الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيقونات الانحطاط

جمان حلاّوي

2009 / 9 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الدين / القومية / التاريخ ، ثلاثة مصطلحات أوجدتها البشرية لحاجة ما ، بسبب التفكير البربري الاحتوائي لعدم فهم ماهية الإنسان للإنسان بل فكرة الإنسان عدو الإنسان لأنه يزاحمه في الطريدة والمأوى الآمن والمرأة ، وذلك لعدم التوصل إلى اختراع وسائل إنتاج موارد الحياة وسبل الاحتماء من المجهول الكائد بعنفه المهول ، لذا كان الدين هو المسكـّن والأفيون في قبول ما هو غير مدرك آنذاك .
وجاءت القومية كحاضن لهذا التجمع الأبوي الذي يجمع الأبناء والأحفاد ومن يقاربهم في النسب والدم أمام الأعداء المتربصين بممتلكاتهم وهم من انساب ودماء أخرى طبعا" .
ثم التاريخ الذي يمجد الأب الكبير ( المقتول أصلا" على يد الأبناء الطامعين) ليجعلوه رمزا" وتاريخا" لسلالتهم ..

لذا نلاحظ أن ما يجمع هذه الإيقونات الثلاثة هو قاسم مشترك واحد : الشوفينية والتفرد الأجوف والتعالي المفرط بهمجيته ، والنظر بدونية إلى الشعوب الأخرى ومحاولة إذلالها وإفشالها والتعامل معها بنديـّة .
وكانت وبالا" على التقدم الإنساني ونهضته ، فالدين بجموده الدوغمائي لا يسمح للفكر الإنساني بالتحرر والنهوض ونبذ الخرافة والفانتازيا التي تدخل في كل مستويات الحياة ، وبالتشريعات الفجة في القبول بالمقسوم ؛وان الفقير خلق هكذا وأن يقبل برزقه ،هكذا كتب عليه ، والغني يسرق جهد الفقير ويثري على حسابه ، وهذا ما قدّر له أيضا" . وان الذكر وجب أن يحقـّّر المرأة وينكح ماطاب له منهن ، وأن لا يسمح لها إلا أن تسير خلفه ولا تتكلم في مقامه ، وان لا تخرج رأسها من البيت ولا تذهب إلى الجامعة ولا تمارس حقها الحياتي في الترشيح لأي منصب اجتماعي تطبيقا" للنص : (وقرن في بيوتكن )!!

إن ظهور الدين كان دعما" لتثبيت القبيلة ذات النسب والدم الذي لا يعلى عليه ، وبالتالي القومية حاضنة التجمع السكاني ذو العرق والدم والتاريخ الواحد وما عداه هم من الدرجة الثانية ويعاملون كخدم أو عبيد حين يؤسروا .

امّا ثاني هذه الإيقونات البرّاقة والتي يفاخر بها القوميون هو تقسيم المجتمعات على أساس عرقي عدائي فالقومية الألمانية الآريّة هي فوق الآخرين ..
والقومية الفارسية الساسانية هي الأحق في الوجود وشم الهواء..
والقومية العربية كما أرادها الناصريون والبعثيون هي خير امـّة أخرجت للناس وبذا وجب أن تكون فوق الأقليات الأخرى كالقومية الكردية المضطهدة على مدى العصور، فالقومية العربية وبسبب جهل حامليها اعتبرت بأنها خير امـّة !! في ماذا تميزت هذه الملـّة عن بقية الأمم ؟ وما الذي قدمته للبشرية غير العداء و الإرهاب والعنف والجهل والاستهلاك المفرط للمنتج الغربي إضافة إلى إرسال الطفيليين الإرهابيين ناكري الجميل الذين يتسكعون في حدائق الغرب لدسّ المفخخات !

وأما الإيقونة الثالثة فهي التاريخ الذي يتشدق به العرب بأنهم حاضنة الأنبياء ويا ليتهم لم يظهروا ، وما الفائدة منهم !
وإذا كان ظهور الكتابة لدى العراقيين وما تفاخر بها القوميون بان العرب جنوب العراق هم من اوجد الكتابة والقوانين فأقول لهم أن لا علاقة للسومريين بالشعوب الساميـّة البدوية الغازية التي سكنت هذه المنطقة بل هم شعب مهاجر من أواسط آسيا ليسكن المنطقة الخصبة ضفاف الفرات وليستغل ( أور ) ميناء العراق القديم على الخليج قبل انحسار الأخير بسبب الأطيان الغرينية ليصل حتى وضعه الحالي في الفاو وكما وضحت ذلك الباحثة وأمينة المتحف الفرنسي الوطني ( مرغريت روثن )في كتابها ( علوم البابليين ) :
قسـّم الآثاريون شعوب بلاد مابين النهرين إلى قسمين : أقوام غير سامية أو " آسيويون " وأقوام سامية . أما من الناحية الاجتماعية فقد قسمت هذه المجاميع إلى حضر وهم السومريون الذين أسسوا عدة مدن على الساحل القديم للخليج وفي ضواحي الفرات ، وأما أصل السومريين فثمة آراء كثيرة أقربها يعتمد نظرية الأبراج في بلاد مابين النهرين السفلى لأننا نراهم يعرفون فن البناء بالحجر والخشب ، وهما مادتان معروفتان في المناطق الجبلية ، ويكون السومريون بذلك من الأقوام الآسيوية . أما النصف الساميّ فهم الأكاديون وهم من البدو وهم يسمون باسم عرب باعتبار الجزيرة العربية الموطن الأصلي لهؤلاء الساميين ..
وكما نلاحظ فأن السومريون تلك التجمعات المتحضرة التي نقلت حضارتها إلى العراق من مواطنها الأصلية ليناصبها العرب الساميون ذو الأصول والنزعات البدوية بالعداء وكما تذكر الأستاذة الباحثة آنفة الذكر انه " في الألف الثالث ق.م تم قيام الكيان السومري بتلك الحضارة المعروفة ، لكن ما لبث أن غزاه الأكاديون فأندرس بذلك ذكر السومريين " !!

وبالتالي فالتشدق بالتاريخ الكاذب الملفـّق والذي كتبه الملوك والسلاطين والذين تحولوا من خلاله الى أنصاف آلهة يحكمون بدل الربّ على الأرض هو ليس التاريخ الحقيقي .. تاريخ الشعوب المظلومة التي عانت على مر السنين من الدسائس والحروب الاسرية و المصالح الذاتية ، والتي كانت الشعوب فيها الوقود والحطب ..
التاريخ الحقيقي يكمن في قلوب الناس التي سحقتها سنابك خيول الغزاة والمحتلين والمتآمرين من عوائل بلاطات الملوك والأباطرة والخلفاء المتوارثين للسلطة الثيوقراطية بأسم الدين يباركهم ارستقراطيي الحاشية ليمارسوا سرقتهم لقوت الشعب وبيت مال المسلمين أمام خليفة صغير السن أو شبه معتوه . هذا التاريخ الذي مجـّد الدين وتمجـّد به وتحت خيمة الكيان القومي والأمة التي تشرق عليها الشمس دوما" !!!
انه تمرّغ فارغ قام بتحويل مجتمعاتنا الحالية إلى مزبلة الفكر المنحطّ والذي لا يستطيع النهوض أبدا" من تمرغـّه في الوحل إلاّ بإسقاط الدين وقوميته في هذا الوحل نفسه ، ومحو التاريخ وعدم ذكره .

أريد أن أسأل : هل عمل التاريخ حضارة الشعب الأمريكي مثلا" ؟
إن تاريخ هذا الشعب ابتدأ منذ 1492م فقط ؛ أي قبل 516 سنة لا أكثر حين أكتشف كريستوفر كولومبس القارة الجديدة وكما هو معروف .
إذن لماذا وصلت حضارة الشعب الامريكي إلى هذا المستوى من الرقيّ مخترقة عذرية المريخ نحو المشتري خروجا" من النظام الشمسي نحو الفضاء اللامتناهي ناقلة صوت الإنسان وصوره وإبداعاته في شريط أودي وقطعة من الذهب عن طريق فوياجر مصممة لتقاوم مئات السنين . مخترعة تقنيات التواصل العالمي ، وعلاجات أطالت من عمر البشر، مصنعة معامل إنتاجية عملاقة مستخلصة الهيدروجين والنتروجين النقيين لإنتاج الأمونيا NH3لتثليج ماء المناطق الحارة ( أي مناطقنا !!) ، او دمجها مع ثاني اوكسيد الكربون المصنـّع بنقاء 100% لإنتاج السماد الكيماوي ( اليوريا ) للزراعة ،
مشيدة ناطحات سحاب ، صانعة سيارات ( لولا مخترعها الأمريكي فورد لبقينا على ظهر البعير !!) ولا أنسى ذكر النعمة التي منحها الأمريكي (إديسون) إلى البشرية " الكهرباء " ..

هذا الشعب الذي عرف كيف يخلق حضارة علمية ممنهجة ورصينة، واقتصادا" متينا" يحرّك أسواق العالم والسبب لأنه لم يتعكز على التاريخ ولم يؤمن بضرورته ، ولم يجعل الدين المحرك الأول لحركة الشعب في جميع مستوياته بل مجرد عبارة بروتوكولية على عملة الدولار ( In god we trust ) ، وبالمناسبة فأنا لا امجـّد النظام الأمريكي ، بل احيـّي الشعب الأمريكي الشجاع في خلق وجوده بهذه الفترة القصيرة متخلصا" من ثالثة الأثافي بعد أن تخلص من الدين والتاريخ إلا وهي القومية وذلك بعد حرب الاستقلال من البريطانيين عام 1776م ، وهم من أصولهم !!! وهذا هو أهم حدث في التاريخ الحديث في أن يتخلص شعب من سطوة قوميته ، ووصايتها عليه .
وهو ، وحسب علمي وقراءاتي ، الشعب الوحيد الذي قام بهذا الفعل الجريء والمجيد .

وحين نقارن هذا الشعب المتمدن بالشعوب الأوربية نراها لم تستطع أن تصل إلى ما وصل إليه لأنها بكل بساطة مازالت متمسكة كلّ بقوميته العتيدة وبتاريخ أبطاله الذين هشـّموا أنوف جيرانهم من الشعوب الأخرى!!
لكنها تقدمت على شعوبنا الشرقية بتخلصها من عدو التقدم والتمدن " الدين " ذلك السمّ والأفيون بعد أن قدمت تضحيات من خيرة العلماء إلى محارق محاكم التفتيش سيئة الصيت... لذا كانت انطلاقتها نحو الأفق الحضاري وسع الأحضان .
وتبقى الشعوب الشرقية وبالذات العربية شعوب استهلاكية لا تعرف الإنتاج والاعتماد على النفس ، تستورد نتاج حضارة الشعوب المتحررة الغربية ، ولولاها لبقيت هذه الشعوب تحت خيمة الوبر لا تعرف كيف تصنع آجر واحد للبناء ، وتتنقل بواسطة البعير لا أكثر، وتنام في حر الصحراء وغباره لا تعرف كيفية تكييف الهواء وتبريده ، ولا صناعة الثلج كمنتج بدائي للحضارات المتقدمة ، وتنظر إلى النفط الأسود الذي يخرج من تلقاء نفسه كبحيرة جرباء آسنة لا فائدة منها !

ملاحظة 1 / تعريف الشوفينية من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
الشوفينية فكرة متطرفة وهي التحزب باسم المجموعة التي ينتمي اليها الفرد، وخاصة عندما يتضمن الحزب حقد وكراهية تجاه أي فريق منافس. كأصحاب التمييز العرقي .
بمعنى آخر الشوفينية هي المغالاة في التعصب. ففي حال التعصب القومي و حب الوطن يعتبر الشوفيني وطنه أفضل الأوطان و أمته فوق كل الأمم وخصوصاً عندما تكون هذه المغالاة مصحوبة بكره للأمم أخرى. وقد جاءت هذه الكلمة من اسم نيكولاس شوفان الجندي الفرنسي الذي جرح عدة مرات في حروب الثورة الفرنسية و حروب نابليون و لكنه ظل أبداً يقاتل في سبيل مجد فرنسا ومجد نابليون، وتستعمل الشوفينية حالياً في مجال الاستهجان وعدم الاستحسان وتمثل النازية الألمانية قمة التعصب الشوفيني.
جمان حلاّوي/ اميركا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وما هى الآلية ؟؟
فاتن واصل ( 2009 / 9 / 7 - 19:16 )
الأستاذ والمعلم الفاضل جمان حلاوى .. متعة هى قراءة أبحاثك ومقالاتك بما فيها من منطق هادئ وتحليل غاية فى السلاسة ولكن كلما قرأت كلماتك أجد نفسى أمام مجموعة من الأسئلة وقد تعتبرها ساذجة من ضمنها : ما هى آلية تحقيق سقوط هذه الأيقونات الثلاث وعلى رأسها الدين ؟ وهل يجب أن تصل هذه الشعوب البدائية إلى حدود دنيا فى معيشتها وسياستها ونظمها حتى تثور وتفكر فى التغيير ؟ وكيف ومستويات التعليم فى هذه البلدان فى غاية التدنى وتحكمها أنظمة ديكتاتورية بيد من حديد تحميها أجهزة أمنية قمعية لا تسمح برفع رأس ... متى ترخص دمائنا فى عيوننا فى سبيل شئ إسمه الحرية ؟؟وأى ذل أكثر من هذه الأوضاع لنثور لكرامتنا المهدرة ؟؟ ما أتعسنا


2 - هل كانت عملية الأنصهار بالعنف والغزو ؟
الحكيم البابلي ( 2009 / 9 / 8 - 07:50 )
السيد جمان حلاوي .. تحية وتقدير لكل جهودكم في تقديم المعرفة
تقول إحدى فقرات المقال ( أن السومريين تلك التجمعات المتحضرة التي نقلت حضارتها الى العراق من مواطنها الأصلية ليناصبها العرب الساميون ذو الأصول والنزعات البدوية بالعداء ) ، ثم تستشهد وعن لسان الباحثة مرغريت روثن بأن الأكاديون غزوا السومريون فأندرس بذلك ذكر السومريين
ولي إعتراض بسيط حول هذه المعلومة ، لأنني ومن خلال كل قراءاتي ولأشهر المؤرخين تعلمتُ بأن أقدم تواجد للسومريين كان في الألف الرابع ق.م ، وفي الألف الثالث إخترعوا الكتابة المسمارية . أما الساميون ( الأكديون ) فقد ظهروا على أرض الرافدين بعد السومريين ، وهم قبائل من رعاة الماشية الرحل ، وكانوا قد جاءوا من الصحراء السورية العربية الكبيرة ، وتواصلت هجراتهم الى أرض الرافدين عبر كل التأريخ
وقد عاشت هذه الجماعات المدنية السومرية والسامية ( الأكدية ) جنباً الى جنب ، وإشتركت في الحضارة ذاتها ، وكان إختلافها في النظرة السياسية دون أن يكون بينها عداء أو بغضاء ، وهذا على خلاف ما جاء في مقالك سيدي ، من غزو وعداء بين الطرفين
وبما أن السومريين كانوا قد قطعوا كل صلة بموقع سكناهم الأول الذي لم يتلقوا منه أي دم جديد ، بينما الساميون كانوا يتزايدون عدداً بسبب تدفقهم الى


3 - شكر
سيدة عشتار بن علي ( 2012 / 11 / 24 - 11:07 )
شكرا للاستاذ جمان حلاوي على هذا المقال الاكاديمي الرائع ....استفدت منه كثيرا وارجو ان يقراه اكبر عدد ممكن ....تحياتي لك ولقلمك الرائد والى المزيد من التالق

اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي