الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة ديكارت ... مابين السقوط والتساقط

هيبت بافي حلبجة

2009 / 9 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في إطروحاته الفلسفية ، يجزم ديكارت وجود جوهرين مستقلين تمام الإستقلال ، منفصلين كل الفصل ، الأول يتمتع بخاصية الإمتداد ، والثاني بخاصية اللاإمتداد ، الأول هو الجسم ، المادة ، الثاني هو التفكير ، الفكر . وهذا الفصل أو الإستقلال الذي هو إنطولوجي ، لا غنوصنولوجي لايستحق أي خاصية في ذاته ، أو لذاته ، أو لأجل الآخروي ، إنما هو إستدراك سكولائي من قبلنا ، أساسه شرخ وجودي ما بين الماهيتين ، كيلا نقول وجودين ، لإن الإمتداد ينطوي على مقاربة ما بين الوجود والوعي ، أطرافها الفعليين ، تابع ومشتق ، وكإن الوعي هو مركب ذهني للوجود . فالوجود هو جزيئية في التصور الديكارتي يقابل ، يعاكس الفكر دون أن ينتهك حرمة ذلك الشرخ أو الفاصل ، لهذا السبب إرتأينا أن نضفي عليه سمة تبرز المضمون الموازي للعلاقة ما بين الوجود والفكر . إلا إن الطرح الديكارتي لايمكث في هذه الحيثيات بل يتعاشق مع مستوى آخر ، فهو يعتقد إن فوق هاتين الماهيتين ، ماهية أسمى وأرقى ، وهي الرب المسيحي الذي أودع الروح في الجسد . هذه الرؤية الديكارتية تسلب حد المألوف في الإستدلال والإستنباط ، لتضفي على تصوراته مداً من المثالية ، لكن على الطريقة الديكارتيه ، فالإمتداد جوهر مفارق للفكر وللرب المسيحي ، والفكر جوهر مفارق للإمتداد والرب المسيحي ، وهذا الرب الذي هو متعال عن الماهيتين يزرع الروح في الجسد ، مع مضاربة وهي إن الجسد يتأقلم ويحتضن قوانين الروح ، كما إن هذه الأخيرة تماثل قوانين الجسد . وهذا الثالوث ، الفكر ، الوجود ، الرب ، يتغاير في الحد ، كما يتفارق في الدرجة ، فالرب كوجود لامتناه متكامل ، موجود في أذهاننا بصورة أكثر واقعية ، لذا يمنح المصداقية واليقينية لوجودنا ( لبونيادنا ) ، ولمعرفتنا ، ولإنه الكمال المطلق يستحيل عليه أن يخدعنا . والفكر ، كماهية ، لايسبق الوجود كما قد يتوهم البعض ، وهو أجلى وأوضح منه ، بل هو الذي يدلل على حيثياته ، وعلى كائنيته ( أنا أفكر إذن أنا موجود ) . من هنا يعتقد ( بضم الياء ) إن المسألة الأساسية في الفلسفة ، أيهما سبق الآخر الوعي أم المادة ، لاتدق ( بضم التاء ) لدى ديكارت ، إلا إن هذه المسألة ضعيفة ، ومسلوبة ، فالوعي لايتطابق مع الفكر لدى ديكارت ، كما أعتقد كل المفكرون والباحثون ، لإنه تابع للوجود ، لذا إذا ألتزمنا بالعلاقة ما بين الفكر والوجود لشاركنا الآخرين في رؤيتهم ، إن المسألة الأساسية في الفلسفة لاتدق ، لكن إذا أخذنا العلاقة مابين الوجود والوعي محمل الجد ، لخلصنا إلى أسبقية الأول على الثاني ، وبالتالي المسألة تدق . هذه المعضلة التفارقية ، آساسها ومردها في الفعل ، إشكالية في ذهنية ديكارت ، الذي ينتقل من مستوى إنطولوجي إلى مستوى إبستمولوجي ، وبالعكس ، دون أن يستنطق ما بين الحيثي والعيني ، ما بين الموضوعي والذهني ، ما بين الواقعي والتجريدي ، ودون أن يدرك إن تلك الأقانيم الثلاثة ، الوجود ، الفكر ، الرب ، غدت ثلاثة أنواع من الوجود الأولي الموازي للماهية الأولى ، وجود – ماهية الفكر ، وجود – ماهية الوجود ، وجود – ماهية الرب ، حيث لاوشائج بينها ولاشعيرات فكرية إلا بإرادة من ديكارت نفسه ، ودون أن يعي تمام الوعي الأبعاد الخفية والفعلية لمقولته ( أنا أفكر إذن أنا موجود ) ، تلك الأقنومة التي لامندوحة من رؤيتها ضمن ثلاثة متوازيات لنتأكد هل مقولة الشك هي راديكالية جذرية ، هل هي إنطولوجية ، هل هي إبستمولوجية ، هل هي سمة الوجود أم سمة المعرفة . المتوازي الأول : يشك ديكارت في وجودة ، في أناه ، في الأنت ، في الهو ، في الطبيعة ، في الآخر ، في معرفته ، ليؤكد إنه لايمكن الوثوق بشيء ماخلا هذا الشك نفسه ، فكل مايحايث للعيان قد يكون على غرار أو شاكلة أخرى ، فنفسه قد تكون إيماءة من روح خبيثة ، وجسده إحساس منها ، لكن بالتضاد ، فإن هذا الشك لايمكن الشك به ، وبما إنه يشك ، فهذا يدلل على ذاته الشاكة ، ذاته المفكرة ، وبالتالي على وجود ها . المتوازي الثاني : يقول ديكارت ( أنا أفكر .... ) أنا في الظاهر هي الضمير المتكلم ، في الفعل هي أنطولوجية الوجود . وأفكر ، في الظاهر هو حركة المضارع ، في الباطن هو موسوم الوجويا ولايمكن له إلا أن يرضخ للواسم ، وسبب هذا الإستنتاج هو إن ديكارت يحدد القضية على أساس هو من يشك ( يفكر ) ، بل يذهب أبعد من ذلك ، إن من يفكر هو هو ، أي ديكارت ، لإنه لايمكن الوثوق بالشك الآخروي ، أو على الأقل لايمكن الإرتهان عليه ، أو بتعبير آخر لايمكن الإنطلاق منه . المتوازي الثالث : هذا الشك ليس تهديمياً ، فديكارت لايحتسب ريبياً ، كما إن هذا الشك ليس منهجياً ، كما إعتقد معظم الفلاسفة والمفكرون ، فهو منزلة ما بين منزلتين ، وقد يستغرب الكثيرون هذا الإستنباط ، إلا إن الموضوعة في غاية اليسر ، فديكارت يود إن ينطلق من قاعدة أولية حوهرية ، يؤمن بها إيماناً أكيداً ، ليؤصل عليها منظومته الفلسفية التي منطوقها وأبعادها هي خارج مضمون الشك ، فمن جانب ، شكه ليس وجودياً ، ولا نافياً سالباً على طراز الريبيين ، لذلك هو ليس نهديمياً ، ومن جانب آخر ، هو لايستعمل الشك كطريقة ميتودولوجية ، ولايعتمد عليه لبناء صرحه الفلسفي ، إنما يستفيد من محتواه ليثبت وجود ذاته المفكرة ، أي وجود ديكارت نفسه . ومن هنا تحديداً ، يمكننا أن نتقدم بجملة إعتراضات تقوض أساس صرحه الفكري . الإعتراض الأول : يجزم ديكارت إن الفكر لا التجربة هو أساس المعرفة اليقينية ومصدر مصداقيتها ، وإن مبدأه ( أنا أفكر إذن أنا موجود ) لايتجلى إلا على ضوء الحدس العقلي ، فالمسلمات الأولية الفطرية تابعة رياضية للعقل ، ولاتخضع في يقينيتها لا للتجربة ولا للحواس . قد تكون هذه القضية صحيحة بصورة جزئية ، فيما لو أكد ديكارت إن الفكر هو أس الوجوديا ، وإن العقل هو كاشف الفكر ، لكننا ندرك إن الموضوعة هي على النقيض تماماً ، فهو لم يثق بالفكر إلا بعد أن وثق بالشك ، ولو حذفنا محتوى الشك من فكره ، لألتغت الفكرة والمبدأ من الجذور . هذا من جانب ، ومن جانب آخر ، هو ، في الفعل ، لاينطلق من الشك كمفهوم يخص الفكر ، إنما زعم إنه يشك ، وشكه يقين لايرتقي إليه الشك ، فهو إذن يفكر ، وهذا يدل على الذات الشاكة ، إذن هو ، أي ديكارت ، موجود ، فأين هو الحدس العقلي في هذا التصور!! . الإعتراض الثاني : لو تفحصنا مقولة ديكارت ، أنا أفكر إذن أنا موجود ، من الزاوية الفلسفية المحضة ، لأدركنا إنها مصادرة على المطلوب ، لإنه يفترض أنا كوجود ويبرهن عليها كوجود ، إذ حينما يقول ديكارت ، أنا ، فهل ثمة أدل على وجوده منها ، أي بمعنى إنها أنطولوجية ذاتها ولذاتها، وما يتبعها لايمكن إلا أن يكون جزءاً من تلك الأنطولوجية ، كما إن التابع ، في هذا المقام تحديداً ، لايبرهن وجودية المتبوع ، ولا يحايث ماهية خصائصه ، إنما هو المتبوع الذي يكشف عن المعنى ( الإبستمولوجي ، الأنطولوجي ) للتابع ، وإلا أعتبر ( بضم الهمزة ) الثاني تخارجياً عن الأول ، وهذا خلف . الإعتراض الثالث : في أساس مقولته يرتكب ديكارت مغالطة جسيمة ، إذ ينتقل من مستوى الفكر إلى مستوى الوجود ، وهما ، في الفلسفة الكلاسيكية والديكارتية ، مستويان متقابلان لايلتقيان ، وهذه النقلة تحتسب ( بضم التاء ) نقيصة تعتور منبع فلسفته ، وهو يدرك خطورة هذا الإنزلاق بدليل إنه يفترض أزليتهما وإستقلاليتهما منذ البداءة ، ويعتبرهما ماهيتين منفصلتين إلى جانب ماهية الرب المسيحي ، لذا يتحايل على المنطوق من خلال ، أولاً ، إستخدامه الضمير المتكلم أنا لنزع وسم الإطلاقية عن الفكر والوجود ، وثانياً ، إضفاء الذاتي على القضية ، وتحديداً ذاتيته ، أنا أشك أنا أفكر أنا موجود ، كما لو إن ديكارت نفسه هو من ينتقل من المستوى الأول إلى المستوى الثاني ، لكن بجواز سفر مزور . الإعتراض الرابع : لندقق في مسألة محتوى الشك مرة أخرى بعيون ناقبة ثاقبة ، فهو كمفهوم ، في هذا المجال ، لايقدم ولايؤخر شيئاً على المستوى المعرفي بعكس ما أعتقد ديكارت ، مثله مثل اللامديونية واللادائينية أو الصفر الرياضي ، فاللامديونية لاينفي ولايثبت الإمتلاك ، كما إن الصفر الرياضي لايثبت السالب ولاينفي الموجب ، وهكذا حال الشك ، فهو لايلغي العلاقة ما بين المحمول والموضوع كما لايثبتها ، ولايضفي شيئاً على شيء ، ولا ينزعه عنه ، لإنه ، بكل بساطة مفهوم إعتراضي . الإعتراض الخامس : يؤكد ديكارت إن ماهية الرب على درجة من الصدق والصراخة ، تتخطى الحد الإعتيادي في التصور البشري ، لتمنح المصداقية واليقينية لمعرفتنا ولوجودنا ، ولطالما هي كذلك ، حسبه ، فلماذا إعتاز إلى منطوق الشك ليثبت يقينية معرفتنا ووجودنا ، ولماذا شك أصلاً ، أليست هي قادرة على تبديد وإهراف كل ريب وإرتياب ، ولماذا لم تأتلف مبادؤه على ضوء هذه الماهية ، ولاسيما إن هذه الأخيرة لاتخدع لإنها الكمال المطلق !! . الإعتراض السادس : على المستوى الإبستمولوجي ، يؤمن ديكارت ، في منهجه ، بالحدس والإستنباط وقواعده الجوهرية ( البداهة ، التحليل ، التركيب ، الإحصاء ) ، ليزعم إن القاعدة الأولى ، من فرط وضوحها وجلوها ، يستحيل الشك في يقينيتها . ومادامت هي كذلك ، أفلايتناقض هذا مع زعمه ، إنه يمكن أن يشك في كل شيء ماخلا شكه هو ، ولماذا لم يقل بالحدس العقلي ، إنا أفكر إذن أنا موجود ، مباشرة دون الإعتماد على محتوى الشك !! ثم هل ثمة بداهة أصرخ وأوضح من كائنية الوجود بغض الطرف عن تعريفه ، وعن محتواه !! . الإعتراض السابع : إن جوهر مقولته ، أنا أفكر إذن أنا موجود ، لايتسق ولايستقيم مع طبيعة العلاقة ما بين الأقانيم الثلاثة ، الفكر ، الوجود ، الرب ، وأعتقد إنها زائدة ، إذ ليس لها من مسوغ ولامبرر ، هذا وإلى جانب إن هذه الأقانيم الثلاثة التي تمثل كنه ولب وغياهب صميم نسقه الفكري ، لاتتأثر لامن بعيد ولامن قريب ، بوجود أو غياب هذه المقولة ، لذا يمكن الإستغناء عنها برمتها ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سبع إعتراضات !!!!على فلسفة ديكارت
ج ح ( 2009 / 9 / 13 - 20:05 )
أستاذ هيبت 7 إعترضات على فلسفة ديكارت--- ما بين السقوط والتساقط ---شكر ا لمجهودك ....طيٌب ألا تأتينا ببديل!!!!أي ببحث موضوع (((ما بين السقوط والتساقط ))) ويحظى على إرضاء الجميع، وهل هذه الإعتراضات هناك من يوافقك عليها من المفكرين بمستوى ديكارت

اخر الافلام

.. أحداث قيصري-.. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟ | المسائية-


.. السودانيون بحاجة ماسة للمساعدات بأنواعها المختلفة




.. كأس أمم أوروبا: تركيا وهولندا إلى ربع النهائي بعد فوزهما على


.. نيويورك تايمز: جنرالات في إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار في




.. البحرين - إيران: تقارب أم كسر مؤقت للقطيعة؟ • فرانس 24 / FRA