الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نجح المجتمع العراقي في تشكيل راي عام فاعل وموضوعي؟

علي ماضي

2009 / 9 / 6
المجتمع المدني


بعد مضي أكثر من ست سنوات على تحرير المجتمع العراقي من قبضة النظام السابق، هل نجح هذا المجتمع في تشكيل رأي عام فاعل و موضوعي (اقصد غير مبني على أسس طائفية أو قومية) ومؤثر على القرارات السياسية؟ أم انه ما زال يعيش أزمة وعي لدوره في ظل الأنظمة الديمقراطية ؟ وإذا كانت الإجابة انه يعيش أزمة الوعي ؟ فمن المسؤول عن حالة الغيبوبة هذه ؟ هل هم السياسيون على اعتبار إنهم يستمدون بقاءهم وبأسهم السياسي من حالة عدم نضج الرأي العام؟ أم هناك عوامل اجتماعية ونفسية حالت دون ارتقاء هذا المجتمع إلى مراتب النضج المطلوبة ليلعب دوره، كما هو حال المجتمعات الديمقراطية المتقدمة؟
المتتبع للساحة العراقية سيلاحظ برودة ردود أفعال الرأي العام العراقي اتجاه ثلاث حوادث مهمة حدثت في الشهر الماضي ألا وهي:
1. سرقة مصرف الزوية ، الذي كان مؤشرا اولياً على ضعف الأداء الامني ،فضلا عن ملابسات الحادث التي أثارت شبهات محتملة حول شخصية سياسية تعد من رموز السياسة العراقية بحسب تعبير الكتلة التي تنتمي اليها تلك الشخصية.
2. محاولة إسكات الكاتب والأديب احمد عبد الحسين ، بعد نشر مقاله الموسوم(800000 بطانية)، من خلال ممارسة الإرهاب المنبري، لما في ذلك من انتهاك لحقوق الإنسان الأساسية التي اقرها الدستور ،ومن اهمها حرية التعبير عن الرأي.
3. إنفجارات الأربعاء الدامي التي أكدت عدم جاهزية القوات العراقية من ناحية الوعي العام فالخرق الذي حصل لم يكن سببه ضعف التخطيط أو نقص التجهيز وإنما ضعف الأداء المرتبط بضعف الوعي العام لمنتسب القوات العراقية،وهذا ما حاولنا إثارته في مقالنا الموسوم جاهزية القوات العراقية.
المفروض أن تكون تلك الفضائح كافية لإثارة غضب الرأي العام ،ودفعه إلى الخروج بتظاهرات عارمة تنتهي على الأقل باستقالة الوزراء ذوي العلاقة ، ولكن رد الفعل كان خجولا تجسد في تظاهرة لمئات من المعنيين بالأدب والثقافة والصحافة مع ملاحظة أن معظمهم من سكنة بغداد العاصمة فيما يخص قضية الكاتب والأديب احمد عبد الحسين ،أما باقي القضايا فلم يكن هناك أي رد فعل يذكر . وهذا يقودنا إلى نتيجة مفادها أن المجتمع العراقي لم ينجح في تشكيل رأي عام فاعل ومؤثر على الساحة السياسية وبالتالي فان قناعاته وآراءه ( المجتمع العراقي) ليست رقما في حسابات السياسي ،ويمكن اجمال أسباب هذه النتيجة بما يلي:
1. استمرارية التجربة السابقة حيث مازال المجتمع العراقي يحمل ذكرى تجربته المريرة مع الحكومات المستبدة التي توالت على حكمه ، وسلبته كافة حقوقه الأساسية ومنها حرية التعبير عن الرأي ،التي كانت تعدّ جرما سياسيا ، تصل عقوبتها إلى الموت ،أو التغيب في السجون والمعتقلات،(بتهمة الخيانة العظمى والعمالة لجهة اجنبية) إذا كان الرأي ناقدا للدولة وبالضد من توجهاتها .
ومن طريف ما روي عن الموروث الشعبي :إن فرسا عربيا أصيلا كُسرت إحدى يداها فاستمرت بعد شفاءها تخشى أن تضعها على الأرض خوفا من نوبة الألم المتجذرة في ذاكرتها ، إلى أن عُرض الأمر على أحد العارفين فعالجها بإطلاق عيارا ناريا قريبا منها لتنطلق مسرعة من الخوف لا تلوي على شيئا ، مستخدمة جميع أطرافها ؟ فما بال المجتمع العراقي وقد انفجرت على مسمعه ثلاث فضائح مدوية، لم يحرك ساكنا ، ولم يغادر قمم الخوف الذي لازمه منذ سنين !
2. تخندق المجتمع على أسس طائفية وعرقية، فالمكون السُّني منحاز للكتل السياسية السُّنية ونفس القول ينطبق على باقي مكونات المجتمع العراقي ، وهذا يعني ان الراي العام منقسم على نفسه وفاقدا لموضوعيته.
3. محاولة السياسي في تغييب الرأي العام وذلك من خلال:
أ‌. تقيد الحريات العامة وخصوصا حرية التعبير عن الرأي.
ب‌. تجويع المجتمع وجعله يعيش حالة من الفقر والحرمان مما يضمن لهم إبقاءه يعيش همّ البقاء على قيد الحياة ، دون الالتفات إلى القضايا الأخرى ، وتجدر الإشارة إلى إن عالم النفس ماسلو من رواد المدرسة الإنسانية رتب حاجات الإنسان بتدرج هرمي عُرف باسمه (هرم ماسلو) قاعدته الحاجات الفسيولوجية (الطعام والشراب والجنس) التي تضمن البقاء على قيد الحياة ثم الحاجة إلى الأمن وتامين المستقبل ،فالحاجة إلى الحب والعلاقات الاجتماعية ، فالحاجة إلى تقدير الذات، وأخيرا حيث قمة الهرم والحاجة إلى تحقيق الذات من خلال القضايا الإبداعية والعقلية والفكرية ، والملاحظ أن جميع الحكومات التي تناوبت على حكم المجتمع العراقي حرصت على إبقاءه يعيش في قاعدة هرم ماسلو كضمانة لاستمرارها على قيد الحكم.
4.العامل التربوي:المتجسد في منع الأطفال من التعبير عن اراءهم في حضرة إباءهم ومعلميهم وكبار السّن واعتبار المخالف من ذوي العادات التربوية السيئة ، مع ملاحظة ان علاقة الحاكم بالرعية لها قيمة الأبوة في مجتمعنا ، كما تشير كلمة (أبو)التي تطلق على شيخ العشيرة،فحين تنشب مشاكل بين الافراد تتطلب تدخل العشيرة يطلب من الفرد ان يُحضّر اباه والمقصود الشيخ من هذه المفردة، وكذلك عبارة الأب القائد التي كانت تزين صورة الرئيس العراقي الراحل احمد حسن البكر ،ومن اجل ذلك كانت معارضة الشيخ او القائد لها بعض من حرمة معارضة الاب الوالد .
وبسب ما ذكرناه صارت الشخصية العراقية تتسم بعدم قدرتها على المطالبة بحقوقها،و تتسم بالصمت وشعارها الدائم(آني شعلية) أي الأمر لا يعنيني.
ويبقى السؤال الأكثر أهمية ،كيف السبيل إلى إخراج الشخصية العراقية من صمتها ،وبالتالي تفعيل الرأي العام وجعله أكثر تأثيرا؟
من المؤكد أن الإجابة على هذا السؤال يحتاج إلى جملة من الإصلاحات تبدأ من إعادة ترميم العلاقة بين الأب وأبناءه على مستوى الأسرة وتنتهي بعلاقة السياسي بالرعية ، وعليه نرى أن الموضوع يحتاج إلى:
1. تظافر جهود كل من الدولة ومنظمات المجتمع المدني والنخب المثقفة والعمل سوية من اجل النهوض بالواقع الثقافي للإنسان العراقي وإعطاءه كافة حقوقه الأساسية ومنها حرية التعبير عن الرأي وحق التظاهر السلمي.
2. فتح المجال امام وسائل الإعلام من اجل أن تؤدي رسالتها المتمثلة بكشف الحقيقة كيفما كانت دون قيود من مؤسسات الدولة بحجة تنظيم عمل هذه المؤسسات.
3. اصلاح العملية التعليمية والتربوية وجعلها أكثر ديمقراطية وإعطاء حرية أوسع للطفل في عائلته او في مدرسته، للتعبير عن ذاته من خلال الاعتراض والقبول والمشاركة في صنع بعض القرارات المهمة ، فمن خلال هذه الحرية نستطيع كشف خبايا نفسه ومعرفة فيما اذا كان يعاني من عقد أو اضطرابات نفسية بوقت مبكر ،اما العنف ، أو تكبيله بشعارات بالية عفا عليها الزمن ، سيدفع الطفل الى اكتساب عادة الصمت والخوف من التعبير عن رايه بكل صراحة ووضوح ، بل وندفعه الى الازدواج من خلال تبنيه مواقف تتناقض مع ما يجول في خلجات نفسه.
ومن كل ذلك نخلص الى ان عملية خلق مجتمع واثق من نفسه إلى درجة يخشاه السياسي ويحسبه كرقم مؤثر على معادلاته السياسية ،ليس بسهولة اطلاق عيار ناري على مسمع الفرس العربي الأصيل ، وإنما قضية تحتاج إلى وقت ليس بالقصير ، ونوايا صادقة لقادة سياسيين ولدوا من مأساة هذه الأمة ، ولا يفصلهم عنها زجاج مظلل ولا أسوار عالية ، والى نخب ثقافية تعي دورها الحقيقي في إعادة الثقة بالنفس الى مجتمعنا العراقي الحبيب.

العراق
3/9/2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رأي عام
جيفارا ( 2009 / 9 / 6 - 21:10 )
أخي علي موضوعك جميل جدآ وحساس وذوغرابة ..أعتقد بداء الشعب أو المجتمع ألعراقي ومنذ فترة تشكيل رأي عام وأعتقد سيكون رأي فاعل وموضوعي..بدليل تخوف وتحسب ألاحزاب ألطائفية من أنتخابات ألمرحلة ألمقبلة وأقامت تحالفات مع أحزاب علمانية أو دخول شخصيات من طائفة أخري لتعطي صبغة أن ألائتلافات غير طائفية ............. اعتقد بداة صحوة ألشعب ألعراقي

اخر الافلام

.. طلاب جامعة كولومبيا.. سجل حافل بالنضال من أجل حقوق الإنسان


.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح




.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف


.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي




.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية