الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة المثقف العربي مع ما يسمى بالمقدس

جمان حلاّوي

2009 / 9 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كنت أتحاور مع أحد الزملاء حول موقع المرأة في النص القرآني وتوضيح هذه النصوص (المقدسة!!) التي تتعرض لها وتحط من مكانتها في المجتمع ، وكنت احمل قرآنا" أقرأ منه هذه النصوص ، وفجأة وقع القرآن من يدي على الأرض .. جفل زميلي المثقف فجأة وبهت مذهولا أثر سقوط (المقدس!!) سألته : مابك؟ !، أجابني مغمغما" : لاشيء ، لاشيء...

أين يقع النص المقدس من عقل المثقف العربي ؟!

عندما تقرأ في المواقع الأكثر تقدمية وعلمانية ترى أن مثقفينا عندما يأتون على سيرة المقدس يقفون عنده وهم يقرأون البسملة والتعوذ من الشيطان الرجيم قبل أن يجتازوه!! كما في مقالة أستاذنا الموسومة ( الحوار مع القردة والخنازير : فاقد الشيء لا يعطيه) كمثال لا الحصر ، حيث كانت المقالة مفعمة بانتقاد حوار الأديان الأخير وعن ماذا يتحاورون مادام كل ينصب للآخر فخاخه ..الخ، لكنه أستهل مقالته : نازعتني النفس الشريرة في أن أكتب أو لا أكتب عن حوار الأديان ...الخ .. فالأستاذ يعتبر مناقشة الموضوع المتعلق بالأديان هو بسبب روحه الشريرة التي تخرب الأمور وتغوي القارئ الغافل !!!!
يا أخي متى نتحرر ؟ متى نتجرد من تراكماتنا الدينية من أجدادنا البسطاء وأسلافهم الذين عاشوا وماتوا جياعا" بسبب الإقطاع يسحقهم بالعمل مقابل حفنة شعير وعدة تمرات والذي بالمقابل ينصب كل عاشوراء مضيفا" طوله مائة متر يحكي قصة باكية لمقتل أولياء الله ،ويبكي قبل الباكين والسوط مخبأ تحت فراشه !!
يجب أن نكون قد المسؤولية في نقل رسالتنا العلمانية حاضنة المنهج العلمي المتحرر من كل الأيديولوجيات المربكة للحقيقة المنطقية ..ونحمل رأيا حقيقيا" صادقا " راسخا" في تقويض تفاهات من اجتمع للتحاور حول الأديان وتقويض أسس النص المقدس وزبانيته الجهلاء وإذلالهم بالمنهج العلمي الذي يعلمنا أن الأرض لم تخلق بجملة ( كن فيكون ) وكما في النص التوراتي (في البدء خلق الله السماوات والأرض ( وهنا الأرض والسماوات على كفتي ميزان متكافئة ، بل وأكثر من ذلك حين اعتبرتها الكنيسة مركز الكون )..و في اليوم الأول أمر الله : ليكن نور فصار نور ، ورأى الله النور فأستحسنه وفصل بينه وبين الظلام ( وكأن كل له كيان بذاته وليس الظلام وهو ظاهرة عدم وجود إنارة !!) ثم في اليوم الثاني خلق الله الجلد وفصله عن الأرض وسمى الجلد سماء ... الخ من النص التوراتي )

هكذا تعلمنا النصوص المقدسة حول نشوء الكون بهذه الفانتازيا الهزلية ولم تنقل لنا حقيقة ما حصل لأن واضع النصوص لا يعرف حقيقة ماحصل .. لايعرف أي شيء عن نشوء الكون أصلا" من أنّ هناك سدم وحرارات مكبوتة ولدت ضغوط هائلة انفجرت قبل ملايين السنين بما يسمى ( الانفجار العظيم Big Bang ) وما زال الانفجار مستمرأ كما صورها تلسكوب (هابل) العائم في الفضاء وأثبتها موضحة في الإزاحات الموجية الحمراء للمجرات ( والإزاحة الحمراء تطبيقيا" هو انفلات الجسم نحو الخارج ضد اتجاه المركز/ للمتشككين بحصول Big Bang ) بعد ملايين السنين من حصول الانفجار بسبب اتساع الكون، وأرسلها إلى مركز المراقبة الأرضي وعرضت على تلفزيونات العالم ،
إن حصول Big Bang جاء ضرورة حتمية لاتساع الضغوط الداخلية للسدم الغازية ذلك لملء الفراغ الكوني لإتمام الاختلال التوازني لتتمازج الجسيمات متناقضة الشحنة المتهيجة متأصّرة وتتكون الكتل المتضاربة بجزيئاتها المهدرجة ( نسبة إلى عنصر الهيدروجين ) لتنفلق انفجارات نووية (كما في شمسنا الحالية ) فتتفسخ أجزاء منها وتنفلت متسارعة تبرد في هروبها فتقتنصها جاذبية تلك الشموس المتحركة بدورانها الذي لا يتوقف فبرزت الكواكب .. الخ . هذه عجالة ، أما قصة ظهور الحياة والوعي فقد تطرقت لها في مقالاتي السابقة ولا يحتمل التكرار ، هكذا يفهمنا العلم المنطقي ( يمكن الرجوع إلى ديالكتيك الطبيعة / فردريك أنجلز الذي كتب هذا الحدث الهائل في القرن التاسع عشر !.)

وخلاصة القول : أما أن نفهم الحياة بتجرد وعلمية أو نعترف بأننا لانستطيع على ذلك وكما قال شكسبير ( أكون أو لا أكون ) لا أن نبرز أفكارنا مهزوزة أمام الناس بسبب معتقد الأجداد ونقدم اعتذارنا للنص المقدس حين نناقش أمره .. والأفضل في هذه الحال أن نصمت ولا ندعي ما ندعيه مجرد كلمات تملأ المواقع .. مجرد أن نكتب ونلصق صورنا لنقول ( شوفونا نحن نفتهم . نحن النخبة !!!! ) إن أردنا أن نعلن الحرب الحقـّة على المقدس وزبانيته يجب أن نتحلى بالذكاء والتجرد من المعتقد المتراكم ونحمل الملكة الثقافية من دراسة للعلوم التطبيقية ، واستخدام المنطق في كل خطوة نخطوها ، وموازنة أية ظاهرة ،وقراءة ماكتبه المفكرون الأحرار الذين دلـّونا على هذا الطريق أمثال ماركس و أنجلس (دون تأليههم هم أيضا") وقبلهم سبينوزا الذي اسس للأتجاه المادي في الازمنة الحديثة و لابلاس صاحب نظرية الكرة الضبابية التي انفجرت وصدرت منها الأجرام السماوية وكوبرنيكوس الذي برهن أن ليس الأرض مركز الكون بل جرم يدور حول الشمس, والحلاج وأخوان الصفا تلك الحركة السرية العقلانية التي ظهرت واختفت ولم يعرف أصحابها سوى كتابات متناثرة توضح نهجهم المثير للجدل خوفا" من إرهاب سلطة العباسيين الثيوقراطية آنذاك ، بل وحتى المعتزلة الذين شككوا بعقلانية النص القرآني وحاولوا تأويله ليكون أكثر انسجاما" مع الواقع (راجع مؤلفات د. محمد عمارة / المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية / ثلاثية الفلسفة ومشكلة الحكم )

فالمقدس هو: معادلة غير متوازنة ولا يمكن تفسيرها منطقيا" ولا يمكن إدخال الحركة في صيرورتها ، وهي في مكان خرافي لا وجود له كونه خارج مواصفات المادة بأشكالها... وأن توازنت وأصبحت حقيقة موجودة ستسقط داخل الكون المادي وفي حضن الطبيعة وستفقد قدسيتها لأنها ستفقد خوارقها غير المتوازنة, لتمسي مدنـّسة ، و تشمل بالفناء !!
جمان حلاوي / اميركا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - nice
issa ( 2009 / 9 / 4 - 16:41 )
i injoined myself reading your article


2 - الإشكال لا يكمن في المقدس ولكن في تصورنا اليه
أبو أيمن ( 2009 / 9 / 4 - 18:18 )
بداية أشكرك – الأخ الأستاذ جمان حلاوي - عن مقالتك القيمة هاته ، التي طرحت فيها إشكالية المقدس وتأثيره على ذهنية المثقف العربي ... وأنا من الناحية المبدئية أشاطرك الرأي إلى حد ما ، لكن ما أثرني أساسا كيفية تعاملك مع هذا الإشكال ، وطريقة تصورك للمقدس الديني بالأخص . فأنت لم تناقشه بهدوء ، ومنطق ، وعقلانية . بل بتحامل وانفعال حاد . وهذا بالطبع ، لن يعالج المشكل ، ولن يؤدي إلى إيجاد الحلول الناجعة والمناسبة . إن المسألة ليست راهنية فقط أو وليدة اللحظة ، و إنما لها جذور تاريخية ترجع بالأساس إلى السنوات الأولى للإسلام ، وبالذات مع الدولة الأموية التي نكلت بكل وحشية وهمجية دعاة العقل والحرية : فقد دفنوا أشخاصا أحياء ، وبطر الأيدي والأرجل ، وقطع اللسان ، والذبح – كما فعل الحجاج بن يوسف الثقفي بالجعد بدرهم ، حيث ذبحه صبيحة عيد الأضحى .. وهلم جرا – لا لشيء سوى لأنهم خالفوا برأيهم المقدس في اعتقاد الحكام الأمويين . ومن هنا ، يبدو لي أن إشكالية المقدس مسألة سياسية وإيديولوجية مارست تأثيرها على وعي وذاكرة الإنسان العربي فاكتست طابعا لا واعيا ، ومن ثم ، أصبح الإنسان العربي ينزعج للمقدس ، ولكل المقدسات التي ارتبطت به سياسيا وإيديولوجيا ، بطريقة آلية لاشعورية . وهكذا فالمقدس أصبح موروث ثقافي لاش

اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي