الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع على الماركسية

الاخضر القرمطي
(William Outa)

2009 / 9 / 9
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


يؤكد عدد من علماء النفس وعلماء الاجتماع ان لدى كل انسان ميل الى صناعة اوثانه الخاصة ومن ثم تقديسها واعتبارها مطلقة المعرفة والعلم حتى يصبح بامكانها تحريكه وتقرير مصيره. وهذا الامر لا يقتصر على صناعة الآلهة وتقديس ما يعتقد انه الوحي الذي تنزله على العباد، بل تتعدى هذه الصناعة القدسية الى صناعة اوثان بشرية تصبح بنظر صانعيها مقدسة لا يمكن الشك في ما تقوله او تعتقده. ولن ندخل هنا في تفسير هذه الظاهرة، ويمكن لمن يريد الاطلاع على موضوع صناعة الآلهة وما يعرف بمظاهر الصنمية او الفيتيشية العودة الى كتب من مثل كتا "الخوف من الحرية" لإريك فروم او للكتب الانتروبولوجية وكتب التحليل النفسي لفرويد او فيلهالم رايش...ما يهمنا في الموضوع هو ميل العديد من الماركسيين والاشتراكيين الى التعامل مع الماركسية ومع التراث الماركسي بشكل وثني الهي مقدس، ويتخطى الامر ذلك الى التعامل مع ماركس وانجلز ولينين وماو وستالين وغيفارا وحتى امناء الاحزاب الشيوعية المحلية على انهم اشباه او انصاف آلهة!!
وان كنّا لا نتفاجأ بتعامل انصار التيارات السياسية الدينية الحديثة مع مؤسسي احزابهم او مع منطلقات هذه الاحزاب بنوع من القدسية والجمود، الا ان المضحك المبكي ان نجد ماركسيين يخطون الطريق عينه، ويستعيضون بالدين المتعالي الفوقي السماوي بدين ارضي جديد، ملحد ولكن له انبياءه ورسله وكتبه المقدسة! يصبح الامر اكثر مأسوية عندما يشكل الماركسيون جماعاتهم الخاصة من لينينية وماوية وتروتسكية وديمقراطية وبكداشية وغيفارية وستالينية...الخ ويدّعي كل فريق من هؤلاء انه القيّم على التراث الماركسية وانه الوحيد القادر على فهم الحقيقة الماركسية الصافية، والوحيد القادر على فهم ما قاله ماركس او انجلز او لينين وما ارادوه هؤلاء الاخيرين! وهكذا تتمذهب الماركسية وتتطيّف وتبدأ هذه المذاهب بشتم بعضها البعض وباتهام الآخر المختلف بالاصلاحية والانتهازية والخيانة او بالمغامراتية والتهور والطفولية اليسارية والشللية، ونجد انفسنا امام صورة اخرى للقبلية والطائفية والمذهبية وحتى العشائرية، حيث ان المذهب الواحد ينقسم الى مجموعات وهكذا دواليك...وكأن كل فرقة ماركسية من بين الفرق الـ77 تكفّر الفرق الاخرى وتعتبر نفسها الناجية!!! فليفرح وليغتبط الرأسماليون والاصوليون، فمنطقهم في تفتيت و تقسيم تيارات الطبقة العاملة اثبت جدواه.
قد يقول قائل ان تعدد التيارات الاشتراكية والماركسية دليل على جو الديمقراطية والحوار الذي يسود اوساط اليسار الماركسي بشكل عام، ولا خلاف على ذلك. ولكن المشكلة تصبح انه بدل ان يؤدي هذا الحوار الى خلق حالة ماركسية موحدة تملك برنامجًا مشتركًا قادرًا على ان يطرح كبديل اجتماعي انساني، يصبح هذا الحوار جدالا اطرشًا، وفي كل مرة تجتمع هذه التيارات تعيد النقاشات القديمة حول انتهازية خروتشيف وصلابة ستالين وعمالة تروتسكي ومغامرة غيفارا الصبيانية، وهذا ما نلاحظه في المنتديات الالكترونية مثلاً!. وكما يعيد اهل السنة والشيعة خلاف الامامة واحقية علي او عمر او عثمان نعيد نحن الماركسيين خلاف الامامة والامانة العامة والرئاسة والاحقية في تفسير النصوص والتأويل..كأننا اصبحنا كالشيعة الامامية بحاجة الى مراجع عليا تفتي وتحلل وتحرّم ولكن هذه المرة باسم انبياء ارضيين كماركس وانجلز ولينين وستالين!!!
ان يكون المرء ماركسيًا لا يعني فقط ان يكون ملحدًا ويملك على حد قول لينين "حقدًا طبقيًا"، ان يكون المرء ماركسيًا يفترض ان يملك قدرة عالية على النقد الموضوعي والعلمي، ان يمتلك القدرة على تطوير التراث الماركسي واغناءه، اي بمعنى آخر ان "يغربل الماركسية " دومًا، ان لا يجد في الفلسفة والنظرية الماركسية اداة كلية صالحة لتفسير كل شيء من حركة الذرات على مستوى الكوانتم الى حركة المجرات والافلاك!! على الماركسي ان ينظر الى الماركسية باعتباره دومًا الخلاصة والاداة النظرية والعملية التوجيهية لكل الحركات الاشتراكية والصراعات الاجتماعية الطبقية التي قامت بها الطبقة العاملة في تاريخها حتى يومنا هذا. وباعتبارها تغتني دومًا بما تقدمه العلوم الانسانية والنفسية والطبيعية بشكل مستمر.
ويستطيع المرء ومن حقه ان يكون ستالينيًا او تروتسكيًا او ماويًا او كاستراويًا او يساريًا ديمقراطيًا اصلاحيًا، ولكن لا يتوجب عليه ان يقدس منطلقاته السياسية والنظرية باعتبارها وحدها الصحيحة وان يشتم الآخرون باعتبارهم على خطأ وعملاء او انتهازيين او حالمين مثاليين، بل عليه ان يبحث كيف يمكن في نهاية الامر ان يوظف هذه المنطلقات والآراء في ما يخدم في نهاية المطاف النضال من اجل البناء الاشتراكي الاجتماعي الانساني باعتباره البديل الانساني الوحيد.
فلنكون على الاقل في ما بيننا ديمقراطيين وموضوعيين وعلميين، فان لم نصلح بيتنا الداخلي على الاقل لا نستطيع ان نغيّر العالم ونحقق ما نطمح اليه جميعًا كثوريين ماركسيين امميين.

ملاحظة: يرجى من الرفاق ان يناقشوا كاتب الموضوع حول الافكار التي وردت في هذه المقالة بغية تبيان ما يمكن ان يكون قد غفل عنه الكاتب.
الاخضر القرمطي
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أنصار العقيدة الجامدة
مشارك ( 2009 / 9 / 9 - 02:10 )
هكذا كتب الماويون .
الاشكالية في التحريف وليس في التعدد فالكل مقترن بالرجحان الى كفة معينة وهي اما الرجعية والانتماء الى انصار الرأسمالية أو النتصار لحق المظلومين أي التقدمية


2 - ليس لوقع الكلمة أثر
سفيان ( 2009 / 9 / 9 - 19:24 )
لقد كان الناس وسيظلون ابدا في حقل السياسة أناسا سذجا يخدعون الاخرين و يخدعون أنفسهم ما لم يتعلموا استشفاف مصالح هذه الطبقة أوتلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الاخلاقية و الدينية و السياسية و الاجتماعية . فان انصار الاصلاحات و التحسينات سيكونون ابدا عرضة لخداع المدافعين عن الاوضاع القديمة طالما لم يدركوا أن قوى هذه الطبقات السائدة أو تلك تدعم كل مؤسسة قديمة مهما ما ظهر فيها من بربرية واهتراء


3 - الماركسيون والتشيع
محمد ( 2009 / 9 / 9 - 22:15 )
ان الماركسيين عموما وبدل العودة الى التحليل المادي التاريخي لواقع العلاقات المادية التي ينشئها الناس فيما بينهم، والتي هي الأساس الفعلي لأفكارهم ومعتقداتهم، فانهم يعودون لتعاليم ماركس، لينين، ستالين، تروتسكي، ماو...الخ، لذلك تجد أن اختلافاتهم هي ذات طبيعة عقائدية ومذهبية، وهي بهذا لا شك تتشابه مع الاختلافات بين المذاهب الدينية. فالمتدينون هم أيضا لا يعودون لدراسة الواقع التاريخي الفعلي لنشأة هذا الدين أو ذاك بل انهم يتقاتلون حول تأويل هذه الآية أو ذاك الحديث
فعندما نناقش مثلا طبيعة النظام الاقتصادي الاجتماعي الذي ساد روسيا في عهد لينين أو ستالين أو خروتشوف فان الماركسيين بدل العودة للدراسة التاريخية ومعالجة وقائع مادية فعلية فانهم يقابلون تعاليم هذا بذاك ويحاولون تبرير هذا الموقف باستشهاد من هذا الزعيم...الخ فيكفي مثلا أن لينين قال بتحقق الاشتراكية في روسيا فان ذلك سيكون كافيا للجزم بأن النظام السوفياتي كان اشتراكيا، ويكفي أن ينحرف خروتشوف عن العقيدة اللينينية حتى ينهار كل ذاك البناء، مثلما أن سقوط الامبراطورية الاسلامية كان بسبب انحراف العثمانيين عن تعاليم الاسلام. بدون النظر لما حدث بروسيا بعين المحقق التاريخي العلمي والكشف عن حقيقة تلك الاشتراكية التي يزعمها لينين أو ستالين مثل

اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا