الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمّةٌ تناقض ما تتباهى به

محمد أبوعبيد

2009 / 9 / 4
المجتمع المدني


بمنأى عمّا يلج في مصطلحات الأمّة والقومية والجنسية وما يخرج منها، فليكن الموضوع "مؤمَّماً" نظراً لتأميم مصادر فخرنا وأسباب تباهينا. فإن كنا أمة تتباهى بصدّها ورفضها للشائعات، فإننا بمثابة المرتع الخصب، ليس لنمو وتكاثر الشائعة فحسب، إنما لتناقلها وتداولها كما لو حملتها طائرات تفوق سرعتها سرعة الصوت بمرات، حتى يجدها المرء هبطت على مسامع أبناء الأمة ما خلا أولئك الذين "فلْترُوا" آذانهم حتى يدخل ما يصلح إليها، ويُحْجَب عنها ما يفسدها.
ما يميزنا كأمّة ناقلة للشائعات، هو التعامل معها كما لو كانت حقيقة مثبتة بالأدلة والبراهين، ووفقه تصدر الأحكام على من تصيبه إنفلونزا الشائعات، حيث يتبوأ كل مستمتع بها منصب قاضي القضاة، فيُصدر حكمه غير القابل للطعن على الضحية، ويتوالى الأمر كما أحجار الدومينو إنْ لم يكن ناراً في هشيم عقولنا.
المدهش في الأمر، وما أكثر ما يدهش، هو أن ثورة الاتصالات بما فيها الإنترنت، والتي تيسّر لنفّاثي الشائعات أن يذروها شذر مذر، هي ذاتها التي يمكن تسخيرها للتحقق من أحاديث الأفك، فعلى الأقل، وبهذه الطريقة تتوافر لدى المتلقي الشائعة عينها والرد عليها، بيْد أننا أمّة، مع وجود استثناءات، وظفت أذناً واحدة وأقالت الأخرى من وظيفتها، وعلى هذا المنوال أيضاً نتعامل مع تكنولوجيا الإتصالات، باتجاه واحد من دون أن نحاول خوض تجربة التحقق من مسألة ما. ولِمَ التحقق أصلا ً ونحن نستهلك أكثر مما ننتج لذلك نستهلك الشائعات ولا ننتج بيّنات!! .
إن تجربة التحقق من مسألة ما على المستوى الفردي ليست في حاجة إلى جهد مثل الذي يبذله رجال التحقيق الذين يتعاملون مع قضايا تحمل حيثيات وفيها أدلة وبراهين وبالتالي مآلها أروقة المحاكم حتى تصدر أحكامها. كل ما يقتضيه الأمر عدد قليل من الأسئلة يطرحها متلقي الشائعة على نفسه، ويجيب على نفسه، وفي مقدم ذلك التعامل في بادئ الأمر مع أي خبر يشاع على أنه شائعة ما دام جِبِلّ كثير متفقين على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. لو اتبع أبناء الأمة هذا الديْدن لصارت محاكم الأفراد عادلة، ونجا الكثير من إشاعات لاحقتهم ومنهم من نشَبت أظفارها في لحومهم .
المفارقة أنه لو كان ثمّة خبر من النوع "الممتاز" ويتحدث عن إنجاز، لبدأ انتشاره على ظهر سلحفاة بينما أحاديث الأفك تمتطي ظهور الأرانب. وكم سيكون من العدل لو انعكست وسيلتا نقل الأخبار، فأبسط الأمور أن السلحفاة ليست بطيئة فحسب، إنما قد ترتاح أياماً إذا مشت بضع خطوات، وتخيلوا حينها لو كانت الشائعات على ظهرها إذا كان لا بد لها من التنقل بدل الوأد.
ألسْنا، إذنْ، نناقض بسلوكنا ما نتباهى به، خصوصاً وأنه في أكثر من موضع في القرآن الكريم حثٌ على أن نتبيّن من أي نبأ حتى لا نصيب قوماً بجهالة فنندم .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر