الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-أخلاق- رمضان

أحمد عصيد

2009 / 9 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ثمة مفارقات يعيشها المغاربة دون أن تصبح موضوعا للتفكير أو للنقاش، و منها بعض الظواهر التي يعرفها المجتمع خلال شهر رمضان، و هي ظواهر على العموم سلبية و لا إنسانية ، غير أنها يتم السكوت عنها و تمريرها على حساب شهر الصيام الذي يجتهد الكل في إظهاره بمظهر الشهر "المبارك" و "الفضيل" و "الكريم" إلى غير ذلك من الصفات الإيجابية التي تخفي واقعا هو على النقيض مما يتم التصريح به.
أولى هذه الظواهر هي المزاج السيئ للصائمين، فالصائم يعطي نفسه الحق في العبوس و سوء معاملة الغير و التلفظ بغليظ الكلام و النظر إلى الآخرين بخشونة، بمبرر الصيام، و لهذا نجد نسبة هامة من المواطنين على استعداد تام للعراك و الخصام على الطريقة البدوية لأتفه الأسباب، و الكل يعتبر ذلك أمرا طبيعيا بسبب الصيام، حتى أن المغاربة أبدعوا معجما خاصا بهذه العادات السيئة مثل كلمة "مرمضن" التي تعني الحالة المشارة إليها.
من هذه الظواهر أيضا الكسل و الخمول و الهروب من العمل، و خاصة في المؤسسات العمومية حيث يشيع مناخ مقرف من التراخي يذكر بقيلولة اليمنيين وقت مضغ "القات"، و هو ما يجعل نسبة من الشلل تصيب الدولة بكاملها و مردودية الموظفين و الموظفات تنزل إلى الحضيض، و كل ذلك بذريعة أداء الفريضة الدينية للشهر "الفضيل". و الحقيقة أن هذا الشهر هو الذي يقل فيه وخز "الضمير المهني" لدى الموظفين، و تقوى فيه مظاهر التطبيع مع التسيّب و اللامسؤولية، فالصلاة مثلا في وقت العمل بالنسبة لبعض الموظفين تصبح واجبة في المسجد لا في أماكن العمل، و هو ما ينجم عنه تعطيل مصالح المواطنين ليضمن الموظف "المؤمن" مكانا له في الجنة ، و لو على حساب غيره بالطبع.
و من هذه المظاهر أيضا عدم التسامح مع غير الصائم و معاملته بعدوانية، فالصائم يعتبر الشخص المختلف عنه "مستفزا لمشاعره" و مسيئا إلى "الجماعة" ( !؟ ) مما يبرر الإنتقام منه إما بالعنف اللفظي أو المادي أو بالوشاية لدى السلطة التي تمنح الصائم هذا الحق بحكم وصايتها على إيمان الناس و حراستها له، و لهذا فقد يجد الشخص الذي يأكل في رمضان نفسه محكوما بالسجن لبضعة أشهر، و ترى السلطة في ذلك "حماية له" من الصائمين كي لا يبطشوا به، كما ترى في سلوكها حماية لحق الجماعة في الرقابة على الفرد و تطبيقا لالتزام الدولة بـ "حماية الدين" و "حفظه" و لو على حساب حريات الآخرين الذين ليست لهم "مشاعر" أو حقوق مثل المؤمنين .
و من مظاهر الأخلاق الرمضانية شيوع النفاق و المداراة و الإفتعال في الخطاب اليومي، فالصائمون يتواطئون في تعداد مناقب رمضان و فضله رغم أنهم يشعرون بخلاف ذلك في عدد من الأمور، فالأكل عند الفجر و النوم بعد ذلك ثم الإستيقاظ في حالة سيئة هو أمر غير محمود من الناحية الصحية ما في ذلك شك، غيرأن الكثيرين لا يستطيعون الإعتراف بذلك، و الذين يقرون بوجود المشكل يعتبرون "تأخير السحور" أمرا غير ملزم . كما أن الشراهة و الإنشغال المرضي بشهوات البطن و تناول الوجبات المتتالية يجعل من رمضان شهر الإحتفاء بالأكل حدّ المرض، لا شهر شعائر دينية أو تجارب روحية، مما يخلق بونا شاسعا بين الخطاب الفقهي الوعظي و بين انشغالات الناس الشعبية و الحقيقية.
و مثلما يقبل الناس على شهوات البطن في رمضان تجلبهم كذلك "شهوة الفرج" بشكل هستيري، يدلّ على ذلك الإقبال الملحوظ على اللذات الجنسية الحسية بعد الإفطار، فحدّة التحرش الجنسي تزداد في رمضان في الشوارع المكتظة، كما أنّ المومسات تجدن زبائن أكثر في غياب أية رعاية أو رقابة طبية منظمة.
و من السلبيات الخطيرة لأخلاق رمضان شيوع نزعة انتحارية لا عقلانية باسم الإيمان و العبادة، فرغم أن الصيام يشكل خطرا على بعض المؤمنين من الناحية الطبية إلا أنهم يصرّون رغم ذلك على الإمساك عن الأكل معرضين أنفسهم للخطر، معتبرين تحملهم للألم و تفاقم المرض مجاهدة و احتسابا له أجر عظيم عند الله في الآخرة، و بما أن الدعاية لرمضان و للصيام تفوق بكثير التوعية الطبية العلمية و العقلانية سواء في وسائل الإعلام أو داخل الأسر في البيوت، فإن النتيجة يعرفها الجميع .
و يقبل الناس على صلاة التراويح في رمضان، بعضهم من باب الإيمان الصادق و بعضهم من جراء العادة و آخرون من باب المظاهر و النفاق الإجتماعي، و تنجم عن ذلك فوضى عارمة أبرز مظاهرها صلاة الناس وسط ممرات السيارات في الأزقة و الشوارع، و اختناق المساجد مما يجعل فضاءاتها غير صحية بالنسبة للمسنين على وجه الخصوص، الذين يضطرون لمعالجة آثار التراويح أسابيع و شهورا بعد رمضان، غيرأن الجهد الذي يبذل في صلاة التراويح لا يقابله جهد ملموس في تحسين العلاقات الإنسانية في المجتمع و احترام الناس لبعضهم البعض، فالنفاق و الغش و مظاهر العنف الرمزي و المادي و أشكال اللامساواة و العنصرية تظل متفشية في رمضان مثلما يحدث قبله و بعده، و هو ما يحتاج إلى حهود أكبر في التوعية بالقانون و الإلتزام به و بتساوي الناس أمامه ، و إلى تدبير شؤون المجتمع من منطلق وعي عصري حداثي قوامه احترام الإنسان المواطن في حقوقه الأساسية، بغض النظر عن لونه أو عرقه أو لغته أو دينه، و هي أمور قد لا يجدها المرء في صلاة التراويح و لا في الصيام، و لكنه قد يستوعبها بعمق من خلال ضوابط مؤسسات نظيفة تقوم بدورها في إطارالقانون، يدلّ على ذلك احترام المسلمين و التزامهم التام بالقانون في بلدان المهجر التي لا تقوم بأية دعاية دينية، و هو ما يفعلون خلافه بمجرد تخطيهم للحدود في اتجاه بلدهم الأصلي الذي يعاني من تضخم في الخطابات الدينية المزايدة على بعضها البعض .
إن رمضان ليس بحاجة إلى دعاية و استنفار، فهو فريضة دينية يؤدّيها المؤمنون بالإسلام بشكل تلقائي، و إنما المطلوب حملات التوعية و الإرشاد اليومي المرافقة لرمضان، و التي تعمل على لفت انتباه المؤمنين إلى ما في سلوكاتهم من تناقضات، و ما يعتور حياتهم الدينية من سلبيات، حتى لا تصبح الشعائر الدينية فرصا و ذرائع لخرق الحقوق و الإخلال بالواجبات، و لا أقصد بذلك الوعظ و الإرشاد الديني فقط، فهو غير كافي على الإطلاق لأسباب عديدة، و إنما المفصود التوعية بأساليب عصرية انطلاقا من القانون و إلزاميته، و في إطار مفاهيم المواطنة و الحق و الواجب التي لا تمييز فيها بين المواطنين بالدين أو غيره، لأن الوعظ الديني الرمضاني إنما يهتم بأخلاق "جماعة المسلمين" و ليس بغيرهم من مواطني الدولة، بينما تشمل قوانين الدولة جميع المواطنين من مسلمين و يهود و مسيحيين و كذا المواطنين غير المؤمنين بأي دين من الأديان.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رمضان!!!!؟؟
اوشهيوض هلشوت ( 2009 / 9 / 23 - 15:25 )
ما يؤكد طغيان النفاق الإجتماعي خلال هدا الشهر الديني-رمضان- هو فراغ شبه كامل للمساجد بعد نهاية المهرجان
تانميرت السيد عصيد على مقالك الجريئ


2 - شكرا للأستاذ أحمد عصيد
علي هيثم ( 2009 / 9 / 23 - 18:09 )
في ر مضان يرتفع الإستهلاك بشكل صاروخي .وينخفض الإنتاج.ينام الناس نهارا ويأكلون ليلا.يكثر التراخي والكسل .ترتفع نسبة الحوادث الطرقية وخصوصا في فترة العصر نظرا لكثرة النرفزة.وضعف التركيز.تتعطل مصالح المواطنين .ترتفع الأسعار.ويكثر الإحتكار والغش في السلع.يتذرع الكثيرون بالصوم والرمضنة للتراخي والتهاون والغياب وعدم القيام بالواجب.تزيد نسبة الأمراض وخصوصا أمراض الجهاز الهضمي.ورغم كل هذا لا يتوقف الشيوخ عن مدح رمضان بأشياء ليست فيه إذن في رمضان يتعلم الأطفال النفاق والكذب .باختصار رمضان عامل من عوامل التخلف

اخر الافلام

.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟


.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى




.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت


.. 143-An-Nisa




.. المئات من اليهود المتشددين يغلقون طريقا سريعا في وسط إسرائيل