الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأدب السرياني العراقي دليل مضاف على وحدة الثقافة العراقية القديمة

رياض الأسدي

2009 / 9 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الأدب السرياني العراقي: دليل مضاف على وحدة الثقافة العراقية القديمة
قراءة في كتاب أضواء على تاريخ الأدب السرياني وجذوره

سفر جميل ومختصر يكشف عن صفحات مهمة من جذور الأدب والثقافة السريانيين في العراق القديم والوسيط والحديث قدمه لنا الباحث والأديب نزار حنا يوسف الديراني(أضواء على تاريخ الأدب السرياني وجذوره: بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة - ط1-2007) على الرغم من اختصاره لمرحلة العراق المعاصر ودور السريانية الثقافي إلا إن الكتاب بمثابة رحلة مشوقة لترسيخ وطنية العراق القديم في عالم الأدب الآرامي السرياني لتأصيل الثقافة العراقية القديمة، وكذلك لتاريخ اللغة الآرامية والسريانية(السورث) الحديثة - في آن- والتي تعد بحق لغة الثقافة والمعرفة لأكبر رقعة جغرافية في الشرق الأوسط القديم - الرّها نصيبين الإسكندرية إنطاكيا جندنيسابور- حتى وقت قريب من ظهور (الفتح الإسلامي) فقد أظهرت بعض البحوث العلمية الأخيرة: إن أصل الحروف العربية التي نستخدمها اليوم تعود إلى منطقة الانبار غربي العراق وهي من السريانية القديمة. لذلك حينما "يؤكد" بعض الباحثين في هذا المجال: إن أصل العروبة في العراق وليس في الجزيرة العربية ربما لا يكونوا مجانبين للوقائع التاريخية كثيرا.
يبدأ الكتاب في تأصيل اللغة الآرامية ولهجاتها، وأماكن انتشارها الواسعة باعتبارها من أكثر اللغات مساحة في الاستخدام في عموم الشرق الأوسط القديم: من بلاد فارس حيث كانت الآرامية لغة السكان حتى جنوب مصر وبلاد الشام ثم أعالي بلاد النهرين. ولا أدل على ذلك من وجود نص أصلي بالآرامية مكتوب على أوراق البردي عثر عليه قرب مدينة أسوان في مصر عام 1906- 1907 وهو يحكي قصة (احيقار) (ص:16) الشفاهية المعروفة في آشور. فتذكرنا حِكَم احيقار لأبنه بوصايا لقمان الحكيم الواردة في القرآن الكريم التي وردت في عموم المواريث الدينية القديمة. تألف النص من أحدى عشرة صفحة مكتوبة بشكل عامودي: " إلى ملي احيقر شمي سفر خكيم ومى ير زي خكم لبري" وترجمتها: هذه الأمثال لرجل أسمه احيقار الكاتب اللامع الذي علم ابنه" وبقيت بعض التعليمات لأبنه قائمة إلى الوقت الحاضر مثل:" رفعت الرمل وحملت الملح فلم أجد شيئا أثقل من الدين" (ص:18) كما إن استعمال لفظ (خكيم وخكم) لا تزال متداولة في العربية حكيم وحكم؛ من هنا فإن أصل اللغة العربية هو من الآرامية على امتداد لهجاتها.
كوّن احيقار - كما يورد الباحث- علامة مهمة في التاريخ الآشوري بعد اكتشاف خيانة (نادن) للملك اسرحدون واستبداله باحيقار كمشير ومرشد للملك، ثم جاءت رحلته المهيبة لمقابلة فرعون مصرآنذاك وما دار بين الرجلين من حوار نعده في هذا العصر دبلوماسيا ففي هذه ملحمة جديدة تضاف إلى ملحمة جلجامش العراقية الشهيرة، وكل ما على الباحثين العراقيين تشمير سواعدهم لإظهار مدى العمق الحضاري للأدب والثقافة العراقية القديمة.
فالدارس الممحص لأدب الحكمة والتعليم العراقيين القديم يلاحظ -كما يورد الأديب نزار الديراني- مدى الترابط العضوي العميق بين ما هو أكدي وسومري وآشوري، مما يعني بطبيعة الحال وحدة تلك الثقافة الأصيلة وانصهارها في نمط معرفي شبه موحد لرؤية العالم. ثم يثير الباحث قضية مهمة (ص:24) تتعلق باللغة الآرامية حيث إن انتشارها في بلاد فارس وآشور إذ لم يبق لنا من الإرث الثقافي الآرامي ما يكفي من معلومات أساسية تكشف مدى التطور التاريخي لتلك المرحلة من تاريخ بلاد الرافدين والعالم، وفي ما إذا كان هذا الموروث الثقافي قد اتلف لأسباب دينية لأنه كان يتعارض كإرث وثني مع المسيحية عموما؟ أو أن اللغة الآرامية كانت تكتب على ورق البردي وجلود الماعز- وليست كالسومرية والاكدية والآشورية التي كانت تدون على الرقم الطينية المفخورة - مما عرضها للتلف والضياع على مرّ العصور.
ويستعرض الكتاب تاريخ الاضطهادات المسيحية في الإمبراطورية الرومانية مثل اضطهاد نيرون(64م) وحتى اضطهادات ديوقلطيانس ( 303-313م) الشهيرة حيث أصدر الأخير مراسيم بحرق الكنائس والكتب الدينية المسيحية وكذلك حرمانهم من حقوقهم وإبادة جميع المنضوين تحت المسيحية. وإلى جانب هذا النوع من الاضطهاد كان الوضع إبان عهد شابور الثاني (340-379م) الذي دعيت اضطهاداته في التاريخ المسيحي الشرقي بالاضطهاد الأربعيني - أي دامت أربعين عاما- في بلاد فارس: كل ذلك قبل أن تصبح المسيحية دين الإمبراطورية في عهد قسطنطين.
ولعل من ابرز ما يميز تلك المرحلة الشائكة من تاريخ الشرق هو مظاهر الحياة الثقافية السريانية فأول عمل لأنجيل موحد كتبه ططيانس الحديابي( 172م) مع عدد من الكتب الأخر سواء كتبت بالسريانية أو اليونانية على شكل مقالات في وصف الحيوانات وحياة المسيح ومزامير سليمان (42 مزمورا) وليتطرق الكتاب إلى واحد من أهم معالم الثقافة السريانية هو برديصان(154-222م) كان الأخير من عباقرة السريانية إذ كتب في مجالات فكرية وأدبية متعددة وقد ذكره ابن النديم في فهرسته. وبرديصان يعد بحق أبا الأدب السرياني القديم. مثلما يعد الأدب السرياني في أغراضه العامة امتدادا للأدب العراقي السومري والاكدي والآشوري والبابلي (ص34) في توصيف الباحث نزار الديراني.
انتشرت الثقافة السريانية في العراق مهمة حيث عمل الحجاج بن يوسف الثقفي على نقل الكتب السريانية إلى العربية كما أن السريانية كانت لغة الثقافة إلى جانب اللغة العربية طوال العصر العباسي. وكانت الخلفية الثقافية السريانية ضرورة ثقافية للعديد من الصوفية والباحثين في مشكلات الروح وكذلك لمعرفة التاريخ الديني المسيحي. ولذلك نجد أن العديد من مثقفي المسلمين وعلمائه وحتى أئمته على اطلاع بالسريانية وخاصة ما يتعلق بالمناجات الربانية والتذكير بالأدعية.
لقد بقيت الثقافة السريانية قائمة حتى في بداية عهود الانهيار الثقافي العربي في العهدين البويهي والسلجوقي. ومن الطريف إن حنين بن إسحاق في كتابه التراجم كان يؤكد إن التعليم السرياني الجماعي يدعى (بالأسكل) أو(سكول) وهي ذات الكلمة التي استعارتها اللغة الإنكليزية school للمدرسة. كما إن ذكر المدارس السريانية التي انتشرت في عموم منطقة الشرق الأوسط يدل على ثراء هذه الثقافة وأهميتها التاريخية.
إلى جانب ذلك يثير الباحث نزار الديراني أسئلة جديدة حول لماذا لم نسمع في نقل السريان ثقافة فارسية إلى لغتهم وحتى ثقافة عربية أيضا؟ أو أننا لم نسمع بأدباء عرب قاموا بنقل الثقافة السريانية إلى العربية وبالعكس؟ ويعود تفسير ذلك من وجهة نظري المتواضعة إلى أن الأدب واللغة السريانيين كانا قد اصطبغا بطابع ديني مسيحي بحت مما جعل الأبواب على العموم شبه مغلقة بين ثقافات العراق القديم. ويختتم الباحث الديراني كتابه في استعراض الثقافة السريانية من القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا حيث يسلط الضؤ على أهم النشاطات المختلفة لهذه الثقافة ودور باحثين سريان في الكشف عن أعمال أدبية كيوسف حبي الذي يعد واحدا من أعلام الثقافة العراقية المعاصرة. لكن القرن العشرين كما يرى الباحث " لم يكن فاتحة خير لشعوب المنطقة عامة وإلى السريان خاصة" (ص85) حيث أخذت مناطق كثيرة من السريان وتعرضوا إلى سلسلة من الاضطهادات المختلفة. رغم ذلك فقد تواصل العمل بقوة في مجالي الأدب والثقافة السريانيين ويكفي أن نذكر إن مطبعتين بالحروف السريانية والكلدانية قد جلبتا إلى الموصل من خارج العراق. استطاع الباحث الديراني ان يقدم لنا عملا جيدا يخدم المكتبة العراقية في هذه الظروف التي أصبحت الثقافة الجادة والبحوث الرصينة اندر من الأبريز الاحمر!












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأخ الكريم
سريانية ( 2009 / 9 / 7 - 04:27 )
فضل السريان على العرب لا ينكره اٍلا جاهل جاحد , فشكرا لك وللكاتب السيد الديراني . ملاحظة صغيرة لو سمحت , ورد في مقالك أن أصل الحروف العربية هو من السريانية _ كما أظهرت البحوث العلمية الأخيرة _ أخي ,
ظننت أن الأمر قد أصبح من البديهيات منذ فترة بعيدة , فهذه _ البحوث الأخيرة _ لمتأخرة حقا في هذا الكشف, وأي جاهل بالسريانية سيكتشف مقدار التشابه في الحروف وشبه التطابق في قواعد اللغتين بل وحتى مفردات المحادثة . شكرا لك

اخر الافلام

.. مرشحون لخلافة نصرالله | الأخبار


.. -مقتل حسن نصر الله لن يوقف مشروع الحزب وسيستمرفي المواجهة -




.. الشارع الإيراني يعيش صدمة اغتيال حسن نصر الله


.. لبنان: مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلي




.. المنطقة لن تذهب إلى تصعيد شامل بعد مقتل حسن نصر الله