا كله بالطبع! ويكفي أن نرى ما يريدون فيما يتعلق بعلاقتنا الخارجية من مقاطعات وقطع علاقات. إنهم يعلنونها حرباً على العالم وهم خارج السلطة اليوم، فما بالكم بما سيحدث وهم داخلها؟ وبالطبع، فان أفغانستان طالبان، شاهدة على مثل تلك الإجراءات، التي يريدون، وهي دولة إسلامية أيضاً بمثل ما يرغبون!

* * *

ما أريد أن أصل إليه هنا، من خلال سرد تلك الحقائق السريعة، هو أن الخلافة الإسلامية لم تكن كلها هي المثل الأعلى المُحتذى. ونحن نتكلم هنا، عن أساطين في التاريخ الإسلامي وليس عن بعض اللاعبون بالدين هنا أو هناك. والمقارنة بين المتواجدين اليوم، من مستغلي دين وبين الرسول عليه الصلاة والسلام، غير ممكنة على الإطلاق. كما أن المقارنة بين هؤلاء وبين الخلفاء الراشدون أو من تبعهم، لأمر صعب. كما أن ظروف الأمة، يما فيها من أمور مُعقدة ومشاكل عميقة وخيوط متشابكة، لا يُمكن أن تُقارن حتى بأحلك لحظات الخلافة الإسلامية الماضية، لأن العصور مختلفة بالكامل، وأساليب الحل متباينة وأدوات التعامل متغيرة.

إن إدعاء من يقولوا بالدولة الإسلامية ورغبتهم في بناءها، لهو إدعاء كاذب، لأنهم بالإضافة إلى أنهم لا يُمكن مُقارنتهم بمن ذكرت أعلاه، يريدون الدولة الإسلامية في حد ذاتها فقط، لأنهم لم يتكلموا أبداً من قبل عن حلول وبدائل للمشاكل المتواجدة اليوم. هم دائماً يتكلمون فقط عن شكل ما لنظام يريدونه، ويطلقون عليه إسلامي، رُغم أنه لا يوجد ما يُمكن أن نقول عليه "وحده" بأنه نظاماً إسلامياً. وبالتأكيد، ستصبح مصر العلمانية، التي يحكمها العدل والحرية والمساواة بالإضافة إلى حرية العقيدة، شديدة القرب إلى الدولة الإسلامية الحديثة، عنها إلى الدولة الإسلامية التقليدية. بل إن الدولة الإسلامية التقليدية التي كان يحكمها معاوية بن أبي سفيان، ليست بقادرة اليوم على مواكبة أوضاع العصر. والثابت، أنه لا يوجد دولة إسلامية ذات شكل واحد راسخ على مر العصور منذ دولة الخلافة الراشدة وحتى اليوم.

كما أن نماذج الدول الإسلامية اليوم، ليست مُشجعة على الإطلاق. وليأتي من يريد الدولة إسلامية، بنموذج يمكننا أن نستشهد به اليوم، من بين تلك الدول المتواجدة على الساحة، كي نعرف كيف نناقشه. ولكنه لن يجد! فنحن نعرف ما يجري في الدول الإسلامية اليوم، والوثائق الدولية متوفرة ومنتشرة إن كان لا يعرف، ويريد الإستمرار في التضليل. والإسلاميون يعرفون أيضاً، أن المسلم يمارس شعائره في الدول العلمانية الغربية ويحصل على حقه، بأفضل مما يحصل عليه في الدول الإسلامية المزعومة، ولكنها المُكابرة التي يستمرون فيها!!

لقد عرضت عرضاً مُختصراً في هذا المقال، لحقائق معروفة في الدولة الإسلامية لدي الرعيل الأول ولدي من تبعهم. فان كان هناك مُكذب فليقول ويكتب. ومن رأى في نفسه قُدرة على أن يُقيم دولة مثل دولة الرسول صلى الله عليه وسلم، رغم أن الكثير من الخلفاء من بعده من أعظم من أنجبت الأمة لم يستطع، فليقول لنا من هو وكيف سيقيم دولة لا يحدث بها ما حدث في دول الأعاظم من الناس في التاريخ الإسلامي. من يريد فليتكلم من واقع السيرة الإسلامية وبالتاريخ. وأرجو ألا يُقارن نفسه بأعاظم الرجال لأنه لن يستطع، ولكن ليقول لنا كيف سيقيم دولة في هذا العصر الإشكالي الكبير، بحيث لن تحدث فيها ما حدث فيما سبق من عصور لم تكن فيها العلاقات الدولية بهذا التعقيد. لقد كان بيدي الخلفاء المذكورين، وملئ كيانهم، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحدث ما حدث. فما الضمانة ألا يتكرر ما حدث من قبل من لم يعاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اي دوةلة يتكلمون عنها؟؟؟
باحث عن الحقيقه ( 2009 / 9 / 4 - 04:32 )
ما هي الدولة التي يراد اقامتها؟؟. هل هي الدولة التي يؤمن فقهائها بان لا يجوز الخروج على الحاكم وان كان ظالم اطعه وان جلد ظهرك وهتك عرضك وانه ظل الله في ارضه وفي الوقت ذاته ان مذهبها هو المذهب الحق وباقي المذاهب مبتدعه وهراقطه ولا يجب ان يتمتعوا باي حق كما هم حاصل الاآن في الدول المطبقة للاسلام بهذا المفهوم؟؟؟. ام هي الدولة التي تؤمن بولاية الفقيه وان من خالفه فقد خالف الامام الغائب ومخالفة الامام الغائب هي مخالفة الرسول وهو كفر بواح؟؟. وهل حقا ان مواطنبها يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات؟؟؟.ماذا لو اجريت استفتاآت لمواطني هذه الدول ولا سيما االاقليات فيها ببقائهم تحت هذا الحكم الاسلامي ام الانفصال اوحتى تحت استعمار الدول الغربية فماذا سيكون الخيار؟؟؟. اما القول ان المراد تطبيق دولة المدينه فهذا تضليل واضح. متى صارت دولة في المدبينة بالمعنى المعروف للدولة؟؟. ولو فرضنا جدلا بانها كانت دولة مثالية فهل كان فيها سنة حنابله اوشوافع او موالك او احناف؟؟. هل كنا فيها شيعه اثاعشربة وزبدية واسماعيلية والكل يرى انه صاحب الحق وغبره منحرف؟؟؟.الم تكن الغلبة من اساس الحكم كقول عبد الله ابن عمر نحن مع من غلب حتى اصبح كلامه تشريع لا زال قائم وهو ما قامت علي الدول الاسلاميه كبني امية وبي العباس وحديثا ب


2 - باحث عن الحقيقة هذي هي الحقيقة!!!
ابو علي ( 2009 / 9 / 4 - 05:37 )
اشكرك على هذا التحليل المنطقي ولنا في العراق وافغانستان والصومال وفلسطين امثلة حية لمن ينادون بقبام الدولة الاسلامية الغير قابلة للحقيق.انه الحكم وليس الاسلام.!!! .الم تكن غزة اسلامية قبل استيلاء حماس عليها وماذا تغير الآن؟؟؟. هل ذهبت الاحوال للافضل ام للاسوا تحت الحكم الحمساوي؟؟؟. انه الحكم ليس الا.


3 - معركـــة الجمــــل
كنعان شماس ايرميا ( 2009 / 9 / 4 - 12:51 )
بحث قيم بلغة مودبـــة . ان معركة الجمل حدثت بين اقرب اثنين الى رسول الاسلام عائشة وعلى فمن كان على جانب الحق ومن كان على جانب الباطل . انه الصراع الابدي على السلطة والشهرة ولافرق بين البـــدو والانكليز الا بعمق الشيطنة والخباثــــة والكلام المنافق انها الطبيعة البشرية المهزلة

اخر الافلام

.. 180-Al-Baqarah


.. 183-Al-Baqarah




.. 184-Al-Baqarah


.. 186-Al-Baqarah




.. 190-Al-Baqarah