الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركات الإسلامية، نقاط الخلاف الأساسية

عبد القادر الحوت

2009 / 9 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في مجتمعاتنا، أزمة. أو بالأحرى عدة أزمات إجتماعية، إقتصادية، ثقافية و طبعا سياسية. هذه الأزمات ليست وليدة اليوم، و قد إرتمت شعوبنا نحو إيديولوجيات و حركات متعددة آملة ً منها أن تجد الحلول الشافية لهذه الأزمات، بدأت بالحركات القومية و تلتها الاشتراكية و اليوم الاسلامية.
إشتركت هذه الحركات في مسلمّات عدّة، أبرزها الرفض للاحتلال و الوصاية الأجنبية و الدعوة إلى المقاومة بجميع أنواعها.

و لكن اليوم، تختلف الحركات الإسلامية عن سابقاتها، بأنها تركّز أساسًا على المسائل الاجتماعية و الحريات الشخصية و على نحوٍ إنزاليّ و فرضيّ.
عدا عن تلك المسائل، فإن الحركات الإسلامية تحمل في طيّاتها تطلعات شعوب المنطقة في الحرية السياسية و السيادة الوطنية و تحرير الأرض.
و لكن رغم ذلك، فما زالت شرائح كبيرة من مجتمعاتنا تنظر بعين الشكّ و الريبة نحو هذه الحركات. ليس فقط نحو الحركات التي تدور شكوك كبيرة حول إرتباطها بأجهزة إستخبارات أجنبية، و لكن أيضا نحو الحركات الإسلامية المقاومة، و ذلك بسبب رؤية تلك الحركات لبعض المسائل الاجتماعية.
أهمّ هذه المسائل هي الحريات الشخصية و بشكل خاص الحريات الدينية و حرية الحركة، بالإضافة إلى حقوق المرأة و نظام العقوبات.


الحريات الشخصية

تطرح الحركات الإسلامية إيديولوجيا قديمة، ليس فقط في مبادئها الكبرى، و لكن أيضا في التطبيق التفصيلي لها.
فالحرية الدينية معدومة في مجتمعها النموذجي: حدّ الردّة، منع الدعوة لديانات و أحيانًا لمذاهب أخرى، منع إقامة الشعائر للديانات الغير سماوية، بالإضافة إلى تشكيل شرطة دينية لإجبار المسلمين على تطبيق الفرائض الدينية.

مثال حركة طالبان ما زال حاضرًا اليوم و إن إختلفت التسميات أو حدة التطرف المطبّقة. فإيران تحرم مئات الآلاف من البهائيين من حقّهم بممارسة شعائرهم الدينية، بل و تعتبر أن البهائيين مرتدّين، وَجُب قتلهم.
لا يختلف الأمر كثيرا في السعودية التي، على الرغم من وجود جالية مسيحية كبيرة، تمنعهم من بناء كنيسة و تصادر كتبهم المقدسة في المطارات، عدا عن التمييز و الفصل العنصري ضد غير المسلمين على مداخل مكّة.

لا يقتصر الأمر على العلاقة مع الديانات الأخرى، أفردًا أو جماعة، بل أيضًا على الملحدين و اللادينيين. فتنظر الحركات الإسلامية لهم، إمّا بأنهم شيوعيين فاسقين أو ليبراليين عملاء للغرب. في كلا الحالتين، فإنهم فئة غير مرغوب بها و واجب إستئصالها. مثال على ذلك هي في خطابات الإسلاميين حيث يلصقون صفة "العلمانية" بكل من يخالفوهم بالرأي، كما لو أن العلمانية أصبحت شتيمة أو تُهمة شنيعة!

بالإضافة إلى إنعدام أو تقييد الحريات الدينية، فمشروع الحركات الإسلامية تطرح رؤية أخطر إجتماعيًا و هي تقييد حركة الأفراد في لباسهم و حياتهم الخاصة.
فربطة العنق مغضوب عنها في إيران التي كانت تزوّد شرطتها الدينية بمقصات لقص تلك الربطات.
يُضاف إلى ذلك أن الحركات الإسلامية ترغب في فرض فصل عنصري بين الذكور و الإناث في كل مجالات الحياة الاجتماعية، من المدارس إلى أماكن العمل و المطاعم و غيرها من المرافق العامة. و لا مثيل لهكذا فصل في التاريخ الحديث، سوى الفصل العنصري بين البيض و السود في جنوب أفريقيا.


المرأة

أمّا موضوع المرأة، فحدّث و لا حرج. حساسية هذا الموضوع هي أنها لا تقتصر على الحركات الإسلامية أو على عالمنا العربي، بل تشمل كل المجتمعات.
فالمشكلة الأساسية تكمن في الاستعلاء الذكوري و نراه بأشكال متعددة في العالم : من الإتجار بالنساء في أوروبا الشرقية و إستعبادهم جنسيًا، إلى شركات إنتاج الأفلام الإباحية الضخمة في الولايات المتحدة، مرورًا بالعنف الدائم ضدّ النساء و المتمثّل بجرائم الختان و الشرف و الاغتصاب و غيرها من الاعتداءات.

تتضاعف المشكلة عند الحركات الإسلامية. فبالإضافة إلى الاستعلاء الذكوري "التقليدي"، تختبئ تلك الحركات وراء بعض التفسيرات الملتوية من أجل فرض قمع ذكوريّ شامل و تغيّب كامل للمرأة من المجتمع ككلّ.
فإن كان للرجل الحق بأن يعيش ذكورته عبر لباسه و تقرير مصيره بيده، فالمرأة لا يحق لها أن تعيش أنوثتها. عليها أن تختفي وراء ساتر أسود، ليس فقط جسديًا بل نفسيًا. فالمرأة لا تملك قرارها بيدها، لا في مسألة زواجها أو طلاقها، لا في حقّها في العمل أو الخروج من المنزل من دون أن يصطحبها محرم، هي ناقصة عقل، فتنة ٌ... ديتها تساوى نصف ديّة الذكر.

فالحجاب (و الذي يُمَثّل بالشادور و النقاب أساسًا و ليس فقط بغطاء الرأس)، لا يهدف إلى مجرد إخفاء بضعة خصال من الشعر _ فمن الساذج الاعتقاد أن الهدف هو الشعر، اللهم إلا "المعقّدين" الذين يرتهبون لرؤية شعر المرأة_ بل يهدف أساسًا إلى إخضاع المرأة إلى سلطة الرجل.. الذكر المسيطر عند فصيلة البشر!
طبعًا، لدى هذه الحركات تبريرات "أخلاقية" لفرض الحجاب، و لكن هذه التبريرات لا تقنع دجاجة، و هي تنمّ عن جهل فاضح للمرأة و لرأيها و طموحاتها.
و تعتمد هذه الحركات إلى "تبرير أخطائنا بأخطاء الآخرين".
فهم دائما ما يرفعون مسألة "الإباحية" في الغرب لتبرير فرض البرقع و الجلباب. هذه الطريقة للتبرير هي طريقة شعوبية، تحرّض الغرائز و تربط مسألة حرية اللباس لدى النساء بموضوع الصراع مع قوى الاستعمار الكبرى!


نظام العقوبات

تطرح الحركات الإسلامية موضوع تطبيق الشريعة و بشكل خاص الحدود بشكلٍ حرفي. تشمل هذه الحدود، بالإضافة إلى بتر الأيدي و الأرجل، الجلد و الرجم و قطع الرأس.. هذا عدا عمّا قد يتبادر إلى ذهن القاضي من عقوبات تعذيبية (كفقء العين مثلا) تطبيقًا لمفهوم العين بالعين و السنّ بالسنّ.
المشكلة هنا ليست فقط في الجنحة أو الجريمة المفترضة، بل أساسًا في وسيلة العقاب، و مفهوم المحاكمة بشكلٍ العام.

ففي حين تتقدم الأمم نحو مجتمعات أكثر مسالمة (على الصعيد الداخلي)، عبر نبذ فكرة التعذيب و العقوبات الجسدية، ترتأي الحركات الإسلامية إلى الدعوة إلى ممارسة التعذيب الجسدي (أحيانًا حتى الموت) لمحاكمة من يقوم بمخالفات... فما بالك إذا كانت تلك المخالفات، ليست بمخالفات حقيقية، كشرب الخمر أو عدم إرتداء الحجاب.
و يقتصر مفهوم هذه الحركات على العقاب الانتقامي الفردي، و الترهيب الجماعي للمجتمع، كوسيلة للثني عن إرتكاب المخالفات. و هي وسيلة أثبتت فشلها، إن من ناحية ثني المخالفين، أو من ناحية تأمين جوّ أمان و سلام إجتماعي لباقي المواطنين.


نحو رؤية جديدة

الحركات الإسلامية اليوم أمام إمحتان عسير، يحدد مستقبلها و مستقبل شعوبنا. هل تتحوّل هذه الحركات من حركات رجعية تنادي بإنكار أكثر من ألف عام من التطور و الحداثة (و جلّه على يد الحضارة العربية و العثمانية) والعودة إلى ما قبل الفارابي و إبن سينا... إلى حركات تعيش مع المتغيرات و تبحث عن إصلاح العلل في مجتمعاتنا بما يتناسب مع المفاهيم الإنسانية؟

إنه السؤال المطروح الآن لديها، و نحن نشاهد اليوم تخبطاتها في إيران لحل هذه الأسئلة بالذات. فالخلاف الداخلي في إيران لم يكن حول القنبلة أو المصالح الوطنية الكبرى، بل حول الحريات الشخصية لدى المواطنين و الشباب بشكل خاص.
الكرة الآن في ملعب الحركات الإسلامية... تُعطي المرأة حريّتها و حقوقها الكاملة، ليس فقط في اللباس بل في التعليم و العمل و الزواج و الحياة الكريمة العادلة (بما في ذلك النظرة الثقافية نحو المرأة)... و تُعطي المواطنين كافة ً حريّة دينية حقيقية لا تقتصر فقط على المسيحيين و اليهود، بل لجميع الأديان الأخرى و الملحدين... و تلغي وسائل التعذيب البربرية من قاموسها القضائيّ... و تكسب فرصة نادرة لوحدة شعبية نستطيع عندها، جميعًا، طرد الغزاة من أراضينا و العيش بعزة و كرامة... و بحريّة.

أو تقرر أن تحقق ما عجزت عنه إسرائيل... العودة بنا، لا عشرين عامًا، بل ألفي عام إلى الورا









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 110-Al-Baqarah


.. لحظة الاعتداء علي فتاة مسلمة من مدرس جامعي أمريكي ماذا فعل




.. دار الإفتاء تعلن الخميس أول أيام شهر ذى القعدة


.. كل يوم - الكاتبة هند الضاوي: ‏لولا ما حدث في 7 أكتوبر..كنا س




.. تفاعلكم | القصة الكاملة لمقتل يهودي في الإسكندرية في مصر