الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علم الآثار الفلسطيني القديم ميدانا لعلاقات العرب والغرب-الحلقة الثالثة

ابراهيم حجازين

2009 / 9 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ب-المرحلة الثانية هي المرحلة الأمريكو-إسرائيلية والتي صب عملها في استكمال المرحلة البريطانية وتعميقها من حيث رزع الأسس المادية لإختلاق اسطورة إسرائيل القديمة ممهدة بذلك لإقامة الكيان الصهيوني في فلسطين لكنه تميز عنها بميزتين هامتين، الميزة الأولى تتعلق بعملها المتخصص بأثار فلسطين والخروج بإستخلاصات تدعي العلمية لإثبات وجود عبراني قديم في أرضها أنشأ دولة إسرائيل التي ذكرتها التوراة والميزة الثانية تتعلق بالطابع الثقافي للمجتمع الأمريكي من حيث ارتباطه بأسطورة الخروج كجزء من المكون الثقافي لهذا المجتمع الذي نشأ إثر إكتشاف العالم الجديد وهجرة الأوروبين وخاصة الأنكلوسكسون إلى هناك.
جذور العلاقة بين الصهيونية المسيحية واليهودية بدأت مع المهاجرين البريطانيين الأوائل الذين سموا الأرض الجديدة “أرض صهيون” وسموا المدن الأمريكية الجديدة بأسماء توراتية ودعوا أنفسهم "الإسرائيليون الجدد"، وكسد لتغرة افتقادهم لتاريخ أصيل في أرض العالم الجديد تمثلوا غزو القبائل العبرية لفلسطين بهجرتهم واستيلائهم على أراضي السكان الأصليين فيما عرف لاحقا بأمريكا.إذن نشأت منذ الهجرات الأولى لأمريكا ثقافة يهودية مسيحية كانت الغلبة فيها للثقافة التلمودية العبرية.
وفي السياق الأمريكي يرى المؤرخون بأن تأثير العهد القديم اليهودي (التوراة) في الفكر البروتوستانتي ومفاهيمه بشكل خاص كان كبيرا . فلقد رأى المهاجرون الأوائل لأمريكا أنفسهم الوارثين للكتاب المقدس العبري وتعاليمه.. والتي أصبحت بدورها مكونا من المكونات الثقافية الأمريكية.وكما تبنت الثقافة الأمريكية مفهوم ديني لتاريخ الوجود الأمريكي تبنت أيضا مفهوم ورثوه عن البيوريتان البريطانيين والمتعلق بضرورة تجميع اليهود في فلسطين تعجيلا لقدوم السيد المسيح.
واتخذت الصهيونية غير اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية اساليبا مختلفة، فقام الأمريكيون بخطوات عملية في إطار الغزو الإستيطاني، ففي سنة 1866 قاد القس آدم أكثر من 150 رجل دين بروتستانتي من ولاية ماين للإستيطان في فلسطين، وبعدها بسنة قام سبعون أمريكياً بإقامة مستوطنة أخرى. ويمكن ان نستنتج ان الاهتمام الصهيوني الأمريكي غير اليهودي كان مبكرا، ومن هنا عندما بدا النشاط الامريكي في التنقيب عن آثار فلسطين كان له رصيد فكري ومادي.
كما مثل القس وليام بلاكستون (1841 – 1935) نموذجا أخر عن الصهيونية الأمريكية غير اليهودية فقد ألف هذا القس كتاباً عنوانه: "المسيح قادم" في العام 1878 وهو يدور حول النبوءة التوراتية المزعومة، وقد أسس بلاكستون عام 1887 منظمة سماها: "البعثة العبرية نيابة عن إسرائيل".
إلتقت السياسة البريطانية التهويدية في فلسطين مع التوجهات الأمريكية لدراسة آثار فلسيطين بل وشكلت الأساس القانوني والمادي لها. كانت البداية نشاطات "المدرسة الأميركية للأبحاث الشرقية" التي تكونت من أبرز دعاة علم الآثار التوراتي ،وخاصة عالم الآثار الأمريكي"وليام فوكسويل اولبرايت" William Albrightالذي ترأس في القدس من عام 1919 حتى العام 1936بعثة الآثار التابعة لهذه المدرسة، حيث سميت المدرسة فيما بعد على اسمه، وقد سار إلى جانبه "بنيامين مازار" مؤسس الفرع الإسرائيلي لعلم الآثار التوراتي لاحقا.
7-أعمال البعثات الأمريكية
ركز وليام أولبرايت اهتمامه على المكتشفات الأثرية الحديثة لتدعيم تراث التوراة كما جاءت فى سفر يشوع لإثبات وجود حملة عسكرية قضت على المجتمعات السكانية للفلسطينيين ، ولقد روج أفكار أولبرايت عدداً من الخريجين الذين تبوأوا مراكز مرموقة فى الحياة الأكاديمية فى جامعات الولايات المتحدة. كما سيطروا على المؤتمر التوراتى هو وتلاميذه وخريجوه فأصبح مركزا لترويج أفكاره بهدف سيطرة تلك الأفكار على الحياة الأكاديمية الأمريكية.
لقد اعتمد أولبرايت فى روايته للتاريخ الإسرائيلي على معرفته التى لا نظير لها بالمكتشفات الأثرية فى فلسطين ،وكذلك قراءته للتراث التوراتى، فوجد ارتباطا مباشرا بين الغزو العبري وتدمير التجمعات المدنية الفلسطينية فى العصر البرونزي.
ويقدم أولبرايت تبريرات عنصرية إبادية مأخوذة من التاريخ والتى تبيح إبادة الشعوب الأقل تحضرا وأن ذلك لصالح ديانة التوحيد من جهة ولصالح التطور البشرى من جهة أخرى، ويقدم أمثلة كثيرة ومنها إبادة الأمريكيين للهنود الحمر فى القارة المستعمرة . وهو هنا يخاطب شعبا وقع فى ذات المحظور، وله نفس الاتجاه .حيث يقول :" ونحن الأمريكيين لنا حق أقل من غيرنا فى إصدار أحكام على الإسرائيليين فى القرن الثالث عشر قبل الميلاد حيث أننا قمنا – عن قصد أو غير قصد – بإبادة آلاف السكان الأصليين فى كل بقعة من أمتنا العظيمة ووضعنا البقية الباقية منهم فى معسكرات الاعتقال، فيبدو أنه من الضروري فى أحيان كثيرة اختفاء شعب ذي مستوى متدن إلى حد بعيد ليحل محله شعب ذو صفات متفوقة – كما هو جار الآن فى استراليا – ويستطرد اولبرايت تفسير نظريته العجيبة قائلا:لقد كان من حسن حظ ديانة التوحيد ومستقبل بقائها أن الإسرائيليين الذين قاموا بغزو فلسطين كانوا أقواما همجية تمتعت بطاقة بدائية وإرادة بقاء لا تلين حيث أن الهلاك الذى نتج عن هذا الغزو للكنعانيين منع الاندماج بين الشعبين الأمر الذى كان سينتج عنه حتما انحطاط للقيم اليهودية إلى درجة يستحيل إصلاحها " ويستند إلى الآثار فى الاستدلال على الهدم والهلاك.لكن أولبرايت لا يفسر لنا كيف يمكن لأقوام همجية كالاسرائيليين ان تكون ذات مستوى عقلي متطور قادر على الوصول إلى مرحلة عليا من التجريد لتستوعب مفهوم الإله الواحد كما يعتقد هذا الباحث، إلا إذا كانت هذه الاقوام لا تزال في مراحل أدنى وتعتقد بالآله المتشيئة وهذا تثبته الدراسات الحديثة ،أي ان الاسرائليون لم يكونوا دينيا ارقى من الكنعانيين الذين غزوهم كما تفترض الرواية التي طرحها اولبرايت.
ويستند أولبرايت إلى تأويلاته للمكتشفات الأثرية كذلك فى زعم وجود اختلاف حضاري حاد بين الإسرائيليين الغزاة والكنعانيين يقول : " إن التنقيبات الأثرية تبين أن انقطاعا مفاجئا كان قد حصل بين ثقافة الكنعانيين العصر البرونزي المتأخر وبين ثقافة الإسرائيليين فى بداية العصر الحديدي وذلك فى منطقة المرتفعات الفلسطينية .
ولقد ظل هذا التاريخ المتخيل الذى جاء به أولبرايت يزداد ترددا بين الدارسين والباحثين فى أمريكا أجيالا متعاقبة، ويلقى تأييدا شعبيا واسعا بفضل النشر الواسع له والقبول الامريكي المسبق بهذه الافكار.
أما البرخت آلت فأصدر دراسة بعنوان " حيازة إسرائيل للأرض فى فلسطين " مبلوراً نموذجا لفهم جذور إسرائيل يعرف بنموذج الهجرة لوصف هجرة الإسرائيليين السلمية إلى فلسطين،ولا تزال هذه الفرضية تتمتع بقبول كبير خاصة فى الأعمال الحديثة لعالم الآثار الإسرائيلي إسرائيل فينكشتاين. لكن هذه الفرضية أصطدمت مع المكتشفات الحديثة التي يشير لها الباحث بتاريخ فلسطين عالم الآثار كيث وايتلام، ويقول ويتلام " إن الفرضية القائلة أن إسرائيل كانت مكونة بدو رحل فى طريقهم إلى التمدن قد تم التخلي من عنها فى ضوء المكتشفات الأنثروبولوجية الحديثة التى أظهرت أن الحياة الرعوية هى فرع متخصص من المجتمع الزراعي فى الشرق الأدنى ،لقد برهن الكم المتزايد من الاكتشافات الأثرية فى المنطقة بشكل جلى على أن نشوء المستوطنات فى مرتفعات فلسطين أواخر العصر البرونزي وبداية العصر الحديدي لم يعد من الممكن ربطها بالهجرة الإسرائيلية إلى فلسطين.

اما الباحث في علم الآثار التوراتي رايت يستثمر القاعدة التى قدمها أولبرايت من خلال التدعيم بالآثار للأفكار التوراتية ويقول : إن الحضارة والديانة الكنعانيتين كانتا من أضعف وأحط وأكثر الثقافات اللاأخلاقية التى عرفها العالم آنذاك ،وهكذا فإننا نعتقد أن إسرائيل كانت الواسطة الإلهية فى "تدمير حضارة فاسقة إذ أنه ضمن النظام الأخلاقي للحضارات السماوية يجب تدمير مثل هذا الفجور الفظيع" فإن هناك غاية إلهية من وراء اختيار إسرائيل للقيام بهذه المهمة وإعطائها تلك الأرض وهذه الغاية موضحة فى الوعود الإلهية لآباء إسرائيل.نلاحظ في هذا التحليل أن ما اطلق عليه علم الآثار التوراتي لم يكن تاريخا أيديولوجيا ومزيف فحسب لكن وعنصري أيضا.
قدم رايت هذا الاختلاف لتاريخ إسرائيل فى كتابه الشهير " علم الآثار التوراتية" الذى يشير فيه إلى أنه مع التقدم الكبير والدقة الكبيرة فى علم الآثار فى القرن العشرين أصبح من الممكن التمييز " بين المدن الإسرائيلية الأولى ومدن الكنعانيين الذين لم يتمكن العبرانيون من طردهم. ولقد شارك كل من رايت ، وأولبرايت فى تنقيبات بيت إيل أى بيت الإله.
وجون برايت يؤكد أن الدلائل الأثرية حول تدمير تجمعات مدنية رئيسية فى فلسطين تقود إلى استنتاج أنه من المؤكد أنه كان يوجد انقطاع عنيف قد حدث فى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، مما يقود إلى افتراض أن إسرائيل استوطنت فى البداية فى مناطق المرتفعات قليلة السكان، وفيما بعد هزمت المراكز الحضرية الكنعانية فى السهول. ونموذج برايت فى نشأة إسرائيل يقوم على أن حق إسرائيل فى الأرض يعتمد بشكل أساسى على حقها فى الغزو.
وهو يقول: "فى النصف الثانى من القرن الثالث عشر قبل الميلاد حدث هجوم على فلسطين الغربية وهو ما تؤكده بقوة المكتشفات الأثرية ،ومهما كان هذا الغزو ناقصا فإنه قصم ظهر المقاومة المنظمة ومكن إسرائيل من نقل مركزها إلى هناك ،ولا يوجد أى سبب للشك فى أن هذا الغزو كان كما هو موصوف فى سفر يشوع ،عملية وحشية دموية ،لقد كانت هذه هى حرب يهوه المقدسة التى سوف يعطى فيها شعبة أرض الميعاد .
عالم الآثار الإسرائيلي الدكتور غابي بركاي، يعتبر ممثلا مخلصا لهذا المنهج في الآثار الذي اختطته المدرسة الامريكية حيث يمزج السياسي بالأيديولوجي معتمدا جغرافية التوراة، كمرجع مقدس . بركاي استمر بشكل دؤوب متمسكا بمنهجه، وقدم تفسيرات عديدة لاكتشافات أثرية تناسب منهجه الأثري والتأكيد على الحق اليهودي في فلسطين.وتحول إلى نجم في عالم الآثار التوراتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يكون قانون -الحريديم- في إسرائيل سببا في إنهاء الحرب؟ | ا


.. فيليب عرقتنجي ولينا أبيض: رحلة في ذكريات الحرب وأحلام الطفول




.. مصر: مشروع قانون الأحوال الشخصية.. الكلمة الأخيرة للمؤسسات ا


.. هآرتس: استعداد إسرائيل لحرب مع حزب الله بالون أكاذيب




.. إسرائيل تؤكد على خيار المواجهة مع حزب الله وواشنطن ترى أن ال