الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو استراتيجية كردية جديدة في سوريا

جان كورد

2004 / 5 / 28
القضية الكردية


مما لاشك فيه أن انتفاضة القامشلي المجيدة في 12/3/2004 قد هزّت الطبقات العليا في النظام الأسدي الحاكم في سوريا لأيام عديدة خوفأمن أن تمتد من المنطقة الكردية التي شملتها برمتها إلى المناطق العربية التي تتواجد فيها تيارات وقوى أكثر معارضة من الحركة الوطنية الكردية للنظام البعثي. هذا النظام الذي يتحكم بمصير البلاد والشعب السوري منذ عام 1963 ولايزال يتاجر بشعارات قومية واجتماعية براقة طرحها في سوق السياسة دون أن يحقق أيأ منها حتى بعد 41 عامأمن حكمه التوتاليتاري هذا.

ورافق هذا الخوف شعور بأن مثل هذا "الشغب القومي!!" العارم ما كان ليحدث دون تنظيم مسبق و"دعم أجنبي"، أي أنها "مؤامرة خارجية" استهدفت جس نبض النظام في منطقة حساسة تقع بين حدود العراق وتركيا وسوريا، اعتبرها النظام على الدوام زاوية ميتة في البلاد، على الرغم من أنها منطقة خيرات وافرة وطاقات هائلة، بشرية واقتصادية ومالية.. ولكن رأس النظام الدكتور بشار الأسد قد اعترف بنفسه مؤخرأ في مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة بأن ما حدث "كان شغبأ تحوّل إلىعمل قومي" ولم يكن مدعومأ أوموجهأمن جهة خارجية، وأن هناك اجحافأ وظلمأ قانونيأ بحق الأكراد قد أدى إلى ذلك "الحدث" الدموي الواسع النطاق على حد تعبير "مجموع"الأحزاب الكردية السورية "باستثناء!" أيضا.

طبعأ هذا الضغط الشعبي الكبيرمن القاعدة الكردية الشعبية قد أجبر النظام على الاعتراف التكتيكي والإعلامي عبر رئيسه بوجود قومية كردية كجزء هام من النسيج الوطني والتاريخي، وكذلك بسبب اقتراب سفينة البعث المثقوبة من "المضيق السياسي" الذي نجهل ما سيأتي بعده، وبخاصة فإن دفع الرياح الخارجية يزداد قوة يومأبعد يوم، ولا بد له من القيام بخطوات ضرورية لاعادة "ترتيب البيت الحاكم" قبل حدوث كارثة تطمرالنظام وأهله..

إلا أن هذه الانتفاضة لم توقظ النظام وحده من غفوته الطويلة وتجبره على لمّ أوراقه المتناثرة، فهي قد أيقظت أيضأالمثقفين الكرد الذين ظل حشد كبير منهم خارج دائرة الالتزام السياسي ردحأ من الزمن بحجة أن الحركة لا تفهمهم ولا تفسح لهم المجال ولا تستطيع الارتقاء إلى مستواهم الثقافي العميق في مضامينه والرقيق في أحاسيسه والثري في نضالاته...فهاهم يعقدون المؤتمرات ويقدمون على "المبادرات" ويعبرون عن مشاعرهم تجاه "الشعب الثائر" ببيانات مليئة بالنصائح والمشاريع الحكيمة...طبعأ لو بدأت مثل هذه المبادرات الضرورية قبل الانتفاضة لجلبت للشعب "حطب الثورات" خيرأ أكثر، وهناك من يخاف أن يخلد المثقف للراحة بعد حين أو يصاب باليأس عندما يلاحظ أن ثمة فراغ واسع بين قصوره الخيالية المبنية في أعالي الجنان وبين الملايين الكادحة التي كانت انتفاضتها جزءأ من معاناتها اليومية، لا السياسية فحسب وإنما الاجتماعية أيضأ، ولربما كانت مشاكلها الاقتصادية الممزوجة بالمطالب القومية الدافع الأكبر في التمرٔد على الحاكم بتلك القوّة المدمرة...

من جهة أخرى بزغت هذه الانتفاضة كشمس الحقيقة في سماء الحركة الوطنية الكردية السورية، فإذا بها تجد نفسها بين مطرقة الكادحين وسندان الحاكمين، ولم تستطيع القيام بأي سوى دور "تهدئة الجماهير" حسبما اعترف مجموع الأحزاب الكردية السورية في مختلف بياناته الصادرة عنه حول من أطلقت عليه تسمية "الحدث" أو"أعمال الشغب" أو"الفتنة" بدلأعن"الانتفاضة"...بل اعتز بعض قادة هذا "المجموع" بالقيام بهذا الدور خدمة للوطن السوري المشترك. لقد اكتشفت الحركة الكردية السورية بأنها لا تملك زمام المبادرة ولا تقود الشعب الكردي وليست مؤهلة للقيام بالدورالقيادي في الأوقات العصيبة، لذلك تفجرت في أحشائها المناقشات والمناوشات وعلا صريرالأقلام الجريئة والحادة وكثرت التساؤلات التي تطلب الأجوبة وتبحث عما يقنعها، وهذا هو ما أجبر قيادات "المجموع" على الإدلاء بتصريحات مضطربة ووجلة وحذرة، ومن تلك القيادات من قنع بدوره التبعي للدولة متمثلة بأجهزتها الأمنية ومنها من لم يقتنع بصواب تلك السياسة المهادنة فشرع يبحث عن حلفاء له وسط المجموع لانتزاعه واقامة تحالف جديد بمواصفات أكثر رشاقة وحماسة، ومن تلك القيادات من أصر على نقل القضية الكردية إلى طاولة المحادثة السياسية مع النظام.. ولكن عموم الأكراد باتوا يدركون بأن وضع الحركة السياسية هذه ما عاد يليق بالقضية ويتطلب ترميمأ وإصلاحأ جذريأ... في حين شرع بعض المعارضين السوريين من غير الأكراد يتحدث عن اتجاهين أو قطبين داخل الحركة الكردية السورية، يتجاذبان الجماهير الكردية ، قطب يحاول جرها إلى حظيرة النظام وقطب يسعى للربط بين هذه الجماهير وبين سائر القوى المعارضة حقأ للنظام...

طبعأ كان للانتفاضة وقع شديد على أطراف المعارضة المهادنة للنظام والمتكئة على كتفه وكذلك المتململة وغير الراضية عن مجمل السلوك السياسي الرسمي للنظام على حد سواء، وما ظهور البيان الختامي لندوة الحوارالوطني المنعقدة مؤخرأ في لندن بشكله ومضمونه الإيجابي حقأ تجاه القضية السورية عمومأ والكردية منها على وجه الخصوص، سوى نتيجة مباشرة من نتائج الانتفاضة الكردية، حيث تأكدت شرائح هامة من المعارضة الوطنية السورية من أن تلك الانتفاضة كانت شعبية غير تآمرية من الخارج ومعبرة عن واقع مأساوي لكردستان سوريا وفي مواجهة نظام استبدادي، أي أن هناك مشكلة حقيقية يجب مناقشتها والبحث عن حل عادل وديموقراطي لها. ناهيك عن كثير من المقالات التي نشرها أهل الفكروالأدب والسياسة من مختلف التيارات المتصارعة، يعتبر فيها أصحابها الانتفاضة الكردية دفعأ إيجابيأ قويأ لحركة المجتمع المدني وقضية الديموقراطية في البلاد، كما أنها أحدثت تحولأ نوعيأ في موضوع تناول القضية الكردية.

هنا يجدر بنا طرح هذا السؤال: - ألم يحن الوقت لوضع استراتيجية جديدة للعمل السياسي في كردستان سوريا؟ وكيف يجب أن تكون هذه الاستراتيجية؟

الذين يتابعون النشاط الكردي السياسي ويهمهم أمرالحركة الوطنية الكردية يرون بأن الوقت قد حان لوضع استراتيجية جديدة أو طرح بعض نقاطها، وبخاصة فإن مجمل الوضع العام للمنطقة في تغير كبيرعلى ضوء الأحداث الجسام في كل من العراق وفلسطين، وحيث يزداد ضغط الولايات المتحدة الأمريكية المتواصل على حكومات المنطقة لاقحامها في مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الذي يهدف إلى دمقرطة المنطقة من وجهة نظرأمريكية وحسب مواصفات أمريكية، لا تستطيع هذه الحكومات رفضها ولا قبولها في الوقت نفسه بالشكل المطروح لأنها تعلم أن ذلك يعني زوالها بعد حين. ولكن قبل الاجابة عن شكل هذه الاستراتيجية ونقاطها القابلة للطرح، نود أن نؤكد على هذه النقاط الهامة:
- التغني بالشعارات القومية الكردية لايطعم خبزأما لم ترتبط هذه الشعارات بالمعاناة الاجتماعية – الاقتصادية اليومية للشعب، فالشعب لم ينتفض في وجه الحكام لمجرّد أنه ينتمي إلى القومية الكردية، بل هناك سياسة إجرامية جعلت حياته المعيشية جحيمأ لا يطاق، ولن يقبل من الحركة الوطنية الكردية أن تتحدث عن الجانب السياسي للانتفاضة دون الكشف عن حقيقة الصراع الاجتماعي الكبير وعن جذور المعاناة والمصاعب التي تعترض حياة المواطن الكردي كل يوم وكل ساعة من أجل تأمين لقمة العيش الشريفة لعائلته أو لنفسه.

- الديموقراطية ليست عصا سحرية تأتي بكل شيء لكل واحد. وعلينا أن لا ننخدع بالوعود المعسولة لهذا وذاك من الذين يدورون حولنا ويتغزلون بمحبة الأكراد ويناورون ويخادعون، فيوقعون اليوم صكأ بحقوق الشعب الكردي ويتملصون منه بعد أسبوع.. والديموقراطية هي عمل مؤسساتي طويل الأمد ترافقه تربية ديموقراطية وقد تنتكس مثلما انتكست الديموقراطية في ألمانيا أو إيطاليا أو اليونان أو اسبانيا..ولا يعني مجرد قيام نظام ديموقراطي في سوريا تحقيق الحق القومي العادل للشعب الكردي المظلوم.. هذا يتطلب كفاحأ دؤوبأ بأساليب سلمية في إطار النظام الديموقراطي حتى يتحقق الهدف النهائي المطروح.
- كما أن بناء عمارة شاهقة يتطلب وجود مهندسين ومعماريين وبناة وممولين يعملون كتنظيم متماسك فإن اقامة نظام ديموقراطي يستدعي أيضأوجود تنظيم قوي قد يتواجد فيه نفعيون استغلاليون أيضأ يعملون من أجل مصالحهم الشخصية، ولكن يجب الاستمرار في العمل حسب خطة عمل دقيقة لا تدع مجالأ للعابثين بها ، وهذا ما نسميه بالتطهيرالديموقراطي للعناصرغيرالمستوفية لشروط العمل الديموقراطي، وهنا يجب أن يلعب الحزب الدورالرائد في النضال الديموقراطي وأن يكون أمثولة يقتدي بها الناس ، إذ لا ديموقراطية دون وجود أداة ديموقراطية وهي التنظيم الديموقراطي المبني على أسس ديموقراطية... فنحن لانسعى لا ستبدال دكتاتورية بدكتاتورية أخرى وانما إزالة كل أنواع الاستبداد قطعأ.
أما أهم نقاط الاستراتيجية الجديدة فهي:
- إخراج الحركة السياسية الكردية من دائرة التأثيرالرسمي للدولة وأجهزتها القمعية وتحريرها من مظاهر الخوف ومشاعرالتقوقع والتشرذم بجرها إلى خندق المعارضة الديموقراطية الأصيلة التي ترفض حكم البعث الدكتاتوري وتعمل على إزالته، فهذه الحركة تؤمن بالديموقراطية حقأولكنها لاتتجرأ على التصرّف كحركة ديموقراطية، أي تخاف من أن تفقد الكثير إذا ما دخلت حلبة الصراع العلني مع النظام، وليس غريبأ أن نسمع عن "أطراف كردية لا تعلن عن أسمائها" في تحالفات ضد النظام. علينا دفع الحركة باتجاه رفض الالتحام بالنظام وقبول التلاقي مع التيار العامل على استبدال هذا النظام التوتاليتاري بنظام ديموقراطي، وليس الوقوف بين الخندقين في تردد كبير.

- تضييق زاوية الاختلاف الآيديولوجي داخل الحركة إلى أدنى حد ممكن بالعمل من أجل الأهداف القومية العليا للحركة وتحديد تلك الأهداف تحديدأ دقيقأوربطها بالعملية الديموقراطية في البلاد ربطأ وثيقأ. فليكن هناك يساريون وإسلاميون وليبراليون كأشخاص وكمجموعات متناثرة داخل التنظيم الديموقراطي تزيده ثراءٔ وتتعارك في أحشائه آيديولوجيأ دون أن تضر بوحدة التنظيم وأهدافه الديموقراطية العليا.
- خلخلة التركيبة التنظيمية الحالية للحركة بحيث يتم بناؤها من جديد على أساس لا آيديولوجي ودون تركيبة هرمية تساهم في تعزيز دورالقيادات الكلاسيكية وبقائها آمادأ طويلة في الصفوف الأولى للحركة، وإيجاد مجلس استشاري يضم هذه الخبرات القديمة للاستفادة منها ويحفظ لها كرامتها وبذلك تفسح المجال للعناصرالشابة والمتعلمة لتقود الحركة في هذا العصرالمتقدم جدأ من النواحي العلمية والتكنولوجية التي تبدو بالنسبة للكوادر القديمة كبحر من الألغاز المستعصية.

- تعزيز العمل التحالفي الديموقراطي بين الحركة الكردية السياسية والقوى الوطنية والديموقراطية السورية الأخرى من عربية ومن أقلياتية على أساس ديني أو قومي، على أساس الاعتراف التام بالوجود القومي الكردي وبحقوق الشعب الكردي كثاني قومية في البلاد ومنها حق الحكم الذاتي كأدنى أشكال الحقوق وتثبيت ذلك دستوريأ والعمل لتحقيقه على أرض الواقع. وبدون ذلك لايحق لنا الدخول في تحالفات تتنكر لوجود شعبنا ولحقوقه المشروعة، مهما ادعت الوطنية والديموقراطية.

- نقل القضية الكردية إلى المحافل الدولية وتدويلها وهنا يجب تفعيل دورالمثقفين الكرد في خارج البلاد وكذلك ببناء جاليات كردية متماسكة غيرمرتبطة بالنظام وقادرة على إحباط المشاريع الثعبانية له. وهنا من الضروري تحجيم دورالأحزاب في هذه النشاطات مقابل تقوية دورالقادرين على إدارة العمل من ذوي الخبرات والاختصاصات المختلفة بغض النظرعن انتماءاتهم السياسية مالم يرتبطوا بالنظام البعثي الحاكم. ويجب بالضرورة بناء لجان إعلامية لتوضيح القضية الكردية وحقوقية للدفاع عن حقوق المواطنين الكرد في وجه النظام أمام الهيئات الدولية وطبية وإنسانية لتقديم المساعدات اللازمة للشعب بمعزل عن النظام وأجهزته التسلطية.

- إقامة علاقات متينة ومتوازنة للحركة السياسية الكردية مع سائرالجهات العالمية، دون إهمال اقامة العلاقات من خلال التحالفات مع القوى السورية الأخرى، وذلك لأن خصوصية الحركة السياسية الكردية تقتضي ذلك..ومن الممكن الاستفادة هنا من القوى الكردستانية الشقيقة غير السورية التي لها باع طويل في هذا المجال، وذلك من أجل تحقيق توازن للقوى في البلاد ، إذ بدون تحقيق هذا التوازن فإن المخاطر التي قد تتعرض لها الحركة الكردية بعد قيام النظام الديموقراطي قد تزداد بدل أن تقل، ومن الحكمة أن تكون قويأ حتى يقبلك الآخرون على أن تكون ضعيفأ فيستهينوا بك.

هذه كانت بعض الآراء التي أطرحها هنا للمناقشة والجدال داخل الحركة الكردية السياسية وبين المثقفين الكرد الذين هبوا الآن في مبادرة انطلقت بتأثيرالانتفاضة التي أضرمن نارأ قويةٔ في قلوبهم وعقولهم وعسى أن تكون مبادرة خير، إن شاء الله...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: الآلاف يتظاهرون دعماً للفلسطينيين في مالمو قبل مشاركة


.. السعودية تدين اعتداء إسرائيليين على مقر -الأونروا- بالقدس




.. خالد أبوبكر: أمريكا وأوربا تجابه أي تحرك بالأمم المتحدة لدعم


.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - الأمم المتحدة تشدد على ضرورة إدخا




.. سفير إسرائيل بالأمم المتحدة: قرار واشنطن وقف بعض شحنات الأسل