الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ممارسة الطقوس .. عبادة , أم تراكم مازوخي ؟

جمان حلاّوي

2009 / 9 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



من خلال ملاحظاتي والمعايشة المستمرة تيقن لي أن ممارسة الطقوس الاجتماعية والدينية غير خاضعة لمنهج موضوع ومرصود بوصفها ركنا" عباديا" بل إنها العفوية الارتكاسية في تضخيم ممارسة ما نعتقد وتهويل العواطف في حب المقدس وأولياءه الصالحين حتى تصل إلى اهانة النفس والتجسيم الهمجي للمتوارث المعبود والولي المعصوم في سلوكيات فجّة خالية حتى من السلوك الموضوعي كأن تضرب جبهة الرأس بمسحة السيف او البلطة ، و تمزيق دفة الظهر بالسلاسل (الزنجيل ) أو اللطم المنظم بتلك الحركات الاستعراضية الموحدة (على سبيل المثال لا الحصر).. هذا الإيلام المنفر .
أن تعذيب الجسد لا يدخل في مفهوم الاستعراض التمثيلي للعبادة في تجسيدها بانوراميا" بل هي ممارسة مازوخية في إيذاء النفس بسبب تراكمات مكبوتة قبل الحدث الظاهري الذي أقيمت الطقوس بسببه كواقعة ألطفّ في كربلاء عام 61 هج (على سبيل المثال) حين تخلف أهل العراق عن دعم وإسناد الثائر(الحسين :حفيد محمد ، وابن علي بن أبي طالب ابن عم محمد ونسيبه من فاطمة أم الحسن الحسين) في محنته بل ترك ليذبح مع عائلته أمام أنظارهم .

إن الأمر أقدم من ذلك بكثير فشعوب غرب آسيا وبالتحديد الشرق الأوسط قد عانت من ويلات صراعات دول عظمى آنذاك كان قتالها الميداني وممارسة الاحتلال أساس وجودها في بناء المكوّن الإمبراطوري ( حامل الصفة الربوبية بسلطتها الواحدية المتسلطة وفي التوسع لنشر وتثبيت هذه الربوبية ذات الهدف الاستعبادي التوسعي ) وهما الفرس والروم ؛ المكونان الأعظم المسيطران على العالم القديم ( قبل اكتشاف الأمريكيتين ) بمئات السنين .

هذا الصراع اوجد الأديان المناسبة لكل قطب من القطبين لخدمة أغراضه ، وأضحت الشعوب القابعة بينهما تحت عنف الصراع مشتركة فيه قسريا" في تقديم المؤن والنساء للجيوش الزاحفة مقابل تهدم المدن وانسحاقها في هذا الصراع المرير والأبدي . لذا خلق الإنسان وسط هذا التبجح البربري مكبوتا" محموما" يتصارع مع ذاته في خلق وجوده المحدد وفي المقابل خدمة لأسياده تارة من الشرق وتارة من الغرب .. انه تاريخ حقيقي لم يخلقه الأبطال وأسماء المشاهير من القادة والأمراء ، هو صراع شعوب جمعتهم منطقة واحدة بنيت على أنقاض حضارات سحقت بسبب بربرية العلاقة القبلية بين الأب المقتول أمام الأبناء الشرهين لاحتلال أملاك وأراضي القبيلة ومن ثم التوسع لاستلاب أراضي الجار. وكانت المناطق الوسيطة تحوي شعوبا" فقيرة بثقافاتها مسحوقة اقتصاديا" وخربة اجتماعيا" محطمة البنى التحتية ،غير مستقرة على نظام هيكلي ثابت و مدنية واضحة بسبب حالة الإنذار المستمرة وكما أسلفت .

لذا فقد خلقت هذه الحالة من عدم الاستقرار وعلى مدى قرون طويلة وضحتها الكتب والمخطوطات والمنحوتات شعوبا" مهزوزة غير متكاملة نضجيا" لإيجاد حضارة حقيقية راسخة الأصول تمثلها مثلما أعطتنا الحضارات الأخرى كالصينية و الآشورية أو الإغريقية بل وحتى الفارسية والرومانية .
ومن هذا الاستنتاج نلاحظ وبكل وضوح سهولة توسع الثورة المحمدية شمال الجزيرة العربية ، وكما يذكر أنجلس في رسائله مع كارل ماركس " إن الظهور السريع الذي عرفته مدن ضخمة كنينوى وبابل قد حصل بالطريقة ذاتها التي نشأت بها منذ حوالي ثلاثمائة سنة فقط مدن ضخمة كعجرة ودلهي ولاهور وموتان في شرق الهند نتيجة غزو أفغاني أو تتري .. وهكذا يفقد الفتح المحمدي كثيرا من طابعه المميز "
( كارل ماركس – فردريك أنجلس – المراسلات / المجلد 1 )

فاستغل التوسع المحمدي (والمسمى تاريخيا" بالفتوح الإسلامية) وقتها تخلخل وتناوب الضغوط في المنطقة الواقعة ضمن حركات النزاع الرومي الفارسي والمتمثلة في العراق وبلاد الشام إلى احتلالها بسهولة لا توصف ، ووضع اليد عليها واستغلال سكانها كما استغلوا من قبل ، حيث تحولوا إلى شبه عبيد للمشاريع الاستيطانية لأرستقراطيي عائلة محمد وأنصاره كالزبير وأبناءه ، وطلحة ، وإخوة عائشة في مصر كمحمد بن أبي بكر وغيرهم . واستمرت هذه الشعوب المسكينة ( تحديدا"
شعب العراق ) في خدمة المستعمر الجديد ، وكانت واقعة القادسية في مدائن العراق بين الجيش المحمدي والفرس والذي نتج عن تراجع الاحتلال الفارسي للعراق ليحل محله الاحتلال البدوي البربري من الجزيرة العربية ، يليه الصراع الداخلي بين أطراف الدولة الإسلامية الفتية بين أنصار اليسار متمثلة بالمصلح ( علي بن ابي طالب) وأتباعه من الفقراء والموالي المضطهدين ،وما يقابله من يمين أرستقراطي أقطاعي متمثلا بالزبير وطلحة وزوج محمد العابثة ( عائشة ) !!
" ارجع إلى كتاب الأستاذ أحمد عباس صالح ( اليمين واليسار في الإسلام )/ إصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت "

وكان شعب العراق هو الطرف الثالث المسحوق الذي أهينت أرضه وممارساته الحياتية في هكذا صراعات أنانية منحطـّة .
وكانت معركة صفين والسيناريو نفسه ، ثم الصراعات الداخلية ذات المصالح الشخصية المتوالية وصولا" إلى واقعة ألطفّ بسبب عدم مبايعة الثائر(الحسين بن علي بن أبي طالب) لمغتصب السلطة( يزيد بن معاوية) ،ومطالبته بشرعية كرسي الحكم ،وعدم شرعية تسنـّمه السلطة ، وكانت النتيجة مقتل الحسين البشع مع عائلته وأطفاله الرضع في واقعة طفوف العراق في كربلاء كما أسلفت .

وجاء بعده الاحتلال البربري المغولي ليحطم ويحرق البنية التحتية من جديد ، وتبعه الاحتلال العثماني.. والذي فعل ما فعله قبله...........
ثم الاحتلال البريطاني الفرنسي في معاهدة سايكس بيكو ، وكانت شعوب المنطقة هي الضحية حيث انهارت شخصيتها الوطنية واضمحلت ذاتها في جميع الجوانب بل وحتى في التراث المحلي ، وتخلخلت لغتها الأم بلهجات ولغات متنوعة هي لغات المستعمر وما أكثرها في مفرداتنا ألان
لقد سحقت الذات الوطنية مما جعل استرجاعها الموهوم نوع من البكاء السلبي العاجز عن بناء تلك الذات أمام الصراعات المتوالية .

لذا كانت القاعدة السيكولوجية لذهن الشعب الحاضن لكل هذه الصراعات الغريبة عن أرضه وتاريخه ولغته وتطلعاته والتي حملت جميعها طابع التوسع الاستعماري وفرض الرأي والأحكام التعسفية على حساب أرضه وبنيته التحتية ولغته وثقافاته المحلية هي البكاء على ما ذهب ولم يعد !

هذه التراكمات اللاشعورية المتناقلة بين الأجيال في تأنيب الضمير وعدم حصول الثبات الذاتي للشعب المستغل ( بفتح الغين ) تم تناقلها بصور مجسمة لتحمّل الأجيال عقدة الذنب والذل والتراجع والخنوع القسري وما يصاحبه من إيذاء النفس والجسد تعويضا" أو محاولة لإيجاد متنفس وبديل لذات إيهامية جديدة كتحصيل حاصل وهو بالضبط ما يسمى بالمرض الجمعي المازوخي ..

وقد انتقلت هذه الطقوس الدينية إلى هنا في أميركا بعد هجرتنا نتيجة للحركة الشعبانية الشيعية ضد دكتاتور العراق وحكمه البوليسي لنمارس نفس طقوس الأسلاف في العراق .
فقد نقلنا أزمة الضمير هذه حتى إلى القارة الجديدة , وقد وجدتها في بريطانيا أيضا" ، وفي الدنمارك لكن بشكل ضيق جدا" وداخل البيوت (بسبب عنصرية الشعوب الاسكندنافية ضد العرب ، وكرههم الواضح للإسلام وهم محقين في ذلك حين نقلنا لهم (بعد أن احتضنونا) كل أمراضنا النفسية وإرهابنا ولحانا الشعثاء المنفرة !) متحولة إلى طريقة حياة جديدة باحثة دوما" عن الذات عن الطريق السلبي في الصراخ والعويل واللطم المبرح على الصدر والممارسات المازوخية في ضرب الجسد بالسلاسل أو تجريح الرأس بالسيف أو البلطة إضافة إلى التراث المتناقل المحكي في رد الحيف كقصص البطل المحلي الأسطوري الذي لا يقهره الدرك العثماني والذي ينقذ النساء والأطفال من بطشهم وغاياتهم الجنسية ... الخ ..
بل وحتى الممارسات الحياتية اليومية في الكتمان ، وحفظ التالف من أشياء البيت .. وعدم التفريط بها ، وتخزين المؤن في كل بيت وبشكل مفرط ومستمر منذ أن فتحت عيني في بيتنا العراقي ، والتي لم أجدها في أي من بيوتات الشعوب التي زرتها مطلقا"...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دراسة جيدة تتطلب الابحار بها أكثر .
علي السعيد ( 2009 / 9 / 9 - 23:23 )
كثيرة هي الهزات التي تعرض لها المجتمع العراقي والشرق اوسطي بوجه التحديد , وللفتوحات الاسلامية أثر كبير بقي منذ الف وأربعمائة عام حتى يومنا هذا , باشكالياته وأطره وتقاليده , بنزعاته ونزاعاته ,فقد عانى الشعب العراقي من نزاعات داخلية كانت قائمة على اساس العصبية القبلية او الطائفية أو ماشابه ذلك .اليوم ظهر التنازع الجديد وهو مصبوغ بطلاء طائفي مختلق ومفتعل , وكأن الشعب لا يعوزه من مشاكل وفتن ونزاعات ,بعض من هذا التنازع قد يكون كامنا في اللا شعور ,وبعضها تراكمية بين الفقر والظلم والاستبداد والنزعة الى الحرية , حتى ولو كانت فطرية وغير ملموسه .الدراسة جيدة ياأخ جمان وتتطلب التوسع بها والتدقيق ومحاولة الخروج من النزعات الداخلية اولا وتناولها بروح تنويرية وعلمية . لكني اخالفك من القول بأن الشيعة تمثل اليسار في الاسلام ..! هذا مخالف للحقيقة والكثيرمن مثقفينا قد فندوا هذا الادعاء بشكل موضوعي وعلمي .من أكد على يسارية الشيعة هو الدكتور فيصل السامر وله مؤلف في هذا الموضوع بعنوان ( اليسار واليمين في الاسلام )لاشك أن هناك عوامل عديدة قد لعبت دورها في مثل هذا الطرح , لكن دراسة موضوع الشيعة والسياسة واليسار تبعدنا وتسخر منا في أن نجعل حركة دينية ..انها اليسار . دون أن نكن منصفين وواقعيين .الشيعة لهم


2 - واا علي بن محمدااه
قارئة ( 2009 / 9 / 10 - 04:56 )
أخي الكاتب الكريم , لن أتفرغ للعجب ازاء حذفك تعليقي على مقالك السابق الذي صدرته فقط بالجملة أعلاه , وأرجح أنه التبس عليك صرختي للقائد الكبير وصرخة من حذف تعليقه قبلي والذي استنكرته بدوري . وأزيد بأن صرختي كانت ردا على عبارة وامعتصماه يتشدقون بها دون اثبات تاريخي لها . نعم ! اٍني أعني صرختي جيدا , وأكبر فيك أنك اشرت اٍلى ثورة الزنج , هذه الحركة المضيئة ضد الظلم وأدعم رأيي بما أورده الدكتور كامل النجار _ ثورة حقيقية على الظلم تشابه الثورة الفرنسية في أسبابها ومطالبها وأصبحت منارا لأوروبا بينما تجاهلت كتب التراث ثورة الزنج التي سبقتها _ وهناك مقال ممتاز للسيد المنصور جعفر في هذا الخصوص أيضا . أخيرا أود أن أبلغك اعجابي وتأييدي لمقال الأمس , وأعترف _ وأنا القارئة الممتازة للحوار _ أني أقرأ لك لأول مرة فأنكرت على نفسي ذلك , وجمعت على حالي أن أقرأ اليوم كل ما فاتني من كتاباتك السابقة فاٍذ بي أصدم من قرارك التعسفي أضرب كفا بكف وأقول كم من الكتاب في رزكاريتنا يطويهم الصمت حتى اٍذا التفتنا اٍليهم .... أتوا العجب ! شكرا لكل مقالاتك , متمنية

اخر الافلام

.. هدنة غزة وصفقة تبادل.. تعثر قد ينذر بانفجار| #غرفة_الأخبار


.. إيران والمنطقة.. الاختيار بين الاندماج أو العزلة| #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: اجتياح رفح سيتم قريبا سواء تم التوصل لاتفاق أم لا


.. بلينكن يعلن موعد جاهزية -الرصيف العائم- في غزة




.. بن غفير: نتنياهو وعدني بأن إسرائيل ستدخل رفح وأن الحرب لن تن