الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجوه متعددة ... بغاية واحدة

الطيب آيت حمودة

2009 / 9 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يلعب التمركز حول الذات على مستوى الفرد والجماعة دورا بارزا في تحديد ملامح الهوية ، والتنافس بالغ الذروة في حب الوصول اٍلى المركز لتحويل الأطراف الأخرى اٍلى الظل أو الهامش ، وصراع الإثنيات واللغات والثقافات سبيل لخلق تمركز لها . لتجعل من نفسها نقطة مركز تحوم حولها باقي العناصر، تماما كما تدور الأجرام حول الشمس . والصراع القائم حاليا ودائما هو من يشغل المركز ويجعل الباقي ثانويين بالنسبة له ، أو أن يصبح مثل ملكة النحل في تبوء مكانها في الخلية .
تعدد الهوية وتعاقبها .
كانت الهوية العربية قبل الاٍسلام مركزة حول العرق والنسل ، وكان التفاخر والتذامم قائما بين قبائل العرب ، وجاء الاٍسلام ليقلب الوضع الهوياتي من التغني بالأصل و النسل وعصبية القبيلة اٍلى هوية وعنصرية جديدة ممثلة في الاٍسلام والاٍيمان ، وحارب الٍاسلام التعالي العرقي ، والتفاضل الجنسي ، فأصبح الجميع سواسية كاسنان المشط ، ولا فرق بين عربي وأعجمي اٍلا بالتقوى ، وأكرمكم عند الله أتقاكم ...
غير أن شمو لية الاٍسلام واتساع أفقه ، لم يفسح المجال لكسب مغانم هوياتية ، أو تحقيق مطامح سياسية ينشدها ذوي الحا جة من المغامرين وشذاذ الآفاق ، وهو ما فتح المجال لظهور التعدد الفكري ، ونشوء المذهبيات والفرق ، وحتى تعدد الخلافة سعيا لا ستقطاب المريدين والمؤيدين . فكانت خلافة العباسيين في بغداد قطبا ، معاصرا بقطبين مماثلين هما الخلافة الفاطمية في مصر ، والخلافة الأموية في الأندلس. وذلك هو السمة الأبرز في تحقيق مغانم الزعامة والسيادة والاٍستئثار على حساب ديننا الحنيف ، الذي اتخذ كمطية لتحقيق منافع شخصية ، وقبلية ، وعرقية ، على حساب تعاليم الرحمن ، التي ديس عليها بشعارات سياسية زائفة ،وافتاءات كاذبة ، أوبانتماءات لآل البيت بأرومة مفتعلة ، الغرض منها اعتلاء العروش وملأ البطون . وسيادة للدنيا على الدين .
قطب الرحى .
المتتبع لحياة الأمم والمجتماعات ، يلحظ أن الفطناء من أبنائها يسعون اٍلى استغلال الفرص المتاحة لتحقيق سطوتهم وسطوة ذويهم وعصبيتهم ، فعلى مستوى الجماعة يبحث المتميز على استقطاب افراد الجماعة التي ينتمي اٍليها باسم الدهاء أو التفوق العلمي ، أو النباهة الفكرية لتحقيق مكانة مركزيه في مجتمعه تجعله هو المرجع والمستند ، والباقي هم تبع وأتباع ، وقد يتحول ذلك اٍلى تشيع وأساس في بناء دولة تقوم على فكر متميز وممركز ، وهو ما تم فعلا في تاريخنا الاٍسلامي مغربا ومشرقا .
فالأمويون بنوا دولتهم على استقطاب سلالي جعل منهم الصفوة والقطبية التي تدور حولها الرحى ، فالعرب هم مركز الهوية ، والقرب والبعد عن المركز يتحدد بالأصول لا بالأفعال ، فالمسلمون الذين ليسوا من أرومة عربية ( الأعاجم) ليس لهم اٍلا قبول الهوامش والأطراف ، أو المراكز الثانوية ، لذا كانت وجهتهم غالبا الاٍستئثار بالعلوم الدينية والوضعية ، بعدما حرموا من تقلد مناصب السيادة والريادة والحظوة ، وبذلك اتفق المؤرخون على أن عصرهم كان عصر الحكم العربي الخالص دون منازع .
أما في العهد العباسي فقد كان الاٍستقطاب على أساس التشيع لآل البيت ، واٍلى قبيلة بني هاشم و العباس بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكان الاستقطاب ثنائي ألأبعاد ، بُعد القرابة ، وبُعد المشاركة ، وهو ماولد دولة اٍسلامية أكثر انفتاحا من سابقتها ، تداول الأعاجم على اٍدارتها في ظل وجود سلطة عربية صورية في مجمل مراحلها وعهودها .
استغل الفاطميون في شمال افريقيا ثم مصر النسب الشريف ، و فكرة الشيعة الاٍسماعلية العبيدية على يد أبو عبد الله الشيعي على شاكلة ابو مسلم الخرساني تجاه بني العباس ، فلعب النسب الشريف اٍلى فاطمة الزهراء مبلغة في اٍقامة الدولة على حساب الخوارج الاٍباضية والسنة المالكية ، والشيعة العباسية ، دورا بارزا في تأسيس الدولة وغلبتها .
وبالرغم من الهالة التي أحاطها بها الفقهاء منصب الخلافة ، باٍقصارها في قريش اٍلا أن العثمانيين استأثروا بها في عهد سليم الأول ، الذي مسح الفتوى وألغى العمل بها ، وجعل الخلافة متداولة في أجناس غير عربية لأول مرة في التاريخ الاٍسلامي ، والتي استمرت اٍلى غاية نهايتها بعد الحرب الكونية الأولى عام 1924 باٍعلان الجمهورية التركية بزعامة كما أتا تورك .

البحث عن سبل الاٍستئثار بالسلطة :
البحث عن أساليب جديدة للوصول اٍلى الحكم والاٍستئثار بالسلطة هي السمة الأبرز في تاريخ الحركات المرافقة للتاريخ الاٍسلامي بالمغرب ، المهم هو البحث عن نغمات جديدة تمكن الطامحين ، فمنهم من حلم باٍعادة اٍحياء الدولة المنهارة ( عبد الرحمن الداخل في الأندلس ) ، ومنهم من أعتد بانتسابه الشريف ( اٍدريس الأكبر ) في المغرب الأقصى ، ومنهم من راهن على وتر الشورى في السياسة والحكم ( عبد الرحمن بن رستم ) الذي حقق حلم الخوارج في تأسيس دولة على أساس خارجي ، ومنهم من كان يدا قوية لضرب المناوئين للدولة العباسية ( الأغالبة ) ، ومنهم من ركز على اٍحياء الدين الصحيح بعد ميوعة الدول السابقة وضعفها ، ( الدولة المرابطية والدولة الموحدية ).
فعاشت بلاد المغرب الاٍسلامي طيلة القرنين التاسع والعشر الهجري ، تجربة التنوع والتعدد المذهبي من شيعة علوية اٍلى شيعة فاطمية ، اٍلى خارجية اٍباضية وصفرية ونكارة ، وكانت مرتعا لصدامات دومية قاتلة بين العبيديين والسنة المالكية ومع غيرهما من المذاهب .
كانت بلاد المغرب صورة باهتة للتطورات السياسية التي وقعت في المشرق ، وكانت أرض بوار صالحة لغرس بذور الفكر المذهبي المشرقي للسذاجة التي أبداها الأمازيغ في التعامل مع قيم الشرق التي اندمج فيها الدين بالسياسة والعرق ، وقدم المغاربة العون المادي والبشري في نشأة هذه الدول على حساب اٍنيتهم ، وكانوا صورة طبق الأصل لما هو في المشرق . غير أن الدول الناشئة بعد تمكنها من نفسها سارعت اٍلى استبعاد الأمازيغ عن مراكز الريادة والحظوة ، وهو ما فعله إدريس الثاني باستقدام اكثر من 500 فارس عربي ركز بهم دولته ، وفعله المعز الفاطمي بنقل العاصمة الفاطمية اٍلى مصر القاهرة ، وتنكر الرستميين لدواعي مختلفة لمبدا التداول والشورى في الحكم في حصر الإ مامة في ابناء عبد الرحمن بن رستم .
تعدد النغمات ... والهدف واحد :
تعددت صفات الدعوة في تأسيس الدول الاٍسلامية مغربا ومشرقا ، ولو داخل اٍطار ما يعرف بالخلافة الاٍسلامية ، فاٍذا تعذر تحقيق الحلم والمبتغى في ظل مظلة الإسلام ، فان الدعاة يبتدعون مذاهب دينية جديدة ، و عندما يتعذر الموقف يلتجؤون اٍلى تفكيك وتقسيم المذ هب الواحد الى مذاهب أجزاء مثلما حدث للشيعة الإمامية التي انقسمت على نفسها ٍالى موسوية واٍسماعلية ورافضة ، وزيدية ... ونفس الشيء وقع للخوارج الذين بحثوا عن التمركز والقطبية في ظل ابتداع مذهبية أجزاء كالصفرية والأزارقة ولإباضية ثم أخيرا النكارة ، ومن عجائب الأمور أن الشعوب المغاربية سهلة الاٍنقياد نحو الفكر الجديد اٍما ترغيبا أو ترهيبا ، وهو ما جعل المنطقة مؤهلة ومرشحة لمزيد من التجارب الهوايتية المناهضة للخلافة الاٍسلامية في بغداد .
خاتمة /
اٍن تعدد الفعل الاٍستقلالي المبني على الزعامة الدينية سمة بارزة لحركة التغيير التي شهدها المسلمون مرة باسم ضرورة تعدد الخلافة ، وأخرى باسم الفكر المهدوي ، وثالثا باسم اٍحياء الدين ، ورابعا باسم الأصول ، وخامسا باسم ٍاحياء الماضي المجيد ، فالوسائل متعددة والغاية واحدة هي الوصول اٍلى السلطة والإستئثار بها ، ولو على حساب التعدي على روح الاٍسلام ومبادئه في الحكم .
وحان الوقت لكشف المستور من خفايا الحكام ، وبدعهم التي أضرت بالبلاد والعباد من أجل تغيير طغم حاكمة ، بأخرى أشد وطأ وظلما في حق رعاياها من المسلمين ، وغدا التعنيف المذهبي وصراعه الظاهر يخفي تقية بُعدها البحث عن مركزية الموقع للاٍستئثار السلطوي و التسلطي لا أكثر ولا اقل . ورغم تنوع السبل بين الماضي والحاضر فاٍن المطلب والمبتغى واحد . وما أشبه اليوم بالأمس .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حراك دبلوماسي لافت بشأن مفاوضات التهدئة في غزة


.. كأس أوروبا.. ما حظوظ المنتخبات الأربعة في الدور نصف النهائي؟




.. مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية يعقد في القاهرة


.. في ظل الحرب.. سيدة تحوّل منزلها في الجنوب اللبناني إلى مصنع




.. ما أبرز ما أوردته الصحافة الدولية بشأن الحرب الإسرائيلية على