الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتماءات لامنطقية

جمان حلاّوي

2009 / 9 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لم يزل مجتمعنا ينوء تحت ضغط الوهم القبلي والعشائرية البدائية في سطوة الأب رأس القبيلة على العائلة , الرمز البدائي الذي تعلو سلطته وسطوته على الرموز العائلية ، فالعائلة هي الشرخ الثوري داخل القبيلة حين ظهور الصناعة الريفية من منتج الأرض من الأعناب والفواكه وحبوب عباد الشمس لتعصر وتخمر وبذا اقتطع كل ابن من أبناء رأس القبيلة من ارض القبيلة نفسها لتكون مسكنا ومصنعا له جاعلا من نفسه عائلة مستقلة وندا" للعوائل الأخرى من إخوته لتتحارب ثم لتتحاور فيما بينها للتنسيق في أمور التجارة والحماية فتتحول إلى مدن تضع لها دستورا وقوانين تحمي الصناعة وتطورها وتعطي مالك المصنع وسيد المدينة صلاحيات مطلقة في تسخير طاقات العاملين لمصلحته ويبقى الأب الكبير الغائب/ الميت / المقتول / المرمّز قابعا كطوطم للسلطة الخفية, وكان هناك وريثة (ألأخ) وهو في نفس الوقت العم الذي يتكلم باسم الغائب ويكون وكيله على الأبناء المتمردين والذين سيلجأون في النهاية حين يصيبهم مصاب جلل إلى العم اللسان المتكلم عن الرمز الأبوي الرادع في الريف البدائي ، لذا فأن العشيرة هي نتاج الحقبة الزراعية وظهور الإقطاع,
أما العائلة فهي نتاج ظهور الصناعة والخروج الثوري على العشيرة ، لكن الفعل البدائي لم يزل ماثلا" حين يقول احدهم بالدارجة العراقية " أنا ذاهب إلى أعمامي " أو حين يقترف جرما" ما يهرب ليختفي بين أعمامه الذين هم في مكان ما وكأنهم طواطم قابعين ساكنين في غياهب الريف ويكون وجودهم (هو فقط ) ملاذا" للشخص الهارب والذي ينتمي إليهم عن طريق الأب , والسؤال يطرح نفسه أن لماذا لا يختفي عند الأب متخفيا مثلا"، لماذا " عند أعمامي !! " بالذات ؟ نرجع إلى حديثنا السابق أن سطوة الأب اضمحلت نتيجة هزيمة الريف والإقطاع أمام المدنيّة والصناعة وتحول الأب الرمز إلى وثن أو اله يعبد يحدد قدراته وتسلطه من بقي من القبيلة الممزقة بسبب انتشار الصناعة والبيوت العائلية فالأخ لا ينتمي إلى أخيه بل يصارعه ويقاتله لبسط السلطة له ولعائلته المكونة من الزوجة والأبناء فقط أو يهادنه بمعاهدة تضمن حدوده وسلامة العائلة وعدم المساس بالمنتج الصناعي ، وبذا لم يبق من الريف سوى بقايا القبيلة كما أسلفت متمثلة بكبار السن من إخوة الأب الكبير وتكون كنيتهم هي أعمام الأبناء الذين الغوا وجود الريف وسكنوا المدينة بكل تفاصيلها الصناعية مبدلين النهج الإقطاعي الأبوي والالتزامات القبلية التي كانت يوما ما تحكم وتفعل إلى بيوت تسمى بأسماء ساكنيها من متنفذي المدينة وعلى سبيل المثال (بيت باشا عيان) في البصرة مثلا وألغيت مصطلحات عشيرة الفلانيين مثلا" وتحول الأب إلى رب واله يعبد أو إمام معصوم يزار وهم بالتأكيد من الموتى إذ لم يعد الشخص المدني يطيع الأب الحاضر العائش بل الأب / الإله/ الإمام المعصوم الميت الذي لا يفعل شيئا ماديا محسوسا" سوى تأثيره التخيلي في تحقيق الأمنيات , ولو كان حيا لقتله الابن مرة أخرى لأنه من الماضي الذي لا يقبل جرأة الابن هذا في الانسلاخ عنه وتكوين أسرة تكون ندا" لقوانينه وندا للأخوة المتنافسين !!
إذن فان تحلل القبيلة نتيجة للانسلاخ الثوري للصناعة من الريف مستغلا منتجه الزراعي خلق بنية فوقية تشريعية اجتماعيا" تتلاءم مع الأسس والمفاهيم الاقتصادية الجديدة للبنية التحتية والركيزة الأساسية للمجتمع الجديد ، واوجد في نفس الوقت نهج أخلاقي يسدّ حاجة المجتمع الجديد نفسيا" فتحول الأب الميت الغائب إلى رب واله لا يرى ولا يحده شيء وليس له التأثير التغيري المباشر المحسوس ,أو إمام معصوم ميت ، وهي وسيلة طمأنة لسد فراغ نفسي ، وتحول الجذر القبلي الباهت للإله المفترض والوكيل المادي إلى مركز مختفي لا تأثير له إلا في الملمّات والكوارث التي تصيب الابن ليلتجئ إليه كما نسمعه دوما" في الدارجة العراقية " سأختفي عند أعمامي لفترة من الزمن ومن ثم أعود حين تنسى قضيتي !!" ,وهم موجودون فعلا أو احدهم أو من ينوب عنه من الأبناء كبار السن وهو ابن العم أو ابن عم الأب الأكبر, لكن حين يتم التطرق لهذا الموضوع يصفهم وكأنهم كائنات خرافية ( أو أشبه بتلك اللوحة التخيلية الفجـّة للأئمة ألاثني عشر المتربعين يتقدمهم الإمام الأكبر , وهم متشابهي المعالم واللباس)
ويكون الفعل مستقبليا" فالإله المنقذ ؛ اله لا يقوم بالفعل الآني الملموس بل انه ( يمهل ولا يهمل !!)أو المعصوم المبهم المنتظر المختبئ في ذلك الملجأ السري الخفي ينتظر منه أن يفعل شيئا" ليسود العدل ويقضي على الفساد وتكون أفعال هذه الشخصيات مستقبلية تتسم بالوعد مبهم الزمان ولا يمكن أن تقوم بها آنيا" بفعل محسوس كون وجودها لا منطقي أصلا" فالفعل المادي هو فعل منطقي مادي.
والحقيقة أن البنية الأساسية التحتية للمجتمع متمثلة بالاقتصاد الإنتاجي تدخل ضمن الفعل المادي كونه مرتبط بحاجة المجتمع من المنتج المادي لبقاء وديمومة الحياة , أما البنى الفوقية للمجتمع المرتبطة بالعلاقات الاجتماعية وما يرافقها من تحولات نفسية تكون عرضة بل ومهيأ لها أن تدخل في مجال اللامنطق , فالمنطق كمفهوم متوازن خاضع للتأثيرات المادية يحدّ من خيال الإنسان الذي يمتلك قدرة الخلق الذهني خارج موضوع المادة كتشكيل مجسمات تخيلية ذات مواصفات خارجة عن المألوف كإله خارج المواصفات المتعارف عليها أو إمام معصوم يمتلك قدرات فوق إنسانية لا يمكن تشكيلها ماديا" كونها غير متوازنة ماديا" ، وتدخل في الزمن المستقبلي المفترض دوما" ؛ زمن الانتظار أن متى ينتهي الإمهال أو متى يخرج الإمام الصالح ليقضي على الفساد ويسود العدل ..الخ؟!!
أن حركة المجتمع المدني تحمل معالم المرونة ( لا كما المجتمع الريفي المتزمت بتقاليده ) فالحركات الثورية المادية تتعايش مع السواد الأعظم من المجتمع البسيط الذي يدين للأب / الرب / الإمام المقتول أو الغائب/ المسيحوالخضر الذين سيخرجون ملآى بالنور الإلهي ليعلنوا الحق ّ!
لذا كان هناك الاستماع للرأي الفانتازي الذي يقول انتم تريدون العيش ضمن المنطق ونحن نريد أن نحيا في اللامنطق ؛ نحن متعلقون بالمعصومين الذين لهم هداية لا منطقية في الأفعال حتى ولو لم تطابق الواقع ؛ أي أن كان إخفاء المهدي قبل ألف عام وقبول بقاءه حيا ليخرج , نحن نقبل ذلك ونؤمن به ونتوقع حصول المعجزة اللامنطقية ، اجعلونا نعيش القناعة الزائفة بدل المعاناة والإرهاص المنطقي فالحياة هي الخليط بين اللامنطق المخدر المهدئ والمنطق المربك القلق غير المستقر : أن تعيش قانعا مطمئنا بأكذوبة حياة أخرى مقابل حياة متراطمة صاخبة لا تقبل الخيال ، فيها القلق والجدل والتجربة الدائمة والتحقق المستديم , وفي النهاية هو الفناء لكلا الطرفين !!
لكن أيمكن أن نعيش وسط أوهام الإله وإلغاء حقيقة الأشياء ونشوءها للوصول إلى حقيقة وجودنا ليمدنا ذلك بمعرفة كيفية تطويرها لا الارتكاز على خيالات لا تقودنا نحو اكتشاف الحقيقة والتعامل معها بجدية لمعرفة ما يدور حولنا وما سبقنا من تراث نضال شعوب لا بطولات رموز أو أنبياء وأولياء مفترضين , ومعرفة ما سيأتي كنتاج لما نفعله ألان وعلى جميع الصعد التجريبية المنطقية , إذ لولا العلم التجريبي لما استطعنا سبر غور الفضاء ومعرفة أن الأرض ليست مركز الكون وان الشمس والقمر ليستا لعبتين بيد النبي المفترض ،وان النجوم ليست فوانيس معلقة وإنما هي شموس لا تعد منتشرة" في الكون , ومجرات لا تحصى جاعلة الأرض ذرة رمل في صحراء لا متناهية , وان الشهب هي ليست رجوما" للشياطين , ولولا العلم التجريبي لما توصلنا إلى العلاج الصحيح للأمراض بل لبقينا نقرأ التعاويذ ونضرب رأس المصاب بداء السحايا بالنعل ليخرج الجن !!! ولولا العلم المنطقي التجريبي لبقينا نسوق الإبل بدل سيارات المرسيدس ونتقبل خراء البغال !!
فالمنهج المادي الثوري يخلق مجتمعا عارفا عالما منتجا صحيا" ذكيا معطيا" حقوق المرأة ، وما عدا ذلك فالفكر الغائي الفانتازي يعيدنا إلى الجحور والكهوف .
جمان حلاّوي / أميركا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - معجبة
محبة والله ( 2009 / 9 / 13 - 19:19 )
معجبة بكتاباتك والله ، من اين تأتي بهذا الكلام المنطقي، أحب كتاباتك واحبك. علمني كيف تفكر وكيف تكتب ، ولماذا هذا الاندفاع في الدفاع عن المرأة ، وهل أنت ملحد فعلا- . انا اخاف ان ارى ملحدا- او ماركسيا- . ارجو ارسال هاتفك الخلوي لنلتقي حبيبي لأتحسسك انسانا- في غير تلك الصفات ،ومقنعا- لي بالذات !! محبة

اخر الافلام

.. الأمطار الغزيرة تغرق شوارع لبنان


.. تشييع جثماني الصحفي سالم أبو طيور ونجله بعد استشهادهما في غا




.. مطالب متواصلة بـ -تقنين- الذكاء الاصطناعي


.. اتهامات لصادق خان بفقدان السيطرة على لندن بفعل انتشار جرائم




.. -المطبخ العالمي- يستأنف عمله في غزة بعد مقتل 7 من موظفيه