الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع وجود الله، هل وجود الدين واجب أم ممكن أم ممتنع؟ 3/3

تنزيه العقيلي

2009 / 9 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


والآن وقبل البحث في وجوب أو عدم وجوب التبليغ عن الله، ونعني التبليغ كمبدأ، وليس النبوة كتطبيق للمبدأ، ذلك من الناحية العقلية الصرفة، نريد مع فرض ثبوت التبليغ، أن نرى، مدى إمكان، أو وجوب، أو امتناع أن تكون النبوة هي طريق التبليغ الإلهي للإنسان.



هل النبوة هي الطريقة التي اختارها الله للتبليغ؟
النبوة ليست واجبة بذاتها كطريقة للتبليغ، بل إذا ثبت أن التبليغ نفسه كغرض للنبوة المفترضة واجب عقلا، يمكن أن يقال، بأنه وبما أنه لم يثبت دعوى أخرى بطريقة غير طريقة النبوة للتبليغ، يكون الواجب الذي هو التبليغ منحصرا في ممكن واحد هو النبوة، مما يجعل هذا الممكن واجبا مفهوما، ويثبت، إن ثبت صدقه مصداقا. طبعا هذا كله مع فرض ثبوت وجوب التبليغ عقلا، لأن القول بوجوبه يبقى غير محسوم، إذا اعتبرنا التبليغ أو الغرض منه حاصلا - كما بينا - عبر العقل والفطرة.



يبقى بحث النبوة مصداقا (المصطلح عليه بالنبوة الخاصة)، لا مفهوما مجردا (المصطلح عليه بالنبوة العامة)، هو وحده الذي يمكن أن يوصلنا إلى صدق أو عدم صدق نظرية النبوة عموما، بصدق النبوة الخاصة، ألا هي النبوة الخاتمة.



ومع فرض ثبوت النبوة أو النبوات، يأتي دور العقل في فحص المقولات الدينية المتفاوتة والمتقاطعة أحيانا بين الأديان المختلفة، أو في إطار الدين الواحد، وهنا يأتي دور ركيزتي العقلية والتأويلية، لعله تضاف إليهما ركيزة الظنية، في حال عدم الحسم، وتساوي كفتي الثبوت والانتفاء، أو بقائهما حتى مع فرض عدم التساوي بنسبة أو بأخرى.

الموقف من المقولات الدينية المتعارضة مع ضرورات العقل
عندما يواجه العقل مقولات دينية تتعارض مع ضروراته الفلسفية أو الأخلاقية، أو لا أقل تبدو متعارضة مع تلك الضرورات، لا بد من سلوك الخطوات الآتية من أجل تحديد الموقف، من تلك المقولات، ومن فهمها وتأويلها، وبالتالي من الدين الذي يعتمدها، أو من المدرسة التي تتبنى فهم ذلك الدين على ضوء تلك المقولات.

التثبت من كون المقولة الدينية الثابت تحققها، أو المظنونة، أو المفترضة، هي مما يتعارض حقا وقطعا مع الضرورات العقلية.
يجري - إن أمكن - التحقيق فيما إذا كان نسبة المقولة إلى ذلك الدين ثابتا، أم يمكن أن تكون من الموضوعات المُدَّعى نسبتها إليه، أي المكذوبة عليه. ومن ضمن ما يجري فحصه في هذا المضمار، ما إذا كانت تلك المقولة مما يحظى بإجماع أهل ذلك الدين، لاسيما علمائه، أم لا، مع ملاحظة أن مقاربة الإجماع لا تكفي وحدها لصدق نسبة تلك المقولة إلى ذلك الدين.
ثم لا بد في البداية من النظر بتجرد ودقة علمية، ما إذا كان تعارضها مع ضرورات العقل تعارضا قطعيا لا شك فيه، أي ما إذا كانت المقولة من نوع النصوص المُحكـَمة بحسب المصطلح القرآني، أي غير قابلة التأويل إلى معنى آخر، أم هي من النصوص المُتشابـِهة، أي مما يحتمل التأويل إلى غير المعنى الظاهر، مما لا يشتمل على ذلك التعارض.
في حال ثبوت نسبة تلك المقولة المتعارضة تعارضا واضحا مع ضرورات العقل، سواء الفلسفية منها أو الأخلاقية، ولكن كانت من النوع الذي يمكن تأويله إلى معنى آخر، خاصة إذا كان هناك من نصوص أخرى منسوبة إلى ذلك الدين تنسجم مع المعنى المُؤَوَّل إليه، يجري تأويل ذلك النص إلى ذلك المعنى، سيما إذا كان صاحب التأويل يحتمل بنسبة يُعتـَدّ بها صدق نسبة الدين إلى الوحي الإلهي.
أما إذا رجح المعنى المتعارض مع ضرورات العقل، سيما إذا كان ما يؤيده من نصوص متواترة عن ذلك الدين، يكون ذلك ثمة مبرر لرفض ذلك الدين كوحي إلهي، أو يضع ثمة احتمال لبشرية مصدره.
والرفض يكون مُحَتـَّما ومُؤَكـَّدا مع التأكد من صدق نسبة المقولة المتعارضة مع ضرورات العقل إلى ذلك الدين، ومع عدم إمكان تأويلها إلى معنى آخر، ويكون أكثر حتمية، إذا ما تعددت وتضافرت وتواترت مجموعة من مقولات ذلك الدين في نصوص أخرى منسوبة له، وفي ميادين متعددة ومواضيع مختلفة، تؤيد ذلك التعارض، عندها قد يصل الأمر إلى حسم اعتبار ذلك الدين ليس وحيا إلهيا، وترتيب الموقف العملي المتحتم على من وصل إلى تلك القناعة، بالقطع أو بالظن الراجح جدا. مع إن الوصول إلى هكذا قناعة لا يكون مبررا بالضرورة للتحول إلى موقف خصومة من ذلك الدين، إلا إذا كان نقدا موضوعيا، كما يمارس التصحيحيون من أصحاب نفس الدين نقد الفكر الديني، والذين يميزون بين الفكر الديني، كفهم بشري نسبي، وبين الدين، كحقيقة إلهية في عالم التجريد، ولو بالنسبة لهم.
وفي حال عدم حسم الأمر فيما يتعلق بالتحقيق من نسبة المقولة إلى الدين المعني، أو فيما يتعلق بإمكان التأويل إلى معنى آخر، يبقى الموقف متأرجحا ما بين ثلاثة مواقف، ما بين موقف الرفض، أو موقف التأويل، أو موقف التوقف والتحفظ، دون اتخاذ موقف حاسم ونهائي، وبالتالي يكون خيار اللاأدرية الدينية هو الراجح.
مع افتراض أن دينا ما يمكن تأويله بما ينسجم مع ضرورات العقل الفلسفي والعقل الأخلاقي، وحتى مع فرض صحة هذا التأويل، أي مع فرض انطباقه مع حقيقة ذلك الدين، ولكن مع اقتصار ذلك الفهم العقلي له على نخبة ضئيلة العدد، ومتهمة في دينها من أكثر أتباعه، ما إذا لم يكن ذلك مبررا لدراسة ما إذا كانت نسبته إلى الله سبحانه راجحة، لأن افتراض أنه سبحانه قد أنزل دينا، لا يفهم حقيقته إلا نخبة ضئيلة ومتهمة ومحاربة، قد يمثل حالة تواجه التساؤل عن مدى الحكمة في ذلك، لاسيما مع فرض صدوره عنه سبحانه، وهو الحكيم حكمة مطلقة.
هناك حالات لا يستطيع بعض الأشخاص أن يصلوا فيها إلى الموقف الحاسم والقاطع من الدين، الذي ينتمون إليه، فهم من جهة يجدون فيه الكثير مما يوحي بصدق نسبته إلى الله سبحانه، كما يجدون فيه الكثير مما ينفي ذلك، لتعارضه مع ضرورات العقل الفلسفي، أو الأخلاقي، ويبقى مثل ذلك الإنسان غير قادر على أن يصل إلى حسم في موقفه، إما لعدم توفر الوقت لديه، لأنه قد يحتاج إلى عمر يتفرغ فيه لهذه المهمة، وإما لعدم توفر المؤهلات العلمية الاختصاصية الكافية، التي تجعله يحقق فيما وجده متعارضا مع ضرورات العقل، فيرجح لمثل هذا الإنسان أن يجعل موقفه العملي على ضوء المذهب الظني، الذي هو مذهب الاحتياط بين فرض الاحتمالين؛ صدق الدين أو عدمه، فيجمع بين المنهج التأويلي والمذهب الظني. وإذا كان هذا الكتاب حاول صياغة المذهب الظني بالنسبة للمسلمين، فيمكن أن يكون هذا المذهب نموذجا يُحتذى به من قبل المؤمنين الظنيين من الديانات الأخرى.


وفي الواقع إنما يصوغ الكتاب مذهبين؛ المذهب العقلاننساني، أو المذهب التأويلي، والمذهب الظني، علاوة على مذهب ثالث هو المذهب التفكيكي القائل بالتفكيك بين الإيمان والدين، باعتماد الأول دون الثاني، كمقبولة من المقبولات العقلية المجردة. مهمة الأول هي تأويل النصوص التي تبدو متعارضة مع أسس العقلانية والإنسانية، أو مع أسس العقل الفلسفي والعقل الأخلاقي، إلى ما يكون منسجما معها، والثاني يعطي منهجا للتعاطي مع من لم يحسم صدق الدين أو عدمه، ويشترك المذهبان في قيامهما على قاعدة وجوب انسجام الدين مع ضرورات العقل والضمير أو الفطرة الإنسانية، وذلك بحكم قاعدة نفي التقليد في أصول الدين، أي العقيدة، التي تمثل القاعدة والأساس التي تقوم عليهما الفروع، وما كان لا تقليد فيه، لا بد من إخضاعه إلى قوانين وقواعد وضوابط وثوابت، تكون حاكمة على مقولات الدين.



من هنا فالمذهب العقلي التأويلي الظني إنما يقوم على هذه الركائز الثلاث:

العقل.
التأويل.
الظن.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ