الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلَك الوادي وحده.. وما يزال

رابحة الزيرة

2009 / 9 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"ماذا أقول في رجل كتم أعداؤه فضائله حسداً، وكتم أحبّاؤه فضائله خوفاً، وظهر ما بين ذين وذين ما ملأ الخافقين (المشرق والمغرب)" .. كلمة قيلت بشأن الإمام علي (ع) من بعض مخالفيه، قد تختصر بعض الطريق على الحائرين في علي (ع) – لو استُوعبت - ولكنها لا تُنهي جدلاً قائماً ومحتدماً بشأنه لما يثيره أولاء وأولاء من غبار حول شخصيته حبّاً أو بغضاً، فيسيء إليه محبّوه أحياناً أكثر مما يفعل مبغضوه، فـ"عدوّ عاقل خير من صديق جاهل"، كما يؤثر عنه (ع) فيما خلّف من حِكَم بليغة، وخطب مطوّلة، وعهود ورسائل، ومقولات عرفان، أثرت المكتبة العربية والإسلامية بما تضمّنت من علوم ومعارف، وبما وثّقت من تجارب حيّة ومواعظ تؤرّخ لتلك المرحلة الحساسة من حياة الأمة على لسانه (ع).

حُرم كثيرون الاستفادة من ذلك الإرث المعرفي الغزير تنكّراً وتعصّباً حين تعاملوا معه (ع) كإمام خاصّ للشيعة، لا كخليفة للمسلمين أو كمعارض حكيم ووزير أمين، وكناصح شفيق لمن سبقه من الخلفاء الراشدين، بل كملازم لصيق لرسول الله (ص)، وأساء محبّوه إليه حين تعاملوا مع علومه تلك كنصوص للتبجيل والتقديس لا كمناهج للتعلّم والتطبيق، فعهدُه الشهير لمالك الأشتر – على سبيل المثال - يصلح أن يكون منهاج عمل للوزراء والوكلاء والساسة والقادة – كلّ على حدة – بشرط أن يتدارسه أهل العلم والاختصاص من علماء اجتماع وإدارة، وخبراء حرب ودفاع، ومستشارو بيئة واقتصاد.. وغيرهم.

كما تنافر مؤيّدوه ومخالفوه، فقد اختلف في فهم سيرته (ع) موالوه، فمنهم من آثر أن يأخذ بنظرية القطيعة بينه وبين الجهاز الحاكم آنذاك، وبالتالي راح يصوّره بعد وفاة رسول الله (ص) بصورة الولي المظلوم، المسلوب الحق، المعتزل للسياسة، جليس البيت لأكثر من عقدين من الزمان، وهذا ما لا يليق به (ع) لما نعرفه من تاريخه الحافل في الدفاع عن الإسلام وحمل رايته على عهد رسول الله (ص) وبعد وفاته.

بينما أثبت آخرون أنه كان دائم الحضور كمستشار للخلفاء الراشدين من قبله وبالأخص عمر بن الخطّاب، فنقل التاريخ العديد من الحوادث والروايات التي تثبت دوره الإيجابي وحنكته العسكرية والسياسية في المشاركة بتسيير أمور الدولة، يذكرها بعض الشيعة على سبيل المفاخرة، مع أنها تعكس حالة من المشاركة والتعاون فيما بينهما، كمقولة عمر الشهيرة: "لا أبقاني لمعضلة ليس لها أبو الحسن"، وغيرها من حوادث تبيّن حالة من الانسجام والقرب بينهما.

يذكر أن رجلاً شكا علياً إلى عمر، فلما جلس عمر لينظر في الدعوى، قال عمر لعلي: ساو خصمك يا أبا الحسن، فتغيّر وجه عليّ، وقضى عمر في الدعوى، ثم قال لعليّ: "أغضبت يا أبا الحسن لأني سوّيت بينك وبين خصمك؟ فقال عليّ (ع): بل لأنك لم تسوّ بيني وبين خصمي، إذ كرّمتني فناديتني يا أبا الحسن بكنيتي ولم تناد خصمي بكنيته، فقبّل عمر رأس عليّ وقال: لا أبقاني الله بأرض ليس فيها أبو الحسن.

أما كيف انتقلت لنا عبر التاريخ صورة صراع وتباغض أزليّ بين الشيعة والسنة وكأنها وليدة تلك السنين التي أعقبت وفاة رسول الله (ص)، وكأننا بعمر وعليّ نقتدي، سنّة وشيعة؟!

ليس ثمة إجابة سريعة تحلّ هذا الإشكال التاريخي الذي تورّطت فيه أحزاب وسلطات وطوائف وسياسات دول لتنتج الواقع المأساوي الذي تعاني منه الأمة الإسلامية بكل طوائفها، سوى غياب المؤسسات الدينية الواعية والمتجرّدة من إرث التاريخ والطائفة، وانشغال الموجودة في الساحة بالمحافظة على مكتسباتها الذاتية، وسوء استغلالها لمواقعها لخدمة أغراضها الخاصة، وإن كان على حساب أهمّ قيمة في الإسلام وهي الوحدة بين الأخوة في الدين.

فالسؤال إذاً، إذا كان عليّ (ع) يمارس على أقلّ تقدير دور المعارضة الفاعلة والمؤثرة في عهد من سبقه من الخلفاء .. فيراقب، ويسائل، وينتقد، وينصح، ويُستشار، ويؤخذ بمشورته، ويُشارك.. فلم لا تتعلّم المعارضة في بلداننا العربيّة من نهجه القويم، المدروس، وغير المهادن في تصحيح مسار الدولة، حيث أنّه لما عاد للمشاركة بايع وبايع معه أصحابه والهاشميون من بعده.

كما يبدو أنّ المعارضة العربيّة لم تستوعب بعد أنها يجب أن تكون ناطقًا باسم جميع أبناء المجتمع الذي اختارها بكلّ مذاهبه وأطيافه وطبقاته، وبالتالي فعليها أن تقوم بالدفاع عن حقوق كلّ المظلومين، ومحاسبة أيّ من المسئولين، لتمتصّ بذلك غضب شارعٍ يرى في مواقفها الشجاعة متنفّساً عمّا يجول في صدره من رغبة في التدمير والإفساد، فيتراجع ويسكن ويسلّمها زمام أموره لثقته بحكمتها وإخلاصها بتوفير وخدمة مصالحه.. وبنقاء ذات يدها وحبّها لمساكينه.. وزهادتها في الرئاسة والوجاهة والكرسيّ والمال العامّ وأنّها لديها -كما لدى عليّ- مجرّد "عفطة عنز" إلاّ أن تُقيم بها حقّا أو تدفع باطلاً.

الخشية كلّ الخشية، أن لا يبقى عليّ (ع) إماماً لطائفة وحدها بحسب الزعم الدّارج، بل أن لا يبقى إماماً ومقتدىً لأحدٍ بالمرّة، لا لسياسيٍ متحكّم أو معارض ولا لدينيّ متسلّط أو مُعارِض، فهل كُتب على مولانا عليّ (ع) أن يسلك دائماً الوادي الذي لا يسلكه الناس عادةً وبالأخصّ زعاماتها، ليبقى وحيد الدهر مدى الدهر؟!
رابحة الزيرة
جمعية التجديد الثقافية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah