الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديانات....مرض الإنسانية المزمن

قاسم السكوري

2009 / 9 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ان ظاهرة التدين ظاهرة بشرية بلامنازع,ولايمكن من الناحية التاريخية تحديد تاريخ تقريبي لبدأ تدين الإنسان.وحتى النظريات المتداولة حول الدوافع التي حملت الإنسان في العصور الغابرة على اتخاد آلهة للعبادة,و حول أشكال التدين البدائي,و رغم جدية هده النظريات,الا أنها وفي الكثير من التفاصيل تبقى مجرد فرضيات, بالنظر الى التمايز الدي يطبع الضاهرة كما لوحظ لدى مختلف الجماعات البشرية.لكنها بالمقابل تبرز المجهودالمبدول لفهم واحدة من أكبر الضواهر غرابة في الوجود الإنساني فوق كوكب الأرض.لقد أصبح مؤكدا أن جل الجماعات البشرية عرفت أنماطا من التدين و اتخدت لها آلهة ومارست طقوسا تعبدية.علاوة على دلك لوحظ لديهاارتباط وثيق بهده المعتقدات.يتعلق الأمر بكل الجماعات التي استوطنت العالم المعروف تاريخيا بمراكزه الحضارية الكبرى( البحر المتوسط,الشرق الأوسط,الهند,الصين...),التي أنتجت و أبدعت ثقافات مميزة ونسجت أنماط عيش متطورة بفضل الإكتشافات و الإختراعات الخلاقة,أو تلك الجماعات الكبرى نسبيا التي اكتشف الأربيون وجودها على قارات عملاقة كأمريكا و أستراليا وحتى تلك الجماعات الصغيرة المعزولة والمشتة في الجزر والأرخبيلات وسط االغابات و في قرون الجبال,.بل ان هده المعتقدات شكلت الخلفية الكبرى لنظمها الإقتصادية و السياسية ولسلوكها الإجتماعي العام.في السياق نفسه يلاحظ أن الضاهرة الدينية اتسمت عموما بالتعصب ,خاصة لدى الجماعات الكبرى ,وان المعتقدات كانت محورا لصراعت دموية ضارية سواء لدى جماعات وفرق الدين الواحد أوبين الديانات المستقلة.كل دين يستعدي الديانات الأخرى و يحط من قيمتها ويسعى لإخضاع أتباعها سواء باللين أو بالقوة,رغم أن القوة هي التي حسمت جل الصراعات و كانت وراء تحول الناس قسرا من دين لأخر قبل أن يتشرب المتحولون الدين الجديد ويبدؤون بالتعصب له و اعلائه فوق كل الأديان بما فيها دين الأجداد.و جدير بالملاحظة أن الإنسان قديما عاش في وحدات بشرية صغيرة لحاجته الى كيان اجتماعي لأنه بطبعه لا يحس بوجوده وبأهمية هدا الوجود الا داخل الجماعة , رغم الصراعات التي تخترقها.لقد كان طموح الإنسان الدائم هو التوسع لوضع موارد العيش الطبيعية تحت سيطرته وفي كل محاولة كان يصطدم بمقاومة الجماعات الأخرى سواء تلك التي تضاهيه عدة وعددا أو تلك التي تفوقه وتستقوي عليه ومن تم تجبره على الهزيمة و التراجع.هكدا وعبر تجربتة الخصبة وميولاته الطبيعية اكتشف الإنسان حاجته الى قوة يستمدها من داته,فلم يكن من الصعب عليه ادراك أهمية القوة العددية كما أنه لم يخطئ بدكائه البدائي حاجته الى الوسائل التي تؤمن هده القوة.هاتين الملاحظتين لم تتفتقا داخل دهن انسان عبقري فرد في مكان ما من العالم,بل هما نتيجة منطقية لألاف التجارب والمواقف التي عاشتها جميع الأعشاش البشرية الهائمة على وجهها بحثا عن مصادر الحياة الضامنة للبقاء في شروط لم تكن سهلة بتاتا.انه لمن المؤكد أن سلوك الإنسان الأول اتسم عموما بالعنف والهمجية,فكلما كانت التجربة العقلية ضعيفة,كلما كانت ردود الفعل الأولى للبشر اتجاه المواقف العدائية او الملتبسة هو العنف.هده الملاحظة يمكن رصدها في السلوك اليومي للبشر حتى في عصرنا الحالي.انه الميل نحو العدوانية التي حكمت على الإنسان قديما-و حتى الآن-بأن يغرق في صدامات دموية دائمة تخلف قتلى و معطوبين وعلاقات اجتماعية غير متكافئة تؤسس لاستأساد الأقوياء على الضعفاء وتكرس البطش والإضطهاد وسط الجماعة.هده العناصر مجتمعة أدت بلا شك الى شيوع مرض الإنقسامية وسط الجماعات البشرية الصغيرة أصلا.هدا الأمر كان يعاكس الميل الطبيعي للبشرنحو اكتساب القوة والمناعة المستمدة من كثرة الجماعة وكان أيضا يقلص حظوظه في البقاء على الأرض.انها المعادلة المستحيلة التي يبدو أنها أشعلت الأسئلة الحارقة في دهن الإنسان.و بصرف النظر عن المدة الزمنية التي استغرقها الإنسان للإجابة عن هكدا أسئلة و عن العوامل المتداخلة التي تكون قد حفزت أو عطلت هده الإجابة, فانه من الصعب علينا انكار الدور الدي تكون المعتقدات الدينية قد لعبته لفائدة هده السيرورة.لقد كان العقل البشري يراكم الإجابة ,و شيئا فشيئا كانت بعض عناصر هده الإجابة توضع تلقائيا قيد الممارسة, لتقيم الدليل على الحاجة الى اجابة كاملة.هكدا أدرك الإنسان أخيرا الحاجة الى عنصر خلاق يسكن الضمير الجمعي للجماعة و يهدب سلوك أفرادها فجاء الإيمان بالقوى الطبيعية و الفوق طبيعية باعتبارها قوى جبارة تفوق قوة البشر وتتحكم في مصائرهم.انه مزيج من الأحاسيس المتضاربة:الإطمأنان و الخوف في نفس الآن.و مند دالك الوقت اصبح لزاما على الجميع أداء واجب الخضوع و الإدعان للمعبود,كما أن على الجميع أداء مرا سيم وطقوس تعبدية للتعبير عن دالك الخضوع.مند الأن لم يعد الفرد فرد بل عنصر داخل جماعة لها معتقد يوحدها ويميزها عن باقي الجماعات.هكدا وضعت الحدود ورسمت دوائر النفود.الجماعة اصبح لها قانون أساسي تبني عليه تماسكها مما يعني في التطبيق منع العصيان.و كل مغامر سيلقى به خارجا بلا رحمة,اما تنهشه الوحوش أو يقع في الأسر و يتحول الى عبد يشقى لينعم الأخرون.ليس من السهل على الإنسان أن ينتج فكرة عظيمة كهاته, لكن الأفكار العبقرية عندما تصبح جاهزة تأسر عقول الناس بسهولة و تمارس عليهم أقصى درجات الإستيلاب.و مند دالك الحين لا يعود من السهل نزعها من حياتهم.لقد حارب الإنسان طويلا ليصنع الآلهة,لكنه ما ان اطمأن لوجودها بقربه و في عالمه المحسوس و المتخيل حتى انطلق في حروب غير متناهية للدفاع عنها بغية الحفاظ على المنافع السخية التي يجلبها وجودها وسطوتها على عقول أفراد الجماعة.هدا ومند آلاف السنين وحتى الآن ,لازال المؤمنون بمختلف الديانات,ينتابهم التعصب لمعتقداتهم و يرمون بعضهم بالكفر و الزندقة.و ادا كان لتطور الدكاء البشري بالغ الأثار الإيجابيةعلى جميع مناحي الحياة مما قوى حظوظه في البقاء فان الإنسان لا زال في عمر الطفل بالنسبة لتجربته الدينية مما يهدد بتقويض منجزاته فوق كوكب الأرض.لقد تحسنت ظروف حياة الناس الى أبعد مما يمكن ان يجول بخاطر اي انسان حتى في العصور الحديثة لكن التجربة الدينية للإنسان لازالت عند نقطة الصفر:الحاضر يشبه الماضي السحيق ويتفوق عليه في الإنحطاط الناجم عن الهوس الديني.في الماضي كان الناس يقدمون أعز ما يملكون كقربان للآلهة و كان الطغاة يسوقون بني جلدتهم الى المدابح في طقوس مأساوية,اما اليوم فان المؤمنون المتعصبون لا يكتفون باهراق دماء الأبرياء ,بل ينتشون أكثر بتقديم أرواحهم فداء للآلهة.لازال الدم يلحق بالدم في مسرحية أبطالها حائرون و مرعوبون من شيئ مجهول.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مبروك
mazin ( 2009 / 9 / 13 - 11:11 )
الأخ قاسم المحترم
تحية طيبة
بما ان مقالك هذا هو الأول على صفحات الحوار المتمدن،لذا رجوته ان يكون بقطع أصغر يتقدم كل قطعة أو فقرة أسم يخصها، ليكون أسهل على القارىء متابعتها،فالمقال يكون مملا(عفوا للتعبير) عندما يكون قطعة واحدة وبحجم الخط هذا .
مقال جيد وارجو لك التوفيق
تحياتي


2 - طوطمية عصرنا الراهن
وسام هاشم أحمد ( 2009 / 9 / 13 - 19:13 )
هذا المقال ومقال -الطوطمية الرائعة وأشياء أخرى بغيضة- يكملان بعضهما إلى حد بعيد، وإن كان مقصودهما البحث في آلية نشوء الأديان ومبعثها البشري، منذ بدأ الإنسان يجدّ في البحث عن القوى التي أرادها أن تكون حاميته ومنقذته من المخاطر التي كان يتعرض لها من قوى هائلة أكبر منه وأشرس، ومن ظواهر الطبيعة التي لم يستطع إدراك كنهها إلاّ في زمن متأخر، بعد أن لاص في وحول الديانات الخرافية، خالقا أساطيره الخاصة المؤسسة، بحيث صار من الصعب، وإن لم يكن من الاستحالة، الانفكاك من ربقة عبوديته لها، وخضوعه لما أسسه في مرحلة من مراحل كان العقل فيها يحبو حبواته الأولى.
وهكذا كانت الفترة الطفولية التي أسست لنشوئه ووجوده على هذه الأرض، ما تني تواصل الحض على استسلامه لربقة العبودية تلك، وإن استطاع بوعي الخبرة والتجربة الإنسانيتين التخلص من الكثير من محبطات الانطلاق نحو الحرية، حرية العقل في التأسيس لوعي مضاد، وعي الضرورة وهي تطلق في فضاء الوجود الإنساني كامل أشكال تنظيمه المجتمعي والدولتي، بعيدا عن سلطة الكهنوت الديني، وهو يمارس أحط ما في النوازع البشرية من صبوات التسلط والاستبداد الهيمني، باسم آلهة مفترضة، هي أبعد ما تكون عن الوجود المادي المتجسد، بل هي إلى الطوطم أقرب وإلى الطوطمية كمعتقدات بموجبها مارست سلط


3 - بداية الغيث
اوشهيوض هلشوت ( 2009 / 9 / 13 - 21:01 )
شكرا السيد سكوري على هدا المقال العلمي الرائع بارضيته الأنتربولوجية اتمنى ا ن لاتبخل علينا بالمزيد
خصوصا-ادا صدق حدسي- وانا اعرفك واعرف تكوينك الجيد مند سنوات الثمانينات في جامعة فاس
تحياتي الخالصة

اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa