الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يستثنى المؤمنون اللادينيون من حوار الأديان؟

تنزيه العقيلي

2009 / 9 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بقطع عن الموقف من الأديان، لا بد من الإقرار بأن لحوار الأديان، ومن غير شك، دورا إيجابيا في بناء صرح الأخوة الإنسانية، وذلك ما لحوار الأديان من أثر في التقريب ما بين أتباعها، وتعرّف بعضها على البعض الآخر، والبحث عن المشتركات والكلمة السواء فيما بينها. ثم إننا، الإلهيين اللادينيين، ولكوننا ننتمي إلى مساحة أوسع، هي مساحة المنتمين لمبدأي العقلانية والإنسانية، أو قل المنتمين إلى العلمانية السياسية، والعلمانية الفلسفية، لكوننا نؤمن بحوار الحضارات والثقافات، نجد أن الحوار والتفاهم على قاعدة الاعتدال، والتسامح، والرغبة في التعايش، من لوازم تحقيق السلم العالمي. فنحن في هذا الجانب نؤمن بضم حتى الملحدين الملتزمين بمبدأي العقلانية والإنسانية إلى هذا الحوار.



ولكن دعونا نتحدث بشكل خاص عن حوار الأديان، حيث لا بد من القول هنا أن حوار الأديان قد اقتصر حتى الآن على ما هو معروف بالأديان الإبراهيمية، أي الإسلام، والمسيحية، واليهودية، وتعدى ذلك أحيانا إلى البوذية وغيرها. ولكن هذه الأديان، حتى الآن، لم تنفتح في حواراتها على شريحة واسعة جدا من المؤمنين، ألا هم اللادينيون.



أما إذا قيل إن الأديان تتفق على مشترك بينها، ألا هو أصول العقيدة: التوحيد، والمعاد، والنبوة، فأقول نحن، اللادينيين، نتفق معكم في اثنين منهما، ألا هما التوحيد والمعاد، وإن اختلفنا في التفاصيل، تماما كما تختلفون أنتم في التفاصيل فيما بينكم، بل كما يختلف أتباع كل دين من دياناتكم في داخله في الكثير من التفاصيل، كما هو الحال بين المذاهب والمدارس والتوجهات الإسلامية، أو بين الكنائس المسيحية، أو التيارات اليهودية. ثم إننا إن اختلفنا في إنكار النبوات وإلهية كتبكم المقدسة، فنحن لا نختلف في ذلك من حيث المبدأ عن إنكار بعضكم البعض لنبوات البعض الآخر، فأنتم إن اتفقتم على أصل النبوة كمفهوم، أو ما يسمى بالنبوة العامة، اختلفتم في المصاديق فيما هي النبوات الخاصة لكل منكم.



فاليهود لا يعترفون، لا بنبوة عيسى، ولا بنبوة محمد، والمسيحيون لا يعترفون بنبوة محمد، ويعتبرون اليهودية قد نسخت بالمسيحية، وإن الإسلام ليس إلا فكرة بشرية، وليس وحيا إلهيا، كما إن المسلمين يعتقدون بنسخ الإسلام لكل من اليهودية والمسيحية، بل وبتحريف اليهود لليهودية، والمسيحيين للمسيحية.



وهكذا نحن اللادينيين، نعتقد بالله الواحد المتفرد المتوحد، وبجزائه، الملازم ملازمة عقلية لعدله، الملازم ملازمة عقلية لكماله، الملازم ملازمة عقلية لكونه واجب الوجود. أما النبوة التي يقول بها الدينيون، فالغاية منها متحققة لدينا بالعقل والضمير الإنسانيين، وبالنمو المطرد للتجربة والرشد البشريين. ثم استعداد الأديان الإبراهيمية لضم البوذية للحوار الديني، مع إن البوذية فلسفة أخلاقية وروحية، أكثر من كونها دينا ينسب نفسه إلى الخالق، ينبغي أن يكون مبررا لشمول الإلهيين اللادينيين بحوار الأديان، أو لنقل حوار العقائد، لكون اللادينية الإلهية تلتقي مع الأديان في الإيمان بالله، كما تلتقي مع المدارس الإنسانية والعقلانية المادية، أي القائلة بالإلحاد، مما يعني أن حوار العقائد والمدارس العقائدية ذات المنحى الإنساني والأخلاقي، لا بد أن يشمل، ليس فقط الإلهيين من اللادينيين، بل حتى اللاإلهيين منهم، أو الماديين، أو العلميين التجربيين، أو الملحدين، طالما اعتمدوا البعدين الإنساني والعقلاني. ولكن الذي أحتمله، هو إن أكثر الدينيين يخشون محاورة الإلهيين اللادينيين، أكثر من حذر أكثرهم من محاورة الدينيين المغايرين، بل ربما حتى أكثر من محاورة الملحدين. لأن الإلهيين اللادينيين قادرون على زعزعة أركان النظرية الدينية، بأدواتها هي، أي بأدوات الميتافيزيقا، لكن الميتافيزيقا العقلية الفلسفية، لا الميتافيزيقا الدينية الوحيانية، لاعتمادهم مرجعية العقل، واعتماد الدينيين مرجعية النص المقدس، المقدس عندهم طبعا.



لكن الحوار الذي أدعو له، لا يجب أن يكون حوار التحاجج والجدل والسجال، بقدر ما هو حوار التعارف والبحث عن المشتركات، لما للحوار من فوائد للبشرية من أجل تكريس السلام، والاعتدال، والتسامح، والتفاهم، والتعايش. ولو إني أرى أن من الضروري أن نتعلم كيف نتخاصم فكريا، حضاريا؛ فكريا بمعنى خصومة الأفكار فيما بينها، عندما تتقاطع، وحضاريا، بمعنى أن تكون آليات التخاصم حضارية، عقلانية، علمية، سلمية. لأن التعايش في تصوري لا يتحقق بشكل متجذر وحقيقي، ما لم يتعلم المتغايرون فكريا وسياسيا وعقائديا، كيف يتحاورون، كيف يختلفون، كيف يتفقون، كيف يتخاصمون متصالحين، ويتصالحون متخاصمين، إذا ما تقاطعت الأفكار، ما زال الاتفاق والاختلاف يقومان على قاعدتين أساسيتين، هما الإنسانية والعقلانية، إنسانية التوجه والتعامل، وعقلانية التفكير والسلوك والتعايش.



من هنا أدعو دعاة وناشطي حوار الأديان، أن يفكرا جيدا وجديا، بمحاورة الإلهيين الفلسفيين اللادينيين، والملحدين العقلانيين الإنسانيين، ولا يقتصروا على تحاور الأديان فيما بينها، أي أن يتعدوه إلى الآفاق الرحبة لحوار الحضارات، والأفكار، والعقائد، والفلسفات.



19/09/2009











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم لحوار الأديان مع اللادينيين
مصلح المعمار ( 2009 / 9 / 20 - 15:14 )
من خلال ما اوضحته يا استاذ تنزيه عن علاقة الأديان مع بعضها ونظرة كل دين للأخر ، نستنتج ان هذه الأديان يمكن ان تتحاور مع اللاديينين وتصل الى نتائج جيده في الحوار افضل مما لو تحاورت مع بعضها ، وآقرب هذه الأديان الى اللادينيين الذين يعترفون بوجود الخالق هو الدين المسيحي ، لأن الأخير يتعامل مباشرة مع السماويات وليس له علاقه بالأرضيات ، فآلسيد المسيح قال مملكتي هي في السماء وليس على الأرض ، ولا اعتقد بأن اللادينين يرفضون التعاليم الساميه للسيد المسيح بفصل الدين عن الدوله بقوله اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله ، اذن هناك قاعدة مشتركه متينه بين المسيحيه وآللادينيه اساسها العلاقه المباشرة مع الخالق بابعاد الدين عن السياسية وآنصراف الأنسان لتمتين علاقه الصداقه وآلصله مع آلآب السماوي ، تحياتي للأخ الكاتب وللجميع

اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ