الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دع ما يريبك إلى ما لا يريبك

تنزيه العقيلي

2009 / 9 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وأنا أتصفح مفكرة منضدية، تحمل كل صفحة منها ذكرا لمناسبة ما، أو حكمة، أو نصا دينيا، من القرآن أو السنة، فوقعت عيناي على حديث نبوي طالما سمعته، ولكني عندما واجهته هذه المرة، قرأته قراءة جديدة، وكأن نبي المسلمين يدعو فيه إلى ترك دينه. النص للحديث هو «دع ما يريبك إلى ما يريبك، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة». ويدعوني حفيد النبي جعفر بن محمد إلى إلزام جده بما ألزم به نفسه، إذ أسس لقاعدة «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم».



إذن من يكون مرتابا من صدق دعوى أن الإسلام يمثل وحي الله ورسالته ودينه، ويجد قلبه الطمأنينة في نفي الدين، عليه وفق قول محمد بين عبد الله، وقول حفيده جعفر بن محمد، أن يدع ما يريبه الذي هو الإسلام، إلى ما لا يريبه من إيمان لا ديني، أو أي عقيدة يطمئن قلبه إليه، حتى لو كان دينا آخر، كالمسيحية، أو البوذية، أو حتى لو كان الإلحاد ونفي وجود الخالق، لأن الذي يطمئن له قلبك، كما يقول نبي المسلمين يمثل الصدق، وما يرتاب القلب منه يمثل الكذب.



هذا لا يعني أني أصحح هذه القاعدة، فهي قاعدة غير علمية، فلطالما يطمئن القلب إلى ما هو كاذب، وغير واقعي، وخرافي. لكني ألزم نبي الإسلام بما دعا إليه، وكذلك بما قاله في القرآن الذي نسبه إلى الله، تنزه الله عما لا يليق بجلاله وجماله وعدله ورحمته من القرآن، المهم أشير أيضا إلى ما سبق وأشرت إليه في مقالة أخرى فيما يدعونا القرآن نفسه إلى أن ندعه إلى غيره، وهذا ما أشرت إليه في مقالتي الأولى (مخالفة الأحكام الشرعية طاعة لله يثاب عليها مرتكبها)، حيث التزمت بدعوة القرآن بوجوب الكفر بالطاغوت، ووجوب ترك ما كان ضرره أكثر من نفعه، حيث يتحول العمل بما ضرره أكثر من نفع إلى إثم يجب اجتنابه، وكذلك وجوب ترك ما يكون صدا عن سبيل الله، وهذا كله يوجب ترك الدين، إما إلى الإيمان اللاديني، أو اللاموقف من الإيمان أو اللاإيمان، بشرط اعتماد أساسي العقلانية والإنسانية، بقطع النظر عن النتيجة التي يصل إليها كل إنسان، فإن الله لو كان يهمه فعلا أن يعتمد الإنسان عقيدة خاصة، ويدين بدين محدد، لعملها فعلا، وأرسل رسولا، ثم جعل معه ما يثبت به صدقه للعقلاء والعلميين والأذكياء، وليس للجهلة والسذج والأميين، الذي يفتخر الإسلام أنهم كانوا يمثلون جماهيره، أو أراذل القوم الذي يقول القرآن أنهم اتبعوا نوحا وغيره، ولخاطبنا سبحانه خطابا واضحا لا لبس فيه، مُحكَما غير مُتشابه، ولا يكون «مِنهُ آياتٌ مُّحكَماتٌ ... وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ» ولا يحتاج إلى تأويل، ثم لا «يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلاَّ اللّهُ»، أو في أحسن الأحوال «إِلاَّ اللّهُ والرّاسِخونَ فِي العِلمِ»، ويبقى باقي الناس في حيرة، وتخبط، وتجاذب بين الأديان، والمذاهب، والاجتهادات، والمدارس، التي يصل التعارض بينها لحد التناقض أحيانا، ويأتي هنا التكفير والتكفير المقابل فيما بينها، هذا التكفير المتقابل الذي يكون غالبا نتيجته أنهار من الدم.



إذن الإسلام وكل الأديان تريبني، واللادينية يطمئن لها قلبي، وعقلي دليلي إلى الله، وضميري رقيبي من لدنه سبحانه. لا أحتاج إلى نبي يقول لي لا تكذب، ثم يأتي فقهاء ذلك الدين ليدلوني على المخارج الشرعية للكذب، ولا أحتاج إلى كتاب مقدس، يقول لي لا تقتل، لأن القتل حرام، حرام، حرام، بضرورة العقل، والضمير، والإنسانية، والفطرة السوية، والمروءة، وحب المرء لغيره ما يحب لنفسه، فشريعتي عقلي وضميري، وليس قرآنا، أو سنة، أو رأيا فقهيا لفقيه، يبحث لي كذلك عن غطاء شرعي للقتل، وهكذا هي كل القيم الإنسانية، ولا حاجة لنبي يعلمني ما يجوز لي أكله وما يجب علي الامتناع عنه، فميلي في الطعام من غير إفراط وشره، والقواعد الصحية التي يعرفها أطباء العصر، ووضعي المعاشي وغيره، هو الذي يحدد لي ما أأكل، وما لا أأكل، ولا أحتاج إلى دين وتشريعات يُدَّعى أنها منزلة من الله افتراءً عليه. الظلم قبيح، وقبيح، ومقيت، ومرفوض، فلا حاجة لي لكتاب، أو سنة، أو كتاب مقدس، أو وصايا عشر، أو تسع، أو بأي عدد كانت، فعقلي وضميري والقوانين التي يتبانى عليها الناس ومبادئ حقوق الإنسان التي تمخضت عنها التجربة الإنسانية، هي التي تقول لي ما هو حرام، وما هو مباح، وما هو واجب، وما هو مستحب ومندوب، وما هو مكروه ومستهجن. ألاّ أظلم، ألاّ أزعج الآخرين، ألاّ أتعسف بحرية أحد، ألاّ أمسّ كرامة إنسان، ألاّ أخدش مشاعر إنسان، أن أساعد، أن أعطي، أن أدخل السرور إلى قلوب الناس، أن أعدل، أن أكون رحيما، متعاونا، متسامحا، متواضعا، صادقا، أمينا، مُؤثرا غيري على نفسي عند الضرورة الأخلاقية. هذا كله لا يحتاج إلى قرآن، أو إنجيل، أو توراة، أو سنة، أو عترة، أو نبوة، أو إمامة، أو حيث شريف أو غير شريف، أو رسالة عملية، أو أئمة مذاهب، أو أعلمية فقهية، أو ولاية فقيه، أو حاكم شرعي، أو مُفتِ، أو شيخ، أو قس، أو كاردينال، أو حاخام، أو كاهن، أو أي من هذه التسميات، التي ابتُدِعَت ابتداعا، وتُفُنِّن في إضفاء القداسة عليها.

06/09/2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ترف
ahmed ( 2009 / 9 / 8 - 10:06 )
من اين استمدت هذه القيم الانسانية؟
يابن القرن الحادى والعشرون
مثلك مثل الذى تحصل على الدكتوراة وقال بعدها نحن لسنا بحاجة الى المدارس الابتدائية
لست وحدك يابنى فى هذا الكون
ولن يتم تفصيله على مزاجك
الم اقل لك سابقا بانك اتيت متأخرا
ترف كتاب!!!!!!!!!!


2 - إلى تنزيه
الجوكر ( 2009 / 9 / 8 - 10:45 )
تحيه والسلام وبعد
مايريبك هو مثل قولك عن الحديث للنبي الكريم والإمام
اللذان لم تعرضهما على القرآن لتعلم الحق من الباطل
أما قولك
ولخاطبنا سبحانه خطابا واضحا لا لبس فيه، مُحكَما غير مُتشابه، ولا يكون «مِنهُ آياتٌ مُّحكَماتٌ ... وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ» ولا يحتاج إلى تأويل، ثم لا «يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلاَّ اللّهُ»، أو في أحسن الأحوال «إِلاَّ اللّهُ والرّاسِخونَ فِي العِلمِ»، ويبقى باقي الناس في حيرة، وتخبط، وتجاذب بين الأديان، والمذاهب، والاجتهادات، والمدارس، التي يصل التعارض بينها لحد التناقض أحيانا، ويأتي هنا التكفير والتكفير المقابل فيما بينها، هذا التكفير المتقابل الذي يكون غالبا نتيجته أنهار من الدم.
فالراسخ لم يولد راسخ ولم يكن كذلك من إتباع الغير أوهواه
وما كان رسوخه إلا ثمر للتدبر المستمر في آيات الكتاب وآيات الله تعالى في الكون
فلا داعي للقول بالتخبط والتباكي على أمر الأمة حيث أن الهجر لحقائق الأيات مهجور من زمن النبي الكريم وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون
ففي الحقيقة القرآنيه لا مكان لنشر الدماء إلا لمن إعتدى على الناس وبدأهم العذاب والحروب
لأن الله تعالى وكما يقول
والله يدعو الى دار السلام ويهدي من يشاء الى صراط مستقيم
فبعد أن يحل السل


3 - صحيح
مايسترو ( 2009 / 9 / 8 - 12:35 )
كل ما ذكرته في مقالتك إلى عدم حاجة الانسان إلى نبي أو ما شابه من تسميات،كي يدلوه على ما يفعله، هو أمر صحيح، فاعلان حقوق الانسان الذي صدر في القرن المنصرم يغني عن كل الكتب المقدسة والأنبياء وغيرهم من رجال الدين الآخرين، وما يحتويه اعلان حقوق الانسان هو منتهى الانسانية.

اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah