الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلام على من اتبع الهدى يا كافر

إبراهيم عرفات

2009 / 9 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


السلام على من اتبع الهدى. . .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وأما لغير المسلمين فلا يتم إلقاء هذه التحية بل يقولون "السلام على من اتبع الهدى". تساءلت: لماذا نختص جماعة دون غيرها بالتحيات؟ ولماذا تصير التحية فارقة للتمييز الديني العنصري؟

كثيراً ما سمعنا هذا التعبير "السلام على من اتبع الهدى" وكأنه سيف يشهره البعض في وجوه غير المسلمين من أهل الكتاب من اليهود والنصارى وربما غيرهم. ولكن إذا تأملنا هذا التعبير نجده تعبير جميل يساء فهمه أشد الإساءة، ويحسن بنا لو قرأناه في ضوء علوم اللغة والدين. إننا عندما نقول "السلام" فليس المقصود مجرد تحية عابرة نلقيها اعتباطاً بل السلام في جميع اللغات السامية يشير إلى "السلامة" أي إلى النجاة على وزن "رضاع" و"رضاعة".

حرف الجر "على" (بالعبرانية والأرامية عل ܥܠ) هنا يأتي بمعنى اللام حيث الأصل في اللغات السامية قديماً عند الحديث عن السلام والصلاة والإتيان والقدوم والخروج إلخ هو أن تأتي كلها هذه جميعها مصحوبة بحرف الجر "على" والذي تطور فيما بعد إلى حرف الجر "إلى". "على" هنا بمعنى "اللام" أي لمن اتبع الهدى. يمكن قراءة العبارة كاملة هكذا "السلامة لمن اتبع الهدى". نعم؛ السلامة لمن اتبع الهدى؛ والهدى أمر رباني لا دخل للبشر فيه ولا يجب استحسان المهتدين على الضالين بما أن الأمر يدخل في حميميات العلاقة الربانية التي الفاعل فيها هو الإله لا الإنسان. الله هو الذي يهدي؛ فإن لم يُنعم هو بالهداية على شخص ما فهذا ليس ذنب الشخص بل هو في تكوينه وتركيبه لم يتوافق وأمر "الهداية" هذا. أنا، على سبيل المثال، أؤمن بهذه القدرة الغيبية المسماة تجاوزاً ب "الله" وأعرف أن مناجاتي لهذه القدرة هي أمر لا يفسره عقل بشري بل كل أمور الإيمان والاعتقاد الميتافيزيقية تتجاوز العقل البشري وتعلوه وتعلو به. فإذا لم يقتنع شخص ما بميكانيكيات وآليات هذه القدرة وميل القلب إلى هذا "الله" مهتدياً فإنني لا أستغرب بالمرة لأن الطبيعي هو أن يقبل الناس بما يبصرونه لا بما هو غائب عن أبصارهم. كيف أطالبهم أنا كمؤمن بالاهتداء لما لا يبصرونه ولا يوجد دليل قطعي عليه؟ وكيف أطالبهم بالاهتداء والاهتداء هو عمل رباني تبدأ حركته من فوق من لدن الخالق؟ هل أخص المؤمنين عندئذ بالسلام وأحجبه عن من لا يؤمنون؟ تلك، إذا، قسمة ضيزى!

والتوراة فيها- بحسب القرآن الكريم- هدى وبينات وبالتالي تابع "الهدى" ليس بالضرورة أن يكون مسلم فقط على وجه الحصر أو الاستثناء بل المراد هو كل من يتبع هدى الله أي ما يهديه الله إليه من نورٍ منبثق منه تعالى. هو، إذا، يهتدي بهديٍ من الله، والله هاديه الرئيسي حيث من يهتد الله يهتدي. إذاً ليس المراد الإقصاء وإنما التأكيد على أن السلامة تصاحب من يجعل الله هادياً له ويستضي بنوره تعالى؛ وأما من يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. تحية "السلام على من يتبع الهدى" هي إقرار إيماني ميتافيزيقي غيبيّ بأن "السلامة" تصحب المؤمنين، من وجهة نظرهم. ليس المراد أساساً هو الإقصاء.

ما أتسائل عنه هو كيف أصبح شيء جميل كـ "السلام" يُستخدم كـ سوط وكرباج في وجه أصحاب العقيدة المختلفة أي في وجه غير المسلمين؟ ألم يكن المقصود هو إلقاء السلام للجميع؟ الم يكن المقصود أن يأتيهم سلامٌ من الله فيطهر هذا السلام نفوسهم من أدران النفس وأسقامها؟ ولماذا يصبح إلقاء السلام فرصة لتعنيف أصحاب العقائد المختلفة في الوقت الذي يؤمن فيه الجميع أن مسائل الاعتقاد جلها تأتي بهداية ربانية؟ الهداية الربانية أمر لا ينال فيه فرد المديح أو الثناء بل هو حركة ربانية في المقام الأول وبالتالي إنه واجب على المخلصين في أديانهم إلقاء السلام على الجميع وطلب الهدى والخير للجميع لا أن يزكوا الخطاب الإقصائي. أقول قولي هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عليكم هنا تعني الجميع دون استئثار عقائدي أو مذهبي أو طائفي أو عرقي بل مادمت إنساناً فأنت أهلاً للسلام والسلام لك بقدر ما هو لأي إنسان آخر؛ لا لشيء إلا بحق الإنسانية التي تطوقنا جميعاً ونحن في سفينة واحدة على هذا الكوكب الأرضي الصغير وفي عدنا التنازلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السلام على من اتبع الهدى
najah ( 2009 / 9 / 19 - 08:30 )
تحليل منطقي لهذه التحية، السلام على من اتبع الهدى يعتقد المسلمين بأن هذه التحية تخصهم فقط لكن بهذا التحليل فهي صالحه لكل الاديان ..
تحياتي لك اخي ابراهيم


2 - حروف الجر على و الى
Dr. Jamshid Ibrahim ( 2009 / 9 / 19 - 09:49 )

تحياتي لك استاذ ابراهيم و لقد جلب اهتمامي ما قلته بان حرف الجر - على - تطور الى – الى – و هذا وارد لقرابة الصوت بينهما و لكن الاتجاه يختلف لان - على - من العلو اي اتجاه تصاعدي او تنازلي و لكن – الى - غير واضح الاتجاه قد يكون افقي الى الامام و الوراء او الى الاعلى و الاسفل هل لكم تزويدنا بمعومات اضافية و لماذا نقول: السلام على و لكن بلغ سلامي الى و شكرا لك اخي العزيز


3 - هي تحية اليهود
حسين عبدالله نورالدين ( 2009 / 9 / 19 - 11:03 )
كونوا هودا تهتدوا. السلام على من اتبع الهدى. اليهود هم الذين اتبعوا الهدى ولذا فهذا سلامهم. كانوا يتبادلونه في الحجاز للتميز عن المشركين. اليهود هم اتباع الهدى اذ جاء في القران: وانزل التوراة والانجيل من قبل هدى للناس. (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ - سورة المائدة 44) اي ان اتباع الهدى هم اليهود. والسلام على من اتبع الهدة يعني السلام على اليهود وهذا هو سلام اليهود وهم الى اليوم يستعملونه بصيغة السلام عليكم. شالوم آليكم. שלום עליכם


4 - تفاعلاتي مع تعليقاتكم
إبراهيم عرفات ( 2009 / 9 / 19 - 15:56 )

باديء ذي بدء أشكركم جزيل الشكر على تفاعلكم مع كتابتي وتجاوباتكم ولكم خالص امتناني على ذلك. اسمحوا لي ببعض الملاحظات:

أخي -العاقل-: نعم لدينا اعتراضات على الإسلام كما لدينا اعتراضات على جميع الأديان هنا وهناك. ولكن لنكن حذرين حتى لا نقع في خطر التعميم الظالم. برغم اعتراضاتي على الإسلام إلا أنه هناك فيه تعاليم تحض على الخير. لا نقدر أن نقول إنه يمنع المسلم من الحض على الخير. من أعز أصدقائي شيخ مسجد بالقاهرة وهو من خيرة خيار الناس وتعجبني لهجته الأزهرية وتدقيقه في اللغة وتسامحه وأفقه الرحب.

أهلينnajah: للأسف هذا ما وصل إليه حالنا كعرب الآن ونتمنى الخروج من المأزق ونضع كرامة الإنسان فوق أي اعتبار.

عزيزي دكتور جمشيد: الساميون قديماً بدءوا باستخدام حرف الجر -على- عند الحديث عن المجيء والقدوم والصلاة إلخ. في كتب قداس الصلاة السريانية القديمة يقول الكاهن -وصلاو علايّ-= صلّوا عليّ أي صلوا لأجلي. والسلام كان كذلك حيث كانوا يقولون في الأساس -السلام على- ومع مرور الزمن صارت -السلام ل-. نقول بالعامية المصرية -أنا رايح ع البيت- حيث حرف الجر -ع- هنا يفيد الاتجاه والحركة. الأمر أراه مع بعض من أصدقائي المنشغلين بالدراسات الفيلولوجية السامية مرتبط بتطور استخدام حرف الجر -على-


5 - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية للمسلمين
مسلم موحد ( 2011 / 11 / 22 - 23:47 )
الى الأخ ابراهيم عرفات نسأل الله أن يهدينا وإياك سواء السبيل عندي سؤال وأرجوا أن تجاوب عليه بصراحه ثم سأعقب بعدها 1‏_‏ هل أنت مسلم موحد تؤمن بالله رب وحده سبحانه لاشريك لك وأن محمد عبده ورسوله؟ ‏2‏_‏ ألم يسعك دين الإسلام بعظمته وشموليته ورحمته فأخترت النصرانية وقد أصبحت دين ضلال بعد تحريف الإنجيل وتنصرت و إن فرضنا أن الإنجيل ما زال صحيح كامل فإن ذلك لا يجعل دين النصرانية مقبولا من الإنسان إلا دين الإسلام حيث أنه آخر الأديان السماوية التي أرسل الله به النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأرتضاه دين ومنهاج حياة لكافة الناس على أختلاف أجناسهم أو أفكارهم أو أعمارهم حيث يقول الله في محكم التنزيل وقد وعد بحفظه سبحانه: { إنا نحن نزلنا الذكر وإن له لحافظون‏} ؛ويقول سبحانه في الآية : ‏{ ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } فهنا الآية جاءت صريحة الدلالة بأن أي دين غير الإسلام يدين به الإنسان العاقل البالغ فهو خاسر في دنياه وفي آخرته وهي الأهم ؛ هذه نصيحه أرجوا أن تأخذها وجميع الإخوان من ذوي الديانات الأخرى بعين البصيرة و المصحلة الحالية والأخروية وشكر لكم


6 - للأخ مسلم موحد
إبراهيم عرفات ( 2011 / 12 / 5 - 19:01 )
شكرًا على اهتمامك وتعليقك أخي الكريم. وجوابًا على تساؤلاتك:
1. كنت مسلما إلى أن صار عمري عشرين عاما ثم تركت الإسلام ودخلت في المسيحية. أنا في المسيحية منذ عام 1987 وأحترم جميع الأديان والأطياف الفكرية.

2. لي أسبابي في الاعتراض على الإسلام والتحفظ عليه وخاصة إنه يشجع على روح الإقصاء والانغلاق وكل هذه الأمور التي لا تخفى على الأذكياء المثقفين في مجتمعاتنا العربية.. ولكني يسعدني أنك وجدت في الإسلام ضالتك وأتمنى أن نعمل معًا لخير الإنسان وبصرف النظر عن اعتقاده. ما تعتقد وما أعتقد هو بيننا وبين الله والمهم أن ينعكس كل ذلك على سلوكياتنا وتعاطينا مع الآخرين.
ودم بكل خير.


7 - السلام على من أتبع الهدى‏(‏ الإسلام‏)‏
the brightness in Islam ( 2011 / 12 / 8 - 17:53 )
أهلا بك يا أخي إبراهيم وأشكر لك تفاعلك معي والرد على تساؤلاتي ولكن يا أخي إن سمحت لي أن توضح لي السبب الحقيقي الواضح أو الأسباب المقنعة لك و التي جعلتك تترك دين الإسلام و تختار دين المسيح وأرجوا منك يا أخي ابراهيم أن لا تنتقد دين الإسلام بأي شكل من الأشكال لأن الله أولا أكمله وجعل فيه من الشمولية ما يشمل الناس جميعا بجميع دياناتهم وطوائفهم وهذا ينافي ما تدعيه من أنه يدعوا أو يحمل روح الإقصاء يا أخ إبراهيم أنت كنت صاحب منهج عظيم وأنت كنت تدين بالإسلام أن رأيت بأنه دين كامل لا يعتريه أي جانب من جوانب النقص، إن كان هناك من المسلمين من يحمل روح الإقصاء او يمثلها عمدا او بغير عمد هو الآن يجني على الدين ويشوه صورة الإسلام والمسلمين وهذا وللإسف قد يكون موجود في مجتمع الإسلام وخاصة بين الملتزمين بالدين بصورة غير متزنه فهو يمثلون أنفسهم والإسلام من خطأهم بريء والله أسأل أن يهدينا وإياك وجميع الناس إلى الحق والثبات عليه والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين،، أخي ابراهيم لا تنسى ذكر الإسباب التي أقنعتك شخصيا وشكرا لك


8 - أخي العزيز صاحب التعليق الثامن
إبراهيم عرفات ( 2011 / 12 / 13 - 00:12 )
أكثر شيء جذبني إلى المسيحية هو وجود المسيح الذي ألتقيه على دفات الإنجيل في لطفه ورقته وحبه لأعدائه وإنسانيته المتسامية وكم أن كل هذه كفيلة بخلق إنسان متسامي في إنسانيته ويبلغ أوج الرقي الإنساني الذي نحلم به جميعًا.

وسأمتنع عن إبداء رأيي في الإسلام احترامًا لك ولرغبتك. برجاء تقرأ إنجيل متى من الفصل الخامس وحتى الفصل السابع واحكم بنفسك على المسيحية من خلال ذلك.


9 - تعليق
عبد العزيز كمال ( 2012 / 6 / 27 - 10:28 )
كيف سمح الأستاذ إبراهيم لنفسه أن يتهم الإسلام بالإقصاء.هل كلمة سلام أصبحت إقصاء؛فما بالك لو قال أن غير المؤمنين كلاب،ماذا سيكون ردك.لا تستخف بالعقول

اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ