الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرقة الزيدية والحوثيون

محمد سيد رصاص

2009 / 9 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قدَم الإمام زيد بن علي زين العابدين(79-122هت740م)رؤية وسطية في مسألة الإمامة،التي يقول الشهرستاني عنها في كتاب"الملل والنِحل" أن " أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة،إذ ماسُلَ سيف في الاسلام على قاعدة دينية مثل ماسُلَ على الإمامة في كل زمان": كان جواب الإمام زيد متمثلاً في قوله بجواز"إمامة المفضول"(=أبوبكر وعمر)مع وجود"الأفضل"(=عليُ)،معتبراً أن علياً قد ترك الخلافة وبايع الإثنان من أجل"وحدة الجماعة"،لهذا رفض اعتبار خلافتهما"خروجاً"،ولهذا رفض أيضاً قول الشيعة الإمامية بأن الإمامة،مثل النبوة،من أركان الدين ومن شروط الإيمان،مستخلصاً من خلال هذا ضرورة نبذ التفريق بين الإيمان والاسلام.
كان من الطبيعي أن تقود هذه الوسطية إلى موقع ثالث ،بدأ بالتبلور منذ النصف الأول من القرن الثاني الهجري بالتوازي مع التكوُن البطيء والمتعدد الطرق لكل من السُنة والشيعة،ربماكان أحد تجلياته هو تتلمذ الإمام زيد على يدي واصل بن عطاء(ت131)مؤسس مذهب المعتزلة الذي كان ببداياته مرفوضاً من الطرفين أيضاً(مثلاً: أنكر الإمام محمد الباقر على أخيه زيد أن يكون تلميذاً لذلك المعتزلي الذي يقول بمقولة المنزلة بين المنزلتين في الحكم على متجابهي معركتي الجمل وصفين)،لتصير الزيدية بحكم تلك الوسطية ترى - كما يقول الشهرستاني – أمور أصول الدين على"رأي المعتزلة.......وأما في الفروع فهم على مذهب أبي حنيفة إلافي مسائل قليلة يوافقون فيها الشافعي رحمه الله والشيعة".
عملياً،أدى هذا الوضع إلى أن لايكون هناك متابعون زيديون للإمام زيد لافي الأصول ولافي الفروع،وربما كان صحيحاً ماقاله الشيخ بدر الدين الحوثي منذ ثمانينيات القرن العشرين بأن"نسبة الزيدية إلى زيد بن علي هي نسبة حركية وليست مذهبية".أيضاً ،كان من الطبيعي أن يقود هذا الوضع،الذي بدأت فيه الزيدية هكذا مع الإمام زيد،إلى طريقين توزعت الزيدية بحكم وسطيتها بينهما:ظهرت أولى الملامح عن ذلك مع اقتراب أحد أهم تلاميذ الإمام زيد،وهو أبوجارود(ت160ه)،من القائلين بالإمامة،لما رفض قول أستاذه بأن"النص على الإمامة هو بالوصف"لابالتعيين أوبالتسمية،قائلاً بأن هناك"تسمية خفية"،وأن الناس "كفروا" لماقصَروا في طلب الموصوف أوبالتعرف عليه. حصل هذا أيضاً مع الإمام الهادي الذي أقام أول مملكة للزيدية في اليمن بصعدة عام897م،والذي كان أول من حاول وضع قوام مذهبي للزيدية في مجالي الأصول والفروع،حيث يلاحظ عنده اقتراب من الشيعة لمارفض كل حديث نبوي إلاعبر"مرويات الأئمة"ومن جاورهم،وقد أعلن (الهادي)تلك المملكة اليمنية بوصفها امتداداً للإمامة الزيدية المقامة في مناطق الجبل والديلم من بلاد فارس،والتي كان البويهيون قد أتوامنها للسيطرة على مقدرات الدولة العباسية بعام945م متبنين الإمامة الإثناعشرية وتاركين الزيدية،ربما لأن"غياب الإمام"عند الإثني عشرية هو أكثر تناسباً معهم كحكام لبغداد من الخضوع لحكم إمام قائم. في موازاة هذا الطريق،بدأ اتجاه ثاني بالتبلور منذ القرن الخامس عشر الميلادي عند الزيدية نحو الإقتراب من السُنة أولاً مع ابن الوزير اليمني الصنعاني(ت1436م)الذي كان متأثراً بإبن حزم الظاهري وابن تيمية الحنبلي في قولهما بعدم التقيد بأي مذهب أوبالتقليد معتبرين المرجعية في الكتاب والسُنة فقط،وهو ماأكسبه ثورة الزيدية التقليدية ضده وأولهم أساتذته،ليصل هذا الإتجاه إلى الترسخ والقوة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين مع الإمام الأمير الصنعاني (ت1770)وهو من كبار علماء الحديث بين مسلمي عصره ثم مع الإمام الشوكاني(ت1834)،وهو كبير علماء الزيدية وقضاتها بأيامه،والذي لم يقتصر تأثره على ابن حنبل وابن تيمية وإنما امتد عنده للتأثر بأفكار الحركة الوهابية.من هنا،لم يكن خارجاً عن السياق أن يوجد أناس زيديون بعضهم من آل الوزير في (حركة الأحرار) التي تأسست عام1944وهي التي كانت على ارتباط مع زعيم حركة الإخوان المسلمين حسن البنا ومتأثرة بالشوكاني أيضاً قبل أن تقوم بمحاولة انقلاب 17شباط1948التي قتل فيها الإمام يحيى ولكن من دون أن تستطيع اسقاط حكم الأئمة من آل حميد الدين،كماأنه ،وبحكم نفس المسار،فقد كان من غير المستغرب أن يوجد انسان زيدي،مثل الشيخ عبدالله الأحمر زعيم اتحاد قبائل حاشد،على رأس تنظيم(التجمع اليمني للإصلاح)عند تأسيسه في أيلول1990،وهو الذي يشكِل(الإخوان المسلمون)نواته الرئيسية.
لايمكن فهم حركة الحوثيين بدون هذا المسار الثنائي الإتجاه للمذهب الزيدي،والذي استغرق قروناً طويلة من الزمن: أُعطيت الملامح الفكرية الأولى لهذه الحركة على يدي الشيخ بدر الدين الحوثي،وهو أحد كبار علماء الزيدية بالنصف الثاني من القرن العشرين، ثم من قبل ابنه حسين الذي قاد التمرد الحوثي الأول في حزيران2004 قبل أن يقتل في أيلول من ذلك العام:منذ الثمانينيات،خالف الشيخ بدر الدين مشايخ آخرين من كبار علماء الزيدية(=مجد الدين المؤيدي،أحمد الشامي............إلخ)قالوا بأن شرط البيت الهاشمي للإمامة كان من ضمن ظرف تاريخي هو لم يعد قائماً. بالمقابل،اعتبر الشيخ الحوثي أن الشيعة الإمامية هم أقرب المذاهب من الزيدية،وليس السُنة،في اتجاه معاكس لحوالي ستة قرون من حراك غالب على الجسم الفقهي(والاجتماعي)للزيدية،كماأنه اقترب من عقيدة(أبوجارود)التي تقول بالنص على إمامة عليُ،ليصل من خلال هذا إلى رفض صريح لقول الإمام زيد حول"إمامة المفضول"،ثم ليقفز من هذا للقول بأن الإمامة من شروط الإيمان،الذي فرَق الحوثي بينه وبين الاسلام،وهو ماتابعه ابنه حسين الذي أسس(تنظيم الشباب المؤمن)في عام1997قبل أن يذهب لايران، ليعود ويعطي حركة تنظيمه طابعاً شيعياً في مقولات العقيدة،ثم في المظاهر التي كانت غير موجودة عند الزيدية،مثل الإحتفال ب(عيد الغدير)وب(يوم عاشوراء).
السؤال الآن:هل تؤشر الحركة الحوثية إلى قرب انتهاء حالة التعايش في المذهب الزيدي(30% من سكان اليمن الموحَد،و50% من اليمن الشمالي)بين طريقين مختلفين ظلاَ لقرون مديدة من الزمن تحت خيمة المذهب،خاصة وأن هذه الحركة يوجَه تمردها ضد سلطة رئيس ينتمي إلى الزيدية وضد جيش يشكِل الزيديون،الذين هم من صنعاء وحواليها،عصب رئيسي فيه،ليتحول الحوثيون من خلال ذلك إلى حركة ذات لبوس عقائدي جديد على الزيدية هي محصورة ضمن مناطق مدينة صعدة ومناطقها،وهي المناطق التي تعاني تهميشاً في الوظائف والتعيينات والخدمات الحكومية منذ مصالحة آذار1970 بين الجمهوريين والملكيين"المعتدلين" والتي استبعد منها غلاة أنصار الملكية الإمامية في أقصى مناطق الشمال،حيث يبدو ومن خلال مؤشرات عديدة أن الحوثيين امتداد لهم من خلال رفضهم لشرعية ثورة26أيلول1962الجمهورية التي أطاحت بحكم إمامة آل حميد الدين؟.........








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا


.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج




.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف